جزء من دراسة حول النظم الانتخابية في عام 2009
في النظام الرئاسي عدم تمكن الرئيس
من الحصول على أغلبية واضحة يصعب عليه تنفيذ برنامجه ويصبح بطة عرجا.
صعوبات
اختيار النظام الانتخابي
النظام
الانتخابي هو أحد القواعد الرئيسية للعبة السياسية في النظم الديمقراطية، إذ أنه
يلعب دورا محوريا في صياغة الممارسة السياسية في الدولة. مما يجعل من مسألة
اختياره سببا للخلاف والجدل السياسي بين القوى السياسية. ولكونه كذلك، فإن من
المفيد، ومن العدل أن يتم اختيار النظام الانتخابي عبر التوافق من قبل جميع
اللاعبين السياسيين في الدولة، أو أغلبهم، على الأقل، كي تصبح العملية الانتخابية
ناجحة، وهو ما يمنح النظام السياسي الشرعية والقبول.
وقبل الدخول في
تفاصيل هذه الورقة يجب طرح الملاحظات التالية:
1-
لا يوجد نظام انتخابي
جيد وأخر سيئ، فلكل نظام انتخابي ميزات وعيوب نسبية، تتحدد وفقا للظروف الخاصة بكل
دولة؛ ففيما يكون نظام انتخابي ناجحا في بعض الدول، نجد أن نفس النظام غير ذلك في
دولة أخرى. وبما أن الأمر هذا النحو؛ فإن من المفيد أن تبتكر كل دولة نظامها الانتخابي
الخاص الذي يتناسب مع ظروفها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
2-
لكل نظام انتخابي مؤيدون
ومعارضون، وتعتمد هذه المواقف على الخسارة والفائدة التي يجنيها المؤيد والمعارض منه.
ولكونه كذلك؛ تحدث الخلافات حول نوعية النظام الانتخابي في الدولة من قبل القوى
السياسية، وتزداد هذه الخلافات في الدول الديمقراطية الناشئة، غير أن هذا الاختلاف
لا يقتصر عليها فقط، فحتى الدول الديمقراطية العريقة تظهر فيها خلافات حول طبيعة
النظام الانتخابي. فعلى سبيل المثال؛ هناك خلافات في بريطانيا حول النظام
الانتخابي بين الحزبين الكبيرين وبقية الأحزاب الأخرى، ففي العام الماضي جرت
محاولة لتغيير النظام الانتخابي (نظام الفائز الأول) في هذه الدولة، عبر الاستفتاء
الشعبي، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح حين رفضت الأغلبية إجراء ذلك التغيير.
وبما أن هناك رابحون وخاسرون من هذا النظام أو ذاك؛
فأن التوصل إلى نظام انتخابي أمر بالغ الصعوبة، فالرابحون من النظام يرفضون تعديله
أو تغييره، إن كان نافذا، أو القبول بنظام غيره، إن كان الأمر يتعلق بإنشاء نظام
جديد. وتصل حدة الخلافات حد توقف العملية الانتخابية، أو مقاطعتها من قبل القوى
المعارضة، كما حدث في اليمن، ويحدث الآن في كل من مصر والكويت. وحدوث هذا الأمر
يؤدي إلى هز شرعية النظام السياسي والممارسة الديمقراطية.
3-
بما أن النظام الانتخابي
هو أحد قواعد اللعبة للأطراف المشاركة فيها، فإن المنطق السياسي يحتم على الأطراف
السياسية وضع هذا النظام، وليس الخبراء. ودور الخبراء في هذا المجال لا يعدو من أن
يكون استشاري فني، وفي أحسن الأحوال إرشادي.
4-
لا يمكن التنبؤ
بمخرجات أي نظام انتخابي ألا بعد فترة من اختباره على الأرض؛ ولهذا السبب نجد أن
الكثير من القوى السياسية تسيء التقدير لطبيعة النظام الانتخابي الذي تحبذه، وبعد
فترة من تبنيه نجدها ترفضه وتطالب بتغييره، فيما تكون القوى التي استفادت منه،
متمسكة ببقائه وترفض إجراء هذا التعديل. وينطبق هذا الوضع على الحالة الراهنة في
مصر، حيث نجد القوى الإسلامية مصممة على إبقاء النظام الذي أجريت بموجبه الانتخابات التشريعية
عام 2011، والذي حققت من خلاله نتائج جيدة، فيما ترفض معظم قوى المعارضة ذلك،
لشعورها بأنه لن يكون في مصلحتها.
وفي
الحالة اليمنية، نجد أن أحزاب المعارضة السابقة (أحزاب المشترك) قد طالبت بتبني
النظام النسبي خلال مرحلة صراعها مع نظام الرئيس السابق صالح، دون فهم عميق لما
سيسفر عنه هذا النظام، وهو ما سنبينه لاحقا.
أثر النظام الانتخابي على
العملية السياسية
رغم أن الأثر الذي يحدثه النظام الانتخابي
يتفاوت من مجتمع إلى آخر إلا أن هناك اتفاقاً شبه عام لدى الخبراء في القضايا
الانتخابية بأن لكل نظام انتخابي مخرجات ومؤثرات شبه موحدة تنطبق على جميع
المجتمعات بدرجات متفاوتة. ومن هذه المؤثرات:
حجم الأحزاب
تساعد بعض الأنظمة الانتخابية على زيادة حصة بعض
الأحزاب من المقاعد البرلمانية، بأكبر من حجم التفويض الشعبي لها. ومن أهم النظم
التي تعمل على ذلك، نظام الفائز الأول (الأغلبية النسبية) المعمول به في اليمن، و نظام القائمة النسبية الذي يشترط نسبة حسم كبيرة.
ففي
نظام الفائز الأول تحصل الأحزاب الكبيرة على مقاعد تفوق نسبة الأصوات التي منحت
لها بسبب أن النظام لا يشترط للفوز الحصول على الأغلبية المطلقة (50% +1) وهو
الأمر الذي يجعل من الممكن الفوز بالمقعد النيابي لمن حصل على أقل من نصف أعداد
الأصوات الصحيحة في الدائرة، وهو ما ينعكس على الحجم الكلي للأصوات التي حصل عليها
الحزب نسبة إلى المقاعد، فنجد أن بعض الأحزاب، خاصة الكبيرة منها، تحصل على نسبة
من المقاعد تفوق نسبة ما حصلت عليه من أصوات.
أما
في النظام النسبي الذي يشترط نسبة حسم عالية، فإن مخرجات هذا النظام تؤدي إلى حصول
الأحزاب، التي تمكنت من تجاوز نسبة الحسم، على نسبة من المقاعد تفوق نسبة ما حصلت
عليه من أصوات حين يتم توزيع حصص الأحزاب التي لم تتمكن من تجاوز نسبة الحسم على
الأحزاب التي تجاوزته، وهو ما يعمل على تقويتها وإعطائها حجم اكبر مما تستحقه. وفي
هذا الشأن نشير إلى أن نسبة الحسم العالية كما هو الحال في تركيا (10%) تضعف
الأحزاب المتوسطة والصغيرة التي لا تتمكن من تجاوز نسبة الحسم، وتقوي الأحزاب
الفائزة، ففي الانتخابات التركية التي جرت عام 2002 لم يتمكن من تجاوز نسبة الحسم
سوى حزبان فيما خسرت جميع الأحزاب أصواتها والتي بلغت 46% وتم تحويل هذه الأصوات
للحزبين الفائزين وهو ما أدى إلى مضاعفة نصيب هذين الحزبين تقريبا من عدد المقاعد
(فاز حزب العدالة والتنمية بما يقارب 34% من الأصوات إلا أنه حصل على ما يقارب 66%
من عدد المقاعد)
في مقابل هذه الأنظمة التي تقوي الأحزاب الكبيرة
هناك بعض الأنظمة التي تعمل على زيادة عدد الأحزاب الصغيرة وتفكك الأحزاب الكبيرة
والمتوسطة، ومن أهم هذه الأنظمة نظام القائمة النسبية المغلقة الذي لا يشترط نسبة
حسم. وتعد إسرائيل نموذجاً لهذا النظام والذي افرز حالة من الفسيفساء الحزبية في
الكنيست.
شكل الحكومة:
تساعد بعض الأنظمة الانتخابية على أيجاد حكومات
مستقرة تتشكل من حزب واحد يتمتع بأغلبية برلمانية تمكنه من الحكم منفردا في الدول
التي تتبع النظام البرلماني، ويعد نظام الفائز الأول من أكثر الأنظمة الانتخابية
التي تخلق حكومات مستقرة، وتعتبر بريطانيا نموذجاً لعمل هذا النوع من الأنظمة.
وإلى جانب هذا النظام يأتي نظام القائمة النسبية الذي يشترط نسبة حسم عالية كما هو
الحال في تركيا، ضمن ظروف معينة.
أما
النظام الانتخابي الذي يساعد على خلق حكومات ائتلافية فإنه نظام القائمة النسبية
غير المشترط نسبة حسم.
سلوك قادة الأحزاب وحجم سيطرتهم:
تقوي بعض الأنظمة الانتخابية من قوة قادة
الأحزاب داخلها. بينما تميل بعضها إلى إضعاف القادة، فنجد نظام القائمة النسبية
المغلقة يزيد من قوة قادة الأحزاب كونه يضمن لهم الفوز بسهولة في الانتخابات حين
يضعون أنفسهم على رأس القائمة، إلى جانب أن وضع الترتيب في القائمة يكون في العادة
من صلاحياتهم، وهو ما يمنحهم سلطة كبيرة داخل أحزابهم، كونهم من يحددوا الفائز في
الانتخابات حين يضعونه في المراتب المضمونة.
درجة الانفتاح على القوى
السياسية المخالفة
تعمل بعض الأنظمة الانتخابية على زيادة انفتاح الأحزاب المتنافسة على بعضها
البعض، حين تسعى لجذب ناخبين من قوى ليست من أتباعها، ومن أبرز هذه الأنظمة: نظام
الفائز الأول حيث نجد أن هذا النظام يشجع الأحزاب المتنافسة على أن تستميل جزءاً
من أنصار خصومها أو من غير المنتمين للأحزاب عبر تبني قضاياهم من أجل الفوز
بالانتخابات.
في مقابل هذا نجد أن النظام النسبي خاصة نظام القائمة النسبية المغلقة الذي
لا يشترط نسبة حسم يبرز التناقضات الأيديولوجية بين القوى المتنافسة حيث أن فوز
هذه الأحزاب يعتمد على أيمان أنصارها بقوة ووضوح طرحها لأفكارها، خاصة أن هذا
النظام يساعد على وجود الأحزاب الصغيرة ذات التوجهات "المتطرفة" أو لنقل
العقائدية والتي تنال أصواتها من خلال إبراز درجة اختلافها مع خصومها، وفي هذه
الحالة فإن هذا النظام يشجع على تضييق قواعد الأحزاب، لتصبح أكثر تمثيلا لجماعات
صغيرة ذات توجهات متطرفة أو أهداف محلية أو طائفية أو عرقية، كما هو الحال في
العراق، فقد ساعد تبني نظام القائمة النسبية بروز الأحزاب الطائفية والعرقية وأضعف
كثيراً الأحزاب "الوطنية" وهو ما زاد من حالة الاستقطاب الطائفي والعرقي
والديني.
سلوك الناخب:
يلعب النظام الانتخابي دوراً في تحديد سلوك الناخب فنجد في نظام الدائرة
الفردية، سواء أكان بنظام الفائز الأول أو نظام الجولتين (الأغلبية المطلقة)، أن
الناخب يهتم بالقضايا المحلية الخاصة بدائرته أكثر من اهتمامه بالقضايا الوطنية،
كما وأن الناخب قد يصوت لمرشح مخالف لتوجهاته السياسية حين يوازن بين التصويت
لمرشح حزب مخالف لتوجهاته، أو التصويت لمرشح حزب مناقض لتوجهاته فيختار أن ينتخب
الأول ليمنع الثاني.
وفي الجهة الأخرى نجد النظام النسبي خاصة نظام القائمة النسبية المغلقة
الذي لا يشترط نسبة حسم يساعد على أن يسلك الناخب سلوكاً مختلفاً يتمثل في التصويت
لصالح قائمة حزبه، كونه يدرك أن صوته مهم لحزبه وأنه لن يضيع، وينتج عن هذا السلوك
المزيد من التعصب الحزبي.
حجم الأصوات الضائعة
تعمل بعض الأنظمة الانتخابية على زيادة حجم
الأصوات الضائعة التي لا يستفيد منها المرشحون الذين تم التصويت لهم، ومن أكثر
الأنظمة هدراً يأتي نظام القائمة النسبية المغلقة الذي يشترط نسبة حسم عالية كما
هو معمول به في النظام التركي (10%) ففي هذا النظام - كما سبق ذكره- عام 2002 أُهدر
ما نسبته 46% من أصوات الناخبين الذين صوتوا لأحزاب لم تتمكن من تجاوز نسبة الحسم،
وكانت النتيجة أن الأعضاء المنتخبين لم يكونوا يمثلون إلا 56% من أصوات الناخبين,
وهي نسبة ضئيلة وتعني من الناحية النظرية فقدان المجلس النيابي إلى شرعية التمثيل،
فحزب العدالة والتنمية الذي فاز بما يقارب 34% من أصوات الناخبين أصبح يحكم
بأغلبية تقارب الثلثين رغم أنه لم يفز إلا بتأييد ثلث الناخبين وهذه النتيجة تعكس
مشكلة في النظام الانتخابي على الأقل من الناحية الشكلية، ويأتي تاليا لهذا النظام
في هدر الأصوات نظام الفائز الأول (الأغلبية البسيطة) حين نجد أن الفائز في
الدائرة غالبا ما يفوز بنسبة تقل عن 50% من أصوات الناخبين فيما تضيع الكثير من
الأصوات التي تتوزع بين المرشحين الخاسرين. ونتيجة لهذا نجد أن الكثير من الأحزاب
التي تحصل على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان تفوز بعدد يقل عن 50% من جمهور
الناخبين، وهو ما يعني أن حزب الأغلبية البرلمانية لم يحصل على أغلبية المصوتين أي
أنه من الناحية الشكلية حزب الأقلية.
حجم التحالفات الحزبية
تقوي بعض الأنظمة الانتخابية التحالفات الحزبية،
فيما نجد أن بعض الأنظمة تضعف أو حتى تلغي التحالفات الحزبية، فنجد ـ على سبيل
المثال ـ أن نظام القائمة النسبية المغلقة الذي لا يشترط نسبة حسم يلغي التحالفات
الحزبية أثناء الانتخابات، إذ لا حاجة لهذه التحالفات وفق هذا النظام، فيما نجد أن
نظام القائمة النسبية الذي يشترط نسبة حسم عالية يشجع بل يجبر الأحزاب على القيام
بتحالفات حزبية ليتم تجاوز نسبة الحسم، ففي تركيا وإيطاليا نجد أن على الأحزاب
الصغيرة والمتوسطة أن تتحالف وتدخل الانتخابات بقائمة حزبية واحدة كي تتجاوز نسبة
الحسم، وفي الغالب فإن هذه التحالفات سرعان ما تنتهي بعد وصول هذه الأحزاب إلى
البرلمان إن كان القانون يجيز ذلك كما هو الحال في تركيا، أو أنه يستمر قائما، إن
كان القانون لا يسمح بفك التحالف، كما هو الحال في المكسيك.
وإلى جانب هذا النظام فإننا نجد أن نظام
الأغلبية المطلقة (الجولتين) يشجع الأحزاب على التحالفات في الجولة الثانية حين لا
يبقى في التنافس سوى المرشحين الحاصلين على المرتبة الأولى والثانية، وفي هذه
الحالة فإن الأحزاب تقوم بعملية تنسيق فيما بينها تدعم بموجبها بعضها البعض في
الدوائر التي لا تكون متنافسة فيها.
وإلى
جانب ذلك يساعد نظام الفائز الأول على قيام التحالفات الانتخابية بين الأحزاب حين
يتم الاتفاق بين الأحزاب على دعم بعضها البعض ضد خصوم مشتركين في بعض الدوائر، كما
حدث حين نسقت أحزاب المشترك في اليمن خلال انتخابات 2003 في بعض الدوائر ضد مرشحي
حزب المؤتمر الشعبي.
علاقة عضو البرلمان بالناخب
تعمل
بعض الأنظمة الانتخابية على تقوية علاقة عضو البرلمان بالناخب فيما نجد بعض
الأنظمة تضعف هذه العلاقة، وأكثر الأنظمة التي تساعد على توثيق هذه العلاقة نظام
الدائرة الفردية.
في
المقابل نجد أن النظام النسبي غالبا ما يضعف العلاقة بين عضو البرلمان وجمهور
الناخبين الذين هم غير محددين بشكل واضح كون التصويت تم على أساس قائمة حزبية
وطنية أو إقليمية.
تمثيل الأقليات
تعمل النظم النسبية خاصة تلك التي تجعل الدولة دائرة انتخابية واحدة على
زيادة حجم تمثيل الأقليات الدينية والعرقية والمذهبية والقبلية وغيرها، حيث أن هذه
النظم تعمل على تجميع الأصوات من جميع مناطق الدولة، وهو ما يسهل على الأقليات من
أن تجد لها تمثيلاً يتناسب وحجمها السكاني، في المقابل نجد أن النظم التي تعتمد
الدوائر الجغرافية، خاصة نظام الفائز الأول تضعف تمثيل الأقليات باستثناء الحالة
التي تكون فيها هذه الأقليات متمركزة في منطقة جغرافية واحدة تشتمل على عدد من
الدوائر الفردية، وفي هذه الحالة فإن فرصة فوز هذه الأقليات في مناطقها تبقى
أكيدة.
التنوع الجغرافي:
تعمل الأنظمة النسبية - خاصة تلك التي تجعل الدولة دائرة انتخابية واحدة -
على حرمان بعض المناطق الجغرافية من ممثلين لها في المجالس المنتخبة، فوفقا لهذا
النظام فإن قوائم الأحزاب الفائزة قد لا تشمل أشخاص من جميع مناطق الدولة كالريف
مثلا، فيما تحصل بعض المناطق على عدد كبير من الممثلين خاصة سكان العاصمة السياسية
للدولة والتي ينحدر منها معظم القادة الحزبيين الذين يكونون على رأس القوائم
الانتخابية.
في
المقابل نجد أن نظام الدوائر يسمح بوجود التنوع الجغرافي الكامل حين يفوز بعضوية
المجالس المنتخبة الممثلين الجغرافيين لهذه الدوائر.
التنوع الأيديولوجي:
تساعد النظم النسبية خاصة نظام القائمة النسبية
المغلقة دون نسبة حسم على وجود تنوع أيديولوجي واسع في المجالس المنتخبة؛ فمن خلال
هذا النظام تستطيع جميع أو معظم الاتجاهات السياسية من أن تحصل على تمثيل في
المجلس بسهولة أكبر مما يحدث في الأنظمة التي تعتمد نظام الدوائر الفردية التي قد
لا تسهل للكثير من أصحاب الاتجاهات الفكرية الوصول للمجلس حين لا يتمكن مرشحيها من
هزيمة أصحاب النفوذ الاجتماعي. كما يحدث في اليمن حالياً.
حجم التفويض الشعبي للحكومة:
تعمل بعض الأنظمة الانتخابية على جعل الحكومة
المنبثقة عنها حاصلة على تأييد أغلبية المصوتين في الانتخابات، وهو ما يعني أغلبية
المواطنين، ومن هذه النظم يأتي نظام القائمة النسبية على رأس هذه الأنظمة إذ أن
هذا النظام لا يهدر أصوات الناخبين، وعليه فإن الحكومة التي ستتشكل تبعا له ستكون
مدعومة من قبل أغلبية النواب والذين هم فعليا يمثلون أغلبية المصوتين. في مقابل
ذلك نجد أن بعض الأنظمة الانتخابية تساعد على أيجاد حكومات لا تحظى بتفويض شعبي
حقيقي، ومن أكثر النظم التي تفرز ذلك نظام القائمة النسبية المغلقة الذي يشترط
نسبة حسم عالية، كما هو الحال في تركيا، والتي سبقت الإشارة إليه.
إن
هذه الآثار التي تنتج عن النظام الانتخابي لا تظهر إلا بعد إجراء عدد من الدورات
الانتخابية، حيث أن المشاركين في الانتخابات من مرشحين وناخبين يستفيدون من طريقة
عمل كل نظام انتخابي من خلال التجربة، ومن هنا فإن تغيير النظام الانتخابي لا يعني
أن تأثيراته تظهر بشكل مباشر وفوري.
نوعية
الأنظمة الانتخابية
قبل الدخول في تفاصيل المقترحات الخاصة باليمن، سنتحدث
بشكل موجز عن أهم النظم التي يتم تداولها واقتراحها، وسنركز في ذلك على سماتها
وأهم المخرجات الشائعة عنها.
نظام
الفائز الأول:
لهذا النظام
أكثر من تسمية منها: (نظام الدائرة الفردية) و (نظام الأغلبية النسبية) ويقوم هذا
النظام على أساس تقسيم الدولة إلى عدد من الدوائر الانتخابية، ويفوز عن كل دائرة
المرشح الذي يحصل على أعلى الأصوات، ويعني هذا إمكانية الفوز للمرشح الذي لا يحصل
على الأغلبية المطلقة - (50% +1) - من الأصوات الصحيحة للناخبين.
ميزاته من وجهة نظر مؤيديه:
1-
يخلق كتل سياسية كبيرة،
وهو ما يساعد على إيجاد استقرار حكومي؛ إن كان النظام السياسي برلماني أو مختلط،
وفي نفس الوقت، يساعد على إيجاد معارضة سياسية قوية وفاعلة.
2-
يضعف الأحزاب
الصغيرة، وربما يلغيها، وهو ما يعني إضعاف الأحزاب المتطرفة والأحزاب الفئوية
المستندة على المنطقة أو المذهب أو العرق أو الدين، وغيرها. وينتج عن ذلك ازدهار الأحزاب
الوطنية الكبيرة ذات المشاريع البرامجية التي تخص قطاع عريض ومتنوع من المواطنين
في الدولة.
3-
يساعد على خلق
قواسم مشتركة بين الأحزاب الكبيرة، وهو ما يؤدي إلى تضييق حجم الخلافات فيما بين
القوى السياسية، الأمر الذي يساعد على الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدولة.
ويتم هذا الأمر نتيجة اضطرار الأحزاب الكبيرة لاجتذاب الشريحة غير الحزبية، والتي
تكون الفئة المرجحة لفوز هذا الحزب وخسارة ذاك.
4-
بساطته، فهذا
النظام يسهل تطبيقه في المجتمعات التي تنتشر فيها الأمية، فالناخب لا يحتاج إلى
دراية سياسية للقيام بعملية التصويت، كما أن المشرفين على الانتخابات لا يحتاجون
إلى تدريبات كبيرة أثناء عملية التصويت والفرز.
5-
تمثيله لجميع
مناطق الدولة بشكل شبه متساوي.
6-
سماحة للمستقلين
بالترشح والفوز.
7-
يساعد على إيجاد
التحالفات بين الأحزاب والمرشحين.
عيوبه
وفق منتقديه:
1-
عدم عدلته في توزيع
النتائج، فكثير من الأحزاب والمرشحين المستقلين، تضيع أصواتهم لصالح أحزاب ومرشحين
أخرين. ويتم ذلك من خلال طريقة احتساب الفائزين، فكون أن الفائز هو المرشح الحاصل
على أعلى الأصوات فإن ذلك يعني بأن الفائز قد يفوز بأصوات الأقلية، فيما تضيع
أصوات الأغلبية. ويعني ذلك في المحصلة النهائية فوز بعض الأحزاب بنسبة من المقاعد
أكثر بكثير من نسبة ما حصلت عليه من الأصوات
حجم الأحزاب وعددها
يعمل هذا النظام على إضعاف الأحزاب المتوسطة
والصغيرة، ويقوي من حجم الأحزاب الكبيرة إلى الحد الذي تصبح الحياة السياسية خاضعة
بشكل رئيسي لهيمنة حزبين سياسيين، كما هو الحال في بريطانيا والولايات المتحدة.
شكل الحكومة
في
الغالب يساعد هذا النظام على أن يفوز حزب كبير بأغلبية مطلقة في البرلمان تمكنه من
أن يشكل الحكومة بمفرده، لهذا فإن الحكومات المنبثقة عن هذا النظام غالبا ما تكون
مشكلة من حزب واحد فقط.
حجم قوة قادة الأحزاب
بحكم
أن الفوز في البرلمان، يأتي نتيجة قوة المرشحين في دوائرهم فإن قوة القادة الحزبين
لا تكون كبيرة على الأعضاء، خاصة ممن يمتلكون نفوذا كبيرا في دوائرهم، كالمشايخ
مثلا، ومع ذلك فإن هذه الحالة تعتمد على أمور أخرى، من مثل درجة الولاء الحزبي لدى
الناخبين وحجم التمويل المركزي للمرشح وغيرها من الأمور التي قد تسفر عن نتائج
مختلفة.
درجة الانفتاح السياسي على القوى الأخرى
يساعد
هذا النظام على الانفتاح السياسي بين الأحزاب ويقلل من إبراز الخلافات السياسية،
فالمرشحون مضطرون أن ينفتحوا على ناخبين من خارج أطار الأحزاب التي ينتمون لها، من
أجل جذب أكبر عدد ممكن من الأصوات التي تمكنهم من الفوز. إلى جانب أن الأحزاب تقوم
بالتنسيق فيما بينها على مستوى كل دائرة، بحيث يتم الاتفاق بين بعض الأحزاب على
دعم مرشح ينتمي لحزب معين في دائرة محددة، في الوقت نفسه يتم التنافس بين هذه
الأحزاب في دائرة أخرى، وهذه الوضعية تخلق حالة من التداخل الحزبي ينتج عنها انفتاح
سياسي فيما بينها البين.
حجم المشاركة في الانتخابات
يكون
حجم التصويت معتدلا في الغالب، ففي الدوائر التي يكون فيها الفوز محسوما لصالح أحد
المرشحين، يحجم الكثير من الناخبين عن التصويت، كما وأن الكثير من الناخبين الذين
لا يؤيدون أيا من المرشحين لا يذهبون للتصويت، حتى وإن وجد مرشح يؤيدونه تكون
حظوظه بالفوز معدومة.
حجم الأصوات الضائعة
تزيد
عدد الأصوات الضائعة حين يفوز المرشح بأقل من 50% من الأصوات الصحيحة، فوفق هذا
النظام فإن الفائز قد يفوز بأقل من 20% من الأصوات الصحيحة في حال كان هناك عدد
كبير من المرشحين الأقوياء، وفي هذه الحالة فإن الفائز يعتبر – نظريا - منتخب من
قبل أقلية الناخبين.
حجم التحالفات الحزبية
يعمل هذه النظام على زيادة حجم التنسيق بين
الأحزاب قبل الانتخابات، ويتم ذلك من خلال الاتفاق بين الأحزاب على دعم بعضها
البعض في بعض الدوائر والتنافس في دوائر أخرى.
علاقة عضو البرلمان بالناخب
بما
أن عضو البرلمان يصل إلى المجلس من خلال أصوات دائرة محددة فإن علاقته بناخبيه
تبقى قوية، وهو ما يجعله يهتم بالقضايا المحلية الخاصة بدائرته أكثر من اهتمامه
بالقضايا الوطنية. في الوقت نفسه يهتم الناخب بشخصية المرشح، من حيث قدرته على
تمثيل مصالح الدائرة، أكثر من قدرته على القيام بمهام عضو البرلمان في القضايا
الوطنية، كقضايا التشريع والرقابة على سلوك الحكومة. ولهذا فإن الانتخابات
البرلمانية، خاصة في الأرياف، غالبا ما تكون أشبة بالانتخابات المحلية.
تمثيل الفئات (مذهبية – عرقية - قبلية - جغرافية)
لا
يساعد هذا النظام من تمثيل الفئات، إلا في حال كانت هذه الفئات متركزة في مناطق
جغرافية محددة، وعندها تتمكن من إيصال أعضاء ينتمون لها.
تمثيل النساء
لا
يساعد هذا النظام من تمثيل النساء، كون الفوز في الدوائر يكون من نصيب أصحاب
النفوذ الاجتماعي وهم في الغالب ذكور.
التنوع الجغرافي
بما
أن الدولة تنقسم إلى دوائر جغرافية فإن جميع المناطق تحصل على ممثلين لها.
التنوع الأيديولوجي
لا
يساعد هذا النظام على التنوع الأيديولوجي، إذ لا تتمكن الكثير من التيارات الفكرية
من الفوز بمقاعد في البرلمان.
التنوع الاجتماعي
الفائزون
وفق هذا النظام هم أصحاب النفوذ في الدوائر، وأصحاب النفوذ عادة ما يكونوا من
شريحة الزعماء ورجال المال والمسئولين الحكوميين، وهؤلاء ينتمون في الغالب إلى
شريحة واحدة، الأمر الذي يحرم عدد من الشرائح الاجتماعية من الفوز. ولهذا فإن
التنوع الاجتماعي يكون محدود جدا حيث نجد أن شريحة محددة تكون هي الشريحة المهيمنة
على المجلس، كما هو حال مجلس النواب الحالي في اليمن.
حجم التفويض الشعبي للحكومة
بما
أن الفائز في الانتخابات لا يحتاج إلى أغلبية مطلقة، فإن الحزب الذي يمتلك أغلبية
مطلقة في البرلمان قد لا يمتلك أغلبية مطلقة من الأصوات الصحيحة للناخبين، وهو ما
يعني أنه لا يمتلك تفويض من أغلبية الناخبين.
نظام القائمة النسبية
المغلقة (الدولة دائرة انتخابية واحدة):
ماهيته:
تصبح
الدولة دائرة انتخابية واحدة، ويتم التنافس فيها على جميع مقاعد مجلس النواب الـ
301، بحيث يقوم أي حزب مشارك في الانتخابات بوضع قائمة من 301 شخص. وبعد فرز
الأصوات يحصل كل حزب على عدد من المقاعد يتناسب وما حصل عليه من أصوات، فالحزب
الذي يفوز بـ 10% من الأصوات يحصل على 30 مقعداً، ويكون الفائزون هم المرتبين في
القائمة من الرقم 1 إلى الرقم 30.
آليته:
يعطى
الناخب بطاقة اقتراع تشتمل على رموز لقوائم الأحزاب المتنافسة، وقد تشتمل هذه
القائمة على أسماء أصحابها أو رموز الأحزاب فقط، بينما يتم تعليق القوائم داخل
قاعة الانتخاب، وفي هذا النظام لا يسمح للناخب أن يعدل من ترتيب الأشخاص داخل
القائمة أو حذف أو إضافة أشخاص إليها، وهي لذلك سميت بالقائمة النسبية
المغلقة.
معوقات تطبيقه:
سيواجه
هذا النظام بمعارضة من الأحزاب التي تستفيد من النظام الحالي، وبالتحديد حزب
المؤتمر الشعبي الذي قد يخسر الأغلبية الحالية، إلى جانب ذلك سُيرفض هذا النظام من
قبل الأشخاص الذين يفوزون بسهولة في نظام الفائز الأول الحالي، وبالتحديد أصحاب
النفوذ الاجتماعي كالمشايخ ورجال المال والسلطة.
مشاكل إدارته:
يعد
هذا النظام من أسهل الأنظمة إدارة، إذ أن لجنة الانتخابات ما عليها سوى إعداد ورقة
انتخابات تشمل رموز القوائم الحزبية المتنافسة، ومن ثم حصر نصيب كل قائمة من
الأصوات وتحويلها إلى ما يناسبها من المقاعد.
كلفته:
بما
أن الدولة ستصبح دائرة انتخابية واحدة، فإن بإمكان أي ناخب التصويت في أي مكان في
الدولة، وقد لا يكون هناك حاجة إلى قوائم مسبقة بالناخبين، ويكتفى بإبراز الهوية
أثناء الاقتراع. ونتيجة لهذا فإن خزينة الدولة لن تتكلف نفقات القيد والتسجيل
والتحضيرات الكثيرة للعملية الانتخابية. وعليه فإن هذا النظام يعد من أقل الأنظمة
كلفة.
أما
على مستوى الأحزاب والمرشحين، فإن عبء الدعاية الانتخابية ستقع على كاهل الأحزاب
التي يتطلب منها أن تقوم بحملة انتخابية في جميع مناطق الدولة، وهو ما يحملها
نفقات كبيرة، رغم أن وسائل الإعلام الجماهيرية، كالإذاعة والتلفزيون، ستقوم بدور
كبير في الحملة الانتخابية.
مخرجاته السياسية
حجم الأحزاب وعددها:
يعمل
هذا النظام على زيادة عدد الأحزاب الفائزة بمقاعد في المجلس النيابي، من خلال تمكن
الأحزاب الصغيرة القادرة على تجاوز ما نسبته 0.33% من الأصوات الصحيحة، أن
تفوز بمقعد واحد، ونتيجة لذلك فإن هذا
النظام يعمل على إضعاف جميع الأحزاب الكبيرة منها والمتوسطة وحتى الصغيرة. ويحدث
هذا حينما تنشق الأحزاب في الفترات التي تسبق الانتخابات، بسبب الخلاف الذي ينشأ
أثناء وضع القائمة الانتخابية، فالأشخاص والأجنحة التي تشعر أنها وضعت في مرتبة
غير مضمونة الفوز تقوم بالانشقاق عن حزبها الأصلي وتشكل لنفسها حزباً خاصاً وقائمة
خاصة تضمن لنفسها الفوز.
ولتوضيح
الفكرة سوف نضرب المثال لآتي: فلوا كانت المؤشرات تفيد أن حزب الإصلاح سيفوز بـ 50
مقعدا، وهو ما يعني أن الأشخاص الموضوعين في القائمة من الرقم (1) حتى الرقم (50)
يعتبر فوزهم مضمونا، فيما الأشخاص
التاليين تتناقص فرص فوزهم، وتنعدم كلما اتجهنا إلى ذيل القائمة. وإذا افترضنا أن
قائمة الخمسين شملت (5) أشخاص ممن يصنفون أنهم ينتمون للجناح السلفي في الحزب،
وعلى افتراض أن هذا الجناح يعتقد أنه يستحق أكثر من هذا العدد فإنه وفي حال لم تضف
له أعداد أخرى، فإن من المحتمل أن ينشق هذا الجناح عن الحزب ويشكل حزب خاص به
وينزل بقائمة مستقلة، وعلى افتراض أن هذا الحزب المنشق فاز بما يعادل 10 مقاعد،
فإن هذه المقاعد سيأتي معظمها من حصة حزب الإصلاح، وهو ما سيؤدي إلى تقلص نصيب حزب
الإصلاح من 50 إلى 42 مقعداً مثلا.
وما
ينطبق على حزب الإصلاح سينطبق على الأحزاب الأخرى، فالحزب الاشتراكي من المحتمل أن
ينشق إلى حزبين (اشتراكي شمالي، واشتراكي جنوبي) حيث سيحصل هذا الأخير على أصوات
الاشتراكيين في المحافظات الجنوبية. ومن المرجح أن حزب المؤتمر هو الآخر سيشهد
الكثير من الانشقاقات لصالح أحزاب قبلية أو جغرافية أو فكرية وغيرها. فعلى سبيل
المثال لو شعر شيخ قبلي ينتمي للمؤتمر أن الحزب لم يضعه أو أنصاره في المراتب
المضمونة، فإنه قد ينشق عن المؤتمر ويشكل حزب خاص به وقبيلته يضمن من خلاله الفوز
ولو بعدد محدود من المقاعد.
شكل الحكومة:
بحكم
أن هذا النظام لا يساعد على وجود أحزاب تمتلك أغلبية في البرلمان، فإن الحكومات
المنبثقة عنه، تكون حكومات ائتلافية من حزبين أو أكثر. ونتيجة لذلك فإن هذه
الحكومات عادة لا تعمر طويلا بسبب النزاعات الحزبية الكثيرة، ولقد كانت ايطاليا
خلال الفترة الممتدة من بعد الحرب العالمية الثانية وحتى عام (1993) نموذجا لهذه
الحالة، فخلال الفترة من (1954 إلى 1993) تمّ تشكيل (52) حكومة وزارية ايطالية أي
بمعدل حكومة كل تسعة أشهر.
حجم قوة قادة الأحزاب:
يتمتع
قادة الأحزاب، خاصة تلك التي تمثل تيار سياسي أو اجتماعي أو طائفي، بسلطة كبيرة
داخل أحزابهم، فهم من ناحية يضمنون لأنفسهم الفوز في جميع الدورات الانتخابية، حين
يضعون أنفسهم على رأس قوائمهم الانتخابية، ومن ناحية أخرى فإن دورهم في ترتيب
القائمة الحزبية يمنحهم سلطة كبيرة داخل الحزب حين يدين الأعضاء لهم بالفوز. ورغم
أن سلطة القادة تتهدد بسبب الانشقاقات الحزبية، إلا أن بقاؤهم الدائم في البرلمان
يمنحهم سلطات كبيرة خاصة إذا كانوا يمثلون جماعة فئوية متماسكة.
درجة الانفتاح السياسي على القوى الأخرى:
بحكم
أن الأحزاب السياسية، بما في ذلك الأحزاب المتطرفة أو الفئوية تنزل بقوائم مستقلة
فإن الفوز يتحقق لكل قائمة من خلال تبيانها واختلافها عن القوائم الأخرى
"خاصة تلك القريبة منها" فعلى سبيل المثال: لو أن التيار السلفي في حزب
الإصلاح دخل الانتخابات بقائمة خاصة به، فإن حملته الانتخابية ستقوم على أساس أنه
الحزب الذي يمثل التيار الإسلامي الصحيح والنقي، فيما سيشن حملة شديدة على حزب
الإصلاح الذي سيتهمه أنه لم يعد حزب إسلامي حقيقي. والسبب بسيط، فالحزبان يحصلان
على الأصوات من الناخبين المصنفين أنهم إسلاميين، وكل حزب سيحاول أن يصور نفسه
للناخب أنه هو الحزب الإسلامي الصحيح. وما ينطبق على الإصلاح ينطبق على أي حزب أخر
فعلى افتراض حدوث انشقاق عن الحزب الاشتراكي وانقسامه إلى حزبين فإن الحزبين
سيتنافسان على الأصوات "الاشتراكية"، وكل حزب سيدعي أنه يمثل الحزب
الاشتراكي "الأصلي".
أن
هذا النظام يظهر التباينات السياسية والأيديولوجية والفئوية (الدينية، المذهبية،
العرقية، الجغرافية) بشكل كبير، ويعزز بالتالي من هذه التباينات، التي تنعكس
بمجالس نيابية مكونة من فسيفساء حزبية ذات اتجاهات متنوعة.
سلوك الناخب:
يتغير
سلوك الناخب واهتماماته بشكل كبير، نتيجة هذا النظام، فالقضايا الوطنية، أو
الفئوية هي مركز اهتماماته، على عكس ما هو الحال في الانتخابات التي تتم وفق
النظام الحالي حيث تكون القضايا المحلية الخاصة بالدائرة هي محور اهتمامات الناخب
- خاصة في الريف - فعلى سبيل المثال: الناخب الذي يعيش في مدينة عدن مثلا وينتمي
للطائفة الإسماعيلية إذا ما صوت لحزب (إسماعيلي) فإن همه تعزيز موقع طائفته، أكثر
من اهتمامه بتحسين الخدمات في مدينة عدن مقر سكنه، كما كان اهتمامه لو كان النظام
الانتخابي يقوم على نظام الدائرة الفردية.
حجم المشاركة في الانتخابات:
يساعد
هذا النظام في زيادة حجم المشاركة في الانتخابات كون جميع الناخبين تقريبا يمنحون
فرصة التصويت للحزب الذي يمثلهم، كما أن تضاؤل ضياع الأصوات يجعل الناخبين يشعرون
بأهمية أصواتهم، حين يتم تجميع الأصوات من جميع مناطق الدولة.
حجم الأصوات الضائعة:
لا
تضيع أصوات الناخبين في هذا النظام إلا في حدود صغيرة جدا حين لا يتمكن حزب ما من
الحصول على أصوات تؤهله للفوز بمقعد واحد إضافة للكسور التي قد تحرم بعض الأحزاب
من عدد من الأصوات.
حجم التحالفات الحزبية:
ستنعدم
التحالفات الحزبية أو تصبح في أضيق نطاق كون الأحزاب جميعها تتنافس ضد بعضها البعض
بما في ذلك مرشحي الأحزاب المتقاربة سياسيا كما سبق أن شرحنا.
علاقة عضو البرلمان بالناخب:
بما
أن الناخب يصوت لقائمة حزبية على مستوى الدولة، فإن الناخب لا يستطيع أن يحدد
الشخص الذي يمثله، وإن كان بمقدوره تحديد الحزب الذي يمثله والنتيجة أن علاقة عضو
البرلمان بالناخب تكون ضعيفة على عكس ما هو الحال في نظام الدائرة الفردية.
تمثيل الفئات (مذهبية – عرقية - قبلية -
جغرافية):
يساعد
هذا النظام أكثر من غيره على تمثيل جميع مكونات المجتمع، والتي تشمل الفئات
الفكرية والدينية والجغرافية والعرقية والقبلية وغيرها، فهذه الفئات تتمكن من
الفوز بمقاعد انتخابية تقارب حجمها السكاني، في حالة تصويت أفراد الفئة للحزب الذي
يمثلها، ويتم ذلك على حساب الأحزاب التي يطلق عليها الأحزاب "الوطنية".
ففي اليمن مثلا من المتوقع أن تتشكل فيها أحزاب للطوائف الدينية (زيود ،
اسماعيليين، سلفيين، صوفيين وغيرهم) وأحزاب قبلية (حاشد، بكيل، مدحج ، زرانيق
الخ..) وأحزاب جغرافية (حضارم ، حجريين ، تهاميين وغيرهم) وهذه الفئات ليست سوى
نموذج للفئات التي يحتمل أن تصبح لها أحزاب تمثلها في البرلمان.
ورغم
أن القانون يمنع تشكيل الأحزاب الفئوية، إلا أن من الممكن التحايل على القانون حين
لا تعلن هذه الفئات صراحة أنها أحزاب فئوية، فبمقدور حزب يمثل قبيلة حاشد مثلا، أن
يتسمى باسم الحزب الوطني الديمقراطي، ويخلوا نظامه الداخلي وشعاراته من أي إشارة،
توحي أنه حزب يمثل قبيلة حاشد، وفي هذه الحالة سيكون من الصعب حظر هذا الحزب، فيما
سيصوت الناخبين المنتمين لقبيلة حاشد إلى هذا الحزب.
إن
هذا الوضع قد يراه البعض أمرا ايجابيا، حين يساعد النظام الانتخابي كل مكونات
المجتمع اليمني (التقليدية والحديثة) أن تكون ممثلة في السلطة التشريعية، وهو ما
يخلق شعورا بالرضا لهذه المكونات تسهم في استقرار الدولة.
غير
أن هناك من يرى أن تبني نظام انتخابي يشجع على وجود الأحزاب الفئوية أمر في غاية
الخطورة، كونه سيعمل على تكريس الانقسام في المجتمع على أسس بدائية تهدد الاستقرار
الاجتماعي ومن ثم بقاء الدولة.
تمثيل النساء:
سيعمل
هذا النظام على وجود تمثيل أكبر للنساء في حال وضع مرشحات في المراتب المضمونة
لقوائم الأحزاب، أو في حال نص القانون على ضرورة وجود حصة معينة من النساء في
المراتب المضمونة لقوائم جميع الأحزاب.
التنوع الجغرافي:
لا
يشجع هذا النظام على وجود تمثيل جغرافي كامل لجميع المناطق، فكون الانتخابات تجرى
على أساس أن الدولة دائرة انتخابية واحده فإن الكثير من المناطق، وبالتحديد
المناطق الريفية، لن يكون من بينها أي عضو في المجلس النيابي، وعلى العكس من ذلك
سيكون لبعض المدن الرئيسية وتحديدا العاصمة عدد كبير من الممثلين يفوق حجم هذه
المناطق.
التنوع الأيديولوجي:
سيزيد
هذا النظام من حجم التنوع الأيديولوجي حين يسمح لعدد متنوع من الأحزاب من الوصول
للبرلمان.
التنوع الاجتماعي:
سيكون
المجلس النيابي المنبثق عن هذا النظام متنوعا اجتماعيا، حين يوفر لعدد كبير من
الفئات الاجتماعية بالفوز بمقاعد ولو قليلة فبإمكان جميع طبقات المجتمع - وبدرجات
مختلفة - أن يكون لها مكان في هذا المجلس، بما في ذلك الفئات المهمشة (الاخدام)
والذين سيكون بمقدورهم إيصال ممثلين عنهم في حال تشكل حزب منهم وصوتت له غالبية
هذه الفئة.
حجم التفويض الشعبي للحكومة:
إن
الحكومة المنبثقة عن هذا النظام ستكون في الغالب حكومة ائتلافية، وهو ما يعني
تفويض أغلب الناخبين لها.
خارطة المجلس النيابي وفق هذا النظام:
رغم
صعوبة التكهن بشكل الخارطة السياسية في المجلس النيابي المنبثق عن هذا النظام،
خاصة في الدورة الأولى، فإن من المتوقع أن تشهد هذه الخارطة تغيراً جذرياً، خاصة
في الشق المتعلق بغياب حزب واحد مهيمن على المجلس. فالمجلس المنتخب وفق هذا النظام
غالبا ما يكون عبارة عن فسيفساء من الأحزاب المتوسطة والصغيرة وكذلك الصغيرة جدا.
نظام القائمة النسبية المغلقة (المحافظة/الإقليم
دائرة انتخابية واحدة)
ماهيته:
تصبح المحافظة أو الإقليم دائرة انتخابية واحدة، وتتقدم الأحزاب
بقوائم لشغل المقاعد المخصصة، ويقوم الناخب باختيار قائمة واحدة، وتمنح كل قائمة
عدد من المقاعد يتساوى مع نسبة حصولها على الأصوات. فحين تفوز قائمة ما بـ 50% من الأصوات
تمنح 50% من عدد المقاعد المخصصة للمحافظة أو الإقليم، وهكذا.
آليته:
يعطى
الناخب بطاقة اقتراع تشتمل على رموز لقوائم الأحزاب المتنافسة، وقد تشتمل هذه
القائمة على أسماء أصحابها أو رموز الأحزاب فقط، بينما يتم تعليق القوائم داخل
قاعة الانتخاب، وفي هذا النظام لا يسمح للناخب أن يعدل من ترتيب الأشخاص داخل
القائمة أو حذف أو إضافة أشخاص إليها، وهي لذلك سميت بالقائمة النسبية
المغلقة.
مخرجاته السياسية
حجم الأحزاب وعددها:
بما
أن الانتخابات تجرى على مستوى المحافظة فإن الأحزاب الكبيرة تمتلك فرص أفضل من
الأحزاب الصغيرة والمتوسطة. حيث أن صغر حجم الدائرة الانتخابية مقارنة بما يحدث في
حين تكون الدولة دائرة انتخابية واحدة، يضعف من فرص فوز الأحزاب الصغيرة أو
المتوسطة. فعلى سبيل المثال حين تكون المقاعد المخصصة لمحافظة ما هي عشرة مقاعد
فإن أي حزب يحتاج للفوز بالمقعد الواحد ما نسبته 10% أو أكثر من الأصوات الصحيحة،
وهذه النسبة تكون صعبة على الأحزاب الصغيرة، إلا في المحافظات التي يكون لها وجود
كبير، مقارنة بالمحافظات الأخرى. فعلى سبيل المثال ستكون لجماعة الحوثي هيمنة
واضحة على محافظة صعدة، فيما ستضيع أصوات مؤيديها في المحافظات الأخرى.
ومن
خلال تجربة هذا النظام في الانتخابات المصرية والتونسية التي جرت بعد ثورات الربيع
العربي، حصلت الأحزاب الكبيرة، وتحديدا الإسلاميين، على عدد من المقاعد أكبر مما
حصلت عليه من أصوات الناخبين، فيما خسرت الأحزاب المتوسطة والصغيرة، حين ضاعت
أصواتها.
شكل الحكومة:
بحكم
أن هذا النظام يخدم الأحزاب الكبيرة فإن من الممكن أن يحصل حزب واحد على الأغلبية
المطلقة في المجلس التشريعي، وهو ما يسمح له بتشكيل حكومة بمفرده. ولهذا فإن ميزات
هذا النظام أنه يساعد على ايجاد استقرار حكومي.
حجم قوة قادة الأحزاب:
يتمتع
قادة الأحزاب، خاصة تلك التي تمثل تيار سياسي أو اجتماعي أو طائفي، بسلطة كبيرة
داخل أحزابهم، فهم من ناحية يضمنون لأنفسهم الفوز في جميع الدورات الانتخابية، حين
يضعون أنفسهم على رأس قوائمهم الانتخابية، ومن ناحية أخرى فإن دورهم في ترتيب
القائمة الحزبية يمنحهم سلطة كبيرة داخل الحزب حين يدين الأعضاء لهم بالفوز. كما
أن بقائهم الدائم في البرلمان يمنحهم سلطات كبيرة خاصة إذا كانوا يمثلون جماعة
فئوية متماسكة.
درجة الانفتاح السياسي على القوى الأخرى:
يسمح
هذا النظام بالتنسيق والتحالف الحزبي قبل وأثناء عملية التصويت، ويتم ذلك حين يتم
الاتفاق بين الأحزاب على الدعم والمساندة في المحافظة التي يكون لهذا الحزب نفوذ
وقوة، مقابل الدعم والمساندة للحزب الأخر الذي يكون له نفوذ وقوة في المحافظة
الأخرى. فعلى سبيل المثال يمكن أن ينشا تحالف بين حزب الإصلاح وأي حزب سلفي، يقوم
الأول بدعم السلفيين في محافظة الجوف، فيما يقوم الحزب السلفي بدعم الإصلاح في
محافظة عمران، ويكون الهدف إضعاف خصم مشترك، وتعزيز نفوذ الحزبين. ولكون هذا
النظام يساعد على قيام التحالفات الحزبية فأنه يساعد على الانفتاح السياسي بين
القوى السياسية.
حجم المشاركة في الانتخابات:
يساعد
هذا النظام في زيادة حجم المشاركة في الانتخابات كون جميع الناخبين تقريبا يمنحون
فرصة التصويت للحزب الذي يمثلهم، كما أن تضاؤل ضياع الأصوات يجعل الناخبين يشعرون
بأهمية أصواتهم، حين يتم تجميع الأصوات من جميع مناطق الدولة.
حجم الأصوات الضائعة:
لا
تضيع أصوات الناخبين في هذا النظام إلا في حدود صغيرة جدا حين لا يتمكن حزب ما من الحصول
على أصوات تؤهله للفوز بمقعد واحد إضافة للكسور التي قد تحرم بعض الأحزاب من عدد
من الأصوات.
علاقة عضو البرلمان بالناخب:
بما
أن الناخب يصوت لقائمة حزبية على مستوى المحافظة، فإن الناخب لا يستطيع أن يحدد
الشخص الذي يمثله بشكل واضح، وإن كان بمقدوره تحديد الحزب الذي يمثله والنتيجة أن
علاقة عضو البرلمان بالناخب تكون ضعيفة على عكس ما هو الحال في نظام الدائرة
الفردية.
تمثيل الفئات (مذهبية – عرقية - قبلية -
جغرافية):
يساعد
هذا النظام على تمثيل بعض الفئات التي تتمركز في محافظة بعينها، فيما لا تجد
الفئات المنتشرة على مستوى الدولة تمثيل يتناسب وحجمها الحقيقي، حيث تضيع أصوات
مناصريها لصالح الأحزاب الكبيرة.
تمثيل النساء:
سيعمل
هذا النظام على وجود تمثيل أكبر للنساء في حال وضع مرشحات في المراتب المضمونة
لقوائم الأحزاب، أو في حال نص القانون على ضرورة وجود حصة معينة من النساء في
المراتب المضمونة لقوائم جميع الأحزاب.
التنوع الجغرافي:
لا
يشجع هذا النظام على وجود تمثيل جغرافي كامل لجميع المناطق، فكون الانتخابات تجرى
على أساس أن الدولة دائرة انتخابية واحده فإن الكثير من المناطق، وبالتحديد
المناطق الريفية، لن يكون من بينها أي عضو في المجلس النيابي، وعلى العكس من ذلك
سيكون لبعض المدن الرئيسية وتحديدا العاصمة عدد كبير من الممثلين يفوق حجم هذه
المناطق.
نظام الأغلبية المطلقة
ماهيته:
تقسم الدولة على دوائر انتخابية، كما هو حال نظام الفائز
الأول، إلا أن الفائز بالمقعد يحتاج إلى أن يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات
الصحيحة للناخبين. وحين لا يتمكن مرشح من الحصول على تلك النسبة تتم إعادة
الانتخابات بين المرشحين الحاصلين على المرتبة الأولى والثانية في دورة ثانية.
ويساعد هذا النظام على تقوية الأحزاب الكبيرة والمتوسطة
الحجم، فيما تقل حظوظ الأحزاب الصغيرة بالفوز حين تضيع أصوات مؤيديها لصالح الأحزاب
الكبيرة والمتوسطة. ومن صفات هذا النظام أنه يساعد الأحزاب على عقد تحالفات حزبية
في الدورة الثانية، حين يتم دعم مرشح الحزب الحليف في الدائرة التي لا يوجد بها
مرشح للحزب الحليف، مقابل دعم الحزب الأخر في الدائرة الأخرى. وتؤدي هذه التحالفات
إلى حصول الأحزاب المتوسطة واحيانا الصغيرة على عدد من المقاعد بافضل مما يتم في
نظام الفائز الأول.
النظام المختلط
يقوم هذا النظام على المزج بين النظم الفردية والنظم
النسبية، ولهذا النظام طرق كثيرة جدا للمزج بين هذه النظم، ولهذا فإن من الصعب
تناول هذه النماذج في ورقتنا هذه، خاصة وأن أننا سنقترح نظام مختلط جديد لليمن،
سنورده لاحقا.
المعادلات الصعبة للنظم
الانتخابية
توسيع المشاركة تودي إلى زيادة عد الأحزاب
الاستقرار الحكومي يحتاج
إلى أحزاب قوية لها اغلبيات كبيرة في السلطة التشريعية تمكنها من إدارة الشأن
العام وتنفيذ برامجها.
سيطرة الأحزاب الكبيرة
يهدد الديمقراطية، خاصة في الدول الناشئة.
غياب الأحزاب الكبيرة
يصيب الحياة السياسية بالعجز والشلل.
في النظام الرئاسي عدم
تمكن الرئيس من الحصول على أغلبية واضحة يصعب عليه تنفيذ برنامجه ويصبح بطة عرجا.
حين يكون للرئيس أغلبية
كبيرة في السلطة التشريعية يكون هذا بمثابة تهديد للديمقراطية وربما يخلق دكتاتور.
النظام الانتخابي الجيد هو الذي يكون قادرا على:
1-
ايجاد شرعية
سياسية من خلال قبول أهم اللاعبين به.
2-
تحقيق استقرار
حكومي وسياسي.
3-
تمثيل التنوع
السياسي والاجتماعي والثقافي والجغرافي.
4- إيجاد مشاركة سياسية حقيقية.
5-
سلطة تشريعية
قوية ومستقلة عن السلطة التنفيذية.
6-
إحداث تبادل
سياسي، وتجديد في النخب السياسية.
معايير النظام الانتخابي الجيد
النظام
الانتخابي الجيد يمكن اختباره من خلال عدد من المعايير التي تمكننا من الحكم على
ما إذا كان هذا النظام جيد أم سيئ، ويمكن تطبيق هذه المعايير على النظام الانتخابي
في اليمن. وبالتالي يمكننا تقييم هذا النظام. وهذه المعايير يمكن اختصارها في
النقاط التالية:
درجة القبول
يتطلب
النظام الانتخابي الجيد أن يكون مقبولا من جميع الأطراف المشاركة في الانتخابات،
أو معظمها على الأقل، فالنظام الانتخابي هو أحد قواعد اللعبة الانتخابية، وما دام
الأمر كذلك فإن من البديهي أن تكون هذه القواعد مقبولة ومتفق عليها من قبل
اللاعبين.
القدرة على تمثيل التنوع في المجتمع:
بما
أن النظام الانتخابي – في الانتخابات البرلمانية - هو ترجمة أصوات الناخبين إلى
مقاعد في البرلمان، فإن النظام الانتخابي الجيد هو القادر أن يكون مرآة عاكسة
للمجتمع بكل شرائحه وتنوعاته. ومن هذه التنوعات:
التنوع الجغرافي
بما
أن النظام الحالي يقوم على أساس أن لكل منطقة جغرافية ممثل عنها فإنه يعد محققاً
لهذا الشرط.
التنوع الأيديولوجي
يلاحظ أن المجلس الحالي والمجلس الذي سبقه قد
غلب عليه تمثيل الفئات التقليدية أكثر بكثير من تمثيل الفئات المدنية الحديثة،
ويمكن إرجاع السبب إلى طبيعة المجتمع اليمني الذي تهيمن عليه الثقافة التقليدية،
ورغم ذلك فإن الملاحظ أن الفئات التقليدية تسيطر على المجلس بأكثر من حجمها
الفعلي.
التنوع المذهبي
شئنا أم أبينا فإن المجتمع اليمني ينقسم
طائفيا – ولا يعني الانقسام الصراع – إلى عدد من المذاهب يمكن حصرها بـ: سنة
تقليدين "شوافع" ، سلفيين ، زيود ، إسماعيليين ، متصوفة.
وعند
ملاحظة مجلس النواب الحالي والذي سبقه نجد أن التيار الأكثر وضوحا من هذه التيارات
هو التيار السلفي، بينما نجد غياباً شبه كلي للتيارات الأخرى ، وهو ما يعني أن
النظام الحالي لم يعكس التنوع المذهبي أو الطائفي في اليمن.
التنوع السياسي
يوجد في اليمن أكثر من عشرين حزباً سياسياً
غير أن مجلس النواب الحالي والذي سبقه سيطر عليهما حزب المؤتمر الشعبي بأغلبية
تتجاوز ثلاثة أرباع المجلس، فيما تقاسمت أربعة أحزاب وبنسب متفاوتة أقل من ربع عدد
المجلس، ورغم أن الكثير من الدول الديمقراطية الراسخة مثل الولايات المتحدة
وبريطانيا يهيمن على مجالسهما المنتخبة حزبان رئيسيان، إلا أن الخلل هنا ليس في
خلو المجلس من تمثيل لجميع الأحزاب السياسية، وإنما لسيطرة حزب واحد كالمؤتمر
لغالبية ساحقة تزيد عن ثلاثة أرباع المجلس، ورغم أن هذه السيطرة قد تحدث في
الديمقراطيات العريقة إلا أن السيطرة هذه ناتجة من عوامل غير ديمقراطية، كما ترى
أحزاب المعارضة والكثير من المراقبين. والنتيجة التي نستخلصها من ذلك هي أن النظام
الانتخابي الحالي لم يحقق التنوع السياسي المطلوب.
التنوع الاجتماعي:
تنقسم اليمن إلى قبائل، وسكان حظر وريف،
وبدو ، ومزارعين ، وصيادين ، وأصحاب حرف متنوعة ، وفقراء، وأغنياء ، ومتعلمين وغير
متعلمين ، ومشايخ ورعية، وغيرها من التقسيمات المختلفة. وفي حال بحثنا في المجلس
الحالي والذي سبقه عن تمثيل لهذه الفئات نجد أن بعضها قد حصل على تمثيل يفوق حجمه
كفئة المشايخ والأغنياء والقبائل فيما لم
تحصل بعض الفئات على تمثيل يناسب حجمها، أو أنها لم تحصل على تمثيل مثل الفقراء.
تمثيل النساء:
تمثل النساء في المجتمع اليمني نصف السكان
تقريبا، ورغم ذلك فإن وجود النساء في المجالس المنتخبة كان متدنياً جداً ووصل حد
الانقراض تقريبا في المجلس النيابي الحالي إذ لا توجد سوى امرأة واحدة فقط. ويمكن
إرجاع هذا الأمر جزئيا إلى خلل في النظام الانتخابي الذي لم يساعد المرأة على
الوصول إلى المجلس.
إعطاء النظام السياسي
المزيد من الشرعية:
يعمل النظام الانتخابي الجيد - إلى جانب عوامل أخرى – على تدعيم النظام
السياسي بالشرعية، والتي نقصد بها قبول الناس الطوعي للنظام السياسي، وهو ما يمكن
قياسه بدرجة الاستقرار السياسي، فكلما كان هناك استقرار سياسي " حكومات
مستقرة" كلما دل ذلك على وجود نظام شرعي والعكس. وبالنظر إلى الأوضاع في
اليمن نجد أن هناك حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني وهي في تصاعد مستمر،
إضافة إلى وجود إحساس بعدم الرضا من أداء الحكومة نتيجة لعدم الكفاءة والفساد وسوء
استخدام الموارد والسلطة. وكل هذه الأمور تشير إلى أن النظام السياسي يعاني من
تدني شرعيته السياسية. وبحكم أن الانتخابات الناجحة تعمل على تعزيز الشرعية
السياسية فإن تدهور الشرعية يشير في جزء منه على الأقل إلى أن النظام الانتخابي
الحالي لم يساعد على زيادة شرعية النظام السياسي بل قد يتحمل جزءاً من هذه
المسؤولية.
إحداث تغيير في الخارطة السياسية عقب الانتخابات
تعمل الانتخابات بصفتها العملية التي يتم
فيها منح التفويض الشعبي للمنتخبين (مجالس تشريعية - محلية - رئاسية) على إحداث
تغيير في الخارطة السياسية عقب كل انتخابات، وهذا لا يعني أن من شرط الانتخابات
الناجحة أن تحدث تغييراًً كبيراً في الخارطة الانتخابية؛ إذ أن الكثير من الدول
الديمقراطية لا يتم إحداث تغيير يذكر وعلى مدى عدة دورات انتخابية، ومع ذلك فإن
هذه الدول لا يـُشك في ديمقراطيتها، ونسوق هنا المثل الأبرز والمتمثل بالهند التي
استمر حزب المؤتمر الحاكم في الفوز بالانتخابات منذ استقلال الهند عام 1947 حتى
عام 1977، وكذلك اليابان التي سيطر فيها الحزب الليبرالي في معظم الدورات الانتخابية.
وفي
حالة اليمن نلاحظ منذ انتخابات 1997 أن الخارطة التي تفرزها الانتخابات في حالة
ثبات نسبي ؛ حيث نجد أن حزب المؤتمر الشعبي تترسخ سيطرته في جميع الانتخابات، وهذا
ما يجعل من المشروع التشكيك في صحة فوزه بالشكل الذي يتم، وهو ما يمكن إرجاعه
جزئياً إلى مشكلة في النظام الانتخابي.
يتضح مما سبق أن النظام الانتخابي الحالي لا
يلبي الشروط الأساسية للنظام الناجح ومع ذلك فإن من المبكر الحكم أن كان هذا
النظام غير جيد، حيث أننا بحاجة لأن نجرب أنظمة أخرى ودورات انتخابية عديدة كي نصل
إلى حكم قاطع في هذا الأمر.
مقترح لنظام انتخابي
تحمل
المرحلة الحالية في اليمن الكثير من المخاطر والفرص، فهناك إمكانية لتطوير النظام
السياسي بإدخال تعديلات على عناصره الرئيسية، كشكل الحكم والنظام الانتخابي وربما
شكل الدولة. وتأتي هذه الفرص من الوضع الذي أفرزته الثورة، والتي أدت إلى إزاحة
النظام السابق والذي كان يشكل عقبة أمام الإصلاح السياسي الحقيقي. ومع ذلك فإن
هناك الكثير من المخاطر، ومن أهم هذه المخاطر تفكك النخبة السياسية القديمة، وضعف
المشاريع السياسية الكبرى، وتصاعد المشاريع السياسية الصغيرة، وهي المشاريع التي
تهدد أسس الدولة ووحدتها.
ونتيجة
لهذا الوضع يصعب التنبؤ بالمسار الذي ستسير عليه الدولة، وتحديدا شكل الدولة
وطبيعة نظام الحكم. ولكون الأمر كذلك، فإن من الصعب التفكير بمقترحات لأنظمة
انتخابية قبل الاتفاق على القضايا المذكورة. فالنظام الانتخابي الملائم للدولة
البسيطة لا يكون ملائما لدولة اتحادية مركبة، كما أن النظام الانتخابي الملائم
للنظام البرلماني قد لا يكون ملائم للنظام الرئاسي أو العكس.
وبما
أن الأمر على ما ذكرنا، فإن من الواجب التنبيه إلى أن المقترحات التي سترد في هذه
الورقة لا تعدوا من أن تكون تمارين عقلية نحاول من خلالها إثارة النقاش والجدل حول
هذا الموضوع، ليستفيد منها أصحاب الشأن وصانعي القرارات في مؤتمر الحوار المنعقد
حاليا، ولجنة صياغة الدستور التي يفترض أن تنبثق عنه.
نظام مختلط بآلية جديدة
يمكن
تصنيف هذا النظام ضمن الأنظمة المختلطة، حيث انه يجمع بين النظام النسبي ونظام
الفائز الأول. وتقوم فكرة النظام على توسيع الدوائر الانتخابية الحالية لتصبح كل
دائرتين دائرة واحدة، بحيث تصبح عدد الدوائر الانتخابية في الجمهورية 150 دائرة،
بدلا عن 301 دائرة. إلى جانب ذلك يتم إضافة 100 مقعد ليصبح العدد الإجمالي لأعضاء
مجلس النواب 401 عضوا، ويعمل النظام وفقا للآلية التالية:
1-
يتقدم المرشحون
المستقلون والحزبيون للترشح في الدوائر، ويسمح للأحزاب بأن تتقدم بأكثر من مرشح
واحد في نفس الدائرة.
2-
يفوز 150 عضوا وفقا
لآلية النظام الحالي، حيث يعتبر فائزا كل من حصل على المرتبة الأولى في كل دائرة.
3-
يتم تخصيص حصص معينة
للنساء وبعض الفئات الاجتماعية كالمهمشين والاقليات المذهبية، وغيرهم. على أن
يتقدم المرشحون عن هذه الفئات للترشح في أي دائرة انتخابية.
4-
يُمنح كل ناخب الحق في
انتخاب شخص واحد فقط، والذي قد يكون مرشح حزبي أو مستقل أو من الحصة النسائية أو
الفئات الاجتماعية الأخرى.
5-
تقوم اللجنة
العليا للانتخابات بوضع قائمة بالمرشحين الحزبين والفئويين، ممن لم يفوزوا وفق
نظام الفائز الأول، وتقوم بترتيبهم تنازليا، بحيث يأتي من حصل على أعلى الأصوات
على رأس القائمة ومن حصل على أقل الأصوات في أسفلها.
6-
يتم توزيع المقاعد
المتبقية والتي يبلغ عددها (251) مقعدا وفقا للنسبة التي حصل عليها كل حزب من عدد
الأصوات الصحيحة، وينطبق الأمر نفسه على النساء والفئات الاجتماعية، ويتم ذلك
استنادا إلى الآلية التالية:
أ- يتم منح كل حزب عدد من المقاعد، متساويا والنسبة التي حصل عليها من عدد
الأصوات الصحيحة، فعلى سبيل المثال لو أن حزب المؤتمر الشعبي حصل على 24% من
الأصوات فإن له الحق بأن يحصل على ما يعادلها من المقاعد ألـ 251 المتبقية والتي
ستكون بحدود 60 مقعد (24×251÷100=60) ويتم تحديد الفائزين استنادا إلى من حصل على
أعلى الأصوات، بحيث يحصل أعلى 60 مرشح مؤتمري على هذه المقاعد. ولمزيد من الإيضاح
نفترض أن المؤتمر الشعبي تقدم بـ 401 مرشح، فاز منهم 58 وفق نظام الفائز الأول،
وصوت لمرشحي حزب المؤتمر 24% من مجموع الأصوات الصحيحة، وهو ما يمنح الحزب الحق في
الحصول على 60 مقعد يتم منحها للمرشحين المؤتمرين الحاصلين على أعلى الأصوات من
بين جميع مرشحي المؤتمر الذين لم يفوزا وفق نظام الفائز الأول وعددهم (343) مرشح،
بحيث يصبح إجمالي ما سيحصل عليه المؤتمر من المقاعد (118) مقعد.
ب-يتم توزيع المقاعد على أصحاب الحصص المحددة سلفا وفقا للآلية التالية:
1-
يتقدم كل من ينطبق عليهم
شروط الانتماء للفئة المخصص لها المقاعد المحددة، بالترشح في أي دائرة انتخابية من
الدوائر ألـ 150، وفي حال فاز المرشح عن هذه الفئات بالمركز الأول تبقى حصة الفئة
دون تغيير، حيث يعتبر الفائز وفق نظام الفائز الأول رقم إضافي لحصة الفئة. فيما
يتم توزيع الحصة المحددة للمرشحين عن هذه الفئة ممن حصلوا على أكثر الأصوات في
جميع الدوائر التي ترشحوا فيها. ولتوضيح ذلك نورد المثال التالي: نفترض أن الحصة
المحددة للطائفة الاسماعيلية، وفق قانون الانتخابات هي 2% من 251 مقعد والذي تصبح
5 مقاعد، وعلى افتراض أنه قد تقدم للترشح 20 مرشح ضمن هذه الفئة، ففي حال فاز مرشحين
منهم وفق نظام الفائز الأول، ضمن ألـ 150 فائزا، لن تتغير حصة هذه الفئة وسيبقى من
حقها الحصول على الخمسة مقاعد الخاصة بها، والتي ستمنح للخمسة المرشحين ممن حصلوا
على أعلى عدد من الأصوات الصحيحة.
ولمزيد من الايضاح نرسم الجدول التالي
الحزب
|
نسبة الأصوات في جميع الدوائر
|
عدد المقاعد وفقا للنظام النسبي
|
عدد المقاعد وفق نظام الفائز الأول
|
اجمالي المقاعد
|
الموتمر
|
24%
|
60
|
58
|
118
|
الإصلاح
|
22%
|
55
|
52
|
107
|
الاشتراكي
|
12%
|
30
|
6
|
36
|
مستقلين
|
-
|
-
|
7
|
7
|
حصة النساء
|
10%
|
25
|
-
|
25
|
الحوثيين
|
5%
|
12
|
5
|
17
|
حزب سلفي شمالي
|
4%
|
10
|
4
|
14
|
الناصري
|
3%
|
7
|
3
|
10
|
حزب حراكي 1
|
3%
|
7
|
4
|
11
|
حزب حراكي 2
|
3%
|
7
|
3
|
10
|
حزب سلفي جنوبي
|
3%
|
7
|
2
|
9
|
حزب اسماعيلي (حصة)
|
2%
|
5
|
2
|
7
|
حزب تهامي
|
2%
|
5
|
1
|
6
|
حزب حضرمي
|
2%
|
5
|
1
|
6
|
حزب التضامن
|
1 %
|
2
|
2
|
4
|
حصة للمهمشين
|
2%
|
5
|
صفر
|
5
|
احزاب اخرى
|
3%
|
8
|
|
8
|
الاجمالي
|
|
250
|
150
|
400
|
ميزات النظام
1-
بساطته وسهولة
تطبيقه،
2-
ستدفع الأحزاب
بأكبر عدد من المرشحين للحصول على أكبر عدد من الأصوات.
3-
سيسعى مرشحوا
الفئات إلى جذب اصوات منهم خارج الفئة التي ينتمون لها وهذا الأمر سيجعل هؤلاء
المرشحين ينفتحون على فئات المجتمع الأخرى.
4-
سيلائم هذا
النظام النظام الرئاسي
5-
لن يكون هناك
ضياع للاصوات.
6-
سيكون هناك
تمثيل لجميع المناطق الجغرافية.
7-
سيحقق تنوع
اجتماعي وسياسي وفئوي.
8-
ستدفع الأحزاب
بمرشحين ضمن نظام الحصص.
9-
يجنب الأحزاب
مخاطر الانقسامات أثناء تحديد القوائم الانتخابية.
10-
يشترط أن يفوز
المرشحين الأقوياء في دوائرهم الانتخابية، بما في ذلك مرشحي الفئات المخصص لها
حصص.
11-
أكثر عدالة
لمرشحي الفئات حين يسمح لأي مرشح بالنزول في الدائرة التي ينتمي لها
تعليقات
إرسال تعليق