الاصلاح وشركاه في المرحلة الانتقالية


الإصلاح وشركاءه السياسيين والمشاركة في إدارة المرحلة الانتقالية

(ورقة في ندوة حول دور الإصلاح في المرحلة الانتقالية والثورة)

الانجاز والإخفاق

                                     عبدالناصر المودع



مدخل

الأحزاب السياسية هي أسمنت الدولة الحديثة، هذه المقولة يؤكدها التاريخ السياسي للدول والتجربة المعاشة، حيث أن التنمية السياسية الصحيحة لا تقوم إلا على أحزاب. والأحزاب التي نقصدها هنا، هي الأحزاب ذات الاهتمامات الوطنية والبنيات المؤسسية. فالأحزاب المادون وطنية (عرقية، طائفية ، جغرافية) هي عقبة أمام التنمية السياسية لأنها تقوم بدور مناقض لمهام الأحزاب الوطنية، فاقتصار اهتمامها على تمثيل فئة صغيرة من المجتمع، يؤدي إلى انغلاق هذه الفئة على نفسها وتخندقها في مواجهة الفئات الأخرى في الدولة. وهذا الأمر يعمل على تفتيت المجتمع وانقسامه، ومن ثم الدخول في صراعات تضعف الدولة، وتمنع تشكل الهوية السياسية الجامعة التي هي شرط ضروري لقيام مجتمع سياسي حديث.
وبالمثل تعمل الأحزاب غير المؤسساتية (المشخصنة) بدور شبيه بما تعمله الأحزاب المادون وطنية، فاقتصار اهتمام الحزب المشخصن على مصالح زعيم الحزب وأسرته يؤدي إلى تفكيك الدولة، فالمصالح الفردية والأسرية هي بالضرورة تتناقض والمصلحة العامة، الأمر الذي يجعل الأحزاب المشخصنة عقبة أمام التنمية السياسية السليمة.
وتبرز الحاجة للأحزاب السياسية خلال مراحل التغيير السياسي، فخلال هذه المراحل تكون الدولة بأمس الحاجة للأحزاب لتديرها وتمنعها من السير في الاتجاه الخاطئ. فالأحزاب هي التي تتولى عملية الضغط بالوسائل السلمية على السلطات المراد تغييرها، لإجبارها على إدخال الإصلاحات السياسية أو مغادرة السلطة. ويتم لها ذلك، من خلال تنظيم وسائل الضغط  وتفعيلها لتقوم بالمهام المطلوبة، وفي الوقت نفسه، ترجمة مطالب الناس للتغيير في برامج واقعية، وعبر مراحل زمنية، بالإضافة إلى ذلك؛ تقوم الأحزاب بتمثيل المجتمع والتفاوض نيابة عنه خلال هذه المراحل.   
وبالنظر للواقع اليمني؛ فإن الأحزاب السياسية ساهمت بتميز اليمن عن بقية دول الربيع العربي، في آلية التغيير السياسي ومخرجاته. حيث تولت هذه الأحزاب تنظيم وإدارة وسائل الضغط الشعبي عبر المسيرات والاعتصامات، وغيرها من الوسائل التي أجبرت الرئيس صالح على الخروج من السلطة في عام 2011 عبر تسوية سياسية انسجمت إلى حد كبير مع واقع اليمن وظروفه. وبدون تلك الأحزاب فإن التحول السياسي في اليمن كان سيتم عبر وسائل عنيفة، وهو ما كان سيؤدي إلى الحرب وتفكيك المجتمع والدولة كما جرى في ليبيا ويجري في سوريا حاليا.  
ولأهمية الأحزاب السياسية هذا فإن الأولوية التي ينبغي العمل عليها حاليا في اليمن، هي تقوية الأحزاب الوطنية ومأسستها كي تستمر عملية التحول بالسلاسة المطلوبة، ومن أجل أن تتمكن هذه الأحزاب من تولي مسئولية الحكم. والبديل عن ذلك، إما الفوضى كما هو الحال في ليبيا، أو خضوع المجتمع لقوة جبرية قمعية كما هو الحال في مصر.
وتقوية الأحزاب الوطنية يحتاج من الدولة أن تخصص جزء من مواردها المالية لصالح هذه الأحزاب، لتتمكن من ممارسة مهامها، وإضعاف الأحزاب والقوى المادون وطنية صاحبة المشاريع الصغيرة. والموارد المالية التي تُضخ للأحزاب الوطنية هي أفضل استثمار للأموال العامة، لأن هذا الاستثمار هو الذي يحقق الاستقرار السياسي والأمني، والذي هو الشرط الضروري للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي دولة.



مشاركة الإصلاح وشركاءه في بناء التسوية السياسية

لعبت الأحزاب السياسية اليمنية المنضوية تحت تحالف اللقاء المشترك، الدور الحاسم في في رسم معالم التغيير السياسي في اليمن عام 2011. وقد أتى هذا الدور، نتيجة عملية سياسية طويلة أمتد عمرها لما يقرب العشر سنوات، فخلال هذه الفترة قام المشترك بتشكيل كتلة سياسية ذات قاعدة سياسية وجغرافية عريضة. وهو ما مكنها من أن تكون بمثابة حائط صد متين أمام طموحات الرئيس صالح في الاستفراد بالحكم وتوريثه.
وما أن هبت رياح ثورات الربيع العربي؛ حتى تلقفتها أحزاب المشترك وقامت بترجمتها إلى فعل سياسي حقيقي. وقد أسهم كل حزب من أحزاب المشترك بدوره، وفقا لحجمه وإمكاناته، وبحكم أن حزب الإصلاح كان أكبر أحزاب المشترك، نتيجة كثرة أعضائه وأنصاره، وبنيته التنظيمية الصارمة، فقد كان له الدور الحاسم والرئيسي في عملية الثورة، من خلال الحضور الكثيف لأعضائه، وأنصاره في الفعاليات التي صاحبت الثورة، وإدارته الفعلية لجميع تلك الفعاليات تقريبا. يضاف إلى ذلك؛ مشاركة الكثير من أعضاء الإصلاح، بشكل أو أخر، في المواجهات العسكرية التي دارت خلال تلك الثورة في أكثر من منطقة.
ونتيجة لذلك، فإن حزب الإصلاح كان له دور رئيسي في بنا التسوية السياسية، والتي تم ترجمتها في المبادرة الخليجية، والتي أصبحت خارطة طريق لهذه التسوية. ويمكن ذكر عدد من الملامح الرئيسية لدور الإصلاح في هذه التسوية من قبيل:

الواقعية:

نتيجة لتاريخ الحزب، وحجمه فقد كان هناك درجة عالية من الفهم لظروف اليمن السياسية، ونتيجة لذلك؛ فقد كان حزب الإصلاح يدرك أن التغيير السياسي في اليمن لن يأتي إلا عبر تسوية سياسية تشارك فيها جميع الأطراف بما فيها الطرف الذي قامت الثورة ضده. ولتحقيق هذه التسوية؛ عمل حزب الإصلاح على أكثر من صعيد، أهمها: التنسيق والتشاور المستمر مع حلفائه في اللقاء المشترك والقوى التي أنظمت للثورة. وقد أشتمل ذلك التنسيق، الأنشطة والفعاليات التي كانت تجرى في الشارع، والمفاوضات واللقاءات السياسية التي كانت تحدث مع أطراف في السلطة وممثلي الدول ذات النفوذ في اليمن.
ففيما يخص التنسيق في الفعاليات تم تشكيل لجان مشتركة مع الأحزاب والقوى المشاركة في الثورة لإدارة الساحات، والتي عرفت باللجان التنظيمية، وهي اللجان التي قامت بإدارة الفعاليات داخل الساحات وخارجها، والتي كان لحزب الإصلاح دور بارز ورئيسي في عمل هذه اللجان وتشكيلها؛ نتيجة حجم الحزب وموقعه في الثورة. وقد أثار هذا الدور حفيظة حلفائه في الثورة، الذين نظروا له بشيء من الريبة والقلق، وهو ما تم استغلاله من قبل المعارضين للثورة من فريق الرئيس السابق، وغيرهم، واللذين صوروا الثورة وكأنها حركة سياسية يقوم بها حزب الإصلاح للسيطرة على الحكم.
ومع ذلك، حافظت اللجان التنظيمية إلى حد كبير على تماسك الساحات وتجانسها، خاصة ساحة التغيير في صنعاء، والتي كانت أهم ساحة في الثورة، رغم المحاولات المتعددة لشق الساحات من قبل أكثر من جهة، كالحوثيين وبعض القوى اليسارية والليبرالية، والنظام السابق. وما يؤكد ذلك؛ أن الفعاليات الرئيسية والكبيرة للساحات كانت تدار من قبل اللجان التنظيمية، ولم تتمكن القوى المنافسة من إدارة نشاطات مشابهة خلال فترة الثورة تقريبا. وهي الفترة التي سبقت ورافقت عملية التوقيع على المبادرة الخليجية وأجراء الانتخابات الرئاسية.
ويمكن للمتابع لنشاطات الساحات أن يلاحظ الكفاءة الإدارية التي تمتعت بها اللجان التنظيمية، فإدارة ساحات كبيرة بذلك الحجم، ولفترة زمنية طويلة، لم يكن بالأمر السهل. خاصة وأنها كانت تتم تحت ضغط الاختراق والاحتواء من قبل النظام السابق وأدواته الكثيرة، ومن القوى المنافسة. ومما يحسب للإصلاح وللجان التنظيمية قدرتها على ضبط وتوجيه المشاركين في الفعاليات، وفق ما كانت تقتضيه الظروف، حيث لاحظنا أن معظم فعاليات الساحات كانت تتم - في الغالب - وفق خطط موضوعة من قبل إدارة اللجان التنظيمية والجهات الأعلى منها في قيادة أحزاب المشترك والقوى المنظمة للثورة. وما يؤكد ذلك، حالات التصعيد التي كانت تتم من الساحات في أوقات معينة كرد فعل على سلوك ما أو من اجل زيادة الضغط على الطرف الأخر.
وإلى جانب النشاط في الساحات؛ قام حزب الإصلاح بتنسيق مواقفه مع القوى الأخرى في المشترك والثورة خلال المفاوضات التي كانت تجرى بينها وبين الطرف الأخر والقوى الخارجية. وما يحسب لقادة المشترك والقوى المشاركة في الثورة أنها ظلت موحدة خلال الثورة، فلم تحدث انشقاقات أو خلافات علنية خلال تلك المرحلة إلا فيما ندر. وكل ذلك يشير إلى درجة عالية من النضج السياسي لتلك القيادات أثمرت في النهاية على التسوية السياسية.

ترشيد الفعل الثوري:

تقع معظم الثورات، في فخ الطموح العالي، فنتيجة للإحباط والقمع، التي تعاني منه الفئات التي تسعى للتغير، فإن سقف مطالبها يكون عالي وأكثر مما يمكن تحقيقه. ولهذا؛ نجد في فترات الثورة أن المطالب تكون عالية السقف من قبيل: إحداث تغيير فوري وشامل وجذري، واستبعاد كل أفراد النظام الذي قامت عليه الثورة، ومعاقبتهم بأقسى العقوبات. وفي الغالب تكون هذه المطالب غير واقعية لأنها لا تنسجم وموازين القوة في المجتمع، الأمر الذي يؤدي إما إلى جر الثوار باتجاه معركة خاسرة، حين يتمكن النظام الحاكم من سحق الثورة وإعادة الأمور إلى أوضاع أسوءا مما كانت عليه قبل الثورة، أو أن تتحول الثورة إلى حالة الحرب الأهلية الطويلة والمدمرة، حين لا يتمكن النظام الحاكم من سحقها كما هو حال الثورة السورية.
وتحدث كل تلك الأمور، حين لا يكون هناك قوى سياسية ناضجة ومنظمة تدير الفعل الثوري، ولحسن حظ اليمن أنه كان هناك هذه القوى خلال الثورة، وهو ما عمل على ترشيد خطاب الثورة وسلوكها. وقد تم ذلك، من خلال ضبط إيقاع الشارع الثوري وتوجيهه بالاتجاه الذي يخدم التغيير السياسي بأقل الخسائر الممكنة.
وما يؤكد ذلك، بعض التجاوزات والأخطاء خلال الثورة، والتي تم استغلالها من قبل النظام السابق، من قبيل المحاولة الفاشلة لاقتحام مجلس الوزراء والإذاعة وما أدت إليه من خسائر بشرية غير ضرورية، وهي المحاولة التي تمت من قبل قوى غير ناضجة، رفضت الانصياع لتوجهات اللجنة التنظيمية في ساحة التغيير. وكذلك الحال مع قيام الشباب المتحمس في ساحة الحرية بتعز بمحاولة اقتحام المراكز الحكومية القريبة من الساحة، وهو ما أدى إلى إحراق الساحة من قبل النظام السابق.
وقد ساهم ترشيد الفعل والخطاب الثوري في خروج التسوية السياسية، وجنبت اليمن إمكانية إجهاض الثورة أو تحولها إلى حرب مفتوحة مدمرة.
وبرغم ذلك، فإن هذا الترشيد قد أدى إلى اتهام قادة المشترك والثورة بأنهم قد ميعوا الثورة وحالوا دون اكتمالها، وأنهم حولوها إلى أزمة سياسية تم حلها عبر اتفاق سياسي. وعلى الرغم من أن هذه التهم قد تلقى حجج كثيرة لتؤيدها، إلا أن الظروف الموضوعية لليمن لم تكن لتسمح بتغير سياسي وفق ما يتمناه البعض. فلم يكن بالإمكان إحداث تغيير شامل وجذري وفق موازين القوة التي كانت سائدة حينها، فنظام الرئيس صالح لم ينهار، كما كان يتوقع البعض، وبقى متماسكا إلى حد كبير، ولم يكن بالإمكان إخراجه من السلطة بسهولة ودون إراقة الكثير من الدماء والخسائر، بالإضافة إلى ذلك، فقد كان من الممكن أن يجهض الرئيس صالح الثورة أو يحجمها، في حال لم تكن هناك قوى سياسية ناضجة رشدت الخطاب والفعل الثوري ووجهته الوجهة الصحيحة.

المرونة:

أتصف موقف الإصلاح والقوى الثورية الأخرى بالمرونة، ففي البداية لم تتصدر أحزاب المشترك النشاطات الثورية بشكل مباشر، كما أن أحزاب المشترك لم تبدأ بمطالب عالية من قبيل إسقاط النظام وإخراجه بشكل كامل من السلطة، وكان سلوك أحزاب المشترك ومطالبها تتشكل وفق المعطيات على الأرض. فحين كان النظام يرتكب أخطاء، مثل قيامه بمجزرة جمعة الكرامة، تحركت المطالب صعودا باتجاه إسقاط النظام. ومع ذلك؛ فإن المطالب العالية كان يتم تركها للقوى في الساحات، ولم تكن تصدر عن قيادات المشترك، إلا فيما ندر. وقد أدى هذا السلوك إلى نتائج إيجابية، حيث لم تتحول المطالب غير الواقعية إلى قيود على قادة المشترك، تُصعب عليهم عملية التفاوض والوصول إلى تسوية.
ومما سبق يمكننا أن نقول بأن أداء حزب الإصلاح وأحزاب المشترك والقوى المنظمة للثورة، كان أداء ناضج وهو ما ساهم في إنجاح المرحلة الأولى من الثورة، والتي تمثلت في التوقيع على المبادرة الخليجية.



مشاركة الإصلاح في حكومة الوفاق الوطني

كان من سوء حظ اليمن والقوى السياسية أن التسوية السياسية، وفق المبادرة الخليجية، لا تحمل الكثير من الخيارات، فكون أن الثورة انتهت بتسوية سياسية، وهي التسوية التي يقوم منطقها على أن لا تخرج بطرف رابح كل شيء وطرف خاسر كل شيء. فالتسوية السياسية تعني؛ أن يتنازل كل طرف عن جزء من مطالبه مقابل تحقيق مطالب أخرى. ونتيجة لهذه التسوية، كان الخيار الوحيد، تقريبا، هو تقاسم السلطة بين النظام السابق والقوى التي ثارت ضده. ولن نستطرد كثيرا في تفاصيل هذا التقاسم المعروفة للكثيرين، غير أننا سنشير إلى أهم صيغة نتجت عنه؛ والمتمثلة بصيغة التوافق، والتي تعني عمليا إخضاع كل قرارات الدولة للمفاوضات، ومن ثم التسويات في حال الاتفاق، أو التجميد في حال عدم الاتفاق.
فحكومة الوفاق الوطني، التي تشكلت في اليمن لتدير المرحلة الانتقالية، هي نسخة مشوهة من حكومة الوحدة الوطنية، التي تتشكل في بعض الدول الديمقراطية لمواجهة ظرف طارئ أو لعجز الأحزاب عن تشكيل حكومة من لون واحد، أو ائتلاف من عدد من الأحزاب. وتصنف هذه الحكومات، في علم السياسة، بأنها حكومات ضعيفة ويسودها الخلاف والنزاع والذي يصل حد شل حركة الحكومة، وهو ما يجعل وسائل الإعلام تطلق على هذا النوع من الحكومات بحكومات الشلل الوطني.
وإذا كانت حكومات الوحدة الوطنية في الدول الديمقراطية المستقرة توصف بالعجز والشلل؛ فكيف هو الحال بحكومة الوفاق الوطني في اليمن، التي أتت في أجواء يخيم عليها شبح الحرب والفوضى، ومؤسساتها في حالة من الضعف والهشاشة، وفي ظل وضع اقتصادي منهار. ولهذا، فإن أداء هذه الحكومة سيكون أقل من توقعات الناس بكثير، بل أنه قد يكون أسوا من الحكومة التي ثار الناس ضدها. فتلك الحكومة، ورغم كل سيئاتها، كانت حكومة منسجمة وتدار من طرف واحد.
ونتيجة لكل ما ذُكر؛ فإن من الصعب تقييم أداء حزب الإصلاح أو غيره من الأحزاب في حكومة من هذا النوع، فحكومة بهذه الوضعية؛ تجعل كل طرف يحمل الطرف الأخر مسئولية الإخفاق، والنتيجة أن الجميع يصبح بريء ومسئول في نفس الوقت. ومع ذلك؛ فإن من الممكن الاجتهاد في ذكر أهم ملامح أداء حزب الإصلاح في هذه المرحلة، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- استمرار روح الشراكة مع حلفائه: فخلال هذه المرحلة تم الاتفاق، وبسرعة غير متوقعة، بين أحزاب المشترك على تقاسم الحقائب الوزارية التي مُـنحت لهم، وهو أمر يحسب لصالح قادة المشترك، ويبرز نضجهم السياسي، وبالتحديد قيادة حزب الإصلاح، التي قبلت بالحصول على عدد محدود من الوزارات، أقل بكثير من حجم الإصلاح الحقيقي ودوره البارز في الثورة. وسلوك حزب الإصلاح هذا، كان أكثر نضجا من سلوك حركة الاخوان المسلمين في مصر بعد الثورة، حيث فضلوا الحصول على أكبر حصة ممكنة في الدولة، وهو ما أثار لهم الأعداء وأدى في النهاية إلى الحال الذي وصولوا إليه.
2- عدم استعداد الحزب لهذه المرحلة: فرغم أن حزب الإصلاح قد شارك في ائتلاف حكومي بعد انتخابات 1993، إلا أن سلوك الحزب خلال المرحلة الانتقالية يشير إلى أنه لم يكن جاهزا لها، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال المؤهلات العادية للشخصيات التي تولت حقائب باسمه، وقبوله بتولي شخصيات غير مؤهلة، من خارج الحزب، لمواقع كانت من حصته. إلى جانب ذلك، لم يظهر وزراء الإصلاح في الوزارات، التي تولوا قيادتها، أفكارا جديدة في العمل، أو سلوك غير نمطي في الإدارة. وقد يكون من الإنصاف عدم توقع ذلك في ظل حكومة كهذه - كما أشرنا - إلا أنه كان من الممكن لحزب الإصلاح أن يقدم أفضل مما قدم.
3- المواقف الباهتة من القضايا الكبرى: قبل وخلال الثورة كان الإصلاح وأحزاب اللقاء المشترك يتحدثون عن الفساد وسوء الإدارة وغياب المؤسساتية، وكان من المتوقع أن يسعى الإصلاح إلى التطرق لهذه المسائل بشكل أو أخر خلال مشاركته في حكومة الوفاق، غير أنه لم يحدث شيء من هذا، فلم نسمع أو نرى مواقف واضحة للحزب من قضايا مثل تهريب المشتقات النفطية، والأسماء الوهمية في الجيش والمؤسسات الأمنية، وغياب الشفافية في نفقات رئاسة الجمهورية والوزراء. كما أننا لم نلمس من حزب الإصلاح وأحزاب المشترك أي أفكار أو إجراءات جديدة للتعيينات في المناصب الحكومية، والتي لم تختلف عن الوضع السابق. 




تعامل الإصلاح مع قضايا التغيير السياسي

على الرغم من الحضور البارز للإصلاح خلال الثورة وبعدها، إلا أن حضوره وأدائه فيما يتعلق بقضايا التغيير السياسي كان باهتا ومشوشا وافتقد إلى الرؤية الإستراتيجية، وللتدليل على ذلك نذكر دوره وتفاعله مع القضايا التالية:

مؤتمر الحوار الوطني:

بدأ حزب الإصلاح وكأنه غائب عن الإجراءات والتحضيرات التي كانت تتم لهندسة وتوجيه مؤتمر الحوار الوطني، فخلال مرحلة الإعداد للمؤتمر، لم يظهر من الإصلاح ما يفيد بأن له رأي مما كان يتم، والتي تتعارض مع توجهات الإصلاح وطبيعته. فحين تم منح المستشار الأممي جمال بن عمر وفريقه صلاحيات واسعة لهندسة الحوار وتوجيهه الوجهة التي يريدون، لم يظهر من الإصلاح أو من غيره من القوى اليمنية أي رفض أو معارضة لذلك. وكان من اللافت أن يقبل الإصلاح تمرير مقترح المناصفة الشطرية لأعضاء مؤتمر الحوار، والذي سن لبدعة خطيرة، وحكم على مؤتمر الحوار بالفشل المسبق حين حوله من مؤتمر لإصلاح النظام السياسي، إلى مؤتمر لإعادة النظر في الوحدة.
وبقبول حزب الإصلاح لمقترح المناصفة وغيرها من الخطوات والإجراءات اللاحقة، بدأ وكأنه لا يملك رأي أو قدرة على فرض أرائه، حيث لم تظهر أي بصمات واضحة لحزب الإصلاح في مرحلة الإعداد لمؤتمر الحوار. وعلى العكس من ذلك، كان لأطراف أخرى، مثل الحزب الاشتراكي والانفصاليين والحوثيين وغيرهم، بصمات أوضح في هندسة المؤتمر وتوجيهه.

القضية الجنوبية:

أتسم موقف حزب الإصلاح خلال مرحلة صعود الحراك الجنوبي وتزايد النزعة الانفصالية في الجنوب، بالغموض، والتذبذب. ويبدو أن تلك المواقف كانت ناجمة عن رغبة الحزب في مسايرة شركاءه في المشترك وتحديدا الحزب الاشتراكي، وكذلك الابتعاد عن مواقف الرئيس السابق صالح، خلال مرحلة ما قبل الثورة. غير أن تلك المواقف أصبحت بعد الثورة تشكل مشكلة للحزب، حيث أظهرت الحزب وكأنه مُفرط بالوحدة ويقبل الحلول التي تنتقص منها. وهي المواقف التي يستفيد منها الرئيس السابق وأنصاره، حين يُظهرون أنفسهم وكأنهم المدافعين الحقيقيين عن الوحدة.
وقد انسحبت مواقف حزب الإصلاح المتذبذبة من القضية الجنوبية، على رؤاه داخل مؤتمر الحوار من هذ القضية وموضوع شكل الدولة المرتبط بها. ففي البداية لم يؤيد الحزب الفدرالية، وتقدم بمقترحات لدولة بسيطة وحكم محلي كامل الصلاحيات، غير أنه تراجع عن ذلك وقبل بالفدرالية والدولة الاتحادية فيما بعد، مسايرة لموضة الفدرالية الرائجة، ومزايدة لموقف المؤتمر الشعبي الذي قبل بالفدرالية.
وقد انعكست مواقف الحزب من القضية الجنوبية على أدائه في المناطق الجنوبية، حيث لم يعد له الكثير من الفعاليات المؤيدة للوحدة هناك، باستثناء المسيرة التي أقامها في 21 فبراير 2013، في عدن والتي أدت إلى صدامات دموية مع الانفصاليين. ويبدو أن الحزب قد فضل الاستكانة في الجنوب، وهو ما مكن القوى الانفصالية من الاستفراد بالشارع الجنوبي وإظهار الانفصال وكأنه الخيار الوحيد في الجنوب.

قضايا الإصلاح السياسي:

خلال مؤتمر الحوار لم يبرز للحزب بصمات واضحة من المواضيع المطروحة، حيث ظهر الحزب وكأنه يساير الكثير من الأفكار الرائجة، ومن ذلك؛ قبوله بالنظام البرلماني وبنظام القائمة النسبية المغلقة، وهي الأنظمة التي لن تكون مناسبة لليمن كونها ستؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي وتفتيت الأحزاب الكبيرة، بما فيها حزب الإصلاح، وتقوية الأحزاب المادون وطنية.
وأخطر القرارات التي قبل بها الحزب داخل مؤتمر الحوار، قرارات المناصفة الجنوبية الشمالية في المناصب الإدارية والعسكرية والقضاء، وهي المناصفة التي ستعمل على إضعاف الدولة وتشرذم مؤسساتها، وتخلق استقطابات شطرية تهدد التعايش بين اليمنيين.





أن الخلاصة التي سنخرج بها من هذه الورقة الموجزة، تتمثل في:
1-  يمتلك حزب الإصلاح مهارات كبيرة في التنظيم والحشد، ويمتلك بناء مؤسسي فعال، مقارنة بالأحزاب اليمنية الأخرى.غير أن هذه المهارات تفيده كثيرا حين يكون في خارج السلطة، إلا أنها تصبح مشكله حين يتحول إلى حزب حاكم، أو مشارك في الحكم، فهذه البنية تجعل الحزب منغلقا على فئات محدودة من المجتمع، وهو ما يُحرم الحزب الكفاءات والخبرات التي يزخر بها المجتمع من خارج هذه الفئات.
2- مرحلة التحول من حزب معارض إلى حزب حاكم تتطلب من حزب الإصلاح إعادة النظر في أساليب عمله، من قبيل التخفيف من البنية التنظيمية الصارمة، والمزيد من العلنية والشفافية في آلية اتخاذ القرار داخل الحزب.
3-  يتطلب من حزب الإصلاح أن تكون وسيلته في مواجهة القوى المنافسة، مثل جماعة الحوثي والرئيس السابق، عبر الأدوات الشرعية للدولة. وفي هذا الشأن؛ على حزب الإصلاح، والأحزاب الأخرى، الابتعاد عن تشكيل أي شكل من ألمليشيات العسكرية، أو تجيير قوة عسكرية لصالحه. فخطوات كهذه تفتح الباب للصراعات العنيفة التي تدخل البلاد في أتون الحروب الأهلية.
4- على الرغم من أهمية اللقاء المشترك خلال فترة حكم الرئيس صالح ، إلا أن المرحلة الحالية تتطلب أساليب مختلفة. وفي هذا الشأن،ينبغي على حزب الإصلاح مراجعة تحالفاته مع أحزاب المشترك. بحيث يصبح للحزب، وبقية أحزاب المشترك، هوياتها الخاصة، والتي تميزها عن غيرها، وتجعلها مستقلة عن تأثير الأحزاب الشريكة معها.حيث يلاحظ أن حزب الإصلاح قد أضطر لمسايرة شركائه في المشترك، والقبول ببعض أطروحاتها، كقبوله بالفدرالية والمناصفة الشطرية، واقترابه من تبني رواية الحزب الاشتراكي عن حرب 94، وهو الأمر الذي يجعله قريبا من إدانة مشاركته في تلك الحرب.
5- ينبغي على حزب الإصلاح في المرحلة الحالية التركيز على الأخطار المباشرة التي تهدد بقاء اليمن، من قبيل الحركة الانفصالية والتمرد الحوثي، وتنظيم القاعدة، بدلا من تركيزه على القضايا الهامشية مثل تعديل المادة الثالثة من الدستور، والذي انشغل بها كثيرا خلال حكم صالح، الذي حافظ عليها فيما راح يلعب ببقية مواد الدستور. ومن الملاحظ أن الأطراف الأخرى في مؤتمر الحوار وخارجة، قد تدخل في مقايضات خبيثة مع حزب الإصلاح والقوى الدينية الأخرى، يتم فيها الإبقاء على المادة الثالثة، مقابل قبول هؤلاء بالفدرالية، والمناصفة الشطرية، والتمديد التلقائي للمرحلة الفاشلة الحالية، وغيرها من الطبخات التي يتم سلقها في مؤتمر الحوار.



 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟