حوار حول أشكال الدول والأنظمة السياسية (20013)

حوار حول أشكال الدول والأنظمة السياسية

نهدف من هذا العمل إلى التعريف بشكل مختصر بأشكال الدول والنظم السياسية التي تحكمها. وقبل البدء بهذا التعريف ينبغي التنويه إلى أن العالم يغص بنماذج كثيرة ومتنوعة بتنوع الدول نفسها، فليس هناك من أشكال وأنظمة متطابقة بشكل كامل، فكل دولة تقريبا لها شكل ونظام سياسي فريد ومختلف عن أشكال وأنظمة الدول الأخرى. ومع ذلك هناك سمات متشابهة لبعض الأشكال والأنظمة التي تجعل من الممكن وضعها ضمن أنماط وتصنيفها محددة.
ولكون الإلمام بأشكال الدول وأنظمتها عملا كبيرا ومعقدا، فقد ارتأينا أن تتم صياغة هذه المادة على شكل حوار من الأسئلة والأجوبة، توخيا لاختصار العمل وحصره في نقاط محددة تُسهل للقارئ تناولها.
إلى جانب ذلك، تم التركيز على الفدرالية، ضمن تناولنا لموضوع أشكال الدول، لما لهذه القضية من أهمية في الوقت الحالي حيث يتم طرحها بقوة كخيار لشكل الدولة اليمنية مستقبلا. وكما سيلاحظ القارئ فقد تمت الإشارة، في هذا الموضوع، إلى المشاكل المتوقعة من تطبيق الفدرالية في اليمن، وفق ظروفه الحالية، وهذا لا يعني بأن الفدرالية في حد ذاتها نظام سيئ، وإنما تبنيها في ظروف اليمن الحالية يحمل الكثير من المخاطر.
   أتمنى أن يساهم هذا العمل في تحفيز القراء على المزيد من الإطلاع على أشكال الدول وأنظمتها السياسية، وإثراء النقاش حول الفدرالية في اليمن وأنظمة الحكم، وهو ما يخدم المعرفة بشكل عام، وتبصير من بيدهم القرار للتوصل إلى خيارات صائبة تجنب اليمن مخاطر التسرع في تبني أنظمة لا تتناسب ووضع اليمن، وتشكل في حد ذاتها سببا لمشاكل جديدة لا حلا للمشاكل الحالية.




·         
·        ماذا نعني بشكل الدولة؟
يمكن اختصار شكل الدول إلى شكلين رئيسين هما الشكل البسيط والشكل المركب، فالدولة البسيطة هي تلك التي تكون السلطات الثلاث؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، منوطة بسلطة مركزية واحدة تتمركز في عاصمة الدولة. أما الدولة المركبة، فهي تلك الدولة التي تتشكل من كيانات سياسية متعددة تشكل فيما بينها اتحاد تتوزع فيها السلطات بين المركز والأقاليم.
·        وهل هناك نوع محدد من الدول البسيطة؟
ليس هناك نمط محدد من الدول البسيطة، فهناك نماذج متعددة للدول البسيطة، فهناك دول بسيطة ذات سلطات مركزية قوية وسلطات إقليمية تابعة لها بشكل مطلق، وهناك دول بسيطة تكون للأقاليم سلطات واسعة على شكل حكم محلي واسع الصلاحيات، وبعض هذه الدول تكون للأقاليم سلطات محلية منتخبة، فيما البعض الأخر تتشكل السلطات المحلية عن طريق التعيين من السلطة المركزية. إضافة إلى ذلك بعض الدول البسيطة بها لا مركزية إدارية ومالية، حيث تتولى الأقاليم تسيير معظم شئونها المحلية بتدخل محدود من السلطة المركزية، فيما دول بسيطة أخرى تكون الأقاليم مرتبطة بشكل شبه كامل بالمركز ماليا وإداريا.
·        وما هي أنواع الدول المركبة؟
هناك نوعان رئيسيان من الدول المركبة النوع الأول ويطلق عليه بالدول الفدرالية، وهو النمط الأكثر انتشارا، وفي هذه الدول تتشكل الدولة من حكومة اتحادية تختص بالسلطات المشتركة للدولة، من قبيل الشئون الخارجية والدفاع وغيرها من الأجهزة، وحكومات إقليمية مهمتها إدارة الشئون الأخرى الخاصة بالأقاليم. أما النوع الثاني من الدول المركبة ويطلق عليه بالدول الكونفدرالية، وهذه الدول عبارة عن اتحاد يقوم بين دول كاملة السيادة، فلكل دولة عضو في الاتحاد، جيش ووزارة خارجية خاصة بها. ويمكن القول أن الاتحاد الأوربي هو نموذج للاتحاد الكونفدرالي في الوقت الحالي.



·        ما هي الدولة الفدرالية؟
ليس هناك من نمط واحد للدولة الفدرالية فهناك عدد كبير من النماذج للدول الفدرالية خاص بكل دولة. غير أن هناك قواسم مشتركة بين جميع الدول الفدرالية من قبيل: تقسيم الدولة سياسيا بين أكثر من كيان سياسي قد يكون كيانين كما هو حاصل في بلجيكا أو خمسين كيان كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكل كيان، والذي يسمى في بعض الدول ولايات وفي أخرى مقاطعات كما يسمى في كندا أو جمهوريات كما هو حاصل في روسيا، سلطة تنفيذية وتشريعية خاصة به، إلى جانب حكومة اتحادية تعمل على تنظيم العلاقة بين كيانات الدولة وإدارة الشئون العامة لجميع مكونات الدولة من قبيل الشئون الخارجية والدفاع.
·        ما هو الفرق بين الدولة الفدرالية والدولة البسيطة اللامركزية؟
الدولة الفدرالية هي دولة لامركزية بالمعني السياسي للكلمة، فيما الدول البسيطة اللامركزية هي دول لا مركزية من الناحية الإدارية، حيث نجد في هذه الدول أن السلطة المحلية في الأقاليم تكون في الغالب مفوضة من السلطة المركزية أما بالتعيين المباشر أو حتى بالانتخابات التي تكون في العادة موجهة نحو جزء من السلطة التنفيذية كالمجلس البلدي للمدن والمحافظات، فيما لا يكون هناك مجالس تشريعية، بالمعنى السياسي، في الأقاليم  في الدول البسيطة. ومع ذلك هناك دول بسيطة تمتلك الأقاليم سلطات واسعة اكبر مما هو حاصل في بعض الدول الفدرالية. ففي بعض الدول الفدرالية غير الديمقراطية، كما كان حاصل في الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا الحالية، نجد أن السلطة الفعلية في الأقاليم محكومة بتوجهات المركز في العاصمة رغم أن الدستور يمنح الأقاليم سلطات واسعة، فيما نجد دول ديمقراطية بسيطة كالكثير من دول أوربا تتمتع السلطات المحلية في الأقاليم بسلطات واسعة ومستقلة عن المركز.         
·        ما هي الظروف التي تساعد في إنجاح الفدرالية؟
أثبتت التجربة أن الدول الفدرالية الناجحة هي تلك التي يكون نظامها السياسي ديمقراطي،  ويسود فيها حكم القانون القائم على مؤسسات قوية وفاعلة، وثقافة تعايش عالية بين مكونات الدولة، إلى جانب مستوى اقتصادي متطور يعم جميع مكونات الدولة. فالدولة الفدرالية تصبح عديمة المعنى في النظم الاستبدادية، ففي هذه النظم تبقى السلطة الحقيقية محتكرة لدى المركز، الذي قد يكون حزب سياسي، كما كان الحال في الاتحاد السوفيتي السابق، الذي كان يُحكم من قبل الحزب الشيوعي، أو من قبل رئيس الدولة إن كانت السلطة مركزه بيده، إضافة إلى ذلك، فإن الفدرالية الناجحة تحتاج إلى سيادة القانون، والذي يأتي من خلال نظام قضائي مستقل ونزيه وفعال، فسيادة القانون تعمل على تطبيق القانون ونفاذه، وهو الأمر الذي يجعل القانون هو الحكم والمرجعية لجميع أفراد ومؤسسات الدولة، بما في ذلك مؤسسات الحكم في المركز أو الأقاليم، فحين يحدث خلاف بين هذه السلطات فيما بينها البين، أو بينها وبين الحكومة المركزية يتم الاحتكام للقضاء للبت في هذه الخلافات، ومن ثم إنهاء هذه الخلافات. وغياب سيادة القانون في الدولة يجعل الفدرالية دون تنفيذ وتطبيق حقيقي، أو أنها تحول الدولة إلى ساحة للصراع  فيما بين الأقاليم وبين الأقاليم والسلطة المركزية. فسيادة القانون يعمل على خلق مرجعية تضبط هذا الصراع  وتحسم الخلافات.
إلى جانب ذلك، تنجح الفدرالية وتتطور في الدول التي يسود بين مكوناتها ثقافة التعايش والوئام، فمن غير الممكن تصور قيام نظام فدرالي ناجح في ظل حالة من العداء والصراع بين الأجزاء الذي تتكون منها الدولة، والذي قد يكون متزامنا مع نزعات انفصالية لدى بعض من مكونات الدولة، خاصة لو تم التعبير عن هذا الصراع بوسائل عنيفة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى اشتعال صراعات بين المكونات التي تتشكل منها الدولة.  
·        هل الدولة الفدرالية مرتبطة بشكل معين من الدول؟
من خلال التجربة التاريخية، يتضح بأن الدول الفدرالية غير مرتبطة بشكل معين من الدول، فهناك دول فدرالية صغيرة المساحة وقليلة السكان كسويسرا وبلجيكا، فيما هناك دول كبيرة المساحة وكثيرة السكان وهي ليست دول فدرالية كالصين. فنشوء الفدرالية من عدمه، ناتج عن ظروف تاريخية وسياسية أدت إلى تشكل الفدرالية. 



·        وأيهما أفضل الدول البسيطة أو الفدرالية؟
لا يمكن القول بأن الدولة البسيطة هي الأفضل أو الدول الفدرالية، فبعض الدول البسيطة هي دول ناجحة ولا تعاني من مشاكل تذكر، فيما هناك دول بسيطة وتعاني من مشاكل خطيرة، وكذلك الحال بالنسبة للدول المركبة، فهناك دول فدرالية ناجحة وأخرى فاشلة، فالنجاح والفشل مرتبط بعوامل أخرى كطبيعة النظام السياسي ومستوى التطور الاقتصادي والثقافي في الدولة.
·        وهل تسير الدول باتجاه الفدرالية؟
ليس بالضرورة أن جميع دول العالم ستصبح فدرالية، ومع ذلك هناك اتجاه للتحول نحو الفدرالية، خاصة في الدول كبيرة السكان والمساحة، وتلك التي بها تعدد عرقي وديني والتي تشهد حركات انفصالية.
·        وما هي ميزات الدولة الفدرالية؟
تعتبر الفدرالية في الدول الكبيرة وسيلة ناجحة لإدارة هذا النوع من الدول، فمن خلال تقسيم الدولة على أقاليم متعددة وبسلطات تنفيذية وتشريعية خاصة بكل إقليم؛ يتحسن أداء أجهزة الحكم وتزداد فاعليتها. ويتم ذلك من خلال اهتمام السلطات الإقليمية بشئونها الداخلية، والتي تكون درايتها بها أفضل من الحكومة المركزية. كما أن الفدرالية قد تكون وسيلة لترسيخ وحدة الدولة في حال كان هناك تنوع عرقي وديني، حيث أن منح الجماعات حق حكم نفسها بنفسها يخفف من حالة الإحساس بالتهميش والظلم، لدى هذه الجماعات، حيث يوفر الحكم الذاتي لهذه الجماعات إمكانية المحافظة على هوياتها بعيدا عن طغيان الهويات الأخرى. إلى جانب ذلك، تعمل الفدرالية على زيادة المشاركة السياسية حين يتم إشراك السكان في الأقاليم في السلطة وكذلك في الثروة عبر منح الأقاليم كل أو بعض الثروات الطبيعية التي تقع ضمن هذه الأقاليم. وتعمل الفدرالية على التخفيف من سيطرة منطقة أو جماعة سكانية على السلطة والثروة في الدولة، فمنح الأقاليم حق إدارة شئونها بنفسها يمنع تمركز الثروة والسلطة بيد أقلية ما. وتعد الفدرالية في بعض الأحيان حل لمشكلة الاندماج الوطني في حال كان هناك نزعات انفصالية لبعض المجموعات السكانية، فمن خلال منح هذه الجماعات حق حكم نفسها باستقلالية نسبية عن الجماعات الأخرى تخف حدة المطالب الانفصالية.
·        وكيف يتم تقسيم السلطة بين الأقاليم والسلطة المركزية في الدول الفدرالية؟
ليس هناك من نمط محدد لتقسيم السلطة بين المركز والأقاليم في الدول الفدرالية، حيث نجد أنماط كثيرة لهذا التقسيم، ففي بعض الدول الفدرالية نجد أن للسلطة المركزية سلطات أوسع من بعض الدول، وهذه القضية وغيرها من القضايا تعتمد على الظروف التي تم بموجبها تأسيس النظام الفدرالي في هذه الدول. فالظرف التاريخي الذي أسس للنظام الفدرالي وموازين القوى بين الوحدات المكونة له، وكذلك العامل الخارجي كلها عوامل أثرت في تشكل النظام الفدرالي، ويمكن القول أن كل دولة فدرالية لها نظامها الخاص، فلا وجود لدولتين فدراليتين متطابقتين بشكل كامل. وعلى هذا الأساس، نجد أن كل نظام فدرالي في دولة ما هو نظام قائم بذاته وخاص بها.    
   

الفدرالية في اليمن

·        يطرح الكثيرون الفدرالية كشكل للدولة في اليمن؛ ما هي أسباب هذا الطرح في الوقت الحالي؟
 بعد حدوث الثورات تكثر الاجتهادات في تشخيص أسباب فشل النظام الذي قامت عليه الثورة، كما تكثر الاجتهادات والمقترحات لما يجب أن تكون عليه الدولة والنظام الذي يناسبها ليخلف ذلك النظام. وفي العادة فإن الكثير من التشخيصات وكذلك الحلول يكون ناتج عن ردود الأفعال لأسلوب وطريقة عمل النظام السابق، وفي بعض الأحيان تكون الحلول المقترحة مخالفة ما كان عليه النظام السابق، فإذا كان شكل الدولة في ظل النظام السابق بسيطة، يكون الحل بدولة فدرالية مركبة. وإذا كان النظام السياسي في العهد السابق رئاسي، فالنظام البديل يكون برلمانيا، وهكذا في القضايا الأخرى. والتفكير بهذه الطريقة يحمل الكثير من المخاطر، كون النظم البديلة قد تم تبنيها بشكل مستعجل ودون دراية ودراسة كافية، وتكون هذه الحلول بمثابة مشاكل إضافية وبذرة لمشاكل جديدة. ويأتي طرح الفدرالية في اليمن ضمن هذا السياق والظرف التاريخي الذي تمر به اليمن.
·        أما عن الأسباب الحقيقية لطرح الفدرالية في اليمن فيمكن اختصارها في الأسباب التالية:

1-  فساد وسوء إدارة النظام السابق:

 أتى طرح الفدرالية كرد فعل على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه اليمن في الوقت الحاضر. وهذا الواقع هو نتيجة مباشرة لنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والذي كان امتدادا لنظم استبدادية فاسدة ومتخلفة عاشها اليمن خلال تاريخه المعروف. ومن ملامح هذا النظام؛ السلطة المطلقة للحاكم والشخصانية وغياب المؤسسات الفاعلة. فلا وجود لقانون حقيقي للخدمة المدنية، فالوظيفة العامة يتم تسخيرها لأهداف سياسية بحته. فتتم التعيينات، على المستوى المركزي والمحلي، وخاصة في المناصب العليا، وفقا لاعتبارات خاصة بالحاكم، فنصيب الأسد من هذه الوظائف يتم منحه للأقارب والمحسوبين على دائرة الحكم الضيقة. يليهم الموالون للحاكم من أعضاء حزبه، فيما بقية الوظائف تذهب لشراء الولاء للحاكم. وكانت هذه الآلية تتم عبر منح حصص معينة لمراكز القوى من المشايخ وأصحاب النفوذ. إلى جانب ذلك كانت الأجهزة الأمنية (السياسي، والقومي) وحزب المؤتمر الشعبي وغيرها تمتلك حصة في الوظائف الحكومية.
 وكانت النتيجة الطبيعية لهذا العبث بالوظيفة العامة؛ إدارة فاسدة متدنية الفاعلية تنتج الأزمات والفقر والشعور بالاضطهاد والتهميش لغير المستفيدين من هذا الوضع ممن هم خارج دوائر الحكم، والصراع والتنافس، الغير شرعي، لمن هم داخل هذه الدوائر.
وما انطبق على الوظيفة العامة انطبق على الثروة العامة، فخلال حكم الرئيس السابق، لم يكن هناك قيود على التصرف بالثروة العامة للحاكم والدائرة المحيطة به، فقد كان يتم التعامل مع الثروة العامة وكأنها ثروة خاصة بهم. والنتيجة سيطرة أقلية صغيرة على معظم الثروة في الدولة وحرمان الغالبية العظمى منها. ويرى دعاة الفدرالية أنها ستخفف من ذلك الفساد وسوء الإدارة حيث ستوفر الإدارات الإقليمية مناخ أفضل لمنع العبث بالوظيفة والثروة العامة، وسيتم منع احتكار السلطة والثروة من قبل أقلية صغيرة.

2-   السيطرة التاريخية لسكان الهضبة العليا:

خلال المائة عام الماضية، على الأقل، هيمن سكان الهضبة العليا على السلطة في اليمن الشمالي السابق. وقد تمت هذه الهيمنة بالاتكاء على عصبويات قبلية وجهوية. وقد كان نظام الرئيس صالح نموذجا لهذه الحالة. حيث استند على قبيلته الصغيرة (سنحان) ثم قبيلته الأكبر (حاشد) ثم القبائل الأقرب جغرافيا وسياسيا. في مقابل ذلك، كان التهميش السياسي والاقتصادي، من نصيب سكان المناطق الأخرى وبدرجات متفاوتة، وهو تهميش يمتد تاريخيا إلى فترات تاريخية سابقة. ويرى أنصار الفدرالية بأنها ستحد من هيمنة هذه الفئة وستمنح سكان المناطق الأخرى فرصة أكبر في المشاركة في الثروة والسلطة.

3-   ضعف المؤسسات وغياب سيادة القانون:

عانى اليمن من حالة ضعف وغياب للمؤسسات وحكم القانون، فلا وجود لأي شكل من أشكال لنظام فصل السلطات، يوفر درجة ما من الرقابة البرلمانية والقضائية تحد من الفساد وسوء الإدارة. وكل ذلك أدى إلى شخصنة السلطة، وما نتج عن ذلك من استبداد وفساد وسوء إدارة. ويعتقد أنصار الفدرالية أن المركزية والدولة البسيطة قد ساعدت على وجود تلك الحالة، وأن الفدرالية ستحد من ذلك وستعزز المؤسساتية في الدولة.

4-   الثورة:

وفرت الثورة الفرصة لقيام نظام أفضل في اليمن. ويرى الكثيرون، من الطامحين لنظام أفضل، ومن الطامعين في الحصول على نصيب أكبر من الثروة والسلطة، أن الوقت مناسب لقيام نظام فدرالي يوزع السلطة والثروة بين المركز والأقاليم، ويعمل على المزيد من المشاركة في السلطة والثروة ويحد من الفساد وسوء الإدارة.

5-   الحركة الانفصالية في الجنوب:

 يتم الحديث عن الفدرالية تحت ضغط الحركة الانفصالية في الجنوب، والتي ازدادت قوة وحدة خلال المرحلة الانتقالية. ويرى البعض بأن الفدرالية ستكون حل وسط يمنع الانفصال ويحافظ على الوحدة.
·        وما هي المعوقات أمام قيام نظام فدرالي ناجح في اليمن؟
تطبيق الفدرالية في اليمن يعني إجراء تغيير جذري في بنية السلطة وتركيبتها، وعمل من هذا القبيل لن يكون سهلا قياسا بأوضاع اليمن وإمكانياتها ويمكن ذكر لعدد من المعوقات التي يتوقع حدوثها في حال التفكير بقيام نظام فدرالي من قبيل:
نوعية الدولة الفدرالية:
حين سيتم القبول بفكرة الفدرالية سينشأ خلاف حول الشكل الأنسب لهذه الفدرالية، فبعض الأطراف ترى بأن الفدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي وفقا للحدود السابقة لدولتي اليمن قبل الوحدة هي الشكل الأنسب لليمن. فدعاة الانفصال يعتبرون هذه الفدرالية هي الحد الأدنى الذي يستجيب لمطالب الجنوبيين باستعادة كيانهم السابق، ويشترط هؤلاء بأن تكون هذه الفدرالية مشروطة بفترة زمنية محددة يتم بعدها استفتاء الجنوبيين بما أذا كانوا يريدون الاستمرار في البقاء في هذا الوضع أو الاستقلال والانفصال عن اليمن. ويرى أنصار هذا الخيار من دعاة الوحدة، أن الفدرالية من إقليمين ستحافظ على بقاء اليمن موحدا كونها ستحد من النزعة الانفصالية بعد أن تمنح الجنوبيين إدارة شئونهم بأنفسهم، وهو ما سيجعلهم يقبلون بالبقاء في الدولة الواحدة.
في المقابل سيعارض الكثيرون هذه الفدرالية على أساس أنها ستكون تمهيدا للانفصال ومصدرا للصراعات والفوضى والحروب بين الكيانين الجديدين، واللذان سيتصارعان من اليوم التالي على التقسيم، أسوة بما كان عليه الحال قبل الوحدة. وعلى هذا الأساس، فإن من غير المتوقع أن يتفق اليمنيون على الفدرالية من إقليمين، وقد يؤدي طرح الفكرة إلى المزيد من الصراع والخلاف حولها، والنتيجة المتوقعة عدم تبني هذه الفدرالية على الأقل في الظروف الحالية.
وبما أن الفدرالية من إقليمين لن يتم تطبيقها، فإن الحديث يتجه نحو تبني الفدرالية من عدة إقليم وهو الطرح الرائج في الوقت الحالي، غير أن المشكلة في هذا الطرح أنه سيصطدم بصعوبة إجراء التقسيم لهذه الأقاليم. فهناك خلاف كبير حول هذه التقسيمات فكل قوة سياسية ترغب في التقسيم الذي يخدم مصالحها، فعلى سبيل المثال القوى المؤيدة للانفصال أو الراغبة في المحافظة على الهوية الجنوبية ستعارض أي تقسيم يتخطى الحدود الشطرية للدولتين السابقتين، فعلى سبيل المثال لن يقبل هؤلاء أن تكون بعض محافظات الجنوب كلحج او عدن ضمن إقليم يظم محافظات شمالية كتعز أو اب. وفي الشمال سنجد أن جماعة الحوثي سترغب في أن يمتد الإقليم، الذي سيضم محافظة صعده، إلى البحر غربا والى مناطق مارب، الغنية بالنفط شرقا. وهذه الرغبة ستقابل برفض ومقاومة من أطراف داخلية وخارجية عديدة، فحزب الإصلاح والقوى السلفية وكذلك السعودية لن تقبل ان تتوسع المنطقة التي يتوقع أن يسيطر عليها الحوثيون على ذلك النحو. إلى جانب ذلك، سيرفض سكان الكثير من المحافظات اقتطاع جزء منها لصالح أقاليم أخرى، أو أن تظم لها محافظات أخرى، فسكان حضرموت، مثلا  سيعارض معظمهم أن تقسم محافظتهم على عدة أقاليم، أو أن يشمل الإقليم الذي يقعون فيه محافظات مختلفة عنهم ثقافيا كمحافظة مارب أو الجوف القبليتين، وما ينطبق على محافظة حضرموت ينطبق على محافظات أخرى، خاصة المحافظات الصغيرة الذي سترفض الغالبية منها أن تلحق بمحافظات كبيرة، تجعلها عرضة للتهميش أو الإهمال، كرفض محافظة المهره أن تظم لإقليم حضرموت، وهكذا الأمر في المحافظات الصغيرة الأخرى.
أن رفض إعادة التقسيم الإداري ينبغ من أنه يعمل على الإخلال بتوازنات راسخة، وخلق  توازنات جديدة، وهو الأمر الذي يتسبب في رفض من يخشون فقدان مصالحهم وتأييد الطامحين بزيادة قوتهم. فعلى سبيل المثال نجد أن محافظة عمران الحالية تتشكل بشكل شبه متساوي من قبيلتي حاشد وبكيل، مع وجود أغلبية بسيطة لقبيلة حاشد، وفي حال توسعت المحافظة باتجاه الشرق سيؤدي ذلك إلى زيادة القبائل البكيلية وهو ما سيخلق معارضة من قبل قبائل حاشد، أما إذا كان التوسع في اتجاه الغرب فإن ذلك التوسع سيؤدي إلى زيادة القبائل الحاشدية وهو ما سيخلق معارضة من قبل قبائل بكيل. وما ينطبق على هذه المحافظة ينطبق على الكثير من المحافظات الأخرى.
أن الخلاف حول تقسيم الأقاليم لن يكون من السهل حله، خاصة في الأوضاع الراهنة لليمن، حيث لا يمكن فرض التقسيم ضد رغبات السكان، كما كان يتم في العهود السابقة، حين كانت السلطة المركزية الاستبدادية تقوم بتقسيم المناطق وفق ما تراه دون مراعاة لرأي السكان. وصعوبة إعادة تقسيم الدول أمر شائع في جميع الدول بما في ذلك الدول الديمقراطية المتطورة، ففي بريطانيا مثلا، الكثير من الدوائر الانتخابية، مقسمة من فترات تاريخية بعيده، ورغم حدوث تغير في السكان في بعض الدوائر إلا أنها لا زالت كما كانت، والسبب هو رفض الأحزاب السياسية والقوى المحلية لإعادة التقسيم لأنه يعمل على الإخلال بالتوازنات الحزبية والسياسية، وما ينطبق على بريطانيا ينطبق على الدول الأوربية الأخرى، فكثير من التقسيمات الإدارية في معظم الدول الأوربية يعود إلى العصور الوسطى، ومحاولة إعادة التقسيم تواجه في العادة برفض من قبل السكان، ففي ألمانيا، مثلا، جرت أكثر من محاولة لإعادة تقسيم الولايات ودمج بعضها في ولايات أخرى، إلا أن تلك المحاولات فشلت لرفض السكان ذلك.
وصعوبة التقسيم المتوقعة للأقاليم المقترحة في اليمن، يجعلنا نتوقع بأن أي فدرالية مقترحة في اليمن ستكون على مستوى المحافظات الحالية، وهو الأمر الأكثر واقعية، وهذه الفدرالية ستخلق الكثير من المشاكل أيضا، وأهم هذه المشاكل ما يتعلق بالخلاف والصراع حول حجم وحدود الصلاحيات التي ستمنح للأقاليم على حساب السلطة المركزية، فهناك من سيعارض أن تمنح الأقاليم سلطات واسعة إما خوفا من فقدانه لمصالح سياسية أو اقتصادية، أو خوفا على وحدة البلاد واستقرارها. وأكثر نقاط الخلاف المتوقعة، حول هذه النقطة، ما يتعلق بقضية تقسيم الثروات العامة، فبعض المناطق الغنية بالثروات المعدنية أو الموقع الاستراتيجي ستطالب بحصة كبيرة من دخل المناطق التابعة لها، فيما ستعارض الحكومة المركزية وبعض المناطق الفقيرة ذلك، وما سيزيد من صعوبة التوصل لاتفاق حول هذه النقطة حجم الاعتماد العالي للحكومة المركزية والدولة عموما على الموارد النفطية والمعدنية، فهذه الموارد تشكل العمود الفقري للاقتصاد اليمني، فأكثر من 70% من ميزانية الحكومة وأكثر من 90% من صادرات الدولة يأتي من الموارد النفطية والمعدنية، وأي تغيير في تقسيم هذه الموارد لصالح المناطق التي توجد بها، سيخلق مشاكل كبيرة للحكومة المركزية وللمناطق الفقيرة. ولأن التوصل إلى حلول لمثل هذه المشاكل لن يكون أمرا سهلا وسريعا، فإن من المتوقع أن لا يتم حسم الخلافات حول هذه القضايا وأن تبقى هذه المسائل معلقة لفترات طويلة وهو ما سيؤثر على الاستثمارات في هذه المناطق وربما تتعطل الكثير من المشاريع القائمة بسبب هذه الخلافات، وكل ذلك سيخلق المزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأمني في اليمن.
إلى جانب ذلك، وعلى افتراض أن القضايا التي ذكرناها تم تجاوزها، ستبقى هناك الكثير من المشاكل الفنية التي ستواجه الدولة أثناء الانتقال للفدرالية منها الأموال الضخمة لإقامة سلطات محلية، من قبيل إنشاء المباني وتأهيل وتوظيف الكادر الإداري والسياسي الذي سيتولى إدارة شئون الأقاليم، وكل تلك الأمور بحاجة إلى موارد مالية كبيرة غير متوفرة حاليا. فبالنظر للأوضاع المالية الحالية للدولة، نجد أن هناك عجز مالي ضخم، وأي نفقات جديدة بسبب الفدرالية ستزيد من الأعباء المالية ومن ثم زيادة العجز المالي بأكثر مما هو عليه الآن، وهذه المشاكل ستخلق أوضاع اقتصادية صعبة على الدولة تزيد من صعوبة الانتقال إلى الفدرالية.



·        وماذا عن المشاكل المتوقعة لتطبيق الفدرالية؟
كما سبق وذكرنا فإن المشاكل التي سترافق عملية التحول نحو الفدرالية ستكون كبيرة وصعبة، وهو الأمر الذي يجعل من عملية التحول مشكلة في حد ذاتها، إذ أن من المتوقع أن تدخل البلاد مرحلة انتقالية طويلة تعاني فيها الدولة من عجز إداري وتدهور اقتصادي وفوضى أمنية وسياسية. وعلى افتراض تجاوز هذه المشاكل وبدء العمل بالنظام الفدرالي فإن المشاكل المتوقعة من تطبيق الفدرالية ستكون كبيرة ومنها:

1-   زيادة النزعات الانفصالية:

رغم أن البعض يعتقد بأن النظام الفدرالية سيضعف النزعات الانفصالية إلا أن هذا الأمر غير مضمون خاصة في بعض المناطق، فمن المتوقع أن تزداد النزعات الانفصالية حدة في بعض المناطق، حيث سنجد أن بعض نخب هذه المناطق ستجد في الانفصال وسيلة للكسب السياسي، فمن المتوقع أن تقوم بعض النخب التي ستصل إلى حكم بعض الأقاليم بالعمل على تأسيس كيانات انفصالية من اليوم التالي لوصولها الحكم، وستستند في ذلك على انتخاب السكان لها، والذي سيمنح هذه المطالب الكثير من الشرعية السياسية وربما القانونية. فعلى سبيل المثال، سنجد أن الأقاليم التي تمتلك موارد طبيعية ومواقع إستراتيجية مهمة، كحضرموت وتهامة وشبوه وعدن، ستجد بعض نخبها أن من مصلحتهم الاستقلال عن الدولة الأم، وستقوم لهذا الغرض بالتحريض على الانفصال أو المزيد من الاستقلال عن السلطة المركزية.

2-  المزيد من الانكشاف على العالم الخارجي:

تعاني اليمن منذ قيام ثورة سبتمبر 1962 في الشمال وخلال الحكم الاستعماري في الجنوب وما تلاه، من انكشاف كبير على العالم الخارجي، ويتوقع أن يؤدي تطبيق الفدرالية إلى المزيد من الانكشاف على العالم الخارجي. وسيتم ذلك من خلال تدخل القوى الخارجية لدعم هذا الطرف ليسيطر على هذا الإقليم أو ذاك. فلنا أن نتخيل إجراء انتخابات كاملة في المحافظات الحالية، فإن النتيجة المتوقعة ستكون كالتالي: سيطرة الحوثيون على محافظة صعده بدعم وتمويل إيراني/شيعي، لتصبح بعد ذلك دويلة شيعية تابعة لإيران ومن يدور في فلكها، في المقابل من المتوقع أن تدعم السعودية حلفاء لها من حزب الإصلاح والسلفيين وشيوخ القبائل للسيطرة على المحافظات المجاورة لمحافظة صعده بهدف تطويق الدويلة الشيعية بدويلات سنية تدور في فلك السعودية، إلى جانب ذلك هناك احتمال قوي بأن تدعم سلطنة عمان قوى سياسية في محافظة المهرة المجاورة لها لتصبح المحافظة ضمن النفوذ العماني، فيما يتوقع أن تسيطر السعودية بشكل أو أخر على محافظة حضرموت الإستراتيجية، ومن المحتمل أن يسيطر الانفصاليون على المحافظات التي لهم نفوذ قوي فيها فيما يعرف بمثلث ردفان الضالع يافع، إلى جانب ذلك يتوقع لدولة قطر أن تدعم بعض القوى السياسية ليحكموا محافظة أو أكثر. وفي وضع كهذا يتوقع أن تصبح الدولة اليمنية مسرحا للصراعات الإقليمية والدولية، وسيتم ذلك من خلال الصراع والتنافس بين المحافظات والتي ستتحول إلى ما يشبه الدويلات المستقلة داخل الدولة الأم. وما يجعل هذا التوقع محتملا حالة الاختراق الخارجي للأوضاع الراهنة في اليمن، وغياب أي وسائل قانونية أو سياسية للحد من التدخلات الخارجية، فالطبقة السياسية اليمنية مرتهنة للعالم الخارجي، ومن النادر أن تجد أحد من هذه الطبقة لا يتلقى الدعم المادي والسياسي من طرف خارجي ما، ولهذا نجدها وكأنها متفقة بشكل ضمني على الإبقاء على هذه الوضع، ومن المتوقع أن يزداد هذا الارتهان في ظل دولة فدرالية.

3-  زيادة الصراعات بين الأقاليم وبينها وبين السلطة المركزية:

في ظل الأوضاع اليمنية الراهنة، من المحتمل أن تنتج عن الفدرالية، كيانات تتصارع فيما بينها نتيجة الخلافات الإيديولوجية والارتباط بقوى خارجية، كما سبق وذكرنا، وهذه الصراعات ستشمل النزاعات المسلحة في مناطق حدود الأقاليم، ودعم القوى المعارضة داخل الإقليم الأخرى، من قبيل دعم الإصلاحيين والسلفيين لأنصارهم في أقاليم يسيطر عليها الحوثيين أو العلمانيين، ودعم الحوثيين لأنصارهم في مناطق يسيطر عليها خصومهم الإصلاحيين والسلفيين. وما ينطبق على هؤلاء سينطبق على القوى المتصارعة الأخرى، كالعلمانيين والدينيين والوحدويين والانفصاليين، وغيرهم. والنتيجة المزيد من الصراع بين الأقاليم وكذلك الصراع العنيف بين بعض الأقاليم والحكومة المركزية وغيرها.

4-  زيادة الصراعات المحلية داخل كل إقليم:

توجد داخل كل محافظة حالة من التنافس والصراعات الجهوية والقبلية والسياسية، ومن المحتمل أن تزداد هذه الصراعات حدة، في حال تم تطبيق الفدرالية. وستبرز هذه الخلافات خلال انتخابات السلطتين التشريعية والتنفيذية في هذه المحافظات، حيث سنجد تخندق جهوي وسياسي وقبلي وأيديولوجي يترافق وهذه الانتخابات. ومن المحتمل، في ظل انتشار السلاح الكثيف، أن يتم الاحتكام للسلاح خلال الانتخابات، ورفض القبول بنتائجها من بعض الفئات الخاسرة. ولتقريب الصورة إلى الذهن علينا أن نتخيل إجراء الانتخابات في محافظة صعده، ففي هذه المحافظة يسيطر الحوثيون على معظم المحافظة فيما يسيطر السلفيون على منطقة دماج، وهناك وجود خفي لبعض القوى السياسية الأخرى داخل هذه المحافظة، ولكون الصراع الحالي بين هذه الأطراف هو صراع وجودي عنيف، المنتصر يكسب كل شي والخاسر يخسر كل شي، فإن إجراء الانتخابات في هذه الأجواء سيكون بمثابة إعلان للحرب بين الأطراف المتنازعة، فالحوثيين سيسعون من خلال هذه الانتخابات تأكيد سيطرتهم المطلقة على المحافظة ومن ثم استبعاد جميع القوى المنافسة من أي وجود أو سلطة في المحافظة، وخصوم الحوثيين من جانبهم سيسعون من جانبهم إلى المحافظة على مواقعهم وتعزيزها، وسيلجئون إلى كل السبل بما فيها القوة المسلحة لمنع الحوثيين من الفوز في الانتخابات. ولنا أن نتخيل مشهد الانتخابات في ظل هذا الوضع حيث سيصعب إجراء انتخابات سلمية يقبل بنتائجها الجميع، وحتى لو أجريت الانتخابات في هذه الأجواء فإن من غير المتوقع القبول بنتائجها فالمهزوم سيمتلك الكثير من الأدلة التي تؤكد بأن المنتصر فاز فيها بقوة السلاح، والمنتصر سيرفض إي طعن أو تشكيك في أمر فوزه، ولن يكون هناك دور حقيقي للقضاء في ظل أجواء مشحونة بالعداء المسلح. وحتى بعد أن تفوز بعض القوى بالسلطة التشريعية والتنفيذية في المحافظة، فإن القوى المهزومة سترفض التعاون معها وستتخندق في مناطق نفوذها وترفض القبول بإدارة الجهة الفائزة للإقليم والنتيجة هي إقليم ممزق تسوده الصراعات العنيفة والفوضى والفساد.
وما ينطبق على محافظة صعده ينطبق على معظم المحافظات بما فيها المحافظات التي تبدوا أكثر مدنية وتطور مثل محافظة تعز، فهذه المحافظة في حال كانت هناك انتخابات حقيقية على مستوى المحافظة فإن من المتوقع أن تبرز الانقسامات الجهوية والسياسية في هذه المحافظة، ففي حال كان المرشح لمنصب المحافظ أو رئيس الإقليم من منطقة شرعب فإن من المحتمل أن يحدث اصطفاف جهوي مقابل لمرشح من منطقة الحجرية مثلا، وهذه الاصطفافات على أسس جهوية تخلق الفوضى والاضطراب وتقلل من فرص إقامة نظام ديمقراطي في الأقاليم. فالديمقراطية على مستوى الدولة أو الأقاليم تتطلب أن يتم الصراع السياسي بين أحزاب سياسية لها أجندات وطنية وبرامج، وليس بين أحزاب مناطقية أو مذهبية أو عرقية أو قبلية، فالصراع المستند على تلك الأسس يولد الحروب والفوضى والعنف.
ولهذا فإن الفدرالية وفق هذه الظروف قد تؤدي إلى إضعاف الأحزاب الوطنية لصالح الأحزاب ما دون الوطنية، المناطقية والقبلية والمذهبية وغيرها.
·        ولكن أليس من الممكن تلافي ذلك عبر القانون والدستور الذي سيمنع نشوء الأحزاب المناطقية والمذهبية والقبلية؟
من الناحية النظرية يمكن وضع قيود دستورية وقانونية تمنع نشوء مثل تلك الأحزاب، إلا أن تطبيق ذلك بشكل عملي غير ممكن في ظل أوضاع اليمن الحالية، فالأحزاب الفئوية حين ستتقدم للحصول على تصريح أو تسجيل لن تعلن أنها أحزاب فئوية ولن يكون في نظامها الداخلي ما يشير إلى أنها أحزاب فئوية، فستجد مثلا حزب أسمه الحزب الديمقراطي أو الجمهوري أو المدني أو غيرها من المسميات البراقة، فيما هو فعليا حزب يمثل قبيلة معينة أو منطقة جغرافية أو مذهب معين.
·        ولكن الأحزاب الفئوية قد تنشا في ظل الدولة البسيطة وتكون النتيجة واحدة أليس كذلك؟
صحيح أن الأحزاب الفئوية في الدولة البسيطة تشكل مشكلة لهذه الدولة، إلا أن هذه المشكلة تصبح أكبر في ظل الدولة المركبة، ففي الدولة البسيطة قوة وتواجد الحزب الفئوي أقل مما هي في الدولة المركبة، فعلى سبيل المثال لو كان هناك حزب لقبيلة حاشد أو بكيل أو الحوثيون، ففي الدولة البسيطة سينحصر وجود الحزب في عدد محدود من مقاعد البرلمان، لكنه في ظل دولة فدرالية فإن من الممكن أن يصبح حزب حاشد مسيطرا على محافظة أو إقليم عمران فيما حزب بكيل مسيطرا على محافظة الجوف، وحزب الحوثي مسيطرا على محافظة صعده. وسيطرة هذه الأحزاب على هذا الأقاليم ستعزز من نفوذها وقوتها السياسية والعسكرية، حيث سيتم استخدام موارد هذه الأقاليم لصالح هذه الأحزاب، وقد يشمل ذلك تشكيل جيوش خاصة بهذه الأحزاب بشكل رسمي أو غير رسمي. وتكون النتيجة تأسيس دويلات قبلية أو مذهبية تتصارع فيما بينها البين ومع الحكومة المركزية، وربما مع قوى خارجية، فعلى سبيل المثال من المتوقع في حال وصل الحوثيون عبر الانتخابات إلى حكم محافظة أو إقليم صعده، أن تحدث احتكاكات عسكرية مع الدولة السعودية.
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن تسيطر أحزاب شمولية وديكتاتوريات فردية على بعض الأقاليم، في حال تطبيق الفدرالية، وحدوث ذلك يعني تراجع الديمقراطية في هذه الأقاليم وخاصة في مجال الحقوق والحريات، فعلى سبيل المثال سيتم قمع القوى المعارضة للحوثيين في صعده، فلن يكون هناك حرية حقيقية للإصلاحي أو السلفي أو العلماني في إقليم صعده، وبالمثل سيكون هناك قمع للحوثيين والعلمانيين في الأقاليم المحكومة من قبل السلفيين أو الإصلاحيين وغيرهم.
أن خلاصة ما أريد قوله هنا، هو أن الفدرالية قد تكون نظاما جيدا في بعض الدول وبعض الأوقات، غير أنها قد تكون سيئة في البعض الأخر، فالفدرالية وغيرها من النظم ينبغي لها أن تكون خطوة للأمام وليس للخلف، ولهذا يجب علينا أن نضع في اعتبارنا عدد من الأسئلة قبل التفكير بالانتقال نحو الفدرالية من قبيل:
·        هل ستؤدي الفدرالية إلى مزيد من الدمج؟ أم المزيد من التفكك؟
·        هل ستعمل الفدرالية على زيادة قوة الدولة؟ أم المزيد من الضعف؟
·        هل ستعمل الفدرالية على تعزيز الديمقراطية؟ أم تراجعها؟
·        هل ستساعد الفدرالية على تحسن الأوضاع الاقتصادية؟ أم المزيد من التدهور؟
·        هل ستعمل الفدرالية على الحد من التدخل الخارجي في شئون اليمن؟ أم المزيد من التدخلات؟
·        هل سيقل الفساد وسوء الإدارة بالفدرالية؟ ام سيزيد؟
·        هل ستقوى الأحزاب الوطنية بالفدرالية؟ أم أن الفدرالية ستضعفها وتقوي الأحزاب الفئوية؟
·        هل ستحسن الفدرالية من الأمن والاستقرار؟ أم أنها ستكون سببا للمزيد من الفوضى؟
·        هل ستؤدي الفدرالية إلى تشكل هوية وطنية جامعة؟ أم أنها ستعزز الهويات مادون الوطنية؟
·        هل ستؤدي الفدرالية إلى تحسن في شرعية نظام الحكم؟ أم تراجع في الشرعية؟  
·        هل ستؤدي الفدرالية إلى تقوية المؤسسات؟ أم زيادة الشخصانية؟
تلك الأسئلة وغيرها ينبغي لها أن تكون نصب أعيننا حين الحديث عن الفدرالية، وتجاهل تلك الأسئلة ربما يقودنا إلى تبني أفكار ومقترحات تزيد أوضاعنا سوءاً.
أن ما تحتاجه اليمن قبل كل شي هو ترسيخ حكم القانون، وهذا يتطلب حكومة مركزية ذات شرعية عالية، تقوم بتأسيس مؤسسات قوية، وتساهم في خلق ثقافة سياسية حديثة تقوم على المساواة وضمان الحريات الفردية وحقوق الأقليات. وهذا يعني إصلاح في بنية النظام المركزي للدولة وتطويره، وبعد ذلك يمكن التفكير في تجزئة السلطة، فاليمن حاليا يعاني من ضعف السلطة وغيابها الكامل عن بعض المناطق، والفدرالية تعني تقسيم السلطة وتقسيم مؤسسات الدولة، فإذا كان ليس لدينا سلطة ولا مؤسسات، فكيف يتم تقسيم شي لا وجود له.
ولهذا ينبغي أن يكون أصلاح الحكومة المركزية هو المدخل الحقيقي للإصلاح، ويتم ذلك عبر إرساء نظام سياسي قادر على احتوى الحركات الانفصالية والقوى العنيفة، والأحزاب الشمولية وينتج عنه المزيد من حكم القانون. مع شكل من أشكال الحكم اللامركزي. إن تقسيم السلطات دون وجود لفصل السلطات وسيادة القانون وضمان الحريات الفردية والأقليات قد تكون صيغة للفوضى والخراب وليس تطوير وحل لمشكلة المركزية في اليمن.



حوار حول أشكال الأنظمة السياسية

·        ما هي أشكال الأنظمة السياسية؟
هناك أشكال عديدة للأنظمة السياسية في العالم، غير أنه يمكن تقسيم الأنظمة السياسية إلى نوعيين رئيسيين هما: أنظمة سياسية ديمقراطية وأنظمة سياسية استبدادية.
·        وما هو أوجه الخلاف بين النظام الديمقراطي والاستبدادي؟
أهم صفة تميز النظام الديمقراطي عن الاستبدادي هو الدور الذي تلعبه القوة والقسر في الوصول للسلطة وممارستها، فحين يكون الوصول للسلطة عن طريق وسائل غير سلمية وبدون تفويض شعبي حقيقي عبر انتخابات تنافسية، فإن هذا النظام يكون استبداديا. إلى جانب ذلك، حين تتم ممارسة السلطة عبر القسر والقوة والقمع فإن هذه الممارسة تعني بأن النظام الحاكم هو نظام استبدادي حتى لو تم الوصول للسلطة عبر وسائل ديمقراطية كالانتخابات وغيرها.
·        وما هو الفرق بين القسر وتطبيق القانون؟
تطبيق القانون في الأنظمة الديمقراطية يتم بوسائل قسرية وأحيانا عنيفة، غير أن القسر والعنف هنا يختلف عن القسر والعنف الذي يمارس في النظم الاستبدادية، ففي النظم الاستبدادية يكون القسر والعنف مسخرا لخدمة النظام الحاكم ويوجه للمعارضين، وقد يتم ذلك عبر القوانين التي تضعها هذه الأنظمة، والتي تخدم مصلحتها وبقائها. أما القسر والعنف الذي يمارس في الأنظمة الديمقراطية، فأنه يتم عبر مؤسسات مستقلة نسبيا عن الحاكم، وبإشراف من مؤسسة القضاء، المستقلة عن الحاكم، ويتم ذلك وفقا للدستور والقوانين المتفق عليها من قبل الشعب أو الأغلبية منه.
إلى جانب ذلك، تتم ممارسة القسر ضمن وجود رقابة رسمية وشعبية لأجهزة تطبيق القانون، كالأجهزة الأمنية والجيش. وفي كل الأحوال فإن ممارسة القسر واستخدام القوة في الدول الديمقراطية لا يوجه للمعارضين السياسيين ومن يختلفون مع السلطة الحاكمة، ولكنه يوجه ضد من يقومون باختراق القانون، ويتم ذلك عبر أحكام قضائية يمنح فيها المتهمون جميع الحقوق في التقاضي العادل.
·        وهل هناك أشكال متعددة من النظم الاستبدادية؟
ليس من السهولة تحديد تسميات واضحة للأنظمة الاستبدادية لأن الكثير منها لا يتسمى باسم الشكل الذي يحكم به، غير أن التمييز بينها يتم عبر ملاحظة سلوكها وآلية ممارستها للسلطة. ويمكن ذكر لبعض التسميات لأنظمة الحكم الاستبدادي من قبيل:

1-  النظام الشمولي:

عادة ما يتم الخلط بين النظام الشمولي وغيره من الأنظمة الاستبدادية إلا أن السمة الرئيسية التي تميز النظام الشمولي هي وجود حزب حاكم واحد يسيطر على جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فجميع مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية تخضع لهيمنة وسيطرة هذا الحزب، فالجيش والأمن وجميع الوحدات الإدارية في الدولة والسلطة التشريعية والقضائية، وكذلك النقابات والجمعيات، كلها تدار من قبل الحزب الحاكم وعبر أعضائه. والنتيجة هي هيمنة الحزب الحاكم على الدولة بشكل كامل وتبعية الدولة بكل مكوناتها للحزب.
ومن نماذج النظم الشمولية الحكم النازي في ألمانيا والنظم الشيوعية في الاتحاد السوفيتي السابق والدول الاشتراكية التي كانت تابعة له، وكذلك النظم التي وجدت في بعض دول العالم الثالث ككوبا والعراق أثناء حكم حزب البعث وسوريا البعثية واليمن الجنوبي خلال حكم الحزب الاشتراكي، وحتى حكم رجال الدين في إيران بعد الثورة والذي يشبه إلى حد كبير الأنظمة الشمولية.
ويمكن تمييز نظام الحكم الشمولي عن غيره من النظم الاستبدادية الأخرى، من خلال قضية الولاء والتبعية، ففي ظل الأنظمة الاستبدادية العادية، فإن النظام الحاكم لا يُجرم من لا يؤيده، ويُجرم ويهتم بمن يعارضه، أما في النظام الشمولي فإن عدم الولاء للحزب الحاكم والنظام السياسي تعتبر جريمة لمن يظهر ذلك، ففي ظل حكم الأحزاب الشيوعية والنازية لم يكن مسموحا لأي مواطن أو جماعة بأن تعبر عن رفضها لنظام الحكم، والذي يشمل عقيدة الحزب الحاكم وطريقته في الحكم، وتصل ذروة الاستبداد في النظم الشمولية مداها حين يتم إجبار الناس على الإدعاء باعتناق أفكار الحزب بشكل كامل.
وتعد الأنظمة الشمولية من أكثر النظم الاستبدادية قسوة وشدة، كون استبداديتها تصل إلى كل تفاصيل حياة الأفراد والجماعات، ففي ظل هذه الأنظمة يتم التدخل بشكل مباشر وفج في الشئون الخاصة والعامة للأفراد. وتشكل دولة كوريا الشمالية الحالية أحد النماذج المتطرفة للنظم الشمولية.

2- النظم الدكتاتورية:

هناك عدة نماذج للنظم الدكتاتورية منها الدكتاتوريات العسكرية، وهي تلك الدكتاتوريات التي تتولى فيها المؤسسة العسكرية الحكم عبر الانقلاب على السلطة المدنية. وفي ظل هذا النوع من الأنظمة، والتي يوجد منها أنماط كثيرة، تتم ممارسة السلطة عبر استخدام القمع والقوة ضد المعارضين، وتحديدا المنضوين تحت قوى سياسية منظمة. وفي الغالب فإن الدكتاتوريات العسكرية تكتفي بالسيطرة على المؤسسات الرسمية وتسمح للمنظمات الغير رسمية بالعمل بحرية نسبية، فيما لا يهدد مصالحها. وتسمح بعض الدكتاتوريات العسكرية بحرية نسبية للصحافة وحتى للأحزاب والقوى السياسية.
ومن النماذج على الدكتاتوريات العسكرية في القرن العشرين حكم العسكر في كل من تركيا ونيجيريا وباكستان والعديد من دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا.
إلى جانب الدكتاتوريات العسكرية هناك أنواع من الدكتاتوريات التي هي خليط من النظم، حيث نجد بعضها به تعددية سياسية شكلية ويدعي بانه ديمقراطي، كما كان عليه الحال في كل من مصر وتونس واليمن قبل ثورات الربيع العربي. ففي هذه الدول كانت تجرى الانتخابات وكان هناك هامش حرية محدود للصحافة وتشكيل الأحزاب السياسية، إلا أن تلك الحرية تبقي مقيدة ومكبلة بالقوانين والإجراءات التي تمنعها من الوصول للسلطة أو تهديد نظام الحكم.

3-  النظم الملكية غير الديمقراطية:

في هذه النظم الاستبدادية تكون السلطة محتكرة لدى الأسرة الحاكمة والتي تمارسها دون قيود دستورية واضحة، ورغم أن بعض هذه النظم تمتلك في بعض الأوقات قبول شعبي ما، إلا أنها لا تستطيع الاستمرار في الحكم دون ممارسة درجة ما من القسر والقمع ضد معارضيها، كما أن هذه الأنظمة تصاب بالصراعات والخلافات داخل الأسر الحاكمة والتي قد تصل حد الصراعات لمسلحة والعنيفة.
·        وما هي أشكال نظم الحكم الديمقراطية؟
في عالم اليوم هناك ثلاثة أشكال رئيسية لأنظمة الحكم الديمقراطية هي:

2- النظام الرئاسي:

نظام للحكم السياسي يتولى فيه رئيس الجمهورية الإدارة الفعلية للسلطة التنفيذية. ويعتبر النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية أحد أبرز نماذج النظام الرئاسي في عالم اليوم. ففي هذا النظام يتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب بشكل غير مباشر، حيث يتم اختيار الرئيس من قبل هيئة ناخبة تسمى بالكلية الانتخابية. ويتولى الرئيس إدارة الجهاز التنفيذي للدولة بمعاونة المستشارين والوزراء. وهو الذي يقوم بتعيين هؤلاء الوزراء والمستشارين على أن يقوم مجلس الشيوخ (أحد فروع السلطة التشريعية) بالموافقة على تعيينهم كشرط لنفاذ تلك التعيينات. ويعتبر جميع من عينهم الرئيس مسئولون أمامه، وله الحق في عزلهم أو محاسبتهم.
ولا يحتاج رئيس الدولة (السلطة التنفيذية) في النظام الرئاسي إلى أي شكل من أشكال منح الثقة من قبل البرلمان لممارسة مهامه، وعليه فإن البرلمان لا يملك كذلك سلطة سحب الثقة عنه. وفي نفس الوقت فإن ذلك الرئيس لا يملك صلاحية حل البرلمان أو تقديم موعد الانتخابات أو تأخيرها. ويعتبر النظام الرئاسي واحداً من أوضح نماذج نظام فصل السلطات. حيث نجد أن السلطة التشريعية والتنفيذية تعملان باستقلالية نسبية عن بعضهما البعض. أما السلطة القضائية فانها تعمل بمعزل واستقلالية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، فهي تمتلك سلطة تفسير القوانين والحكم بدستوريتها.
واهم ميزات هذا النظام أنه يخلق سلطة تنفيذية منسجمة وأكثر فعالية، فكون الرئيس هو المسئول عن إدارة السلطة التنفيذية والوزراء ليسوا سوى معاونين له، فإن هذا النظام يجعل عملية اتخاذ القرارات سهلة وسريعة. وكون هذه القرارات تحتاج إلى موافقة السلطة التشريعية، فإن هذه الآلية تحد من طغيان الرئيس واستفراده بالسلطة. ومع ذلك هناك عيوب لهذا النظام تتمثل في مخاطر طغيان سلطة الرئيس في حال كانت السلطة التشريعية ضعيفة أو مسيطر عليها من حزب الرئيس، أو أن تكون السلطة التشريعية قوية بأكثر مما يجب، وهو ما يؤدي إلى عرقلة عمل الرئيس وعجزه عن اتخاذ القرارات، وتحدث هذه الحالة حين تسيطر المعارضة على السلطة التشريعية، وتقوم بعرقلة قرارات الرئيس بهدف إفشاله، ووصول الدولة إلى هذه الحالة يجعلها في حالة العجز والشلل.   

 2- النظام البرلماني:

نظام حكم تتركز فيه السلطة السياسية لدى البرلمان الذي يمتلك سلطة منح الثقة للحكومة (السلطة التنفيذية) أو حجبها عنها. وفي ظل هذا النظام لا تستطيع الحكومة مباشرة عملها إلا بعد أن يحصل برنامجها على ثقة البرلمان، وهو ما يتطلب من الحزب الحاكم أو مجموعة الأحزاب الحاكمة، في ائتلاف حكومي، أن يكون لها أغلبية مطلقة (50% + 1) داخل البرلمان تحصل بموجبها على الثقة والقدرة على تمرير القوانين التي تقترحها، وتجنب قيام البرلمان بسحب الثقة عنها. وفي هذا النظام يقوم الحزب الحائز على الأغلبية المطلقة أو الأحزاب المؤتلفة معه بتشكيل الحكومة من أعضائه في البرلمان ويرأس الحكومة زعيم الأغلبية في البرلمان.
ويكون رئيس الدولة في النظام البرلماني، سواء كان ملكاً أو رئيساً للجمهورية، بدون سلطات فعليه. وتعتبر بريطانيا هي المصدر الذي انبثق منه هذا النظام، وهي تمثل الآن أوضح النماذج في تطبيقه. وتتبع معظم الدول الديمقراطية في عالم اليوم هذا النظام، كما هو الحال في غالبية الدول الأوروبية وفي الهند واليابان.
من اهم عيوب هذا النظام هو سيطرة السلطة التنفيذية على التشريعية في حال أمتلك حزب واحد لأغلبية كبيرة فيه، ففي هذه الحالة تتمكن الحكومة من الحصول على موافقة البرلمان في كل القرارات التي تتخذها، ويصبح رئيس الوزراء صاحب سلطة كبيرة، فيما لا يكون لأحزاب المعارضة أي دور يذكر، فالأغلبية الحكومية قادرة على تجاوزها.
في مقابل ذلك هناك عيب خطير لهذا النظام يحدث حين لا يتمكن حزب واحد من تشكيل حكومة بمفرده بسبب عدم حصوله على الأغلبية المطلقة في البرلمان، وعجز الأحزاب من الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية، وفي هذه الحالة تدخل الدولة في أزمة حيث يمضي وقت طويل على الاتفاق على تشكيل الحكومة، وفي بعض الحالات يتم اللجوء لانتخابات جديدة في حال عدم الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية. إضافة إلى ذلك، هناك مشاكل كثيرة ترافق تشكيل الحكومات الائتلافية من أهمها عدم الاتفاق على اتخاذ القرارات خاصة القرارات المهمة في الدولة، ويتم ذلك بسبب الخلافات الحزبية الذي يتشكل من الائتلاف الحاكم، وهي خلافات تصيب الكثير من الحكومات الائتلافية بالشلل والعجز والضعف. وتخلق هذه الأوضاع مناخ للفساد وسوء الإدارة والصراع والتنافس داخل الحكومة.
ومع ذلك فإن النظام البرلماني قد اثبت نجاحه في الكثير من الدول، خاصة الدول الملكية، ففي هذه الدول حيث لا يتمتع الملك بأي سلطات حقيقية، أثبت النظام البرلماني نجاحه، بينما واجهت بعض الأنظمة البرلمانية الكثير من المشاكل في الدول الجمهورية، ففي هذه الدول عادة ما يحدث خلاف بين رئيس الجمهورية والحكومة حول الاختصاصات.

3-  النظام المختلط:

هذا النظام يجمع في آن واحد بين صفات النظامين البرلماني والرئاسي، وقد برز أوضح وأشهر نموذج لهذا النظام في فرنسا(الجمهورية الخامسة) ففي هذا النظام يتم انتخاب رئيس الجمهورية بشكل مباشر من قبل الشعب، ويتمتع هذا الرئيس بسلطات واسعة، منها الإشراف المباشر على الشؤون الخارجية والدفاع وصلاحية حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية دون الحاجة إلى توصية من رئيس الحكومة - كما يتطلب الأمر في النظام البرلماني.
كما يدخل في صلاحيات رئيس الجمهورية قيامه بتكليف الشخص الذي يقوم بتشكيل الحكومة ومن ثم ترؤسها، إلا أن هذا التكليف يظل مقيداً بمن يكون قادراً على الحصول على ثقة البرلمان. وهذا يعني أن رئيس الجمهورية قد يكلّف شخصاً من غير حزبه لتشكيل الحكومة إذا كان حزبه لا يتمتع بأغلبية برلمانية.
وفي نفس الوقت فإن هذا النظام يمنح الحكومة ورئيسها سلطات عديدة وهامة كإدارة الشئون الداخلية ومن بينها وضع الميزانية الحكومية التي تتحكم في مجمل أوضاع الدولة الاقتصادية والاجتماعية.
يلاحظ أن معظم الأنظمة العربية، قد أخذت بشكل النظام المختلط في دساتيرها مع منح رئيس الدولة المزيد من السلطات التي لا تخضع للرقابة والمساءلة الحقيقية من قبل السلطة التشريعية أو أية سلطات أخرى. وهو الأمر الذي أفرغ هذه النظم من طبيعتها الديمقراطية، حيث تم تركيز السلطة الفعلية في الدولة في يد الرئيس، دون أن يخضع لآليات الرقابة والمسائلة التي تضمن عدم إساءة استغلال السلطة.

إلى جانب تلك الأنظمة، هناك نظام رابع يُعمل به في سويسرا، وهو نظام الجمعية، وهذا النظام يركز السلطة في السلطة التشريعية، التي تنبثق عنها السلطة التنفيذية والتي يتداخل عملها مع عمل السلطة التشريعية.
·        وما هو النظام السياسي في الدستور اليمني؟
وفقا للدستور الحالي لليمن، فإن النظام يشبه النظام المختلط، حيث يتم انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، ويتم انتخاب البرلمان من الشعب، فيما يكلف رئيس الجمهورية رئيس الحكومة ويمتلك الرئيس سلطة حل البرلمان وتقديم موعد الانتخابات وحق المصادقة على القوانين وغيرها من السلطات الواسعة، فيما ليس هناك من قيود واضحة على سلطة الرئيس.
وفي الواقع العملي فإن رئيس الدولة قبل الثورة كان يتمتع بسلطات مطلقة، ولم يكن يحترم الدستور إلا في بعض الجوانب الشكلية، والتي كان يتمسك بها النظام ليضفي على نفسه صفة المشروعية.
·        وما هو النظام السياسي الأنسب لليمن بعد الثورة؟
لا يمكن القول بان هناك نظام واحد مناسب لليمن، فجميع الأنظمة التي سبق ذكرها تبدوا مناسبة في الدول التي تعمل بها، فالمهم هنا هو الالتزام بالديمقراطية واحترام بنود الدستور، وإيجاد آليات حقيقية تضمن ذلك، أهمها إيجاد سلطة قضائية مستقلة قادرة على أن تكون حكم محايد ومقبول تمكنها من أن تكون مرجع للخلافات بين الأفراد والمؤسسات. إضافة إلى ذلك وجود سلطة تشريعية قوية ومستقلة عن هيمنة السلطة التنفيذية. وقد يتم ذلك من خلال النظام الرئاسي أو البرلماني أو المختلط.
ومع ذلك ينبغي أن يتم اختيار النظام السياسي الذي يتناسب وطبيعة الظروف اليمنية ومتوافقا معها، وفي هذا الشأن ينبغي أن لا يتم اختيار نظام سياسي كردة فعل فقط على النظام السابق، حيث يلاحظ أن هناك توجه لدى البعض لتبني النظام البرلماني، كرد فعل على أسلوب حكم الرئيس السابق صالح الذي اتسم باحتكار مطلق للسلطة.       

             

   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟