ظاهرة العنف في اليمن


·         ما هو تفسيرك لظاهرة العنف والجماعات المسلحة في اليمن؟
هناك عناوين عريضة تجيب عن هذه الظاهرة أهمها: حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها اليمن، والتي كانت السمة البارزة في التاريخ اليمني، والظروف التي أنتجت وشكلت الدولة اليمنية الحالية، حيث كان العنف هو مصدر تشكلها. ففي قبل الوحدة كان النظام السياسي في الشمال ناتج عن تغيير عنيف للسلطة في سبتمبر 1962 حين تمت الإطاحة بالنظام الملكي، والتي أعقبها حرب أهلية طويلة شاركت فيها أطراف إقليمية بجنودها وأموالها. وقد أثر ذلك العنف على بنية المجتمع في الشمال ونظامه السياسي، الذي لم يشهد الاستقرار الحقيقي من حينه.
وفي الجنوب تشكلت الدولة هناك عن طريق حركات التحرر المسلحة، التي هدفت إلى إخراج البريطانيين من تلك المنطقة عن طريق العمل المسلح، وما حدث بعدها من وصول نظام ثوري ببنية سياسية شمولية، مارس السلطة عن طريق القسر والعنف. وقد عانى الجنوب من ظاهرة عدم الاستقرار، والصراع السياسي العنيف.
ولم يغب مشهد العنف عن الدولة اليمنية بعد الوحدة، فهذه الدولة شهدت حرب شاملة في 1994 تم فيها هزيمة القيادة السياسية والعسكرية، التي كانت تحكم الجنوب قبل الوحدة، وإخراجها من السلطة. وما حدث بعد ذلك من فرض للسيطرة على الدولة كانت القوة والقسر أدواتها الرئيسية.
ولا ننسى هنا التغيير السياسي في عام 2011 والذي كان العنف أحد أدوات التغيير الرئيسية. ومحصلة كل ذلك أن العنف كان الأداة الرئيسية للتغيير السياسي والبقاء في السلطة.
·         وهل بعد الثورة عام 2011، وما تلاها من تسوية سياسية، وانعقاد مؤتمر الحوار؛ هل تعتقد بأن العنف سيتراجع في المشهد السياسي اليمني؟
لسوء الحظ لم يتم استثمار هذه الثورة كما يجب، بحيث يتم تأسيس دولة جديدة بقواعد سياسية مختلفة عما سبقها، فما حدث منذ الثورة وحتى الآن لا يشير إلى واقع مختلف.
·         ولكن الكثير يراهن على مخرجات مؤتمر الحوار في تأسيس قواعد سياسية جديدة، ألا تتوقع ذلك؟
مشكلة مؤتمر الحوار الوطني أنه ركز على معالجة الأعراض التي كان يعاني منها اليمن، ولم يركز على المشكلة التي أنتجت تلك الأعراض، فالقضية الجنوبية وقضية صعده، وهي القضايا التي هيمنت على المؤتمر، لم تكن إلا أعراض لمشكلة تخلف النظام السياسي، والمتمثلة في غياب قواعد واضحة وسليمة في ممارسة السلطة تعمل على منع احتكار السلطة والثروة، وتؤدي إلى حدوث انتقال سلمي وهادئ للسلطة عبر التفويض الشعبي. وتركيز المؤتمر على تلك القضايا أبعده عن الاهتمام بجوهر المشكلة، وأدخل الدولة في مشاكل جديدة تتعلق في إعادة تقسيم الدولة والسلطة من خلال محاصصات مناطقية وسياسية. وهذه الأمور سترفع من منسوب العنف والفوضى في اليمن، وقد لا يكون العنف في هذه المرحلة صادر عن السلطة السياسية، والتي تعاني من الضعف والتفتت، ولكنه ناتج عن تكاثر الجماعات التي تستخدم العنف لتحقيق أهدافها وأجندتها.
·         إذا هل تتوقع المزيد من العنف، والمزيد من التنظيمات التي تمارس العنف في اليمن؟
كما تعرف فإن العنف السياسي وانتشاره في الدولة يكون ناتج عن هشاشة الدولة وضعف نظامها السياسي، وبما أن المشهد السياسي الحالي، والمستقبلي يشير إلى أن الدولة اليمنية تتجه نحو المزيد من الفشل والهشاشة فإن توقع ارتفاع منسوب العنف والفوضى هو الأكثر احتمالا. فكل الأفكار التي يتم طرحها كمخرجات لمؤتمر الحوار أو للمرحلة التالية له؛ لا تعمل على تعزيز وقوة الحكومة المركزية، وإنما إضعافها، وضعف السلطة المركزية يعني تقوية جماعات العنف والفوضى على حساب سلطة الدولة. وهذه معادلة ثابتة في علم السياسية، فهناك علاقة عكسية بين قوة السلطة وجماعات العنف والفوضى، فكلما قويت السلطة السياسية كلما ضعفت أو تلاشت جماعات العنف والفوضى، وحين تضعف السلطة تقوى هذه الجماعات.
·         وفق ما ذكرت واستنادا إلى الوقائع على الأرض، ما هي خارطة جماعات العنف الحالية والمتوقعة في اليمن؟
يمكن تصنيف جماعات العنف الحالية إلى عدة أنواع، فهناك الجماعات ذات الأجندات العامة، والتي مسرح عملياتها جميع مناطق اليمن، وتمثل القاعدة أهم وأخطر هذه الجماعات. وتكمن خطورة القاعدة في منهجها وأهدافها، حيث نجد أهدافها الرئيسية تقوم على تدمير الدولة اليمنية الحالية، وخلق الفوضى والفراغ في أكبر رقعة من الدولة. وأهداف من هذا النوع سهلة التحقق، ولا تحتاج لموارد ضخمة أو أعداد كبيرة من الفاعلين، خاصة وأن مناهجها وأساليبها في تحقيق هذه الأهداف تعتمد على العنف في أقصى تجلياته، والذي لا يعرف أي حدود، وهو ما يعني أن ضحاياه ومسرح عملياته قد تصل الجميع وكل مناطق الدولة. كما أن خطورة هذا التنظيم أنه امتداد لتنظيم دولي ويعمل ضمن أجندة عالمية، وهو ما يجعله متأثرا بأحداث ووقائع تقع خارج اليمن. يضاف إلى كل ذلك سرية عمل تنظيم القاعدة وغموض تركيبته التنظيمية، وهو ما يجعله عرضة للاختراق من أطراف داخلية وخارجية.
في مقابل ذلك هناك جماعات عنف ذات أجندات خاصة وتعمل في مناطق محددة، وفق أجندات وأهداف واضحة، وأبرز هذه الجماعات الحوثيون. فهذه الجماعة تنحصر نشاطاتها العسكرية في مناطق محددة، وأجندتها السياسية في الوقت الحاضر، تقوم على إقامة دويلة في أكبر مساحة ممكنة من المنطقة الزيدية في اليمن. وأهم ما تتصف به هذه الجماعة؛ قيادتها المركزية الصارمة، وسيطرتها الشديدة على أعضائها، وهذه الصفات تفيد الجماعة من تحقيق أهدافها، كما أنها تجعلها قادرة على التفاوض مع خصومها والتحالف مع أطراف سياسية وعسكرية محلية وخارجية.
إلى جانب ذلك هناك الجماعات المسلحة التي تتصارع مع الحوثيين، والتي تضم خليط غير متجانس من السلفيين، ورجال قبائل، وحزبيين، وعسكريين، وغيرهم، وهذه الجماعات مفككة ولا تخضع لقيادة موحدة، ومن المحتمل أن تبقى كذلك في المستقبل المنظور على الأقل.
وفي المناطق الجنوبية من المحتمل أن تتصاعد أعمال العنف هناك، وأن تظهر جماعات عنيفة تحت يافطة الحراك، ومن أجل تحقيق الانفصال. ومن المحتمل أن تبقى هذه الجماعات صغيرة الحجم ودون قيادة مركزية واحدة، ويرجع ذلك إلى الطبيعة المفككة للجنوب، وكثرة النزاعات الجهوية، وسهولة اختراق هذه الجماعات من أطراف محلية وخارجية. يضاف إلى ذلك، من المتوقع أن تتشكل جماعات عنف في الجنوب تحت عناوين كثيرة لمقاومة طرف ما كالقاعدة والحراك، أو غيرها.
·         وما هي أثار كل ذلك على الدولة اليمنية؟
وجود جماعات العنف، وتناسلها الغير محدود، من أهم الأخطار التي تواجه اليمن، واستمرار الوضع على ما هو عليه يجعل اليمن يقترب شيئا فشيئا من حالة انهيار الدولة على الطريقة الصومالية. ورغم أن العالم الخارجي الدولي والإقليمي لن يسمح بوصول الأمور إلى هذا الحد؛ إلا أن مخاطر هذا الأمر تظل قائمة.
·         وما هي العوامل التي ستحد من ظاهرة العنف والجماعات المسلحة في اليمن؟
كما سبق وذكرت فإن تراجع العنف يحتاج إلى تعزيز قوة السلطة المركزية، وهذا الأمر سيتم من خلال وجود سلطة سياسية ذات قاعدة سياسية عريضة، تحظى بشرعية سياسية، ودعم خارجي معتبر. وهذه السلطة ينبغي لها ألا تكون سلطة محاصصة سياسية أو جهوية، أو حكومات توافق، فهذه السلطات تمثل بيئة مثلى لنمو وازدهار  جماعات العنف والفوضى، حيث أنها تستغل هذه الأوضاع، ويتم استخدامها من قبل أطراف السلطة في حروبها الساخنة والباردة. ولسوء الحظ فإن هذه السلطة غير متوفرة الآن ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى انبثاقها. أن أخطر ما في الأمر أن حالة الفوضى التي تعيشها اليمن قد تهيئ الظروف لقيام سلطات استبدادية في أكثر من منطقة، وقد يتم هذا الأمر بدعم من قبل قوى إقليمية.               
        
      

  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟