الفدرالية من إقليمين!! ووهم الانفصال المخملي

الفدرالية من إقليمين!! ووهم الانفصال المخملي

                                                             عبدالناصر المودع
يتم في مؤتمر الحوار الضغط باتجاه إقرار الفدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي، وهذه الفدرالية يُراد لها أن تكون الخطوة الأولى نحو انفصال مخملي على الطريقة التشيكوسلوفاكية. فعلى عكس ما يدعوه له الكثيرون، من انفصال ناجز وفوري، نجد أن الانفصاليين المشاركين في مؤتمر الحوار، من بعض قادة الحزب الاشتراكي ومن يدعون تمثيل الحراك الجنوبي، يطرحون خطة انفصالية أكثر واقعية وذكاء من أولئك. فهؤلاء يدركون أن الانفصال الناجز والفوري ما هو إلا ضرب من الخيال، في حالة الجنوب الراهنة، حيث لا وجود لمؤسسات إدارية وأمنية وسياسية قادرة على استلام وإدارة الدولة الجنوبية التي يحلمون باستعادتها. ونتيجة لهذا؛ فأنهم يخططون لتأهيل الجنوب ومؤسساته خلال الفترة الانتقالية (3 سنوات) ليتمكن من إقامة الدولة الجنوبية الموعودة.
فوفقا للرؤية المقدمة من الحزب الاشتراكي، وممن يدعون تمثيل الحراك الجنوبي في المؤتمر، فإن مشروع الفدرالية من إقليمين، سيؤدي إلى تأسيس سلطة سياسية وتشريعية وإدارية وقضائية وأمنية للإقليم الجنوبي، وسيُمنح الجنوبيون نصف الوظائف في السلطة الاتحادية، بما في ذلك المؤسسات العسكرية والأمنية والسلك الدبلوماسي والقضاء والمجالس المنتخبة. وسيتم أيضا، حسب المخطط، إخراج القوات المركزية من الجنوب، وإحلال قوات جنوبية محلها، في نفس الوقت سيتم خلال هذه الفترة، استكمال تفريغ الجنوب من السكان الشماليين، عبر عمليات التطهير الشطري، والتي ستتم استنادا إلى: أحقية الجنوبيون بالوظائف الحكومية في الإقليم الجنوبي، وأولويتهم في العمل والاستثمار في الجنوب، والتي تضمنتها رؤيتي الحزب والحراك. وإلى جانب ذلك، ستتم هذه العملية بالتوازي واستحواذ سلطة الإقليم الجنوبي والسلطات التابعة له على كل أو معظم الثروات الطبيعية في الجنوب.
 وكل هذه الخطوات ستخلق الكيان الجنوبي ومؤسساته على الأرض، وحينها لن يتبقى سوى إعلان الانفصال من قبل سلطة الإقليم، وهي السلطة التي ستمتلك المشروعية القانونية للتحدث باسم سكان الجنوب كونها أتت من خلال الانتخابات.

أن مشروع الفدرالية من إقليميين، سيعمل على منح المشروع الانفصالي المشروعية القانونية التي يفتقر لها في ظل الوضع الحالي، حين سيتم تضمينه في الدستور، أو في بيان أو قرار لمجلس الأمن، ولا يهم كثيرا هنا، ما إذا كان الدستور سيتضمن الإقرار بشكل رسمي بحق تقرير المصير أم لا، فإيجاد كيان سياسي يُسيطر على الأرض في الجنوب، سيخلق واقع سياسي جديد سيفرض على الحكومة المركزية أو ما تبقى منها، وكذلك العالم الخارجي، القبول بالانفصال كأمر واقع. خاصة وأن مرحلة تأسيس الكيان الجنوبي ستتم بالتوازي مع خلق هوية جنوبية رافضة لهوية الدولة الواحدة، بحيث يصبح المزاج الانفصالي في الجنوب هو السائد والطاغي، وهو ما سيمنح الانفصال تأييد ساحق في حال تم استفتاء الجنوبيين عليه.
وإلى جانب مخطط إنشاء الكيان الجنوبي، هناك مخطط أخر للشمال، تضمنته رؤية الحزب الاشتراكي، ويشمل على تقسيم الشمال إلى أكثر من إقليم، ويبدو أن الصيغة النموذجية لذلك، هي تقسيم الشمال إلى إقليم شمالي بصبغة زيدية، وإقليم جنوبي/غربي بصبغة شافعية. وهذا التقسيم قد يؤدي إلى خلق صراع مذهبي في الشمال، وهو ما يوفر للجنوب فرصة اللعب على هذا الصراع ويجنبه توحد الشماليين في مواجهة المشروع الانفصالي في الجنوب.
وعلى الرغم من أن المخطط الانفصالي، القابع في ثنايا مقترح الفدرالية من إقليميين، ينبئ بنجاحه؛ إلا أن التحليل العميق للواقع اليمني يؤكد على أنه لا يعدو من أن يكون مشروع فاشل صاغه ساسة دفعتهم غرائزهم وأحلامهم، والتقدير السيئ للأمور إلى تبنيه، متخيلة أنها ستتمكن من تمريره بالشكل الذي تخطط له. ولتأكيد أن هذا المخطط لن يتم سنورد فيما يلي الحقائق التالية:
1- تحول اليمن إلى دولة فدرالية من إقليمين، أو أكثر، يحتاج إلى مؤسسات قوية وفاعلة قادرة على ترجمته إلى الواقع، إلا أن غياب وهشاشة المؤسسات القائمة في اليمن – شمالا وجنوبا- لن تكون قادرة على تأسيس مؤسسات في هذه الأقاليم، ولا حتى في الحدود الدنيا. فلا يمكن تصور أن تقوم المؤسسات الهشة والضعيفة للدولة اليمنية بخلق مؤسسات أفضل منها في الإقليمين المقترحين. وكما كانت الوحدة فاشلة بسبب هشاشة المؤسسات فإن مشروع الإقليمين سيكون مصيره أسوا، لأن عملية الدمج هي أسهل من عملية التفكيك.
2- يعتقد الانفصاليون أن مشروع الفدرالية من إقليمين، سيمر في غفلة من الزمن كما هو مخطط له، دون معارضة تذكر من قبل الطبقة السياسية المعارضة للانفصال، والتي تعيش حالة من الصراع فيما بينها منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس صالح. غير أن هذا الأمر غير مضمون، فهذه الطبقة رغم انقسامها، إلا أنها لازالت ممسكة بمعظم عناصر القوة والنفوذ في الدولة، وهو ما يمكنها من إفشال هذا المشروع بأكثر من طريقة. ومن المحتمل أن يعمل إقرار هذا المشروع في مؤتمر الحوار، على إعادة توحيد هذه الطبقة من جديد. ومن ثم؛ يكون الانفصاليون، ومن حيث لا يدرون ولا يرغبون، قد ساهموا في إعادة تجميع معسكر حرب 94 بصيغة من الصيغ.
3- لن يؤدي إقرار مشروع الفدرالية من إقليمين إلى استقرار الجنوب، واستتباب الأمن فيه، وهو ما يعني عدم قدرة أنصار هذا المشروع من تنفيذه بالسلاسة التي يحلمون بها. فمن شبه المؤكد، أن تعمل القوى الانفصالية التي لم تشارك في الحوار، والتي لها الشعبية والصوت الأعلى في الجنوب، إلى إفشال هذا المشروع، وستزداد تمسكا بمشروعها الخاص المتمثل بالانفصال الناجز والفوري. وستقوم بهذا العمل استنادا إلى رفضها لمشروع الفدرالية من إقليمين، والتي تعتقد أنه يهدف إلى إجهاض المشروع الانفصالي، وتحايل على مطالب الجنوبيين في استعادة الدولة، التي يعتقدون أنها أصبحت في مرمى حجر.
يضاف إلى ذلك، أن هذا القوى متوجسة من أهداف ونوايا الطرف الذي يحمل مشروع الفدرالية من إقليمين داخل مؤتمر الحوار، وتحديدا الطرف الذي يقوده محمد علي أحمد (مؤتمر شعب الجنوب). حيث يرون بأن هذا الطرف لا يمثل الحراك الحقيقي، وأنه حراك مُـفرخ من قبل السلطة في صنعاء، ولكونهم يعتقدون ذلك، فأنهم سيشككون في نواياه وإخلاصه للمشروع الانفصالي، وسيتم الحديث عن أن هذا المشروع يهدف إلى تمكين من يطلق عليهم "الزمرة"من السيطرة على الإقليم الجنوبي والاستحواذ على حصة الجنوب من السلطة الاتحادية المقترحة، بدعم ورعاية من الرئيس هادي. وكل هذه الأسباب ستدفع بالأطراف الانفصالية في الجنوب إلى رفض هذه المشروع. وعليه فإن من المتوقع أن يزداد الوضع اشتعالا في الجنوب عقب إقرار هذا المشروع، وحدوث ذلك يفشل مرامي وأهداف من خطط لهذا المشروع ومن قبل به من الطرف الأخر. 
4- من المتوقع أن يثير إقرار هذا المشروع النزعات الاستقلالية في معظم المحافظات الجنوبية والتي قد تسعى لإنشاء أقاليم خاصة بها أثناء المرحلة الانتقالية، خاصة في المحافظات الشرقية ومدينة عدن، حيث أن ضعف السلطة المركزية والفوضى التي سترافق إقرار هذا المشروع، ستسهل لهذه المناطق القيام بذلك. وحدوث هذا الأمر يضعف من تحقق هذا المشروع.
5-  بما أن هذا المشروع ما هو إلا تمهيد للانفصال فإن موقع الرئيس هادي سيتعرض للخطر الشديد من قبل الكثير من النخب الشمالية وبعض النخب الجنوبية المعارضة للانفصال. فهذه النخب ستحمل الرئيس هادي، بحق أو باطل، مسئولية هذا القرار الخطير. ومن ثم فإن فرص التمديد لهادي في السلطة ستتضاءل، خاصة وأن أحد الأسباب التي دفعت بالطبقة السياسية لتقبل برئاسة هادي للدولة، كان المحافظة على الوحدة، وكونه لم يحافظ على الوحدة، كما سيروج له الكثيرين، وبالتحديد الرئيس صالح وأنصاره، والذين سيجدون حجج قويه تسند اتهامهم لهادي، من قبيل علاقة هادي القوية مع محمد علي أحمد، الذي يتزعم المطالبة بهذا المشروع. ومن المحتمل أن ينجح الرئيس صالح وفريقه بتحويل المزاج الشعبي في الشمال ضد الرئيس هادي، وقد يصل الأمر حد رفض فكرة الرئيس الجنوبي. وخروج هادي من السلطة يفقد هذا المشروع أحد ركائزه الأساسية، حيث أن انتقال السلطة إلى رئيس أخر وبالتحديد شمالي سيلغي هذا المشروع، وقد يُحرم الجنوبيين من المواقع التي احتلوها بوصول هادي للسلطة.
6- من المحتمل أن يؤدي إقرار هذا المشروع إلى مظاهرات وقلاقل في المناطق الشمالية يديرها أكثر من طرف، وحدوث هذا الأمر سيحرم هذا المشروع من شرعيته السياسية، وفي أسوا الحالات قد يخلط الأوراق والتحالفات ويعيد اليمن إلى المربع الأول.      
7- بينت التجربة في أفغانستان والعراق أن العالم الخارجي، ومهما بلغت قوته، لا يمكنه تمرير مشاريع سياسية في حال لم تقبل بها بعض القوى المحلية. وبما أن من المتوقع أن يثير مشروع الفدرالية من إقليمين معارضة داخليه قويه، فإن من غير المفيد التعويل على العالم الخارجي لتمريره. فقد يتمكن العالم الخارجي من إجبار أعضاء مؤتمر الحوار وفريق ألـ16 تحديدا على تمرير هذا المشروع، إلا تنفيذه على الأرض لن يتم في ظل المعارضة المتوقعة.  
8- يطرح بعض مخططي هذا المشروع فكرة إصباغ الشرعية عليه من خلال الحصول على قرار أممي أو تعميد من الأمم المتحدة، ومع أن مجلس الأمن يمتلك شرعية في فرض هكذا مشروع، إلا أن احتمال قيام مجلس الأمن بذلك أمر مستبعد، خاصة في حال كان هناك معارضة شعبية واضحة له.
9- تبدو البراءة السياسية، إن لم نقل السذاجة، لدى أصحاب مشروع الفدرالية من إقليمين، حين يعتقدون بأن أنصار الوحدة، من الشماليين والجنوبيين، من الغباء بحيث يقبلوا رعاية وتأسيس كيان انفصالي تحت سمعهم وبصرهم وبموارد السلطة المركزية، خاصة وأن هذا المشروع سيحرمهم الكثير من الوظائف والسلطات والأموال، الشرعية وغير الشرعية، التي يمتلكونها حاليا، بعد أن يتم تحويلها للقوى الانفصالية داخل الإقليم الجنوبي أو في السلطة المركزية. ولهذا فإن من المستحيل أن تسمح بتمريره حتى لو تم إقراره، وسيساعدها في ذلك تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي قد تنتج عن هذا المشروع وغيره من القضايا.
من كل ما ذكرنا يمكن الاستنتاج بأن هذا المشروع لا يمتلك إي فرصة للنجاح، ولو كان هناك إمكانية لتحققه بحيث يتم انفصال مخملي وناعم على الطريقة التشيكوسلوفاكية، لكان على النخب اليمنية دعمه وتأييده، فالانفصال الناعم والسلس هو أفضل لليمن من وضعها الحالي. إلا أن واقع الحال يشير إلى أن هذا الأمر غير ممكن، مما يعني بأن مشروع الفدرالية من إقليمين ليس إلا إضافة نوعية لمشاريع الفوضى والدمار التي تزخر بها اليمن حاليا.

         


















     
��b � � � �R L � الإصلاح في هذه المرحلة، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1- استمرار روح الشراكة مع حلفائه: فخلال هذه المرحلة تم الاتفاق، وبسرعة غير متوقعة، بين أحزاب المشترك على تقاسم الحقائب الوزارية التي مُـنحت لهم، وهو أمر يحسب لصالح قادة المشترك، ويبرز نضجهم السياسي، وبالتحديد قيادة حزب الإصلاح، التي قبلت بالحصول على عدد محدود من الوزارات، أقل بكثير من حجم الإصلاح الحقيقي ودوره البارز في الثورة. وسلوك حزب الإصلاح هذا، كان أكثر نضجا من سلوك حركة الاخوان المسلمين في مصر بعد الثورة، حيث فضلوا الحصول على أكبر حصة ممكنة في الدولة، وهو ما أثار لهم الأعداء وأدى في النهاية إلى الحال الذي وصولوا إليه.
2- عدم استعداد الحزب لهذه المرحلة: فرغم أن حزب الإصلاح قد شارك في ائتلاف حكومي بعد انتخابات 1993، إلا أن سلوك الحزب خلال المرحلة الانتقالية يشير إلى أنه لم يكن جاهزا لها، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال المؤهلات العادية للشخصيات التي تولت حقائب باسمه، وقبوله بتولي شخصيات غير مؤهلة، من خارج الحزب، لمواقع كانت من حصته. إلى جانب ذلك، لم يظهر وزراء الإصلاح في الوزارات، التي تولوا قيادتها، أفكارا جديدة في العمل، أو سلوك غير نمطي في الإدارة. وقد يكون من الإنصاف عدم توقع ذلك في ظل حكومة كهذه - كما أشرنا - إلا أنه كان من الممكن لحزب الإصلاح أن يقدم أفضل مما قدم.
3- المواقف الباهتة من القضايا الكبرى: قبل وخلال الثورة كان الإصلاح وأحزاب اللقاء المشترك يتحدثون عن الفساد وسوء الإدارة وغياب المؤسساتية، وكان من المتوقع أن يسعى الإصلاح إلى التطرق لهذه المسائل بشكل أو أخر خلال مشاركته في حكومة الوفاق، غير أنه لم يحدث شيء من هذا، فلم نسمع أو نرى مواقف واضحة للحزب من قضايا مثل تهريب المشتقات النفطية، والأسماء الوهمية في الجيش والمؤسسات الأمنية، وغياب الشفافية في نفقات رئاسة الجمهورية والوزراء. كما أننا لم نلمس من حزب الإصلاح وأحزاب المشترك أي أفكار أو إجراءات جديدة للتعيينات في المناصب الحكومية، والتي لم تختلف عن الوضع السابق. 




تعامل الإصلاح مع قضايا التغيير السياسي

على الرغم من الحضور البارز للإصلاح خلال الثورة وبعدها، إلا أن حضوره وأدائه فيما يتعلق بقضايا التغيير السياسي كان باهتا ومشوشا وافتقد إلى الرؤية الإستراتيجية، وللتدليل على ذلك نذكر دوره وتفاعله مع القضايا التالية:

مؤتمر الحوار الوطني:

بدأ حزب الإصلاح وكأنه غائب عن الإجراءات والتحضيرات التي كانت تتم لهندسة وتوجيه مؤتمر الحوار الوطني، فخلال مرحلة الإعداد للمؤتمر، لم يظهر من الإصلاح ما يفيد بأن له رأي مما كان يتم، والتي تتعارض مع توجهات الإصلاح وطبيعته. فحين تم منح المستشار الأممي جمال بن عمر وفريقه صلاحيات واسعة لهندسة الحوار وتوجيهه الوجهة التي يريدون، لم يظهر من الإصلاح أو من غيره من القوى اليمنية أي رفض أو معارضة لذلك. وكان من اللافت أن يقبل الإصلاح تمرير مقترح المناصفة الشطرية لأعضاء مؤتمر الحوار، والذي سن لبدعة خطيرة، وحكم على مؤتمر الحوار بالفشل المسبق حين حوله من مؤتمر لإصلاح النظام السياسي، إلى مؤتمر لإعادة النظر في الوحدة.
وبقبول حزب الإصلاح لمقترح المناصفة وغيرها من الخطوات والإجراءات اللاحقة، بدأ وكأنه لا يملك رأي أو قدرة على فرض أرائه، حيث لم تظهر أي بصمات واضحة لحزب الإصلاح في مرحلة الإعداد لمؤتمر الحوار. وعلى العكس من ذلك، كان لأطراف أخرى، مثل الحزب الاشتراكي والانفصاليين والحوثيين وغيرهم، بصمات أوضح في هندسة المؤتمر وتوجيهه.

القضية الجنوبية:

أتسم موقف حزب الإصلاح خلال مرحلة صعود الحراك الجنوبي وتزايد النزعة الانفصالية في الجنوب، بالغموض، والتذبذب. ويبدو أن تلك المواقف كانت ناجمة عن رغبة الحزب في مسايرة شركاءه في المشترك وتحديدا الحزب الاشتراكي، وكذلك الابتعاد عن مواقف الرئيس السابق صالح، خلال مرحلة ما قبل الثورة. غير أن تلك المواقف أصبحت بعد الثورة تشكل مشكلة للحزب، حيث أظهرت الحزب وكأنه مُفرط بالوحدة ويقبل الحلول التي تنتقص منها. وهي المواقف التي يستفيد منها الرئيس السابق وأنصاره، حين يُظهرون أنفسهم وكأنهم المدافعين الحقيقيين عن الوحدة.
وقد انسحبت مواقف حزب الإصلاح المتذبذبة من القضية الجنوبية، على رؤاه داخل مؤتمر الحوار من هذ القضية وموضوع شكل الدولة المرتبط بها. ففي البداية لم يؤيد الحزب الفدرالية، وتقدم بمقترحات لدولة بسيطة وحكم محلي كامل الصلاحيات، غير أنه تراجع عن ذلك وقبل بالفدرالية والدولة الاتحادية فيما بعد، مسايرة لموضة الفدرالية الرائجة، ومزايدة لموقف المؤتمر الشعبي الذي قبل بالفدرالية.
وقد انعكست مواقف الحزب من القضية الجنوبية على أدائه في المناطق الجنوبية، حيث لم يعد له الكثير من الفعاليات المؤيدة للوحدة هناك، باستثناء المسيرة التي أقامها في 21 فبراير 2013، في عدن والتي أدت إلى صدامات دموية مع الانفصاليين. ويبدو أن الحزب قد فضل الاستكانة في الجنوب، وهو ما مكن القوى الانفصالية من الاستفراد بالشارع الجنوبي وإظهار الانفصال وكأنه الخيار الوحيد في الجنوب.

قضايا الإصلاح السياسي:

خلال مؤتمر الحوار لم يبرز للحزب بصمات واضحة من المواضيع المطروحة، حيث ظهر الحزب وكأنه يساير الكثير من الأفكار الرائجة، ومن ذلك؛ قبوله بالنظام البرلماني وبنظام القائمة النسبية المغلقة، وهي الأنظمة التي لن تكون مناسبة لليمن كونها ستؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي وتفتيت الأحزاب الكبيرة، بما فيها حزب الإصلاح، وتقوية الأحزاب المادون وطنية.
وأخطر القرارات التي قبل بها الحزب داخل مؤتمر الحوار، قرارات المناصفة الجنوبية الشمالية في المناصب الإدارية والعسكرية والقضاء، وهي المناصفة التي ستعمل على إضعاف الدولة وتشرذم مؤسساتها، وتخلق استقطابات شطرية تهدد التعايش بين اليمنيين.





أن الخلاصة التي سنخرج بها من هذه الورقة الموجزة، تتمثل في:
1-  يمتلك حزب الإصلاح مهارات كبيرة في التنظيم والحشد، ويمتلك بناء مؤسسي فعال، مقارنة بالأحزاب اليمنية الأخرى.غير أن هذه المهارات تفيده كثيرا حين يكون في خارج السلطة، إلا أنها تصبح مشكله حين يتحول إلى حزب حاكم، أو مشارك في الحكم، فهذه البنية تجعل الحزب منغلقا على فئات محدودة من المجتمع، وهو ما يُحرم الحزب الكفاءات والخبرات التي يزخر بها المجتمع من خارج هذه الفئات.
2- مرحلة التحول من حزب معارض إلى حزب حاكم تتطلب من حزب الإصلاح إعادة النظر في أساليب عمله، من قبيل التخفيف من البنية التنظيمية الصارمة، والمزيد من العلنية والشفافية في آلية اتخاذ القرار داخل الحزب.
3-  يتطلب من حزب الإصلاح أن تكون وسيلته في مواجهة القوى المنافسة، مثل جماعة الحوثي والرئيس السابق، عبر الأدوات الشرعية للدولة. وفي هذا الشأن؛ على حزب الإصلاح، والأحزاب الأخرى، الابتعاد عن تشكيل أي شكل من ألمليشيات العسكرية، أو تجيير قوة عسكرية لصالحه. فخطوات كهذه تفتح الباب للصراعات العنيفة التي تدخل البلاد في أتون الحروب الأهلية.
4- على الرغم من أهمية اللقاء المشترك خلال فترة حكم الرئيس صالح ، إلا أن المرحلة الحالية تتطلب أساليب مختلفة. وفي هذا الشأن،ينبغي على حزب الإصلاح مراجعة تحالفاته مع أحزاب المشترك. بحيث يصبح للحزب، وبقية أحزاب المشترك، هوياتها الخاصة، والتي تميزها عن غيرها، وتجعلها مستقلة عن تأثير الأحزاب الشريكة معها.حيث يلاحظ أن حزب الإصلاح قد أضطر لمسايرة شركائه في المشترك، والقبول ببعض أطروحاتها، كقبوله بالفدرالية والمناصفة الشطرية، واقترابه من تبني رواية الحزب الاشتراكي عن حرب 94، وهو الأمر الذي يجعله قريبا من إدانة مشاركته في تلك الحرب.
5- ينبغي على حزب الإصلاح في المرحلة الحالية التركيز على الأخطار المباشرة التي تهدد بقاء اليمن، من قبيل الحركة الانفصالية والتمرد الحوثي، وتنظيم القاعدة، بدلا من تركيزه على القضايا الهامشية مثل تعديل المادة الثالثة من الدستور، والذي انشغل بها كثيرا خلال حكم صالح، الذي حافظ عليها فيما راح يلعب ببقية مواد الدستور. ومن الملاحظ أن الأطراف الأخرى في مؤتمر الحوار وخارجة، قد تدخل في مقايضات خبيثة مع حزب الإصلاح والقوى الدينية الأخرى، يتم فيها الإبقاء على المادة الثالثة، مقابل قبول هؤلاء بالفدرالية، والمناصفة الشطرية، والتمديد التلقائي للمرحلة الفاشلة الحالية، وغيرها من الطبخات التي يتم سلقها في مؤتمر الحوار.



 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟