عام على عاصفة الحزم !! الإنجاز الاخفاق
عام على عاصفة الحزم
الإنجاز والإخفاق
انتهى عام على انطلاق
"عاصفة الحزم"، - التسمية الرسمية للحملة العسكرية التي شنتها دول
التحالف العربي على اليمن بقيادة السعودية، في فجر يوم 26 مارس 2015 – وهي الحملة
التي لازالت مستمرة منذ ذلك الحين، رغم تغيير اسمها في 21 إبريل 2015 إلى عملية
"إعادة الأمل"[1].
فماذا حققت هذه الحملة؟
وما لم تحققه من أهداف معلنة، ومضمرة؟ وما هي عوامل النجاح/الفشل للحملة؟ وما هو
مستقبلها؟ وما هي خارطة القوى الفاعلة؟
هذه الأسئلة هي محور هذه الورقة، والتي سنحاول الإجابة عنها
من خلال مقارنة الأهداف، بالنتائج الفعلية على الأرض.
أهداف
العملية:
وضعت للحملة عدد من
الأهداف العلنية، فيما كانت هناك أهداف مضمرة، وفيما يلي ذكر لأهم هذه الأهداف:
1-
إعادة السلطة الشرعية لممارسة وظائفها
الدستورية، وفقا للدستور والمبادرة الخليجية، وإعادة العملية السياسية إلى المسار
التي كانت تمضي فيه.
2-
حماية الأراضي السعودية من أي تهديد.
3-
إنها النفوذ الإيراني في اليمن، وعودة
اليمن كمنطقة نفوذ سعودية، وهذا هو الهدف الرئيسي والمضمر من العملية.
4-
مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.
5-
إنشاء تحالف عربي/إسلامي سني في مواجهة
إيران.
المهام المطلوبة
لتحقيق أهداف الحملة:
1-
عودة الرئيس هادي وحكومته للعمل من العاصمة
صنعاء.
2-
انسحاب مليشيات الحوثي من جميع مناطق
اليمن، وتحديدا العاصمة صنعاء ومراكز المحافظات.
3-
تسليم مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية
والمدنية، التي سيطر عليها الحوثيون، للجهات الرسمية التي تعمل تحت سلطة الرئيس
هادي والحكومة.
4-
إعادة الأسلحة التي تم نهبها من مؤسسات
الجيش والأمن، من قبل مليشيات الحوثي، وحلفائهم.
5-
عودة أجهزة السلطة الرسمية للعمل في كل
مناطق اليمن.
6-
تأمين الحدود الجنوبية للسعودية من أي
أعمال عسكرية.
7-
استكمال العملية السياسية وفقا للمبادرة
الخليجية، وقرارات مؤتمر الحوار، والذي يتطلب تنفيذ الخطوات التالية:
أ-
استكمال الإجراءات الخاصة بطرح مسودة
الدستور، والذي نشرت مسودته في 17 يناير 2015[2]، على
الاستفتاء الشعبي.
ب-
إجراء الانتخابات النيابية، والمحلية،
والرئاسية، وفقا للجداول المقترحة في مسودة الدستور.
8-
نزع سلاح مليشيات الحوثي، وتحجيم قوتها
العسكرية والسياسية إلى أدنى حد أو إنهائها.
9-
منع إيران من لعب أي دور في اليمن.
10- تدمير الأسلحة الإستراتيجية التي بيد القوى المعادية للسعودية، أو تحت
نفوذها.
11- إعادة
اليمن كمنطقة نفوذ سعودية، والذي يتم من خلال الأتي:
أ- منع أي
علاقة للقوى السياسية اليمنية، الرسمية والحزبية، من الارتباط مع أي قوة معادية
للسعودية كإيران والقوى التي تدور في فلكها ( حزب الله ، القوى الشيعية في الخليج
والعراق، الحكومة السورية)
ب-
إنهاء أو تحجيم تنظيم القاعدة/داعش في
اليمن.
ت-
إخضاع جميع القوى السياسية اليمنية للنفوذ
السعودي، ومنع أو إضعاف أي نفوذ لأي دولة منافسة كقطر، أو حليفة كالولايات المتحدة
وغيرها.
ث-
رسم الخارطة السياسية، وتوجهات الدولة
اليمنية، وفقا لما تراه السعودية.
الإنجازات:
بالنظر إلى الواقع على
الأرض بعد عام من الحملة نجد أن الانجازات متواضعة للغاية. فمعظم الأهداف، إن لم
يكن كلها؛ لم تتحقق، وقليل منها تحقق بشكل جزئي مثل:
1-
كان الإنجاز الرئيسي للحملة هو منع
الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق صالح من السيطرة وحكم اليمن، فالحملة بالشكل الذي
بدأت عليه كانت بمثابة رسالة قوية لهم بأن هناك رفض إقليمي لحكمهم اليمن.
2-
عودة محدودة للرئيس هادي ورئيس الحكومة
وعدد من الوزراء؛ إلى بعض مناطق اليمن وتحديدا مدينة عدن، إلا أن هذه العودة لم
تؤدي إلى تفعيل مؤسسات الدولة في عدن والمناطق التي خرجت من تحت سيطرة الحوثي. فلا
وجود لأجهزة الدولة المركزية في عدن، فأجهزة الدولة (الوزارات ، البنك المركزي ،
وغيرها) المنوط بها إدارة مؤسسات الدولة لازالت تعمل من صنعاء، ولا وجود لأي أجهزة نظيرة في عدن.
وهو الأمر الذي أفقد عدن صفة العاصمة المؤقتة لليمن. ومن الأمور المثيرة للدهشة أن
مرتبات موظفي الدولة في المناطق الخاضعة أسميا للسلطة الشرعية، أو تنظيم القاعدة؛ لازالت
تأتي من الأجهزة التي يسيطر عليها الحوثيين في صنعاء.
3-
دحر الحوثيون من بعض المحافظات التي كانوا
مسيطرين عليها قبل الحملة وأثنائها؛ ومن هذه معظم المحافظات الجنوبية، وبعض أجزاء
من محافظات مارب وتعز وحجة.
4-
تدمير جزء من الأسلحة الإستراتيجية،
كالطيران وبعض بطاريات الدفاع الجوي، والصواريخ بعيدة المدى.
5-
منعت الحملة الحوثيين من التمدد باتجاه
المحافظات الشرقية (حضرموت ، المهرة).
6-
حرمت الحملة الحوثيين من الاستفادة من عوائد
النفط والغاز، بعد أن فرضت الحصار البحري والجوي، وهو ما أدى بشكل مباشر وغير
مباشر إلى توقف تصدير النفط عبر المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين.
7-
استنزفت الحملة جزء كبير من الموارد
العسكرية والبشرية والمادية للحوثيين والرئيس السابق صالح.
8-
حدت الحملة من الدعم الإيراني للحوثيين،
حيث أدى الحصار البحري والجوي؛ إلى منع إيران وحلفائها من مد الحوثيين بالأسلحة
عبر المنافذ الرسمية لليمن.
الإخفاقات:
أن أهم أخفاق واضح
للحملة هو طول الفترة الزمنية، وتواضع الانجازات، مقارنة مع الآمال الكبيرة التي
رافقت الحملة حين انطلاقها، والموارد الضخمة التي خصصت لها؛ فمعظم المحللين كونوا
يتوقعون بأن تحقق الحملة أهدافها الرئيسية خلال بضعة أشهر، فيما الواقع على الأرض
يشير إلى أن الحملة بعد عام لا زالت بعيدة من تحقيق أي من أهدافها الرئيسية. وعلى
العكس من ذلك؛ ساهمت الحملة بشكل أو أخر في المزيد من تعقيد أوضاع اليمن، وهو ما قد
يوصم الحملة بالفشل.
ويمكن اختصار إخفاقات
الحملة في النقاط التالية:
1-
ساهمت الحملة في زيادة هشاشة الدولة
اليمنية، والذي يمكن ملاحظته في المظاهر التالية:
أ- أججت الحملة العنف في اليمن، وفككت النسيج الاجتماعي لليمن، فاليمن
أصبح منقسما، أكثر بكثير عما كان عليه قبل الحرب، وقد أتخذ هذا الانقسام أشكال عدة
جهوية (شمال- جنوب ، يمن أسفل – يمن أعلى) ومذهبية (سنة – زيود).
ب- أدت الحملة إلى تقوية الحركة الانفصالية في الجنوب، ففي معظم مناطق
الجنوب لم يعد لمؤسسات الدولة اليمنية أي وجود، وتصدرت القوى الانفصالية المشهد
السياسي في الكثير من مناطق الجنوب، حيث أصبح قادة الانفصال هم المسؤولون التنفيذيون
عن عدد من المحافظات الجنوبية.
إلى جانب ذلك؛ تمكنت القوى الانفصالية من تشكيل قوات مسلحة، بفضل
الدعم الذي قدمته بعض دول التحالف، وهو الأمر الذي سيزيد من فوضى السلاح في اليمن.
ت- ساعدت الحملة تنظيم القاعدة/ داعش من السيطرة على مناطق شاسعة، وذات
أهمية إستراتيجية، فبعد مرور سنة على الحملة، أصبحت هذه الجماعات تسيطر فعليا على
الجزء الساحلي من محافظة حضرموت الغنية بالنفط، وعلى أجزاء كبيرة من محافظات أبين،
ولحج، وشبوه ، وبعض مناطق محافظة عدن.
وقد أدى ذلك إلى حصول هذه التنظيمات على موارد مالية كبيرة يساعدها
على المزيد من التمكن في اليمن، وتهديد بقية العالم.
ث- ساهمت الحملة في ملشنة الدولة، حيث انتشرت الجماعات المسلحة، والتي
يقاتل بعضها تحت عنوان دعم الشرعية ومقاومة الحوثيين، وأهم هذه الجماعات هي القوى
السلفية، والتي حظيت بدعم خاص من بعض دول التحالف. وخطورة هذه الجماعات أنها
متعددة وليس لها قيادة مركزية واحدة، إضافة إلى أن أفكارها تتشابه وأفكار تنظيمي
القاعدة وداعش. وهو الأمر الذي قد يعمل على تعزيز هذه التنظيمات في المستقبل.
ج- نتيجة للحرب توقف معظم إنتاج أليمن من النفط والغاز، فالشركات
الأجنبية جمدت نشاطها أو انسحبت من مناطق الإنتاج، ومعظم الشركات المحلية لم تعد
قادرة على الإنتاج نتيجة توقف عمليات التصدير من مينائي المكلا على البحر العربي،
والذي تسيطر عليه القاعدة، وميناء رأس عيسى على البحر الأحمر الخاضع للحصار
البحري.
وتوقف إنتاج النفط والغاز يحرم الدولة اليمنية من أهم مصادر الدخل،
فهاتين المادتين كانتا توفران للحكومة اليمنية أكثر من 70% من دخلها، وهو ما يعني عجز
الحكومة عن القيام بوظائفها الأساسية.
ح- خلقت الحملة كارثة إنسانية في اليمن، نتيجة الحصار، والحرب في بعض
المناطق، وتوقف معظم النشاط الاقتصادي، ونزوح السكان، ونقص المشتقات النفطية،
وتوقف معظم محطات الكهرباء، وشبكات الماء.
ووفقا للتقارير الصادرة عن المنظمات التابعة للأمم المتحدة فإن أكثر
من 80% من السكان يحتاجون لمساعدات غذائية[3]،
وما يقارب نصف السكان على شفاء المجاعة[4]، ومن المحتمل أن يزداد الوضع تدهورا في حال
استمرت الحرب بنفس وتيرتها الحالية.
خ- أدت الحرب إلى إضعاف أجهزة الدولة في جميع مناطق اليمن، وتحديدا
المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين، ففي هذه المناطق لم يعد هناك من وجود حقيقي
للسلطة، وخاصة الأجهزة الحيوية (الجيش ، الأمن ، الاستخبارات) وقد حلت محلها قوى
محلية وجماعات مسلحة وتنظيمات إرهابية.
وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ ازداد تغلغل مليشيا الحوثي في
المؤسسات الحيوية للدولة، تحت مبرر مواجهة "العدوان الخارجي"، والنتيجة
العامة لذلك هي تفكيك مؤسسات الدولة لصالح المليشيات.
د- ساهمت الحملة في أضعاف الأحزاب السياسية، لصالح المليشيات، فيما بعض
الأحزاب السياسية؛ كحزب الإصلاح مثلا، تحول في بعض المناطق إلى مليشيات مسلحة.
وتراجع دور الأحزاب يُـصعب من عودة العملية السياسية، ويفقد المجتمع أهم مؤسسات
الضبط الاجتماعي الحديثة.
2-
صمود الحوثيين، فعلى الرغم من ضخامة الهجمة
العسكرية، والموارد التي حشدت لها، إلا أنها لم تؤدي إلى إضعاف الحوثيين، فالهجمات
الجوية لم تتمكن من اصطياد أي قيادي حوثي من الصف الأول. كما أن بنية الحوثيين
السياسية والعسكرية لم تتأثر بالحرب، فلا زالت مؤسساتهم قادرة على الحشد والتجنيد،
والمبادرة في الكثير من الجبهات.
من جانب أخر؛ ساعدت الحملة الحوثيين من التغلغل والسيطرة على أجهزة
الدولة بعد الحرب، وخاصة أجهزة الجيش والأمن، فقبل الحرب كان هناك عدد من الأجهزة التي
كانت تقاوم سيطرة الحوثي عليها، مثل قوات الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، وجهاز
الأمن القومي، وبعد الحرب استسلمت هذه الأجهزة لسيطرة الحوثي، تحت مبرر التصدي
المشترك " للعدوان".
وبعد عام من الحملة نجد أن الحوثيين أصبحوا مهيمنين على أجهزة الدولة
بأكبر مما كانوا عليه قبل الحرب.
3-
الفشل في تعزيز السلطة الشرعية؛ فبعد مرور
عام على الحرب، نجد أن سلطة الرئيس هادي وحكومته ضعيفة، إن لم تكن معدومة، في جميع
مناطق اليمن، بما فيها المناطق، التي هي نظريا تخضع لها، مثل عدن ومارب والجوف،
ففي هذه المناطق لا وجود حقيقي لقوات عسكرية أو أمنية تابعة بشكل مباشر للرئيس
والحكومة، فمعظمها إما أنه يتبع لقوى الحراك الانفصالي، كما هو الحال في بعض مناطق
الجنوب، أو حزب الإصلاح والجماعات السلفية في المناطق الأخرى.
ويرجع سبب ذلك إلى الأداء الضعيف للرئيس هادي وأعضاء حكومته، وإلى عدم
تشكيل أجهزة إدارية حقيقية للحكومة. إلى جانب عدم توفر الموارد المالية لتسيير عمل
الدولة، فالأجهزة الحكومية، والقوات التابعة للسلطة الشرعية، تعتمد بشكل كامل
ومباشر على دول التحالف في تمويلها والإشراف عليها.
وتتحمل دول التحالف المسئولية في ذلك؛ كونها لم تقم بتأسيس جهاز دولة
حقيقي يوازي الجهاز الذي يسيطر عليه الحوثيين، والرئيس السابق في صنعاء.
أسباب
الفشل:
يظهر من سياق الأحداث
أن دول التحالف، وتحديدا السعودية، لم تكن تمتلك دراية كافية بتعقيدات الوضع في
اليمن، وهو الأمر الذي جعل الحملة تبدو دون رؤية أو خطة واضحة، والذي يمكن
استنتاجه في النقاط التالية:
1-
بالغت الحملة في أهدافها المعلنة أو
المضمرة، حين توقعت بأنها قادرة على إلحاق هزيمة كاملة بالحوثيين والرئيس السابق
خلال فترة وجيزة دون أن يكون لديها الوسائل والإمكانيات الكافية لتحقيقها.
2-
غاصت الحملة في الأجندات الذاتية لحلفائها
اليمنيين، حيث وجدت بعض القوى اليمنية في الحملة العسكرية فرصة ذهبية لتحقيق
أجنداتها الخاصة، ففريق الرئيس هادي، والانفصاليين الجنوبيين؛ أرادوا من الحملة تعزيز
موقع الجنوب وإضعاف الشمال، ولهذا السبب وجهوا الحملة باتجاه إخراج قوات الجيش
والأمن من الجنوب، وتدمير هذه المؤسسات في بقية مناطق اليمن، على اعتبار أن هذه
المؤسسات يهيمن عليها الشماليون، وتدميرها سيعمل على إضعاف الشمال، وهو الأمر الذي
يساعد الانفصاليون على إعلان الدولة في الجنوب، أو إعادة صياغة الوحدة على أسس
جديدة، يكون للجنوب ثقل سياسي وعسكري أكبر أو موازي لقوة الشمال.
ولتحقيق ذلك الغرض؛ تم التحريض على الجيش اليمني ومؤسسات الدولة
اليمنية باعتبارها أصبحت تابعة للحوثيين أو أنها تدين بولائها للرئيس السابق صالح.
ولم يقتصر الموقف من الجيش اليمني، والمؤسسات الأمنية، على القوى
الجنوبية، بل أن بعض القوى المحسوبة على الشمال، مثل حزب الإصلاح وخصوم الرئيس
السابق صالح، كان لها موقف مشابه من هذه القوات.
وفي كل الأحوال؛ كانت هناك مصلحة لكلا الفريقين من ضرب الجيش اليمني
وتدميره، فكلاهما كان يريد أن يعزز مراكزه وإضعاف خصومه.
ووفقا لذلك؛ ارتكبت الحملة العسكرية خطاء كبير حين استهدفت جميع
المؤسسات العسكرية والأمنية لليمن، وهو ما جعل الحوثي يحولها لصالحه، بعد أن أصبحت
في حالة استهداف مباشر من قوات التحالف.
وقد كان الأفضل لقوات التحالف أن تركز جهودها باتجاه إضعاف مليشيا
الحوثي، وبتدمير الأسلحة الإستراتيجية، كالطيران والصواريخ بعيدة المدى، خشية
وقوعها في يد الحوثيين، وتحييد القوات التابعة للدولة اليمنية أو تشجيعها للانضمام
للسلطة الشرعية. فالقوات الحكومية، خاصة الضباط العاديين والجنود، لا يمكن
اعتبارها موالية بشكل مطلق للرئيس السابق صالح، كما أن الكثير من أفرادها كانوا معارضين
لسيطرة الحوثيين على الدولة.
3-
المبالغة في استخدام القوة، وتدمير
المنشئات العامة، وتكثيف الضربات على المدن الرئيسية، وتحديدا العاصمة صنعاء، دون
أن يكون هناك جدوى عسكرية أو سياسية، وقد أدى هذا السلوك إلى تأليب جزء كبير من
الرأي العام الداخلي ضد التحالف، ومن ثم اصطفافه إلى جانب الحوثيين والرئيس السابق.
وقد كان الأجدى أن تستخدم القوة الجوية في دعم القوات البرية المناوئة للحوثيين في
جبهات القتال.
4-
فرض الحصار على اليمن دون التنبه إلى
نتائجه العكسية، فقد أدى ذلك الحصار إلى كارثة إنسانية، خاصة في الأشهر الأولى
للحرب، حين كان الحصار شديدا؛ ففي تلك الفترة حدثت أزمة خانقة في الوقود وبعض
السلع الغذائية، تسببت في تعطل جزء كبير من الخدمات العامة كالكهرباء والمياه
والصحة، وتوقف العملية التعليمية في مناطق كثيرة من اليمن.
وقد نتج عن ذلك تراجع كبير في التأييد الداخلي للحملة، والى زيادة الانتقادات
الخارجية من قبل الأمم المتحدة والكثير من المنظمات الحقوقية، وبعض الدول الكبرى.
ويبدو أن فرض الحصار بذلك الشكل أتى نتيجة حسابات خاطئة للفترة التي ستستغرقها
العملية، ولردود أفعال الحوثيين والرئيس السابق صالح.
5-
كان من أهم أخطاء الحملة اعتمادها على الرئيس
هادي، فالرئيس هادي لا يمتلك المؤهلات الذاتية أو الموضوعية التي تجعله يتصدر
المشهد في هذه الحملة، فمؤهلاته القيادية معدومة تقريبا، كما أنه لا يملك شعبية في
جميع مناطق اليمن، تقريبا، بما في ذلك المناطق الجنوبية التي ينتمي لها، كما أنه
لا يمتلك حزب سياسي أو قوة قبلية أو اجتماعية ذات شأن.
ورئيس بتلك المواصفات؛ لا يمكنه أن يدير حرب كبيرة ومعقدة كالحرب
الدائرة في اليمن، والتي تحتاج إلى حنكة سياسية قادرة على تفكيك التحالفات التي
نسجها الحوثيين، وحشد اكبر عدد من سكان اليمن، بمختلف تنوعاتهم السياسية والجهوية
والمذهبية ضد الحوثيين.
وعلى العكس من ذلك ساهمت الرئاسة الركيكة لهادي في تقوية الحوثيين
والرئيس السابق صالح، الذي استفادوا من حالة الفراغ في القيادة، خاصة في المناطق
الشمالية، والتي لا يثق معظم سكانها في هادي والفريق المحيط به، المنحدرين كلهم،
تقريبا، من الجنوب.
وقد كان من المفروض على قوات التحالف أن تستعين بقيادات شمالية وتدفع
بها إلى هرم السلطة الشرعية لجذب الكثير من الشماليين الرافضين لسيطرة الحوثيين.
6-
غياب الجهاز الإداري والعسكري للسلطة
الشرعية، فمنذ بداية الحرب لم تقم دول التحالف بإنشاء هياكل إدارية وعسكرية للقوات
اليمنية الموالية للشرعية. وقد أدى ذلك إلى غياب التنظيم الفعال للقوات التي تقاتل
الحوثيين، وتحولها إلى قوى مبعثرة لا رابط بينها، وذات أجندات مختلفة وربما
متعارضة.
بمعنى
أخر؛ لم يتم تشكيل قوات عسكرية ولائها للسلطة الشرعية وتدار من قبل وزارة الدفاع
ورئاسة الأركان، وعوضا عن ذلك تم تجميع بعض الأفراد المحسوبين في معظمهم على قوات
الفرقة الأولى مدرع، والتي كان يرأسها علي محسن الأحمر، ورجال القبائل وعدد من
المحسوبين على حزب الإصلاح والسلفيين في معسكرات محددة. فيما بقية القوى التي
قاتلت الحوثيين كانت من الانفصاليين الجنوبيين وبعض القوى السلفية، وربما بعض
أفراد من القاعدة[5].
وقد أدى ذلك الغياب إلى ضعف أداء هذه القوات، وعدم انضمام قوات رئيسية
من القوات المسلحة اليمنية للشرعية، فالقوات التي انضمت للشرعية في بعض المناطق،
كاللواء 35 في تعز لم يجدوا هياكل لأجهزة السلطة الشرعية تستوعبهم وتديرهم وتتولى
شئونهم، ففي نهاية الشهر الذي أعلنوا فيه الانضمام لم يجدوا رواتب لهم من قبل
الحكومة، والتي لم تكن قد أنشئت حينها رئاسة أركان.
7-
غياب الحليف السياسي/العسكري المحلي الذي
تطمئن له دول التحالف، فالقوى المؤيدة للحملة إما أن لديها أجندات خاصة كحال القوى
الانفصالية في الجنوب، أو أنها قوى لا تعتبرها دول التحالف حلفاء حقيقيين، مثلما
هو الحال مع حزب الإصلاح، والذي تتعامل السعودية معه بكثير من الشك، فيما الإمارات
تعتبره عدو.
ونتيجة لذلك؛ كانت دول التحالف تقدم رجل وتأخر أخرى في تعاملها مع
القوى التي تقاتل الحوثيين في اليمن، وقد ساهم ذلك في ضعف أداء هذه القوات، والذي
نجد خير شاهد عليه ما حدث ويحدث في مدينة تعز.
8-
حين انطلاق عاصفة الحزم تم الإيحاء بأن
هناك حلف عربي/ إسلامي في طريقه للتشكل، وقد كانت الأخبار المصاحبة للعاصفة تشير
إلى أن هناك دول كبيرة مثل باكستان ومصر سترسل قوات عسكرية ضخمة لليمن، ولكن كل
تلك التوقعات تبخرت بعد أن رفض البرلمان الباكستاني[6]
إرسال إي قوات للمشاركة في العاصفة، تبعها موقف مصري مشابه، وإن كان غير معلن[7].
وإلى جانب ذلك؛ بدأ أن الكثير من دول التحالف لم تشارك في الحملة إلا
بمشاركات رمزية، لتصفى العملية بعد عام من الحملة على مشاركة فعلية من قبل دولتين
فقط هما السعودية والإمارات، يضاف لهما مشاركات محدودة من السودان والبحرين.
وقد أدى تراجع الدعم الذي كان متوقع من الدول الكبرى في التحالف إلى
مراجعة الكثير من الخطط العسكرية وتحديدا تلك المتعلقة بالعمليات البرية.
9-
التسامح مع القوى الانفصالية في الجنوب، من
خلال رفع الأعلام الانفصالية في الجنوب،
وتشكيل قوات عسكرية من القوى الانفصالية، وتعيين قادة انفصاليين في المناصب
الرئيسية في المحافظات الجنوبية التي انسحب منها الحوثيين.
وقد أدى تصعيد النزعة الانفصالية بالتزامن مع الحملة العسكرية، إلى
إيصال رسائل سلبية لأغلبية اليمنيين، حيث نظر هؤلاء للحملة وكأنها تهدف إلى فصل
الجنوب وتفكيك اليمن، وهو الأمر الذي استغله الحوثيين والرئيس السابق صالح، لتأليب
اليمنيين ضد الحملة، وإظهار أنهم من يدافع عن الوحدة اليمنية.
بالإضافة إلى ذلك؛ منعت الحركة الانفصالية تحويل عدن إلى عاصمة مؤقتة،
بعد أن هددت القوى الانفصالية بأنها ستمنع المسئولين الحكوميين المنتمين للشمال من
الدخول إلى عدن ناهيك عن السماح لهم بممارسة أعمالهم منها.
وإلى جانب ذلك؛ ساهمت الحركة الانفصالية في الفوضى الأمنية في عدن، إذ
منع الصراع والتنافس فيما بين القوى الجنوبية من تشكيل قوات عسكرية وأمنية لمدينة
عدن والمناطق الأخرى. فكل طرف يريد أن يستحوذ على أكبر نسبة من هذه القوات، وهو
الأمر الذي حد من تشكيلها، والاكتفاء بتشكيل قوى هلامية تتبع قادة الجماعات
المسلحة، والذين هم أقرب إلى أمراء الحرب، وهي القوة التي لا يمكن الاعتماد عليها
في بسط الأمن داخل هذه المناطق.
وعدم التمكن من جعل عدن عاصمة مؤقتة، إلى جانب الفوضى التي عاشتها،
بعد خروج الحوثيين أظهر عجز السلطة الشرعية ومن خلفها قوات التحالف أمام الداخل
والخارج. كما أنه حرمها من أن تخلق أجهزة سلطة بديلة للأجهزة الموجودة في صنعاء.
10-
دعم
القوى السلفية وهو الأمر الذي منح الصراع صبغة مذهبية، وهو ما ساهم في تفكيك
النسيج الاجتماعي. إلى جانب الخطورة المتمثلة في القرب الفكري لهذه الجماعات من
التنظيمات الإرهابية.
11- الافتقار للأداء المؤسسي من قبل دول التحالف،
وتحديدا من السعودية والإمارات، في تعاملها مع الشأن اليمني، وهو ما أدى إلى اتخاذ
قرارات غير مدروسة، ناتجة عن انطباعات شخصية لصانعي القرار، من خلال تفاعلهم مع
بعض الشخصيات اليمنية.
12- عدم
تفعيل مؤسسات الدولة اليمنية وإدارة الشأن اليمني بشكل مباشر من قبل الحكومة
السعودية والإماراتية، عبر شخصيات يمنية، وقد أدى ذلك إلى انتشار الفساد وهدر
الكثير من الأموال، وعدم وصولها للجهات التي خصص لها، مثل القوات التي تقاتل
الحوثيين والإعلاميين، وغيرهم. وقد راجت الكثير من الأخبار حول عدم استلام هؤلاء
لرواتبهم لعدة أشهر، ووجود حالات فساد ضخمة من قبل مسئولين حكوميين[8].
13- غياب
القوة الكافية للقيام بعمليات عسكرية كبرى، أو حتى نوعية داخل اليمن، فدول التحالف
الكبيرة لم تتحمس بإرسال قوات لليمن، والدولتان الوحيدتان اللتان قررتا إرسال قوات
لليمن كانتا السعودية والإمارات، وهاتان الدولتان لا تمتلكان قوات كافية ومدربة
للأعمال الحربية الكبيرة في منطقة مثل اليمن، كما أنهما لا تستطيعان تحمل الخسائر
الكبيرة في جنودهما. وهو ما أتضح حين اضطرتا لسحب معظم جنودهما من مارب وعدن بعد أن
تعرضتا لخسائر بشرية[9].
أما القوات اليمنية فيما يسمى بقوات الجيش الوطني والمقاومة فإنها حتى
الآن لا زالت ضعيفة وغير قادرة على إحداث هزيمة ساحقة بالحوثيين خاصة في المناطق
الجبلية الوعرة. وغياب القوة العسكرية الضرورية لإحراز النصر أدى إلى تقدم محدود
في معظم الجبهات.
14-
ضعف القوة الناعمة من قبل دول التحالف، فخلال
فترة الحرب لم تقم دول التحالف بمساعدات مالية ضخمة لليمنيين، وتحديدا المتضررين
من الحرب، كما أن التعامل مع اليمنيين في دول مجلس التعاون لم يتغير عما كان عليه قبل الحرب، باستثناء منح السعودية لليمنيين
المقيمين على أراضيها بصورة غير شرعية إقامة لمدة ستة أشهر، والسماح لعدد من
اليمنيين بالدخول والإقامة في السعودية[10].
فيما أبقت دول الخليج على تشددها في منح اليمنيين تأشيرة دخول إلى أراضيها أو
إقامة عمل.
وقد أدى ذلك إلى إحساس غالبية اليمنيين إلى أن هذه الحرب لن تسفر عن أي
تغييرات حقيقية في علاقة اليمن مع جيرانه الأغنياء، والتي يرى معظمهم أنها تقوم
على التجاهل والاستعلاء.
15-
ارتفاع الخسائر بين المدنيين نتيجة الغارات
الجوية، والتي تقدرها المنظمات الدولية بأكثر من ثلاثة ألاف قتيل، بينهم عدد كبير
من الأطفال[11]،
وقد أدت هذه الخسائر إلى زيادة المعارضين للحرب في اليمن، وتحديدا في المناطق
الزيدية، وهو الأمر الذي رفع من حجم الدعم الشعبي للحوثيين في هذه المناطق.
إضافة إلى ذلك؛ أدت هذه الخسائر إلى زيادة الضغوط الدولية، ومن الدول
الغربية تحديدا، على السعودية والإمارات لوقف الحرب، خاصة بعد أن طالبت بعض
البرلمانات والمنظمات الحقوقية في هذه الدول بمنع توريد الأسلحة كون الضربات
الجوية قد انتهكت القانون الدولي الإنساني[12].
16- عدم وضوح أهداف الحرب والمشروع البديل للحوثيين، أدى إلى زيادة
المعارضة اليمنية للحرب، فالحديث عن عودة الشرعية للرئيس هادي لا يعتبر بالنسبة
لغالبية اليمنيين هدف يستحق الحرب، فالرئيس هادي ليس له أية شعبية تذكر، كما أن
الكثيرين يحملونه السبب فيما جرى في اليمن، وبالتالي لم يكن مقنعا لهؤلاء أن
يخوضوا حرب من أجل أعادة هادي للسلطة.
وقد ارتكبت دول التحالف هذا الخطاء حين لم تقم بإيصال شخصيات ذات ثقل
شعبي بجوار هادي، إلى جانب أنها لم تقم بتفعيل أجهزة السلطة في المناطق التي خرج
منها الحوثيين، وسيطرة الفوضى والجماعات الإرهابية على هذه المناطق، وهو ما أدى
إلى تخوف الكثير من اليمنيين، خاصة في المناطق الشمالية من نتائج الحرب. وظهر
الأمر بالنسبة لغالبية اليمنيين وكأن هناك أجندات خفية للسعودية والإمارات غير
إعادة الشرعية.
17-
حين انطلاق عاصفة الحزم ترافق معها تصريحات من
مسئولين وكتاب خليجين بضرورة دمج اليمن ضمن دول الخليج، بعد انتهاء الحملة
العسكرية؛ إلا أن اليمنيين لم يشعروا بأن هناك خطوات حقيقية للدمج إثناء الحملة،
وهو الأمر الذي كان من الممكن استثماره لحث اليمنيين للتخلي عن الحوثيين بكونهم
المعرقلين لهذا الدمج.
18- من
الأخطاء الرئيسية للحملة العسكرية أنها تعاملت مع الحركة الحوثية، وكأنها حركة
مسئولة، حين قامت بفرض الحصار، واستهدفت البنية التحتية، وهو ما كانت تعتقد بأنه
سيؤدي إلى استسلام الحوثيين من أجل تجنيب اليمن المزيد من الأضرار، وهو ما لم
يحدث، ويرجع السبب إلى طبيعة الحركة الحوثية والتي تفكر بذهنية المليشيا والمنظمة
السرية، وحركة بهذا الشكل لا يهمها تدمير المنشئات العامة أو الخسائر البشرية، بل
العكس هو الصحيح إذ أنها استثمرت الحصار وتدمير المنشات العامة والخسائر المدنية
في تأليب الرأي العام الداخلي ضد الحرب.
19- التساهل
مع القاعدة وتمددها في بعض المناطق، فحين قامت القاعدة بالسيطرة على مدينة المكلا،
صرح المتحدث العسكري لقوات التحالف بأن قوات التحالف لن تستهدف القاعدة[13]،
وهو الأمر الذي أعطى رسائل خاطئة لهذه الجماعات ساهمت في تمددها.
وكان ينبغي على دول التحالف أن توسع من عملياتها لتشمل القاعدة
والتنظيمات المشابهة لها، إضافة إلى دعم القوات اليمنية في محاربتها على الأرض.
وعدم قيامها بذلك أدى إلى تمدد هذه الجماعات وزيادة نفوذها، وهو الأمر الذي ساهم
في زيادة الضغوط الدولية على السعودية والإمارات لوقف الحرب في اليمن. فالكثير من
الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة تخشي من قوة تنظيم القاعدة في اليمن وتعتبر هذا
الأمر أولوية قصوى في تعاملها مع الشأن اليمني، ومن ثم فإن هذه الدول عارضت
استمرار الحرب، ومارست ضغوط كبيرة على السعودية لوقفها.
الخارطة السياسية والعسكرية لأطراف النزاع بعد عام على الحملة
يمكن تلخيص الخارطة
السياسية والعسكرية في اليمن بعد مرور عام على العاصفة بأنها أصبحت أكثر تعقيدا
عما كانت عليه عشية الحرب؛ فأطراف الصراع تعددت وتشظت، وكثرت الأجندات الداخلية
والخارجية.
وأهم ما حصل هو عجز
جميع اللاعبين المحليين والخارجيين من التحكم بمجريات الأحداث وفق ما يريدونه، وهو
ما يعني بأن الجميع أصبح في وضع يشبه المأزق، فلا الحوثيين قادرين على النصر
والصمود لفترة طويلة، ولا دول التحالف، ومن خلفها القوات المحلية الموالية لها؛
قادرة على الحسم العسكري السريع والواضح.
وكل هذا يتم في دولة
قريبة من حالة الانهيار، فسلطات الدولة في حالة تأكل، ومعظم الموارد الاقتصادية
معطلة، وهناك انهيار للخدمات العامة، ونصف السكان قريبين من حالة المجاعة، حسب ما
تقوله المنظمات الدولية.
وفي وضع كهذا؛ لا يمكن
الاستمرار في الحملة العسكرية من قبل دول التحالف لفترة طويلة، كما أن إيقافها في
هذه المرحلة لن يخلق السلام وإنما قد يبعثر الحرب وينقلها لمستويات أخرى. فيما
التسوية السياسية تبدو بعيدة المنال، على الأقل وفق المعطيات الراهنة.
ولإيضاح الصورة سنحاول
تصوير الخارطة السياسية للقوى الفاعلة، من حيث توزيعها الجغرافي، ونقاط القوة
والضعف التي تملكها، وسنبدأ بالحركة الحوثية كونها الطرف الرئيسي في المعادلة.
أولا
الحوثيين:
لا يبدو أن الحملة
العسكرية قد أدت إلى إحداث ضعف رئيس في الحركة، فلا زالت الحركة تسيطر هي وحليفها
الرئيس السابق على المناطق الرئيسية من اليمن، والتي تضم أكثر من 70% من عدد
السكان، بما في ذلك المدن الرئيسية وتحديدا العاصمة صنعاء.
كما أن الجسم السياسي
والعسكري للحركة لا زال قويا، وهو ما يمكن التأكد منه من خلال استمرار الحركة في
الصمود في المناطق التي لا زالت تسيطر عليها، إذ أن الحركة لم تخسر إلا القليل من
المناطق التي تعد مناطقها الحيوية، فحتى الآن لا زالت كل المناطق المحسوبة على
المذهب الزيدي تحت سيطرتها باستثناء بعض الجيوب الصغيرة في مناطق مارب ونهم شرق
صنعاء، والجوف. إلى جانب سيطرتها الكاملة على عدد من المحافظات غير الزيدية مثل
الحديدة وأب وريمة، وأجزاء واسعة من محافظة تعز.
وأخطر ما في الأمر أن
المناطق التي لازالت تحت سيطرة الحوثيين، وحليفهم صالح هي أصعب المناطق اليمنية
حيث التضاريس الصعبة والمحاربين الأشداء، وهو ما يعني صعوبة اختراق هذه المناطق من
قبل الطرف الأخر.
إلى جانب ذلك؛ لازالت
الحركة قادرة على الهجوم والمبادرة حتى في بعض المناطق الجنوبية، ناهيك عن تعز التي
لا زالوا محاصرين لها.
وما يجعل الحركة في وضع
قوي هو قدرتها الهائلة على الحشد والتجنيد خاصة في المناطق القبلية. وقد ساعدها
على ذلك؛ الخبرة الكبيرة التي تمتلكها الحركة، والتي تستمدها من تراث الأئمة الذي
تستلهمه الحركة بشكل أو أخر، وهو التراث الذي أمتد لأكثر من ألف عام في كيفية حكم
اليمن وتحديدا في المناطق القبلية.
ومن نقاط القوة التي
تملكها الحركة سيطرتها على أجهزة الدولة ومواردها وتوظيفها في خدمتها، بما في ذلك
الجيش وأجهزة الأمن والمخابرات.
ويساعد الحركة على ذلك؛
بنائها الشمولي الصارم، فالحركة تدار من قبل تنظيم سري يمسك بجميع المؤسسات الحيوية
في المناطق التي تخضع لسيطرتها، وهو الجهاز، الذي يعتقد أن إيران وحزب الله ساهما
في تشكيله. وما يجعل هذا الجهاز فعال استعداده لممارسة العنف والقمع ضد كل
المعارضين لتوجهات الحركة.
وتعمل الإيديولوجية
الصارمة، التي يعتنقها جزء مهم وفاعل من أفراد الحركة، على توفير مقاتلين مستعدين
للموت من أجل الحركة، وهو الأمر الذي يساهم في تماسك الحركة، ويمنحها القوة
والفاعلية مقارنة ببقية القوى الأخرى.
إلى جانب ذلك؛ تعد
الحركة الحوثية حركة فتية، فمتوسط عمر قادتها لا يتجاوز ألأربعين عاما.
غير أن نقاط الضعف
الرئيسية للحركة هو غياب مشروعها السياسي القادر على جمع أعداد كبيرة من اليمنيين
حوله، فالمشروع لازال غامضا؛ حيث يبدو عبارة عن خليط من إحياء الزيدية السياسية،
والتي هي في جوهرها إحياء للحكم الإمامي بصيغة جديدة، واستنساخ لنموذج حزب الله
وولاية الفقيه في إيران. وهذه النماذج كلها ليس لها قدرة على الحياة بسبب معارضة
الأغلبية السنية في الداخل والسعودية ودول الخليج في الخارج.
ونتيجة لغموض المشروع
السياسي للحوثيين؛ فإننا نجد أن ممارساتهم للسلطة لم تخرج عن ذهنية المليشيات،
فمنذ دخولهم صنعاء وحتى بعد إعلانهم الدستوري لم يستطيعوا أن يعلنوا أنفسهم كسلطة
انقلاب ويؤسسوا لسلطات حقيقية في الدولة.
ومن المحتمل أن
الحوثيين لن يتمكنوا من التقدم خطوة للأمام باتجاه تأسيس مثل تلك السلطات
وشرعنتها، فمشروعها هو من الضعف الذي يجعله غير قادر على خلق سلطة شرعية وإن
بالحدود الدنيا.
وبعد مرور سنة على
الحرب لا يُـعرف بالضبط أهداف الحركة أو خططهم المستقبلية، وإن كان هناك من يعتقد
بأن الحركة الحوثية قد تقنع بأن يترك لها حكم المناطق الزيدية، ومحافظات مارب
والجوف، وبعض مناطق تهامة، مقابل تخليها عن الارتباط مع إيران، كي تصبح مقبولة من
قبل السعودية.
وعلى الرغم من أن هذا
الخيار قد يبدو حلا واقعيا للحركة ولليمن، إلا أن واقع اليمن المعقد يجعل منه صيغة
للفوضى الشاملة، فمشروع كهذا سيواجه بالكثير من المعارضة الداخلية والخارجية.
ثانيا
المؤتمر الشعبي العام:
وضع المؤتمر الشعبي غير
واضح، فهذا الحزب والذي يتزعمه الرئيس السابق صالح، لا يعرف حجم قوته ونوعيتها،
ويرجع السبب في ذلك إلى تداخل قوة الحزب مع قوة الحوثيين، حيث يبدو في بعض الأحيان
أن الحوثيين يسيرون الحزب ويوظفونه لمصالحهم، فيما يبدو في أحايين أخرى أن المؤتمر
هو من يوجه الحوثيين لمصالحة.
وعلى كل حال؛ فإن حزب
المؤتمر بصفته كان الحزب الحاكم والمسيطر على مفاصل الدولة، وتحديدا الأجهزة
الحيوية منها كالجيش وقوات الأمن والمخابرات؛ فإنه لازال له حضور داخل هذه
الأجهزة، وقد يكون هذا الحضور كامنا وينتظر الفرصة المناسبة للظهور.
ولا يعرف بالضبط أهداف
الحزب؛ إلا أنه يمكن الاستنتاج بأن أهداف الحزب تتمثل في إبقاء دور مهم لعلي
عبدالله صالح أو أقاربه في شئون اليمن ضمن أي تسوية قادمة. ويعتقد أن الحزب يراهن
على هذا الدور وفقا لإستراتيجية تقوم على إثبات فشل خصومه في إدارة الشأن العام،
وتقديم نفسه كبديل لهؤلاء، فمنذ خروج صالح من السلطة وهو يتبع هذه الإستراتيجية مع
سلطة هادي وحاليا مع الحوثيين.
ورغم أن الحزب لازال
لديه شعبية كبيرة في بعض مناطق اليمن؛ إلا أن من غير المتوقع أن يعاد تفعيل دور
لصالح وإن كان من المتوقع أن يمنح بعض أقاربه أو بعض قياداته جزء من السلطة في إي
تسوية سياسية قادمة، إلا أنها لن تصل حد إيصال أي من هؤلاء لمنصب الرئاسة.
ومن نقاط قوة المؤتمر
سيطرة الكثير من أعضائه على جزء كبير من مؤسسات الدولة، ومن المؤسسات المهمة التي
يُـعتقد أن صالح لا زال يمتلك نفوذ قوي فيها، كقوات الحرس الجمهوري، والقوات
الخاصة، وجهاز الأمن القومي، والسياسي، وهذه المؤسسات هي التي أنشأها صالح وصاغها
وفقا لمصالحه.
ولا يعرف بالضبط الدرجة
التي وصل إليها الحوثيين في السيطرة على هذه المؤسسات بسبب التحالف فيما بينهم
خلال فترة الحرب. ولن تتضح الصورة إلا في حال حدوث صدام بين صالح والحوثيين، وهو
أمر متوقع بالنظر إلى العوامل الكثيرة التي تفرق بين الجماعتين.
ومن نقاط ضعف المؤتمر
الشعبي، غياب الجسم التنظيمي الصارم، فالحزب مرتبط بصالح وبعض أفراد أسرته، وفي
حال غاب صالح لسبب أو أخر ربما يتفكك الحزب وتحالفاته. كما أن افتقاد الحزب
لأيديولوجية صارمة يجعل من أنصاره عرضة للاستقطاب من الحوثيين أو من السعودية
وحلفائها المحليين.
ثالثا
السلطة الشرعية:
تبدو السلطة الشرعية
بزعامة هادي هي أكثر الأطراف ضعفا في معادلة السلطة والنفوذ في اليمن؛ فعلى الرغم
من أن الحرب التي تشن من قبل قوات التحالف، ومن معظم القوى المحلية، تتم تحت عنوان
الشرعية؛ إلا أن السلطة الفعلية للرئيس هادي محدودة جدا ولا تتعدى ختم الشرعية
الذي يمهره على قراراته.
فعمليا لا يمتلك الرئيس
هادي وحكومته إي قوات عسكرية معتبرة تأتمر بأمره، فالقوات التي توصف بأنها تابعة
له في وسائل الإعلام، هي في الواقع قوات تابعة لقوى سياسية أو رجال قبائل لا
تربطهم بهادي أي علاقة حقيقية.
ومن مظاهر ضعف سلطة هادي عدم تمكنه من تشكيل قوة
كافية تقوم بحراسته في مدينة عدن، فالحراسة الرئيسية لهادي لازلت مقدمة له من دول
التحالف.
يضاف إلى ذلك؛ لا يمتلك
هادي وحكومته أية موارد من مصادر محلية، كما أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من إعداد
ميزانية خاصة بالأجهزة العسكرية والمدنية التابعة للسلطة الشرعية، فنفقات هذه
الأجهزة يتم دفعها بشكل مباشر من قبل دول التحالف (السعودية ، الإمارات)
ونقطة القوة الوحيدة
لهادي هي الاعتراف الدولي والدعم الخارجي من قبل دول التحالف، وبدون هذا الدعم
يفقد هادي أي أهمية. ولهذا فإن المؤشرات كلها تؤكد على أن هادي لن يكون له مستقبل
في اليمن في حال تم التوصل إلى تسوية سياسية، أو حدث حسم عسكري. وهذا الوضع يجعل
هادي وفريقه، والذي يتكون في أغلبه من أقاربه وأبناء محافظته وأصدقائه، غير معنيين
بإنهاء الحرب بأي شكل من الأشكال، حيث أن الوضع الحالي هو الوضع المثالي لهم. وهذا
الأمر يجعل من هادي عبئا على دول التحالف.
رابعا حزب
الإصلاح وحلفائه العسكريين والقبليين:
برز حزب الإصلاح
وحلفائه العسكريين بزعامة علي محسن الأحمر، ومشايخ قبيلة حاشد أبناء الشيخ عبدالله
الأحمر، كأكثر الأطراف المتصدرة للمشهد السياسي بعد إخراج صالح من السلطة في عامي
2011/2012. كما أن هؤلاء كانوا هم الطرف الرئيسي الذي خاض الحوثي معهم معظم معاركه
قبل السيطرة على صنعاء.
وبعد الحملة العسكرية؛
كان هذا الفريق هو أهم الداعمين لها في اليمن من خلال رفد جبهات المقاومة بمعظم
المقاتلين، وتسخير وسائل الإعلام التابعة له في خدمة الحملة، إضافة إلى تصديهم
للحوثيين في معظم مناطق اليمن.
ونتيجة لذلك؛ تعتبر
الحركة الحوثية هذا الفريق هو خصمها الرئيسي في اليمن، وهو الأمر الذي أدى إلى
قيام الحوثيين باعتقال معظم أعضاء الحزب الفاعلين في المناطق التي تحت سيطرتهم عقب
اندلاع الحرب.
وقد ساعدت الحرب هذا
الفريق على استعادة الكثير من قواه السياسية والعسكرية والمالية، فمن خلال
استعادته للعلاقة مع السعودية، والتي كانت شبه مقطوعة قبل دخول الحوثيين صنعاء،
تمكن هذا الفريق من تجميع أنصاره وتجنيدهم في السعودية وفي جبهات القتال. إلى جانب
ذلك؛ حصل هذا الفريق على جزء مهم من الوظائف التي أفرزتها الحرب وخاصة في الجانب
الإعلامي والعسكري.
ومع ذلك؛ فإن هذا
الفريق لا يحظى بثقة كبيرة من قبل السعودية، حيث أن هناك أجنحة رئيسية داخل
الحكومة السعودية لا تريد أن تقوي من موقع هذا الفريق في اليمن، وهناك دول داخل
التحالف مثل الإمارات ومصر تناصب هذا الفريق العداء ولا ترغب بأن يكون له نفوذ
داخل اليمن. ولهذا؛ فإن هناك أكثر من عائق يقف أمام توسع سلطة ونفوذ هذا الفريق في
اليمن، على الرغم من أن هذا الفريق هو أفضل حليف لدول التحالف في حملتها ضد
الحوثيين.
ومن نقاط قوة هذا
الفريق أنه يمتلك بنية تنظيمية صارمة وفاعلة ومتواجدة في كل مناطق اليمن، وحتى
الآن لم يتأثر الجسم السياسي والتنظيمي للحزب كثيرا، إلا في بعض المناطق التي مارس
فيها الحوثيون درجة عالية من القمع والسيطرة. وهو الأمر الذي يساعد الحزب على لعب
دور عسكري وسياسي فاعل.
غير أن هذا الفريق
يعاني من عدد من المشاكل أهمها ضعف انفتاحه على القوى الأخرى، وغياب القيادة
الكارزمية، ورفضه من قبل قطاعات سياسية واسعة من جميع الاتجاهات.
ومع ذلك يظل هذا الفريق
من أهم الأطراف التي سيكون لها الدور في رسم ملامح اليمن، أكان ذلك عبر استمرار
الحرب، أو حدوث تسوية سياسية.
خامسا
دول التحالف:
عندما نتحدث عن دول
التحالف فإننا نشير إلى السعودية والإمارات كونهما الدولتان اللتان تتحملان العبء
الأكبر من التكلفة العسكرية، والمادية، وتحديدا السعودية، فالحملة العسكرية هي في
الأساس أتت برغبة وإرادة سعودية كون المشكلة اليمنية هي في الأخير قضية أمن قومي
سعودي.
ومن خلال تقييم أداء
هاتين الدولتين يتضح أن الإمارات قد ركزت اهتمامها على المناطق الجنوبية، فيما
السعودية تحملت العبء الرئيسي للحملة.
وبعد عام من الحملة نجد
أن هاتين الدولتين قد خسرتا مبالغ مالية طائلة، كنفقات مباشرة للحملة العسكرية، أو
نفقات غير مباشرة كالمساعدات التي قدمتها لبعض دول التحالف، مقابل انضمامها، وكذلك
النفقات التي تم دفعها لبعض الجهات والدول لضمان دعمها للحملة بشكل أو أخر.
ومن غير الممكن تقدير
الأموال التي أنفقت على الحملة؛ إلا أنها تبقى مبالغ كبيرة، ومع ذلك فإن الموارد
الضخمة التي تمتلكها هاتين الدولتين تجعلنا نفترض بأن هذه النفقات لم توثر كثيرا
على أوضاعهما المالية، فهاتين الدولتين ومن ورائهما دول الخليج تستطيعان تمويل الحرب
في اليمن لعدة سنوات دون أن تعانيان من أزمات مالية حقيقية. فالنفقات المالية
للحرب ليست بمشكلة لهذه الدول، والمشكلة الرئيسية لهما هو افتقارهما لقوات عسكرية
كافية وقادرة على التأثير في مجرى الحرب وهزيمة الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق
صالح.
ونقطة الضعف هذه تجعل
هاتين الدولتين تلجئان إلى القوى اليمنية المحلية، وإلى بعض الدول كالسودان، وإلى
بعض الشركات الأمنية. وكل تلك القوات لا يمكنها أن تقوم بأي جهد حقيقي في المعارك
الدائرة في اليمن، وأكثر ما ستقوم به من مهام لن يتعدى توفير الأمن لبعض المراكز
الحساسة وتدريب القوات الموالية.
إضافة إلى ذلك؛ تتعرض هاتين الدولتين إلى ضغوط هائلة من قبل
حلفائهما الغربيين نتيجة المشاكل التي سببتها الحرب في اليمن وضآلة الانجازات، وغياب
ألأفق الواضح من استمرارها. فالحرب في اليمن لا تحظى بأي تأييد في دوائر صنع
القرار الغربية، ويرجع سبب ذلك إلى وجود معارضة كبيرة لهذه الحرب داخل الأوساط
الحقوقية والإعلامية، فالكثير من وسائل الإعلام الغربية أصبحت تسمى هذه الحرب
بالكارثية[14].
ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ فهناك دعوات كثيرة للتحقيق في
انتهاكات السعودية والإمارات للقانون الدولي الإنساني داخل تلك الدول، وهو الأمر
الذي قد يسبب مشاكل قانونية وسياسية لقادة هذه الدول، بسبب الاستمرار في تزويد
هاتين الدولتين بالسلاح.
ورغم أن الحكومات الغربية لم تنتقد الحملة العسكرية بشكل
مباشر إلا أن هناك الكثير من التصريحات والتسريبات الإعلامية التي تفيد بعدم رضاء
هذه الحكومات لما يجري في اليمن، فوزير الخارجية الأمريكي وصف اليمن بأنها أصبحت
اسواء من دولة فاشلة[15].
وكل ذلك يشير إلى أن دول التحالف وتحديدا السعودية والإمارات
لا تستطيعا الاستمرار في الحرب لفترة طويلة دون الدعم الدولي الكافي، وخاصة من
الحلفاء الغربيين.
ويبدو أن الخيارات المتاحة أمامهما محدودة قياسا بالإنجازات
على الأرض، وهو ما يجعلنا نتكهن بأن هاتين الدولتين ستضطران القيام بمراجعات
حقيقية للحملة في المستقبل.
وفي هذا الشأن ينبغي التأكيد على أن مواقف الدولتين
ومصالحهما ليست متطابقة في اليمن، فالمصالح الأمنية والإستراتيجية للإمارات في
اليمن لا تقاس بمصالح السعودية. فاليمن بالنسبة للسعودية هو أمن قومي، وهو الأمر
الذي يجعلها معنية بالشأن اليمني في المستقبل، مهما كلفها ذلك من نفقات وخسائر.
بينما الإمارات لا يهمها الشأن اليمني كثيرا، وهو الأمر الذي يجعل من المتوقع حدوث
تغير كبير في سياسة الإمارات في اليمن، خاصة بعد الفشل والخسائر التي منيت بها في
الجنوب، والذي يبدو أنها قد غاصت في وحل الفوضى التي تضربه، وهو ما قد يجعلها تفكر
بالانسحاب أو تقليص حجم تدخلها.
أما الخيارات السعودية، فإنها قد تتطلب مراجعة الأهداف بحيث
تقلص من حجمها، وتجعلها أكثر انسجاما مع الواقع الذي آلت إليه الأمور. وفي هذا
الشأن ربما تعيد النظر في علاقاتها مع الحوثيين، بأن تخفف من حالة العداء معهم،
مقابل تنازلات محددة، كتأمين الحدود السعودية[16]،
والابتعاد عن إيران، والقبول بالدخول في تسوية معقولة ومقبولة مع بعض القوى
اليمنية.
إلى جانب ذلك؛ قد تعيد السعودية علاقاتها بشكل أو أخر بالرئيس
السابق صالح، والذي كان حليفها الأول في اليمن، والذي عملت السعودية على إيصاله
للسلطة عام 1978 فيما كان يعرف باليمن الشمالي. وفي نفس الوقت قد تتراجع السعودية
عن دعم الرئيس هادي، والذي قد تخرجه ضمن أي تسوية قادمة.
النتائج
بعد عام من عاصفة الحزم
تظهر اليمن بدون أي أفق للحل السياسي أو العسكري. كما أن الحرب فقدت الكثير من
التأييد داخل دول التحالف، والرفض من قبل جزء كبير من الدول الغربية.
فلا وجود حقيقي لما
يسمى السلطة الشرعية في المناطق التي خرجت من تحت سيطرة الحوثيين، والجيش الذي يتم
تشكيله من الرئيس هادي وفريقه لا زال ضعيف، كما أنه يحمل في أحشائه بذور الفوضى
والتشرذم؛ حيث يتم بنائه على أسس جهوية، وسياسية، وهو ما يفقده صفة الوطنية.
إلى جانب ذلك هناك
ازدياد في نشاط وقوة الجماعات العنيفة من كل الاتجاهات، وأخطرها بالنسبة للعالم
تنظيم القاعدة وداعش، وكل ذلك يشير إلى أن اليمن مقبلة على فوضى حقيقية.
ويأتي ذلك في بلد فقير
ودون موارد حقيقية بعد أن عطلت الحرب أهم موارده، وأصبح على شفاء المجاعة، وهو ما
يجعل اليمن قريبا من مرحلة الانهيار الشامل. وهو الأمر الذي سيلقي بتبعاته على
الدول المجاورة وتحديدا السعودية التي ستتحمل الجزء الأكبر من مشاكل اليمن، وكذلك
المسئولية عنها.
وفي الوقت الحالي يتم
الحديث عن وقف إطلاق النار، وعمل كهذا في حال حدوثه لن يخلق السلام، فوقف إطلاق
النار قد يعني وقف الغارات الجوية ورفع الحصار البحري والجوي. وهذا الأمر في حال
حدوثه دون تسوية معقولة ومقبولة من أكثر القوى الفاعلة في اليمن؛ لن يكون إلا مجرد
نقل لمستوى العنف والفوضى من مربع إلى أخر.
وما يجعل الصورة أكثر سوداوية
أن الحلول التي تتحدث عنها السلطة من قبيل إعادة المسار السياسي من قبيل الاستفتاء
على الدستور وإجراء الانتخابات وتقسيم اليمن إلى أقاليم، كل هذه الحلول تبدو
خرافات وليس لها أي مكان في واقع اليمن الذي سبق العاصفة أو أتى بعد العاصفة.
[2]
يمكن الإطلاع على النسخة في:
http://www.constitutionnet.org/ar/vl/item/lymn-mswd-dstwr-lymn-ljdyd-lm-2015
[5]
نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) فيلم وثائقي أشارت فيه إلى قتال القاعدة الحوثيين مع قوات
التحالف.
http://www.bbc.com/arabic/artandculture/2016/02/160222_bbc_documentary_taaz
[8]
أشارات بعض المواقع اليمنية إلى حالات كثيرة من الأسماء الوهمية
للجيش والمقاومة.
http://yemen-press.com/news68516.html
[9]
تعرضت الدولتان لخسائر كبيرة في مارب، وقد أدى ذلك إلى سحب
القوات البرية من هناك
http://www.bbc.com/arabic/interactivity/2015/09/150906_comments_arab_alliance_casualities
[10]
صحيفة الرياض السعودية قدرت هؤلاء بنصف مليون
http://www.alriyadh.com/1141688
[11]
في تقرير للأمم المتحدة اتهم قوات التحاف بقتل الكثير من
المدنيين.
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/01/160127_saudi_led_coalition_targeting_civilians
[12]
صوت البرلمان الأوربي بأغلبية كبيرة لصالح قرار يحضر توريد
الأسلحة للسعودية.
http://www.huffpostarabi.com/2016/02/26/story_n_9320672.html
[13]
تصريح للعسيري عقب سيطرة القاعدة على مدينة المكلا
http://www.alwatan.com.sa/Politics/News_Detail.aspx?ArticleID=219972
http://www.vox.com/2016/3/21/11275354/saudi-arabia-gulf-washington
[15]
تصريحات لوزير الخارجية الأمريكية أمام لجنة المخصصات في مجلس
الشيوخ الأمريكي
http://www.hawaalyemen.net/archives/10013
[16]
هناك هدنة بين الحوثيين والسعودية منذ فترة نتيجة تفاهمات تمت
بينهما وقد يتم البناء عليها لتفاهمات أشمل وواسع. http://www.gulfeyes.net/world/84979.html
تعليقات
إرسال تعليق