هل الفدرالية صيغة للفوضى في اليمن؟ (محاضرة 2013)

هل الفدرالية صيغة للفوضى في اليمن؟

                                                                 عبدالناصر المودع
   وفرت الثورة لليمن فرصة لتحقيق إصلاحات واقعية ومحدودة على النظام السياسي، غير أن هذه الفرصة قد تتبدد وتتحول إلى نكسة،  بسبب المبالغة في تصور إمكانية إجراء تغييرات جذرية وشاملة، لا تتوفر الشروط الموضوعية لتحقيقها. وتكون النتيجة هي الفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما يلوح في الأفق، أو الدكتاتورية والاستبداد وهو ما قد يأتي لأحقا.
ولهذا فإن محتوى هذه المحاضرة، سيكون صادما للكثيرين ممن يعولوا على الفدرالية كأحد المخارج لحالة الضياع والفشل الذي تعيشه اليمن حاليا، فهؤلاء يرون بأن الفدرالية، بما تحمله من معاني فكرية وإجرائية، نظاما متطورا وخيارا ناجحا ومجربا في الكثير من الدول. وهو أمر لا يمكن نكرانه.
وعلى الصعيد الشخصي، فقد كنت من المتحمسين لتطبيق الفدرالية في اليمن، بل كنت من المتعصبين لها في فترة من الفترات، غير أني ما أن اقتربت بالتحليل والدراسة لتطبيقها في اليمن حتى وجدت نفسي أقف في موقف مغاير لما كنت متعصب له. حيث وجدت بأن تطبيق الفدرالية في وضع اليمن الحالي قد يكون بمثابة الحل الخاطئ، فليس هناك من مقومات موضوعية لقيام فدرالية ناجحة في اليمن حتى في الحدود الدنيا، وهو ما سأوضحه في النقاط التالية.

أولا: الدولة اليمنية الفاشلة:

جميع المؤشرات تؤكد بأن اليمن دولة فاشلة بكل المقاييس والتي يمكن قياسها من خلال المظاهر التالية:
1- التدخل الخارجي الواسع.
2- فقر الدولة واعتمادها على مصادر دخل محدودة، وغير مضمونة.
3- وجود حركة انفصالية نشطة تهدد كيان الدولة ووجودها.
4- وجود حركة تمرد مسلحة تسيطر على جزء مهم من أراضي الدولة.
5- غياب الديمقراطية.
6- ضعف شديد في المؤسسات.
7- انقسام حاد داخل النخبة السياسية.
8- وجود نشط لتنظيم القاعدة يجلب الكثير من المشاكل الأمنية والاقتصادية والتدخلات الخارجية.
9- وجود فراغ لسلطة الحكومة في الكثير من مناطق الدولة.
10-                   سيطرة قوى اجتماعية وسياسية على قوات مسلحة خارج سيطرة الحكومة.
11-                    انقسام القوات المسلحة والأمنية وضعف أدائها.
12-                    غياب سيادة القانون.
13-                    ضعف الأحزاب الوطنية وتنامي للقوى السياسية الفئوية.
14-                    ضعف شرعية النظام الحاكم.

ثانيا: صعوبة الاتفاق على شكل الفدرالية:

1- خطورة وصعوبة القبول بفدرالية من إقليمين.
2- صعوبة الاتفاق على فدرالية من أقاليم متعددة.

ثالثا: المشاكل المتوقعة من تطبيق الفدرالية:

بما أن اليمن دولة فاشلة، وفق ما سبق وذكرنا، فإن من المتوقع أن يؤدي تبني الفدرالية إلى المشاكل التالية.
1- زيادة التدخلات الخارجية، وتحول الكثير من الأقاليم إلى دويلات شبه مستقلة تابعة لأكثر من دولة.
2- زيادة النزعة الانفصالية في الجنوب، وإذكائها في مناطق جديدة.
3- قيام بعض الأقاليم بإنشاء جيوش خاصة بها.
4- زيادة المنازعات العسكرية بين الأقاليم فيما بينها البين ومع الحكومة المركزية.
5- تراجع الديمقراطية في بعض الأقاليم التي ستحكم من قبل أحزاب شمولية متطرفة أو أمراء حرب. واحتمالية إلغاء الكثير من الحريات والحقوق الخاصة بالنساء وبعض الفئات في هذه الأقاليم.
6- ارتفاع حدة النزاعات الجهوية والقبلية والمذهبية والسياسية داخل الكثير من الأقاليم.
7- زيادة الأعباء المالية بسبب تضخم الجهاز الإداري للدولة.
8- ارتفاع حدة الصراع على الموارد الطبيعية داخل الأقاليم وفيما بينها.
9-  ضعف الأحزاب الوطنية وتقوية الأحزاب الفئوية (مناطقية، قبلية، مذهبية)
10-                    انتشار الفساد وصعوبة محاسبة ومسائلة الحكومات المنتخبة في معظم الأقاليم.
11-                    تراجع الاستثمارات الكبيرة بسبب الصراع وعدم الاستقرار الذي سينشأ في الكثير من الأقاليم.
12-                    الانكفاء على الذات داخل كل إقليم، إذ أن من المحتمل أن يتم احتكار التوظيف والعمل والاستثمار لأبناء كل إقليم وإغلاقه أمام أبناء الأقاليم الأخرى. وهو ما سيؤدي إلى تراجع التداخل والتفاعل السكاني والاجتماعي والاقتصادي.
13-                    الفوضى المرافقة للتحول للفدرالية.
14-                    ارتفاع وتيرة الهويات المحلية وتراجع الهوية الوطنية الجامعة.
15-                   تراجع في شرعية النظام السياسي.



النتـائج

1- زيادة هشاشة الدولة.
2-  تعميم الفوضى والاستبداد والفساد والمزيد من إضعاف للمؤسسات، وغياب سيادة القانون.
3- ما لم يكون هناك مؤسسات قادرة على فرض القانون، من قبيل منع الأحزاب الشمولية والانعزالية والعنصرية، وإلزام الحكومات المحلية المنتخبة بالاحتكام للقضاء، فإن الفدرالية لن تكون إلا حل خاطئ لمشاكل اليمن.
4- إن تقسيم السلطات دون وجود لفصل السلطات وسيادة القانون وضمان الحريات الفردية وحقوق الأقليات، فإن الفدرالية ليست إلا صيغة للفوضى والخراب وليس تطوير وحل لمشكلة المركزية في اليمن.
5- من الممكن أن نستمر لفترة طويلة في حالة من التجريب لأنظمة حكم كثيرة، حتى نستقر على النظام المناسب، وأخشى أن تكون هذه الفترة طويلة وكلفتها عالية.




الفدرالية الممكنة في اليمن

تحتاج اليمن قبل كل شي إلى ترسيخ حكم القانون، وهذا يتطلب  حكومة مركزية تمتلك قدر كبير من السلطة الشرعية، المستندة على مؤسسات قوية وثقافة سياسية حديثة تقوم على المساواة وضمان الحريات الفردية وحقوق الأقليات، لتتمكن حينها من أحتوى الحركات الانفصالية والفوضوية والعنيفة. ولن يتم ذلك إلا من خلال دولة بسيطة تضطر لوسائل قسرية في بسط سلطة الدولة في بعض المناطق، من خلال حكم مركزي مباشر وربما عبر قوانين الطوارئ، لبسط سلطة الدولة على محافظات مثل الضالع وابين وصعدة ومارب والجوف، فالصيغة البسيطة قد تكون هي أقل الصيغ سوءا في ظروف اليمن الحالية، قياسا بالصيغ الأخرى.
وبعد ذلك، يمكن تقسيم المحافظات اليمنية إلى مناطق فدرالية، وأخرى ذات حكم محلي واسع الصلاحية، ومحافظات تحكم مركزيا.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟