الاتحاد الأوروبي والأزمة اليمنية

 

الاتحاد الأوروبي الاتحاد الأوروبي والأزمة اليمنية اليمنية

أفرزت الحرب في اليمن، والذي يتجاوز سكانه 30 مليون، أسوأ أزمة إنسانية معاصرة في العالم، بحسب تصنيف الأمم المتحدة، وارتفاع حدة التوتر بين دول المنطقة، المشاركة فيها بشكل مباشر أو غير مباشر. 

غير أن أخطر ما في هذه الحرب أنها دون أفق واضح أو نهایة في المستقبل المنظور. واستمرار هذه الحرب قد يفاقم الأزمة الإنسانية بأسوأ مما هي عليه الآن، ويرفع من مستوى الأخطار في هذه المنطقة المهمة للعالم في حال توسعت رقعة الحرب جغرافيا، وزاد عدد الأطراف المشاركة فيها. 

وأزمة بهذا الحجم اقتضت من الاتحاد الأوروبي موقف ودور بالنظر إلى حجم هذا الاتحاد في النظام الدولي. هذا الموقف والدور هو ما ستحاول هذه الورقة إيضاحه، وعلى ضوء ذلك؛ ستقدم الورقة بعض الاقتراحات لتطويره بما يتناسب وحجم الاتحاد وأهميته، وخاصة في الجوانب المتعلقة بإنهاء الأزمة أو التخفيف من مآسيها.   

أهمیة الیمن للاتحاد الأوروبي: 

لیس للاتحاد مصالح اقتصادية كبيرة في الیمن؛ فهذا البلد هو من الدول الفقيرة جدا؛ فحجم التجارة بين اليمن ودول الاتحاد الأوروبي ضئيل جدا؛ فلم تتجاوز قيمة التبادل التجاري بينهما في عام 2014مبلغ 1.6 مليار دولار (1.5مليار صادرات و أقل من 100 ملیون واردات من الیمن) بحسب تقرير التجارة الخارجیة للیمن عام 2014. ولا وجود لاستثمارات أوروبية ذات شأن في هذا البلد، فإجمالي قيمة الاستثمارات الأوروبية لا تتجاوز 3 ملیار دولار، الجزء الأكبر منها استثمارات لشركة توتال الفرنسية في محطة تسييل الغاز الطبيعي في منطقة (بلحاف)، والتي توقف العمل بها بداية الحرب، ولا يتوقع استئناف نشاطها في المستقبل القريب.

إلى جانب ذلك؛ هناك استثمارات نفطية صغيرة لشركة (ONV) النمساوية والتي اُعيد تشغيلها في عام 2018 بطاقة قصوى لا تتعدى 16 ألف برميل في اليوم.

من ناحية أخرى لم تشكل الحرب في الیمن مخاطر مباشرة على دول الاتحاد الأوروبي، كما هو الحال مع الأزمة السوریة أو اللیبیة. ومع ذلك؛ هناك مخاطر على أوروبا قد تنجم في حال اتسع نطاق الحرب وشملت أطراف جديدة وتوسعت إلى الدول المجاورة لليمن. ومن هذه المخاطر تهديد الملاحة البحریة في المنطقة، وبالتحديد الملاحة المرتبطة بتجارة النفط والغاز، وتضرر صناعة النفط والغاز في المنطقة، كما حدث بعد الهجوم على شركة أرامكو السعودية بطائرات مسيرة وصواريخ، والتي أدعت الحركة الحوثية بأنها قامت بها في سبتمبر 2019.  

إضافة إلى ذلك؛ قد تسفر الأزمة اليمنية عن تزايد نشاط الجماعات الإرهابية في اليمن، وتحديدا تنظیم القاعدة، والذي كان قد صُنف من قبل الولایات المتحدة الأمریكیة بأنه أخطر فروع التنظيم في العالم. بعد أن قام بعدد من العمليات خارج الیمن، كالهجوم على مقر مجلة "شارلي إيبدو" في باريس في ​ كانون ثاني 2015، والذي قتل فیه 12 شخص وادعى تنظيم القاعدة في اليمن مسئوليته عنها، ومحاولة تفجیر طائرة فوق مطار مدينة دیترویت الأمريكية بواسطة النیجیري عمر الفاروق عبدالمطلب في دیسمبر 2009 . ومحاولة القاعدة تفجیر طرود مفخخة على متن طائرات شحن متجهة نحو الولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر 2010 .

وبما أن المصالح الاقتصادية لأوربا في اليمن لا تذكر، والمخاطر الأمنية، حتى الآن، محدودة؛ فإن أكثر مجالات اهتمام دول الاتحاد الأوروبي بالأزمة اليمنية تركزت حول الأزمة الإنسانية التي نتجت عنها، وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة، وهي القضايا التي شغلت اهتمام الرأي العام في هذه الدول، والمنظمات الحقوقية تحديدا. ونتج عن ذلك تدهور العلاقات بین بعض دول الاتحاد والمملكة السعودية – قائدة التحالف العسكري في الحرب اليمنية - بعد أن انتقدت هذه الدول السعودية وفرضت حظر جزئي على تصدير الأسلحة إليها

موقف دول الاتحاد الأوروبي من الحرب في اليمن: 

ليس هناك موقف واحد للحرب في اليمن من قبل جمیع دول الاتحاد الأوروبي، فهناك اختلافات واضحة بين هذه الدول، وكانت بریطانیا، العضو المغادر للاتحاد، لديها مواقف مختلفة عن بقية الدول الأوروبية. ويرجع ذلك إلى مشاركتها بشكل غير مباشر في الحرب عبر إمداد السعودية والإمارات بالأسلحة، وتقديم الدعم الفني واللوجستي والاستخباري لهما . ولهذا فإن مواقف بریطانیا كانت تميل باتجاه تأييد السعودیة ورفض العقوبات التي كانت تقترحها بعض دول الاتحاد، كتجميد تصدير الأسلحة، والتي قامت به جزئيا كل من:ألمانيا وهولندا والسويد وبلجيكا .

ويمكن القول أن مواقف معظم الدول الأوربية تميل باتجاه وقف الحرب في اليمن، والضغط على السعودية لوقف هجماتها الجوية، ومسألتها عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي، والبحث عن حلول سياسية لها. ومع ذلك؛ فإن أوروبا مجتمعة لم تتخذ مواقف مؤثرة حتى الآن ضد الحرب في اليمن، وكان الموقف الوحید هو طلبات البرلمان الأوروبي، غير الملزمة لحكومات الاتحاد، بحظر تصدير السلاح للسعودية

التأثير الأوروبي في الأزمة اليمنية:

هناك ثلاثة مجالات رئيسية للتدخلات الأوروبية في الأزمة اليمنية هي: الإنساني والحقوقي والسياسي. وفي الفترة الماضية كانت التدخلات الأوروبية في المجال الإنساني والحقوقي أوضح منها في المجال السياسي. ففي الجانب الإنساني ساهم الاتحاد الأوروبي، من خلال مؤسسات الاتحاد أو عبر الدول الأعضاء، بجزء من الأموال التي كانت تطلبها الأمم المتحدة  لمواجهة الأزمة الإنسانية في اليمن. ومن ذلك تعهد دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك بريطانيا، بتقديم 495 مليون دولار أمريكي لعام 2020. وتشكل هذه التعهدات 37% من الأموال التي تعهدت بها الدول المانحة (495 مليون دولار من 1350 مليون دولار )، وتساهم هذه الأموال في برامج الاغاثة التي تتولى الهيئات التابعة للأمم المتحدة تنفيذها في اليمن.

وفي المجال الحقوقي كانت دول الاتحاد الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان من أكثر الدول التي طالبت بتشكيل لجان تحقيق لانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في حرب اليمن. وقد نجحت هذه الدول  من استصدار قرار من المجلس في 29 سبتمبر 2017 يطلب من المفوض السامي لحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة تشكيل مجموعة من الخبراء الدوليين و الإقليميين لمراقبة حقوق الإنسان في اليمن .

وفي المجال السياسي ساهمت دول الاتحاد في تمويل مكتب المبعوث الخاص لليمن، وعدد من برامج السلام التي تتم برعاية المبعوث، والأمم المتحدة والمؤسسات الأوروبية، واستضافت العاصمة السويدية استوكهولم محادثات السلام في ديسمبر 2018، والتي أسفرت عن اتفاق لوقف إطلاق النار في الحديدة.

تطوير دور الاتحاد الأوروبي في الأزمة اليمنية

يتضح مما ذكر بأن دور الاتحاد الأوروبي في الأزمة اليمنية  خلال الفترة الماضية كان محدودا، واقتصر على المساهمة في التخفيف من المشاكل الناتجة عن الحرب. ومن المتوقع أن يتراجع هذا الدور بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، كون بريطانيا كانت من أهم دول الاتحاد تأثيرا في هذه الأزمة؛ لأسباب متعلقة بدورها التاريخي في المنطقة، ومساهمتها غير المباشرة في الحرب، وتوليها شئون الأزمة اليمنية داخل مجلس الأمن.

وهناك حاجة يمنية وإقليمية لدورأكثر فاعلية للاتحاد الأوروبي في الأزمة اليمنية، بالنظر إلى مكانة الاتحاد ومواقفه "الناضجة" في التعامل مع الحروب والأزمات الإنسانية في العالم، والتي تتصف في مجملها بتفضيل الحلول السلمية على استخدام القوة المسلحة.

ولتطويرهذا الدور ينبغي للمسؤولين الأوروبيين بشئون اليمن والمنطقة أن يكون لديهم معرفة كافية بتعقيدات هذه الأزمة، ومنها أهداف وسلوك الدول الفاعلة فيها، والتي يمكن من خلالها وضع السياسات والخطط للتأثير في الأزمة عبر هذه الدول.

وبجردة بسيطة يتضح بأن أهم الدول الفاعلة في الأزمة اليمنية هي السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة إلى جانب قطر وسلطنة عمان، واللتان لهما أدوار ثانوية غير معلنة. وفي الصفحات التالية تستعرض الورقة أدوار الدول المذكورة، وبالتحديد الدور السعودي لأهميته. فالحرب الدائرة  منذ مارس 2015 هي حرب سعودیة في الأساس؛ والدول التي شاركت فيها تحت اسم "التحالف العربي" شاركت برغبة ودعوة سعودیة. وفي الوقت الحالي أصبحت السعودية هي الدولة الوحيدة في هذا التحالف، والذي أنحل دون إعلان رسمي، بعد انسحاب دولة الإمارات من معظم مناطق الجنوب في أكتوبر ٢٠١٩ .

ووفقا لذلك؛ فإن استمرار الحرب ودینامیكیتها، تعتمد إلى حد كبیر على سياسات الحكومة السعودية وخططها المستقبلية تجاه الیمن بشكل عام، وادارتها للحرب بشكل خاص. وعليه لهذا فإن أي رغبة لدول الاتحاد الأوروبي في التأثير على مجريات الحرب، وخاصة مساعيها لوقف الحرب، أو التخفيف من مآسيها، يعتمد إلى حد كبير على قدرتها في التأثير على صانع القرار السعودي بشكل أساسي، وصانع القرار الإيراني والإماراتي بدرجة أقل.

السعودية واليمن:

منذ أكثر من 50 عام، وتحدیدا منذ قیام الجمهوریة فیما كان یعرف بالیمن الشمالي سابقا، اعتبرت السعودية اليمن مصدر خطر عليها. فقيام الجمهورية تم بدعم من الحكومة المصرية، والتي كانت في حالة صراع وتنافس مع السعودية في ذلك الوقت. والحرب الأهلية التي اندلعت بعد قيام الجمهورية شاركت القوات المصرية فيها بشكل مباشر؛ فيما شاركت السعودية فيها بشكل غير مباشر من خلال دعم القوى الملكية. ومنذ ذلك الحين  حرصت الحكومة السعودیة على أن تجعل الیمن منطقة نفوذ خاصة بها، ومنحت لنفسها حق التدخل في شؤونه الداخلية. والذي يشمل صياغة الخطوط العريضة للسياسة الداخلية والخارجية لليمن، بما يمنع اليمن من أن يقع تحت نفوذ دولة معادية للسعودية، كالاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة أو العراق تحت حكم صدام حسين أو إيران. 

وقد نجحت السعودية إلى حدا كبير في تنفيذ تلك السياسات بسبب الفرق الهائل في الإمكانيات الاقتصادية السعودية مقارنة باليمن (مواطني اليمن يبلغون 150%  عدد مواطني السعودية فيما الناتج المحلي للسعودية يزيد بأكثر من 20 ضعف الناتج المحلي لليمن ) وهذا الفرق الهائل في الإمكانات الاقتصادية جعل اليمن الفقير في حاجة دائمة لجارته الغنية. 

إضافة إلى ذلك؛ مكنت الصراعات والحروب الداخلية اليمنية الناتجة عن ضعف وهشاشة أنظمة الحكم في دولتي اليمن قبل الوحدة، ونظام الحكم بعدها، مكنت السعودية من التأثير في شئون اليمن عبر التدخل كداعم لهذا الطرف أو ذاك أو كحكم بين أطراف النزاع، كما حدث في عام 2011، فيما يعرف بالمبادرة الخليجية.

وقد أدى كل ذلك إلى خلق حالة من التبعية الاقتصادية والسياسية اليمنية للسعودية، كانت تصل في بعض الأحيان، إلى حد يشبه حالة الوصاية السعودية على اليمن، كما هو حاصل الآن. 

وقد تم التدخل السعودي بشئون اليمن برضاء أو غض طرف من قبل القوى الدولية المؤثرة وتحديدا الولايات المتحدة والدول الغربية، وخاصة خلال مرحلة الحرب الباردة. فهذه الدول خلال تلك الفترة منحت السعودية الحق في التدخل في اليمن، والذي كان يتماشي في بعض الحالات مع مصالحها، وفي حالات أخرى كانت هذه الدول تقبل السلوك السعودي في اليمن حرصا على مصالحها الكبيرة مع السعودية قياسا بمصالحها المحدودة مع اليمن.

وقد تأكد هذا الأمر في الحرب الأخيرة؛ حيث أيدت الدول المؤثرة في العالم السعودية، أو امتنعت عن معارضتها. ويعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، والذي أقر بأغلبية 14 دولة وامتناع روسيا عن التصويت، دليلا على ذلك؛ فمضمون القرار منح السعودية و "التحالف العربي" شرعية ضمنية للحرب التي شنها في اليمن.

الأهداف السعودية من اليمن:

يمكن القول بأن للسعودية أهداف معلنة وأهداف غير معلنة من تدخلها العسكري في اليمن؛ فعلى سبيل المثال تعلن السعودية باستمرار بأن تدخلها العسكري في اليمن تم من أجل تحقيق الأهداف التالية:

  1. مساعدة "السلطة الشرعية" على استعادة سيطرتها على جميع مناطق اليمن، وبالتحديد العاصمة صنعاء، وإنهاء الإنقلاب الذي قام به الحوثيين، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2216. واستئناف التسویة السیاسیة من النقطة التي توقفت عندها قبل دخول الحوثيين إلى صنعاء، بما يحقق أمن واستقرار اليمن ووحدة أراضيه وسيادته.

  2. حماية حدودها الجنوبية من هجمات الحوثيين المدعومين من إيران.

غير أن تحليل الوقائع على الأرض، واستقراء تاريخ العلاقات السعودية اليمنية، يقود إلى أن أهداف السعودية الحقيقية، لا تنسجم مع الأهداف المعلنة، وخاصة الجزء المتعلق بوحدة اليمن وسيادته، والذي تؤكد عليه قرارات مجلس الأمن بما فيها القرار 2216. 

فالسلوك السعودي خلال الحرب أوضح بأنها لم تقم بخطوات عملية لتقوية السلطة الشرعية وتمكينها من إدارة الشأن اليمني من العاصمة المؤقتة (عدن)، ومن ثم الانطلاق نحو إنهاء سيطرة الحوثيين على بقية المناطق. فمنذ أن أصبحت خارج سيطرة الحوثيين في يوليو 2015، لم تقم دولتي التحالف (السعودية والإمارات) بتمكين هذه السلطة من العمل في هذه المدينة، بل على العكس من ذلك؛ فقد قامت الإمارات، والتي كانت تتولى المسئولية المباشرة على عدن، في مايو 2017 بدعم تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي الهادف إلى تقسيم اليمن وإلغاء الوحدة اليمنية. 

ومنذ ذلك التاريخ مكنت الإمارات قوات المجلس الانتقالي من السيطرة على مناطق عديدة في الجنوب وتحديدا مدينة عدن، ووصل الأمر في أغسطس 2019 إلى حد دعم المجلس الانتقالي من طرد القوات الحكومية، والذي أدى عمليا إلى إنها الوجود السياسي للسلطة الشرعية لليمن في العاصمة المؤقتة، وإبقائها في العاصمة السعودية الرياض.  

ورغم أن السعودية لم تعلن رسميا دعم المجلس الانتقالي والخطوات التي قام بها، إلا أن صمتها عن تلك الأعمال يشير إلى أنها راضية عنها أو أنها لا تتناقض في خطوطها العامة مع أهدافها الحقيقية في اليمن.

إلى جانب ذلك؛ لم تقم السعودية بجهد حقيقي لتشكيل جيش يمني قوي وموحد قادر على السيطرة على جميع اليمن، وهزيمة الحوثيين. وما تم على الأرض اقتصر على قيام السعودية والإمارات بتشكيل قوات عسكرية عديدة، بأسلحة خفيفة ومتوسطة، لأعداد كبيرة من القوى الحزبية والانفصالية والجهوية وغيرها. 

وفي نفس السياق تعمل السعودية حاليا على تشكيل حكومة تمثل القوى التي تسيطر على هذه القوات، وفق "اتفاق الرياض" وهو الاتفاق الذي رسمت السعودية والإمارات خطوطه العريضة وتم التوقيع عليه من قبل السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة السعودية بتاريخ 5 نوفمبر 2019 .

ويمكن الاستخلاص مما ذكرنا أن السعودية لا تثق بالحكومة اليمنية، ومن ثم فإنها لم تقدم لها الدعم الكافي لتصبح سلطة فاعلة في المناطق التي تسيطر عليها نظريا. وفضلت بدلا من ذلك بإدارة الشأن اليمني بشكل غير مباشر، فيما يشبه حالة الوصاية عبر حكومة ضعيفة غير متجانسة، وسلطات عديدة تسيطر على بعض المناطق، وتكون هذه الحكومة وتلك القوى تابعة للسعودية، ومرتبطة بها ماليا وعسكريا وسياسيا. 

وتحقيق هذا الأمر يعني إبقاء اليمن دولة ناقصة السيادة، في وضع شبيه بما كان عليه لبنان خلال الفترة ما بين 1990-2005 فيما تصفه بعض الأطراف اللبنانية بزمن الوصاية السورية. وهو شبيه أيضا بالوضع الذي كان عليه اليمن الشمالي خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين، حين كانت السعودية تمارس شكل من أشكال الوصاية على تلك الدولة، حيث تحكمت السعودية بالخطوط العريضة للسياسات الداخلية والخارجية بما في ذلك التغييرات السياسية في رأس الدولة .

إيران واليمن:

     تعاملت إيران منذ قيام الجمهورية الإسلامية مع المنطقة العربية في أسيا كمصدر خطر على نظامها، وفي الوقت نفسه مجالها الحيوي الذي تمارس نفوذها فيه. ومنذ ذلك الحين؛ مثلت الحكومة السعودية الخطر الرئيسي لنظام الحكم في إيران، وحائط الصد أمام طموحاتها للهيمنة على هذه المنطقة. وبحكم جوار اليمن للسعودية، سعت إيران لأن يكون لها نفوذ في اليمن يمكنها من تهديد السعودية.ولهذا الغرض دعمت الحوثيين حينما كانوا يقاتلون قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وزاد هذا الدعم بعد أن سيطروا على صنعاء في 21 سبتمبر 2014.

ولأن السعودبة تعتبر اليمن منطقة نفوذ خاصة بها، كما تم ذكره، فإن سيطرة الحوثيين حلفاء إيران على السلطة في اليمن مثل تهديدا كبيرا للسعودية، ولهذا السبب ولأسباب أخرى، شنت السعودية الحرب في اليمن لتقضي على الحوثيين أو تضعفهم على الأقل. وقد نتج عن ذلك أن اصبح اليمن ساحة صراع رئيسية بين إيران والسعودية. 

في المقابل حرصت إيران على صمود الحوثيين وتمكينهم من السيطرة على أكبر قدر ممكن من مناطق اليمن، ومنع السعودية من استعادة نفوذها الحصري على اليمن.

الإمارات واليمن: 

منذ اندلاع الحرب شاركت الإمارات كثاني أهم دولة بعد السعودية في "التحالف العربي". وقد تركز الوجود الإماراتي السياسي والعسكري في المحافظات الجنوبية والساحل الغربي لليمن. وقامت بدعم الانفصاليين الجنوبيين، وبعض الفصائل السلفية وقوات محسوبة على الرئس الراحل علي عبدالله صالح. 

ويتضح من خلال سلوك الإمارات في اليمن أن لها اجندة خاصة بها، تقوم على محاربة جماعة الإخوان المسلمين، واضعاف النفوذ الإيراني، وتشجيع انفصال جنوب اليمن، وخلق مناطق نفوذ خاصة عبر وكلاء محليين وتحديدا في المناطق الساحلية وجزيرة سقطرى (أكبر الجزر اليمنية). 

ولا يعرف بالضبط إن كانت السياسة الإماراتية في اليمن تتم بتنسيق كامل مع السعودية أم أنها تتم بمعزل عنها؛ ففي بعض الأحيان بدأ أن هناك تنافس إماراتي سعودي على النفوذ في بعض المناطق، كما حدث في جزيرة سقطرى قبل أن يسيطر عليها المجلس الانتقالي؛ حيث وفرت السعودية في تلك الفترة الحماية للسلطة المحلية ضد محاولات الانتقالي السيطرة على الجزيرة، قبل أن تتخلى عنها.

ومع ذلك؛ يمكن القول أن للإمارات مصالحها وأهدافها الخاصة من اليمن والتي تختلف مع المصالح السعودية، وأهم ما يمكن ذكره في هذا الشأن أن السعودية تريد أن تبقى اليمن منطقة نفوذ خاصة بها، ولن تقبل بأن تشاركها الإمارات هذا الأمر، وسماح السعودية للإمارات بتوسيع نفوذها في اليمن تم ويتم لحاجة السعودية للدعم الإماراتي منذ بداية الحرب وحتى الوقت الحالي، وقد يتغير الموقف السعودي في المستقبل في حال لم تعد بحاجة للدعم الإماراتي.

قطر واليمن:

منذ أكثر من 20 عاما أصبح لقطر سياسة خارجية نشطة؛ حيث وفرت الموارد المالية الضخمة للإمارة الصغيرة القدرة على أن تلعب أدوار خارجية مؤثرة. ومن خلال تحليل السلوك الخارجي القطري يتضح بأن الدوافع المحركة لهذا السلوك تتمثل في إضعاف السعودية، والتي تعتبرها الحكومة القطرية الخصم الرئيس لها. ووفقا لذلك؛ كان لقطر منذ فترة طويلة توجهات لإضعاف النفوذ السعودي في اليمن، عبر دعم الرئيس السابق صالح، وحزب الإصلاح، والحوثيين. 

ورغم أن قطر شاركت في الحرب إلى جانب السعودية، إلا أنها أُخرجت من هذا التحالف في 2017. ومنذ ذلك التاريخ تم اتهام قطر من قبل جهات محسوبة على السعودية والإمارات بأنها تقدم الدعم للحوثيين، وهو ما تنفيه قطر. ورغم أنه لا وجود لأدلة قطعية بدعم قطري للحوثين، إلا أن المنطق السياسي يشير إلى أن هناك مصلحة قطرية في افشال السعودية والإمارات في اليمن، وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته من خلال تحليل المضمون الإعلامي لشبكة الجزيرة الأخبارية التابعة للحكومة القطرية.

سلطنة عمان واليمن:

لم تشارك سلطنة عمان في "التحالف العربي" وأعلنت حيادها في الحرب الدائرة في اليمن؛ غير أن أطراف محسوبة على السعودية و الإمارات اتهمت عُمان بالانحياز إلى جانب إيران والحوثيين، وبأنها سهلت لهم تهريب الأسلحة عبر أراضيها أو سواحلها، ووفرت لمسئولي الحركة الإقامة والحركة عبر أراضيها. ورغم النفي العماني لهذه الإتهامات، إلا أن التحليل العام للسياسة العمانية تجاه اليمن يشير إلى أن الحكومة العمانية لا تريد أن تسيطر السعودية أو الإمارات على اليمن، وتحديدا على محافظة المهرة والتي تعتبرها عُـمان جزء من مناطق نفوذها في اليمن.

ووفقا لذلك؛ تقوم سلطنة عمان بشكل غير علني بدعم الجماعات المعارضة للوجود السعودي في محافظة المهرة، والتي تنظم الاحتجاجات المعارضة للسعودية، ووصل الأمر في بعضها إلى حد وقوع الاشتباكات العسكرية المحدودة مع القوات السعودية أو القوات اليمنية التابعة لها. 

النتائج والتوصيات:

  1. رغم أن السعودية تبقى الدولة الأكثر تأثيرا في الشأن اليمني إلا انها لم تتمكن من تطويع الوضع في اليمن بالطريقة التي تريد، ولا يبدو بأنها ستحقق أهدافها وفقا للطريقة التي تدير بها الحرب وشئون اليمن. ففكرة الوصاية على اليمن، غير واقعي لأسباب كثيرة أهمها كبر حجم اليمن، وكثرة عدد سكانه، وفقره الشديد، وصعوبة تضاريسه، وتعقد قضايا الصراع بين أطرافه المحليين.

وأهم عائق يمنع السعودية من تنفيذ وصايتها على اليمن، يتمثل في وجود الحركة الحوثية، والتي لم تتمكن من هزيمتها، ويصعب على السعودية تطويعها لتصبح تابعة لها. فالحركة متناقضة سياسيا وفكريا مع السعودية، ولديها تحالفات مع إيران، ومشروع للاستفراد بحكم اليمن، وهذه الأمور تجعل الحركة مختلفة جذريا عن القوى السياسية اليمنية، التي تقبل الوصاية السعودية. 

إلى جانب ذلك؛ تمتلك الحركة الحوثية مصادر قوة عديدة تمنحها القدرة على رفض الوصاية السعودية. ومن ذلك: تنظيمها الشمولي الذي يوفر لها نواة صلبة من الاتباع المستعدين للموت في سبيلها، وسيطرتها الصارمة على أكثر من 70% من سكان اليمن، وتخندقها في المنطقة الجبلية صعبة الاختراق.

  1. رغم أن السعودية تظهر بأنها الدولة المتسببة بالأزمة اليمنية؛ إلا أنها تبقى الطرف الذي له مصلحة حقيقية في استقرار اليمن بحكم الجوار الجغرافي؛ فيما الدول المتدخلة الأخرى، وبالذات إيران لها مصلحة حقيقية في إبقاء اليمن دولة مضطربة وهشة كون هذا الوضع يسهم في إضعاف السعودية ويمنحها قدرة على التدخل الدائم في شئون اليمن. ولهذا فإن على دول الاتحاد الأوروبي أن تدرك هذا الأمر وتزيد الضغوط على إيران لتغير سلوكها التخريبي في اليمن، ضمن أي مفاوضات متوقعة حول البرنامج النووي الإيراني بعد وصول (بايدن) إلى رئاسة الولايات المتحدة.

  2. بحكم أن للسعودية مصلحة في استقرار اليمن فإن من الأفضل لليمن وللسعودية تصويب التدخل السعودي وليس إنهائه كما يطالب البعض، فاليمن بحاجة للدعم الاقتصادي السعودي. كما أن أنها التدخل السعودي، أو تقليصه سيؤدي إلى زيادة تدخل القوى الأخرى كإيران، والتي تطمح لتمكين الحركة الحوثية من حكم اليمن أو أجزاء منه، وهي حركة استبدادية شمولية شبيهة بالنظام الإيراني. أو جعل اليمن منطقة فوضى تغرق السعودية فيها. 

وتصويب التدخل السعودي يتطلب أن تتخلى السعودية عن فكرة الوصاية على اليمن وأن تسعى بدلا من ذلك، وبما تملكة من موارد مالية ونفوذ، مساعدة اليمنيين في إيجاد حكومة قوية تبسط سيطرتها الكاملة على كل اليمن.

  1. تغيير توجهات الدول المتورطة في الأزمة اليمنية لن يكون سهلا، مالم يتم وفق توجه دولي تتضافر فيه جهود الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي تبقى الطرف الخارجي القادر على تغيير توجهات الحكومة السعودية والتصدي للسياسات الإيرانية في المنطقة واليمن. 

  2. توحيد مواقف دول الاتحاد تجاه الأزمة اليمنية بعد خروج بريطانيا أمر ضروري لأن خروج بريطانيا سيقلل من نفوذ الاتحاد بشكل ملحوظ.

  3. رفع المخصصات المالية المرصودة لليمن وإنفاقها لبرامج الإغاثة التي تقوم بها هيئات الأمم المتحدة، للتخفيف من الأزمة الإنسانية التي يتوقع لها أن تزداد سوءا.

  4. الاستمرار في العمل على قضايا حقوق الإنسان، من خلال تشكيل لجان تحقيق دولية أو تابعة للاتحاد الأوروبي للضغط على أطراف الحرب المحليين والخارجيين لاحترام حقوق الإنسان والتوقف عن جرائم الحرب. 

  5. تفعیل عمل بعثة الاتحاد الأوروبي، وسفارات دول الاتحاد من داخل الیمن، لتكون قريبة من التواصل مع أطراف الحرب، والإشراف على أي برامج إغاثية أو تنموية في اليمن.

  • دعم المنظمات غير الحكومية الأوروبية والتي لها خبرة وتاریخ من العمل في الیمن، في مجال الأبحاث والتقصي وجمع المعلومات، وفي هذا الشأن يفضل لو تم إنشاء مركز بحثي أوروبي لدراسة الأوضاع في اليمن لإرشاد صانع القرار السياسي بالشأن اليمني. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟