تعامل حزب الإصلاح مع قضايا التغيير السياسي
تعامل حزب الإصلاح مع قضايا التغيير السياسي
على الرغم من الحضور البارز للإصلاح خلال الثورة وبعدها، إلا أن حضوره وأدائه فيما يتعلق بقضايا التغيير السياسي كان باهتا ومشوشا وافتقد إلى الرؤية الإستراتيجية، وللتدليل على ذلك نذكر دوره وتفاعله مع القضايا التالية:
مؤتمر الحوار الوطني:
بدأ حزب الإصلاح وكأنه غائب عن الإجراءات والتحضيرات التي كانت تتم لهندسة وتوجيه مؤتمر الحوار الوطني، فخلال مرحلة الإعداد للمؤتمر، لم يظهر من الإصلاح ما يفيد بأن له رأي مما كان يتم، والتي تتعارض مع توجهات الإصلاح وطبيعته. فحين تم منح المستشار الأممي جمال بن عمر وفريقه صلاحيات واسعة لهندسة الحوار وتوجيهه الوجهة التي يريدون، لم يظهر من الإصلاح أو من غيره من القوى اليمنية أي رفض أو معارضة لذلك. وكان من اللافت أن يقبل الإصلاح تمرير مقترح المناصفة الشطرية لأعضاء مؤتمر الحوار، والذي سن لبدعة خطيرة، وحكم على مؤتمر الحوار بالفشل المسبق حين حوله من مؤتمر لإصلاح النظام السياسي، إلى مؤتمر لإعادة النظر في الوحدة.
وبقبول حزب الإصلاح لمقترح المناصفة وغيرها من الخطوات والإجراءات اللاحقة، بدأ وكأنه لا يملك رأي أو قدرة على فرض أرائه، حيث لم تظهر أي بصمات واضحة لحزب الإصلاح في مرحلة الإعداد لمؤتمر الحوار. وعلى العكس من ذلك، كان لأطراف أخرى، مثل الحزب الاشتراكي والانفصاليين والحوثيين وغيرهم، بصمات أوضح في هندسة المؤتمر وتوجيهه.
القضية الجنوبية:
أتسم موقف حزب الإصلاح خلال مرحلة صعود الحراك الجنوبي وتزايد النزعة الانفصالية في الجنوب، بالغموض، والتذبذب. ويبدو أن تلك المواقف كانت ناجمة عن رغبة الحزب في مسايرة شركاءه في المشترك وتحديدا الحزب الاشتراكي، وكذلك الابتعاد عن مواقف الرئيس السابق صالح، خلال مرحلة ما قبل الثورة. غير أن تلك المواقف أصبحت بعد الثورة تشكل مشكلة للحزب، حيث أظهرت الحزب وكأنه مُفرط بالوحدة ويقبل الحلول التي تنتقص منها. وهي المواقف التي يستفيد منها الرئيس السابق وأنصاره، حين يُظهرون أنفسهم وكأنهم المدافعين الحقيقيين عن الوحدة.
وقد انسحبت مواقف حزب الإصلاح المتذبذبة من القضية الجنوبية، على رؤاه داخل مؤتمر الحوار من هذ القضية وموضوع شكل الدولة المرتبط بها. ففي البداية لم يؤيد الحزب الفدرالية، وتقدم بمقترحات لدولة بسيطة وحكم محلي كامل الصلاحيات، غير أنه تراجع عن ذلك وقبل بالفدرالية والدولة الاتحادية فيما بعد، مسايرة لموضة الفدرالية الرائجة، ومزايدة لموقف المؤتمر الشعبي الذي قبل بالفدرالية.
وقد انعكست مواقف الحزب من القضية الجنوبية على أدائه في المناطق الجنوبية، حيث لم يعد له الكثير من الفعاليات المؤيدة للوحدة هناك، باستثناء المسيرة التي أقامها في 21 فبراير 2013، في عدن والتي أدت إلى صدامات دموية مع الانفصاليين. ويبدو أن الحزب قد فضل الاستكانة في الجنوب، وهو ما مكن القوى الانفصالية من الاستفراد بالشارع الجنوبي وإظهار الانفصال وكأنه الخيار الوحيد في الجنوب.
قضايا الإصلاح السياسي:
خلال مؤتمر الحوار لم يبرز للحزب بصمات واضحة من المواضيع المطروحة، حيث ظهر الحزب وكأنه يساير الكثير من الأفكار الرائجة، ومن ذلك؛ قبوله بالنظام البرلماني وبنظام القائمة النسبية المغلقة، وهي الأنظمة التي لن تكون مناسبة لليمن كونها ستؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي وتفتيت الأحزاب الكبيرة، بما فيها حزب الإصلاح، وتقوية الأحزاب المادون وطنية.
وأخطر القرارات التي قبل بها الحزب داخل مؤتمر الحوار، قرارات المناصفة الجنوبية الشمالية في المناصب الإدارية والعسكرية والقضاء، وهي المناصفة التي ستعمل على إضعاف الدولة وتشرذم مؤسساتها، وتخلق استقطابات شطرية تهدد التعايش بين اليمنيين.
أن الخلاصة التي سنخرج بها من هذه الورقة الموجزة، تتمثل في:
1- يمتلك حزب الإصلاح مهارات كبيرة في التنظيم والحشد، ويمتلك بناء مؤسسي فعال، مقارنة بالأحزاب اليمنية الأخرى.غير أن هذه المهارات تفيده كثيرا حين يكون في خارج السلطة، إلا أنها تصبح مشكله حين يتحول إلى حزب حاكم، أو مشارك في الحكم، فهذه البنية تجعل الحزب منغلقا على فئات محدودة من المجتمع، وهو ما يُحرم الحزب الكفاءات والخبرات التي يزخر بها المجتمع من خارج هذه الفئات.
2- مرحلة التحول من حزب معارض إلى حزب حاكم تتطلب من حزب الإصلاح إعادة النظر في أساليب عمله، من قبيل التخفيف من البنية التنظيمية الصارمة، والمزيد من العلنية والشفافية في آلية اتخاذ القرار داخل الحزب.
3- يتطلب من حزب الإصلاح أن تكون وسيلته في مواجهة القوى المنافسة، مثل جماعة الحوثي والرئيس السابق، عبر الأدوات الشرعية للدولة. وفي هذا الشأن؛ على حزب الإصلاح، والأحزاب الأخرى، الابتعاد عن تشكيل أي شكل من ألمليشيات العسكرية، أو تجيير قوة عسكرية لصالحه. فخطوات كهذه تفتح الباب للصراعات العنيفة التي تدخل البلاد في أتون الحروب الأهلية.
4- على الرغم من أهمية اللقاء المشترك خلال فترة حكم الرئيس صالح ، إلا أن المرحلة الحالية تتطلب أساليب مختلفة. وفي هذا الشأن،ينبغي على حزب الإصلاح مراجعة تحالفاته مع أحزاب المشترك. بحيث يصبح للحزب، وبقية أحزاب المشترك، هوياتها الخاصة، والتي تميزها عن غيرها، وتجعلها مستقلة عن تأثير الأحزاب الشريكة معها.حيث يلاحظ أن حزب الإصلاح قد أضطر لمسايرة شركائه في المشترك، والقبول ببعض أطروحاتها، كقبوله بالفدرالية والمناصفة الشطرية، واقترابه من تبني رواية الحزب الاشتراكي عن حرب 94، وهو الأمر الذي يجعله قريبا من إدانة مشاركته في تلك الحرب.
5- ينبغي على حزب الإصلاح في المرحلة الحالية التركيز على الأخطار المباشرة التي تهدد بقاء اليمن، من قبيل الحركة الانفصالية والتمرد الحوثي، وتنظيم القاعدة، بدلا من تركيزه على القضايا الهامشية مثل تعديل المادة الثالثة من الدستور، والذي انشغل بها كثيرا خلال حكم صالح، الذي حافظ عليها فيما راح يلعب ببقية مواد الدستور. ومن الملاحظ أن الأطراف الأخرى في مؤتمر الحوار وخارجة، قد تدخل في مقايضات خبيثة مع حزب الإصلاح والقوى الدينية الأخرى، يتم فيها الإبقاء على المادة الثالثة، مقابل قبول هؤلاء بالفدرالية، والمناصفة الشطرية، والتمديد التلقائي للمرحلة الفاشلة الحالية، وغيرها من الطبخات التي يتم سلقها في مؤتمر الحوار.
تعليقات
إرسال تعليق