حوار جريدة المستقبل حول إزاحة هادي
هل تنازل هادي عن السلطة أم ازيح؟
هادي أزيح من قبل السعودية، والتي كانت قد أصبحت المصدر الرئيسي لبقائه في السلطة بعد هروبه من عدن في مارس 2015؛ فمنذ ذلك الحين وفرت السعودية لهادي الاعتراف الخارجي، وكذلك الدعم الداخلي من قبل القوى السياسية المناوئة للحوثيين. فهادي عمليا كان قد فقد كل مصادر الشرعية القانونية أو السياسية أو شرعية الأمر الواقع، ففترة رئاسته كرئيس توافقي وفق المبادرة الخليجية أنتهت في 2014. ومدة ولايته حسب الدستور أنتهت في 2019، وشرعيته السياسية فقدها بعد أن أصبح طرف في الصراع السياسي منذ ما بعد الحرب. وشرعية الأمر الواقع لم يحصل عليها لأنه عمليا لم يكن لسلطته وجود حقيقي في داخل اليمن الذي فضل أن يعيش خارجها. ومن ثم فإن إزاحته من قبل السعودية قد تمت بسهولة، فالعالم الخارجي حتى الآن لم يعارض، والأطراف المحلية المعارضة للحوثي رحب بها من استفاد من إزاحته، وقبل بها من تضرر على مضض، وفي النهاية لم يجد هادي من يدافع عنه لا في الداخل اليمني ولا في الخارج.
- ما تقييمك لفترة رئاسته؟ وما الأخطاء التي ارتكبها؟
هادي هو المتسبب الأول في إنهيار الدولة اليمنية وفشل عملية التسوية السياسية، والتي أتى من أجل إنجاحها. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه لم يكن مؤهلا ذاتيا ولا موضوعيا بأن يدير شئون اليمن لا كرئيس توافقي، ولا كرئيس فعلي. فهو من الناحية الذاتية لا يمتلك التعليم أو الخبرة أو الصفات القيادية، إلى جانب أنه كان فاسد ويمارس السياسة عبر الخداع والكذب والتآمر. أما من الناحية الموضوعية فإنه لم يكن لديه قوة سياسية، أو عسكرية، أو مؤسسات دولة منضبطة، أو قوة مجتمعية كبيرة يستند عليها في حكمه، ولم تكن صفاته الذاتية تؤهله ليبني لنفسه إي قوة مما ذكرنا.
ولأنه كان دون مقومات ذاتية وموضوعية فقد أعتمد على تكتيكات خطيرة أودت في النهاية بحكمه. ومن تلك التكتيكات ضرب القوى السياسية ببعضها البعض، وهو ما يتناقض والدور الذي يجب على الرئيس التوافقي القيام به. ففي البداية استند على خصوم الرئيس الأسبق صالح، وتحديدا حزب الإصلاح بجناحيه العسكري والقبلي، ليضرب صالح، وبعدها تحالف مع الحوثيين ليضرب حزب الإصلاح، والرئيس الأسبق صالح. وكل ذلك من أجل أن يبقى في السلطة على خلاف مقاصد التسوية السياسية المسماة بالمبادرة الخليجية.
ونتيجة لذلك؛ أضعف مؤسسات الدولة وتحديدا القوات المسلحة، والذي عمل إضعافها تحت أسم الهيكلة.
هل يعني ذلك أنه ساهم في إسقاط الدولة وتسليمها للحوثيين؟
نعم؛ لأنه باتفاقه سرا مع الحوثيين منع الجيش من مواجهتهم، وسمح لهم بأن يتمددوا من معاقلهم في محافظة صعدة، حتى أوصلهم إلى صنعاء، وخلال تلك الفترة كان يراوغ ويمارس الخداع في مواجهتهم، وأعلن بشكل شبه رسمي حياد الجيش للوقوف أمامهم. وفي النهاية أوصلهم إلى صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وكان يحلم بأنه سيستخدمهم لتقوية مركزه إلا أنه وقع في شراك أفعاله وأصبح في النهاية تحت رحمتهم وماسورا لديهم. وعمليا فقد سقط النظام السياسي اليمني بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وهو ما يعني إنتهاء سلطته الفعلية على اليمن.
وماذا عن دوره في استقدام التدخل الخارجي والحرب؟
فكرة التدخل الخارجي كانت موضوعة من قبل السعودية، منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، ودور هادي لم يكن أكثر من توفير غطاء شرعي للتدخل، فالسعودية وبعض الدول الخليجية شعرت بأن أمنها القومي في خطر بعد سيطرة الحوثيين، على صنعاء، وتهديد مباشر لنفوذها في اليمن، وتقوية لإيران خصمها الإقليمي. ولكنه يتحمل سياسيا وقانونيا المشاكل التي أنتجتها كالكارثة الإنسانية ونشوء المليشيات، وغيرها؛ حيث أنه لم يتحمل مسوؤليته في منعها أو التخفيف من مضاعفاتها.
بحديثك هذا هل أنت مع من يصف هادي بالخائن والعميل؟
من وجهة نظر الكثير من اليمنيين فإن هادي كان يتصف بمجموعة من الصفات السيئة، ولهذا ينطبق عليه صفة الخائن، والعميل، والمتآمر، والفاسد، والفاشل والكسول، وغيرها من الصفات التي انعسكت في المخرجات الكارثية لحكمه.
ولكن أليس من المبالغة تحميله وحده مسؤولية ما حدث؟ فأين النخب السياسية اليمنية مما حدث؟ وما هو دور العالم الخارجي؟ خاصة وأن هناك الكثير من الأخبار والتحليلات التي أشارت إلى أن السعودية والإمارات هي من منعته من العودة لليمن والسماح له بممارسة السلطة.
صحيح أن كل من ذكرتي يتحملون جزءا من المسؤولية إلا أنه بحكم موقعه، كان المسؤول الأول عما جرى ليس لأنه فشل أو أخطى في تقدير الأمور؛ أو عجز عن القيام بما كان يجب أن يقوم به. ولكن ما يؤاخذ عليه وينبغي أن يحاسب بسببه، تواطئه مع جماعة عنيفة كالحوثيين والسماح لها بالتمدد وتسيطر على العاصمة. فهذا السلوك لا يدخل في باب الفشل ولكنه يدخل في خانة الجريمة وخيانة الأمانة. إلى جانب الفساد القبيح الذي مارسه هو وأولاده، في الوقت الذي كان شعبه يعيش في ظروف المجاعة. وأما النخب السياسية فإنها تتحمل جزء من المسؤولية لأنها شاركته الفساد أو سكتت على أفعاله، وسمحت لشخص بردائته لأن يصل إلى منصب رئيس الجمهورية. وأما ما يقال عن أن السعودية والإمارات لم تسمحا له بالعمل والعودة لليمن، فهو يتحمل المسؤولية كونه قبل بذلك إن كان قد حاول أن يعود، وهذا أمر مشكوك فيه، فهادي معروف عنه السلبية والكسل، وعدم الرغبة في ممارسة الأعمال الروتينية، وكما قال عنه الكثيرين بما فيهم رئيس مجلس النواب؛ فإنه يخزن القات ليل نهار.
وكيف ستتم محاسبته على ما ذكرت؟
في ظروف اليمن الحالية يصعب محاسبته لكونه الآن وفي المستقبل المنظور، سيبقى في عهدة السعودية، والسعودية ليست في وارد محاسبته. كما أن ليس هناك من مؤسسات دولة قادرة على محاسبته، والطبقة السياسية التي حلت محله، لا تريد فتح هذه ملفاته لأن التهم الموجهة لهادي تطالها بشكل أو آخر. وما نقوله هنا ليس سوى إيضاح حقائق للتاريخ والذي سيدينه بلا شك، ونحن هنا نوفر المعلومات ونوفر الأدلة المعرفية لهذا الغرض، وهذا هو الدور المناطق بمن هم مثلي.
من شكل مجلس القيادة الرئاسي من وجهة نظرك؟
من الواضح أن السعودية والإمارات هما من شكل هذا المجلس، والذي يمكن استنتاجه من سياق الأحداث والطريقة التي تم بها إخراج المجلس، فقد كنت أنا والكثير غيري يتحدثون بأن ما سمي بالمشاورات ليست سوى غطاء لطبخة تريد السعودية والإمارات تمريرها عبر تلك المشاورات. وقد تأكدت تلك التوقعات وتم إزاحة هادي والإتيان بهذا المجلس.
ولكن أليس هذا العمل انتهاك لسيادة اليمن؟
هو انتهاك لسيادة اليمن، لكن اليمن عمليا هو دون سيادة فعلية منذ إندلاع الحرب، وهناك قبول من الطبقة السياسية باستثناء الحوثيين لهذا الفعل. إضافة إلى أن العالم الخارجي بشكل أو آخر منح، أو غض الطرف عن قيام السعودية والإمارات بالتدخل في اليمن وممارسة الوصاية عليه. وللعلم هذا الفعل ليس جديدا في اليمن، فاليمن قبل الوحدة وبعدها كان دولة ناقصة السيادة، ففي اليمن الشمالي سابقا، ومنذ ما قيام الجمهورية، عام 1962، وقعت الدولة تحت النفوذ الخارجي المصري/السعودي، في البداية، والسعودي بعد ذلك. ووفقا لهذا فقد كانت السعودية منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الآن هي المتحكم في الأحداث السياسية الرئيسية، بما في ذلك خروج وصعود رؤساء الجمهورية. ولهذا ما حدث مؤخرا لم يكن الحدث الأول وربما لن يكون الأخير.
وإين مجلس النواب مما يحدث؟
مجلس النواب مؤسسة معطلة بسبب الحرب، وهو مؤسسة أنتهت فترة ولاياتها منذ وقت طويل، ولم يعد له من وجود شكلي إلا بحكم الأمر الواقع. كما أن أكثر أعضاء مجلس النواب لم يعودوا ممثلين لقوى فاعلة، حيث أن المشهد السياسي تغير بشكل حاد منذ انتخاب هذا المجلس عام 2003.
وما تقييمك للتشكيلة المجلس وأفراده؟ وهل لديهم القدرة على إدارة المشهد؟
بما أن هذا المجلس وطبيعة الأشخاص الذي تشكل منهم قد تم من قبل السعودية والإمارات فإنهم عمليا يدينون بالولاء لهاتين الدولتين، وسلطاتهم وأدوارهم منوطة برغبة الدولتين وما ستوفره للمجلس كمجموعة أو لبعض أفراده من موارد وسلطات.
ولكن بعض أعضاء المجلس يمثلون قوى سياسية فاعلة؟
صحيح ولكن قوة هذه الأطراف تشكلت في معظمها بسبب الدعم السعودي والإماراتي، وهو ما يعني بأنها قوى مصنوعة بشكل أو آخر من الدولتين.
وكيف تتوقع أداء المجلس وهل سيكون أفضل أم أسوأ من حكم هادي.
في المجمل يعتقد الكثير من اليمنيين بأن ليس هناك ما هو أسوأ من حكم هادي، أو لنقل لا حكم هادي فهادي لم يكن سوى شخص فاسد عديم الفاعلية والمسؤولية، وغطاء للمشاريع السيئة المحلية أو الخارجية. كما أن الأوضاع العامة خلال حكم هادي اتصفت بالجمود. ولهذا هناك بصيص أمل بأن خروج هادي سيحرك الركود وقد يحدث تحسن جزئي هنا وهناك، رغم أن النظرة الواقعية للأمور تشير إلى أنه لن يكون هناك تحسن أو نقلة نوعية نحو الأفضل في اليمن على الأقل في المستقبل المنظور. فالمجلس مشكل من قوى متعادية وذات أجندات متناقضة، ومن المتوقع أن لا يكون هناك انسجام في عمل المجلس. وهذا يعني بأن المشاكل الكبرى التي تواجهها اليمن لن تحل، وأفضل ما يمكن توقعه هو التخفيف من حدتها، أو تجميدها لبعض الوقت. وفي المجمل إي تحسن في أداء عمل المجلس مرتبط بإرادة السعودية والإمارات والموارد والسلطات التي سيمنحانها لأعضاء المجلس.
وماذا عن آفاق السلام في اليمن، أو هزيمة الحوثيين بتشكيل المجلس؟
السلام لسوء الحظ لا زال بعيد المنال، ولا يمكن أن يحدث وفق الظروف الموضوعية الحالية، فطبيعة الأطراف المتصارعة المحلية والخارجية لا تؤهلها لأن تنهي الحرب وتقيم السلام. وأكثر ما نطمح له كيمنيين، هو تخفيف حدة القتال، وتقليل حجم المعاناة من الحرب. أما الانتصار العسكري على الحوثيين فإنه أمر صعب لأن أعضاء المجلس كما ذكرت ليسوا فريق واحد والبعض منهم لا يعتبر الحوثي عدوه الأول، ويرى في الطرف المشارك له العدو الأول. إضافة إلى أن العالم الخارجي لن يسمح للمجلس ومن خلفهما السعودية والإمارات بالتصعيد العسكري الذي يسمح بإحداث اختراقات مهمة.
وماذا عن الهدنة المعلنة هل ستصمد؟
الهدنة اعلنت ضمن ترتيب الظروف التي سبقت تشكيل المجلس، ومن المتوقع أن لا تصمد كثيرا، وفي الوقت الحالي المعارك في جبهة مأرب، وهي الجبهة الرئيسية في الحرب، لم تتوقف تماما. ويتوقع أن تندلع المعارك بشكل أكبر وتخترق الهدنة.
وهل تتوقع أن يحدث اختراق في كل الجبهات بما في ذلك الضربات الجوية المتبادلة بين الحوثيين والسعودية؟
من الصعب تخمين مجريات الأحداث في المستقبل القريب، لأن هناك تخمينات بأن السعودية بصدد إجراء تغيير واضح في أسلوب تدخلها في الحرب، بحيث تمتنع عن الاشتراك المباشر عبر استخدام الطيران، والاكتفاء بالدعم غير المباشر للأطراف المحلية. وتسعى السعودية من ذلك التوصل إلى تفاهمات مع الحوثيين يتوقف بموجبها الحوثيين عن مهاجمتها بالصواريخ والطائرات المسيرة مقابل توقفها عن مهاجمتهم بالطائرات. وفي حال تحقق هذا الأمر فإن السعودية سترسل رسالة للعالم بأنها لم تعد طرف مباشر في الحرب اليمنية. ومع ذلك أشك بأن الأمور ستتجه إلى هذا المربع؛ فهناك قضايا أخرى مثل فك الحصار الكامل عن الحوثيين، وهو ما يعني فتح المجال للحوثيين كي تنمو قوتهم بشكل كبير، الأمر الذي سينعكس على أدائهم في الداخل، ويقوي من شوكتهم وشوكة إيران. ولو حدث هذا الأمر ستكون السعودية بشكل عملي قد اعترفت بهزيمتها في الحرب وقبلت بانتصار الحوثيين وإيران، وهذا أمر خطير لأنه سيمثل تهديد خطير لأمن السعودية في الوقت الحالي والمستقبل.
وماذا عن المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة؟
من التجربة التاريخية نجد أن الأمم المتحدة في الغالب دورها أشبه بمن يقوم بإدارة أزمة أو مراقبتها، أما الحلول فهي أمور تربط بتطورات الصراع والمناخ الإقليمي والدولي الذي يساهم في استمرار الحرب أو توقفها. فمن خلال المفاوضات التي تمت في السابق تحت رعاية المبعوث الأممي، نجد أنها فشلت في إحداث أي اختراق يذكر، حتى في القضايا الصغيرة كتبادل أسرى الحرب، أو فتح مطار صنعاء وفتح الطرقات داخل اليمن. وكانت التطورات التي حدثت، كاتفاق السويد مثلا، ناتج عن ضغوط خارجية ولم تتم داخل غرف المفاوضات. والهدنة المعلنة حديثا تمت وفقا لضغوط خارجية أو بإرادة سعودية إماراتية. ولهذا كله لا يتوقع أن تنجح إي مفاوضات برعاية الأمم المتحدة ما لم تكون الظروف جاهزة لذلك. واستطيع القول أن هذه الظروف لا زالت بعيدة لسوء الحظ.
تعليقات
إرسال تعليق