لماذا تزدهر المشاريع الصغيرة وتضمحل المشاريع الكبيرة في اليمن؟

 لماذا تزدهر المشاريع الصغيرة وتضمحل المشاريع الكبيرة في اليمن؟

عبدالناصر المودع


حين تكون الحكومة المركزية ضعيفة؛ يتم اختراقها من الخارج، وتكثر عمليات التمرد في الداخل، فتزدهر المشاريع الصغيرة على حساب بقاء الدولة ووحدة أراضيها. هذه قاعدة تنطبق على أي دولة مهما بلغ حجمها، وفي أي مكان وزمان.

خلال التاريخ الحديث لليمن وجدت حكومتان مركزيتان قويتان هما: حكومة الإمام يحيى (المملكة المتوكلية اليمنية 1918-1962)، وحكومة الجبهة القومية/الحزب الاشتراكي، (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990). وخلال حكم هاتين الحكومتين سيطرتا بشكل صارم على مناطق حكمهما، ولم تحدث أي عمليات تمرد داخلية تذكر، كما أن الاختراق الخارجي بمعنى التدخل السافر في الشؤون الداخلية كان معدوم تقريبا. على الرغم من أن جمهورية اليمن الديمقراطية كانت ضمن دول المنظومة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفيتي المنحل، وهو ما قد يشير إلا أنها لم تكن مستقلة ومخترقة سيادتها من قبل دول المنظومة؛ إلا أن علاقتها تلك لم تؤد إلى تحكم دول المنظومة الاشتراكية في الشؤون الداخلية بشكل واضح وسافر كما حدث في الشمال من بعد ثورة سبتمبر 1962.

والجدير بالذكر، أن نظام حكم الإمام يحيى ونظام حكم الجبهة القومية/الحزب الاشتراكي كانا نظامين استبداديين؛ إلا أنهما نجحا في حفظ السيادة، وكذلك السيطرة الفعلية على كل أراضي الدولتين اللتين حكماها. وكان ثمن السيادة والاستقلال في المملكة المتوكلية، وخاصة خلال حكم الإمام يحيى، العزلة وضعف التفاعل مع العالم الخارجي وهو ما ساهم في الفقر والتخلف بكل مظاهره.  

في المقابل اتصف نظام الجمهورية العربية اليمنية، ونظام الجمهورية اليمنية، بضعف الحكومات المركزية. وهو ما أدى إلى اختراق الخارج، وظهرت حركات تمرد عديدة، كانت كلها تقريبا بمساعدة من الخارج.

ومع ذلك فحتى عام 2011، اقتصر الاختراق الخارجي على انتهاكات محدودة لسيادة الدولة، عبر شراء ولاء الكثير من نخب الحكم، ودعم قوى متمردة من الخارج لبعض الأوقات وفي بعض المناطق، ولم تؤدي عمليات التمرد والدعم الخارجي إلى إنهاء الدولة أو تمزيقها.

أما بعد ذلك التاريخ فقد اتسع التدخل الخارجي، وتزايد سلطان وقوة القوى المتمردة ذات المشاريع الصغيرة (انفصالية ، جهوية ، طائفية). ووصل الأمر فيما بعد إلى فقدان الدولة لكل مقوماتها كدولة طبيعية، فانهارت الحكومة المركزية، وفقدت الدولة اليمنية سيادتها الفعلية.

ويرجع السبب في ذلك إلى الإضعاف الممنهج للحكومة المركزية، والذي تم من قبل من تولوا مسؤولية الحكومة المركزية نفسها، والذين كان الكثير منهم إما أنه يحمل في داخلة مشروع صغير، كالرئيس الكارثة هادي، ومن ثم عمل هذا الفريق بشكل ممنهج على إضعاف الحكومة المركزية وتقوية المشاريع الصغيرة، والاستعانة بالخارج في ذلك المسعى. أو أنه كان متخاذل وسلبي ومشغول بالفساد والاستحواذ على تركة النظام السابق، كما كان حال حزب الإصلاح والمحسوبين عليه.


وتم إضعاف الحكومة المركزية تحت عناوين جذابه، أهمها الفيدرالية والشراكة، فيما تم شيطنة الحكومة المركزية وتحميلها كل مظاهر التخلف الحضاري.


ولأن المشاريع الصغيرة تحقق مصالح أشخاص وأقليات لم يكن لها أن تحصل على السلطة والثروة والجاه بدون هذه المشاريع؛ فقد كرس هؤلاء كل جهودهم من أجل إنجاح مشاريعهم. وقد ساعدهم على ذلك، دعم القوى الخارجية التي خططت ولا زالت تخطط لتفكيك الدولة اليمنية، بغرض الهيمنة على اليمن والاستحواذ عليه كليا أو جزئيا، واستخدامه ساحة لصراعاتها مع خصومها.


في المقابل المشروع الكبير لليمن، والذي يخدم مصلحة جموع السكان، تضعضع ولم يعد له من ناصر أو معين، لسبب بسيط وهو غياب النخب المستفيدة منه، وعدم وجود الداعم الخارجي، المعارض أصلا لهذا المشروع.


الخلاصة أن تفكيك اليمن وتدميرها ناتج عن ضعف الحكومة المركزية وإضعافها وشيطنتها، وصولا إلى تدميرها في نهاية الأمر. اما عودة الدولة اليمنية فيتطلب في البدايه إعادة الاعتبار لفكرة الحكومة المركزية القوية وتجريم المشاريع التدميرية مثل مشروع الانفصال والدولة الاتحادية.


ولكون الطبقة السياسية الحالية، والعالم الخارجي الذي يدعمها، ليس من مصلحتهم إعادة بناء الدولة اليمنية فإن اليمن سيبقى ممزقا وخاضعا للسيطرة الاجنبية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟