المصاعب الاقتصادية واثرها على التغيير السياسي في اليمن

المصاعب الاقتصادية وأثرها على التغيير السياسي في اليمن


(ورقة أعدت لأحد الندوات في بداية عام 2012، ولم يتم نشرها)
مع انهيار سلطة الرئيس صالح يبدوا المشهد في اليمن سوداويا، فهذه الدولة هي أشبه بمستودع للمشاكل المزمنة، والتي عمل نظام صالح على تفاقمها، خلال حكمه السيئ لليمن.  فقبل هبوب نسيم الربيع العربي إلى اليمن، كانت هذه الدولة مصنفة ضمن الدول الأكثر عرضة للفشل والانهيار، فترتيبها خلال الخمس سنوات الماضية - ضمن تصنيف الدول الفاشلة، الذي يقوم به معهد السلام الدولي ومجلة السياسة الدولية - ظل في خانة الدول العشرين الأكثر فشلا في العالم. وقد أتى هذا التصنيف نتيجة لعدد هائل من المشاكل التي تعصف باليمن، من قبيل المشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئة. وتشكل هذه المشاكل حلقة خبيثة مفرغة تجعل منها سبب ونتيجة لبعضها البعض، فكل مشكلة في هذه الدائرة هي بمثابة سبب ونتيجة للمشاكل الأخرى. وتبعا لذلك فإن تدهور الأوضاع السياسية الناجمة عن اشتعال النسخة اليمنية من الربيع العربي في فبراير 2011 قد أدى إلى تدهور في الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وبما أن الأمور تجرى، أو هكذا يؤمل، نحو إيجاد حلول للمشاكل السياسية من خلال المبادرة الخليجية، فإن من المتوقع أن يساهم حل المشكلة السياسية في تحسن الأوضاع في المشاكل الأخرى. غير أن الصورة من الناحية الأخرى  تبدوا مختلفة فالمشاكل الاقتصادية مثلا ستعيق الحلول السياسية تبعا للحلقة المفرغة التي ذكرناها.
 فالنظرة الأولية للواقع الاقتصادي اليمني تشير إلى أن هذا الوضع لن يشهد تحسن واضح وفقا للمعطيات الحالية، إذ أن المؤشرات على الأرض تؤكد صعوبة تحسن الأوضاع الاقتصادية خلال المرحلة الانتقالية التي بدأت بعد توقيع المبادرة الخليجية وتشكيل ما أطلق عليها حكومة الوفاق الوطني. ومن المتوقع أن تعمل المصاعب الاقتصادية على خلق مشاكل لعملية التحول السياسي، وإيضاح هذا الأمر هو ما ستحاول هذه الورقة عمله في الصفحات القادمة.
 وفي البداية دعونا نلقي نظرة سريعة على طبيعة وحجم الاقتصاد اليمني والمشاكل التي تعتريه. وبنظرة سريعة للإحصائيات المتوفرة نجد أن هذا الاقتصاد يعاني من مشاكل كثيرة يمكن إبراز أهمها في النقاط التالية:
هناك خلل هيكلي في تركيبة الاقتصاد اليمني، ونقصد بالخلل الهيكلي، الخلل في علاقة  القطاعات الاقتصادية ببعض البعض. فكما هو معروف في علم الاقتصاد فإن اقتصاد إي دولة يتكون من ثلاثة قطاعات هي: القطاع الأول والذي يشمل: الزراعة والتعدين والرعي والصيد وجمع الثمار، والقطاع الثاني الذي يتكون من الصناعة، أما القطاع الثالث فيتشكل من الخدمات. وبنظرة سريعة لهيكل الاقتصاد اليمني - والتي يمكن استنباطها من الجدول رقم (1) - نجد أن القطاع الأول والثالث هما القطاعان المهيمنان، فيما يتضاءل حجم ومساهمة القطاع الثاني (قطاع الصناعة). وهذه الحالة تعتبر بمثابة خلل هيكلي في اقتصاد إي دولة، فالدول المتطورة جدا يكون القطاع الثالث هو القطاع الذي يستوعب معظم القوى العاملة والذي قد يصل حجم مساهمته في الناتج المحلي إلى أكثر من 80%. فيما  لا تتجاوز مساهمة القطاع الأول بأكثر من 5% في هذه الشريحة من الدول ويكون قطاع الصناعة (القطاع الثاني) مساهم في حدود 15%. وفي الدول الشبيهة بحالة اليمن نجد أن القطاع الأول هو مصدر القطاعات الأخرى، حيث تكون الصورة شبيهة بهرمين مركبين على بعضهما البعض، ففي قاعدة الهرم السفلي العريضة يقع القطاع الأول وفي قاعدة الهرم العلوي يقع القطاع الثالث، ويقع القطاع الثاني في نقطة التقاء الهرمين الضيقة.
يعاني القطاع الأول من مشاكل تجعله غير مستقر ويميل إلى التناقص، فالزراعة  تعتمد على مياه الأمطار والمياه الجوفية، وهي مصادر غير مضمونة بالنسبة للأمطار ومتناقصة بالنسبة للمياه الجوفية، وهو ما يؤثر في حجم الإنتاجية خاصة في بعض المناطق الجبلية الجافة. وفي كل الأحوال فإن حجم الإنتاج الزراعي لا يسد إلا جزء ضئيل من الاحتياج المحلي خاصة في الحبوب، والذي يتم استيراد معظمه من الخارج.
قطاع النفط والغاز، والذي يعد المغذي الرئيسي للقطاعات الإنتاجية الأخرى، يعاني من مشاكل، فبالنسبة لقطاع النفط نجد أن هناك تناقص مستمر لكمية الإنتاج منذ عام 2002 تبلغ في المتوسط نسبة 5% سنويا. في نفس الوقت نجد ان هناك زيادة في الاستهلاك المحلي للمشتقات النفطية تبلغ في المتوسط 5% سنويا. ويؤدي هذا الأمر إلى تناقص المكاسب الاقتصادية التي تجنيها الحكومة والدولة اليمنية. ورغم أن هذه المشاكل قد تم تعويضها  خلال فترات ارتفاع أسعار النفط، إلا أن فاتورة الاستهلاك المحلي المتزايدة تقلل من هذه الفوائد بشكل عام، كما سنوضحه لاحقا،
ومنذ اندلاع الاحتجاجات واجه قطاع النفط مشكلة جديدة تمثلت في التفجيرات المتكررة لأنبوب النفط من قبل رجال القبائل في منطقة مارب. وقد أدى ذلك إلى عدم انتظام الإمدادات النفطية الخاصة بالاستهلاك المحلي، والذي خلق مشاكل هائلة في توفير المشتقات النفطية محليا. وقد أدى ذلك إلى توقف الكثير من القطاعات الاقتصادية والخدمية، وهو ما فأقم من سوء الأوضاع الاقتصادية.

الصعوبات الاقتصادية الآنية التي تواجهها المرحلة الانتقالية:

كما سبق وذكرنا فإن اليمن عبارة عن مخزن ضخم من المشاكل المزمنة، إلا أن هناك مشاكل اقتصادية / خدمية ملحة يتعين على حكومة الوفاق الوطني التعامل معها وحلها بأسرع وقت ممكن. غير أن هذا الأمر يبدو صعبا وفق المعطيات المتوفرة. وفيما يلي ذكر لأهم هذه المشاكل والصعوبات التي تعترض حلها.

عدم انتظام إمدادات الكهرباء:

تبلغ القدرة الإنتاجية للكهرباء في اليمن 1100 ميجاوات/ساعة تقريبا، وتعد هذه الكمية ضئيلة جدا مقارنة بسكان اليمن البالغ 25 مليون نسمة – في المقارنة تزيد الطاقة الإنتاجية في المملكة العربية السعودية المجاورة، والتي يقارب عدد سكانها اليمن، أكثر من 45ألف ميجاوات/ساعة، وبالقياس فأن حجم الطاقة التوليدية للكهرباء في اليمن لا تزيد عن 2.5% عما هي عليه في السعودية - ورغم أن حجم إنتاج الكهرباء في اليمن يشير إلى ضآلة حجم اقتصاده، إلا أن هذه الكمية أصبحت غير متوفرة منذ اندلاع الاحتجاجات في بداية 2011. فخلال هذه الفترة تعرضت إمدادات الكهرباء للكثير من التعطيل نتيجة قطع خطوط النقل من المحطة الغازية الموجودة في محافظة مارب القبلية، والتي تبلغ طاقتها التوليدية 400 ميحاوات/ساعة تقريبا. وتتهم الأطراف المتصارعة بعضها البعض بالوقوف وراء عملية قطع خطوط النقل هذه. وبغض النظر عن من يقف وراء هذا العمل فإن النتيجة التي أسفرت عنها أدت إلى خروج ما يعادل ثلث الطاقة التوليدية للكهرباء عن الخدمة. وبالإضافة إلى ذلك تناقص توليد الكهرباء في المحطات الأخرى نتيجة عدم توفر المشتقات النفطية خاصة مادة الديزل الذي تناقص المعروض منه بشكل حاد خلال الأزمة الحالية.
ونتيجة لنقص إمدادات الكهرباء فقد تعطلت الكثير من المنشئات الاقتصادية والخدمية، فعلى سبيل المثال وصلت ساعات القطع المنظم للكهرباء عن العاصمة صنعاء ما يزيد عن 22 ساعة في اليوم. وقد أسفر هذا الانقطاع عن متوالية من المشاكل الاقتصادية والخدمية، فالكثير من المنشئات توقفت عن العمل أو أنها لم تعد تعمل إلا بأقل من 20% من طاقتها. وهذا الأمر بدوره أدى إلى انتشار البطالة وزيادة معدلات الفقر المرتفعة أصلا، لتخلق وضع شبيه بالكارثة الإنسانية، خاصة على الفئات الفقيرة والمحرومة.

صعوبة حل مشكلة إمدادات الكهرباء:

كما سبق وذكرنا فإن مشكلة الكهرباء ناجمة عن قطع خطوط النقل وعدم توفر المشتقات النفطية، وسوف نرجئ الحديث عن المشتقات النفطية، التي سنفرد له مساحة خاصة لاحقا، وسنتحدث عن صعوبة حل مشكلة قطع خطوط النقل. فيما يلي:
تقع محطة مارب الغازية لإنتاج الكهرباء في منطقة قبلية نائية وتمر خطوط النقل في مناطق قبلية ليس للدولة سيطرة حقيقية عليها. وقبل اندلاع الأزمة كانت القبائل تقوم بتعطيل نقل الكهرباء وقطع الطرقات وتفجر أنابيب النفط في مناطقها، إلا أن ذلك التعطيل لم يكن يدوم طويلا حيث كانت السلطات اليمنية تعالج هذه المشكلة عبر الترغيب والتهديد، فقد درج الرئيس صالح خلال حكمه على إتباع مثل هذه السياسة، فمن ناحية كان يتم الضغط على رجال القبائل بالتهديد العسكري والأمني، وفي الوقت نفسه كان يتم اللجوء إلى مرضاة القبائل والتوصل معهم إلى تسويات مالية تسمح بفتح الطرقات أو إعادة أصلاح خطوط نقل الكهرباء أو إصلاح أنابيب النفط. ورغم أن هذه التسويات كانت تنتقد من قبل الكثيرين إلا أنها كانت تؤدي إلى حل جزئي لهذه المشاكل.
ومع اندلاع الأزمة أتهم كل طرف الطرف الأخر بالتسبب بمشاكل قطع التيار الكهربائي، ورغم صعوبة معرفة حقيقة من يقف وراء ذلك، إلا أن التحليل السياسي يدعم تهمة كل طرف. إذ نجد بأن من مصلحة كل طرف في الأزمة حدوث تعطيل لشبكة الكهرباء والخدمات العامة. فالرئيس يمكن أن يستفيد من ذلك، حسب ما يعتقد، من خلال إظهار مساوئ الاحتجاجات المطالبة بتغييره، على أساس أن هذه الاحتجاجات هي المتسببة في قطع خدمات الكهرباء بحيث يتم إرسال رسالة للمواطنين مفادها: أن المطالبة بتغيير النظام أو تغييره سيجر مشاكل وأزمات على الدولة، ومن مصلحة المواطنين الوقوف معه لمنع حدوث ذلك. ويدلل من يتهم الرئيس بأنه وفريقه خلف عمليات تخريب خطوط نقل الكهرباء وغيرها من المواد الضرورية، بتقاعس الرئيس عن حل هذه المشكلة من خلال الترغيب والترهيب الذي كان يؤدي إلى حل مثل هذه المشاكل في الماضي.
في المقابل يمكن اتهام المعارضة بأنها تقف بشكل من الأشكال وراء عمليات التخريب تلك، إذ أنه من الطبيعي، في خلال الأزمات السياسية المشابهة، استخدام كل وسائل الضغط لإجبار الرئيس على الخروج من السلطة. إذ أن تعطيل الموارد الحيوية في الدولة مثل الكهرباء والمشتقات النفطية، يشكل وسيلة ضغط فعالة لإضعاف الرئيس، فمن خلال إيجاد ظروف معيشية صعبة للمواطنين يفقد الرئيس مبررات الحكم ويزيد من حجم المعارضين له، حسب هذا التحليل، فمن ناحية تظهر هذه الأزمات أن الرئيس فقد القدرة على الحكم والسيطرة على الدولة، ومن ناحية أخرى توصل رسالة للمواطنين ومن يهمهم الأمر في العالم الخارجي أن بقاء الرئيس يعني تعطل الدولة وانهيارها. مما يزيد الضغط على الرئيس ليقدم التنازلات المطلوبة المتمثلة في خروجه من السلطة.
وبغض النظر عن من يقف وراء عمليات تخريب الكهرباء والموارد الحيوية، فإن النتيجة هي تردي الأوضاع المعيشية لمعظم السكان وتدهور حاد في مستويات المعيشة. وهي أمور ستخلق مشاكل وأعباء أمام التحول السياسي في اليمن. وستهدد استمرار حكومة الإنقاذ الوطني الموكل إليها إدارة المرحلة الانتقالية. ويمكن التوقع بأن حكومة الإنقاذ الوطني لن تتمكن بسهولة من حل مشكلة تخريب إمدادات الكهرباء للأسباب التالية:
1-  من المتوقع أن يوظف موضوع تخريب إمدادات الكهرباء ضمن الصراع السياسي، ففي حال خروج الرئيس صالح من السلطة، وفق المبادرة الخليجية، فإن الموالين له قد يلجئون إلى الدفع برجال القبائل لقطع إمدادات الكهرباء انتقاما من النظام القادم ولخلق الصعوبات أمامه، كما حدث في العراق من قبل أنصار صدام حسين بعد الإطاحة به. وينطبق نفس الأمر على القوى الأخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة أو الحوثيين أو غيرهم. فالعهد القادم، إي كان الحاكم، سيكون له عدد كبير من الخصوم والأعداء والطامعين قي الحكم. ولكون قطع التيار الكهربائي لا يحتاج إلى موارد كبيرة فمن المحتمل أن يبقى الأكثر عرضة للتخريب خلال المرحلة القادمة.
2-  كون المرحلة الانتقالية محكومة من قبل حكومة ائتلافية فإن هذه الحكومة ستكون غير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة لحل مشكلة تخريب الكهرباء، ففي حال قررت استخدام القوة ضد المخربين – على افتراض أنهم يقومون بهذا العمل دون دوافع سياسية -  فإن من غير المحتمل أن يلقى هذا القرار إجماع من قبل الفريقين، خاصة لو أدى استخدام القوة إلى خسائر بشرية كبيرة، وهو ما يتوقع حدوثه في حال أقدمت الحكومة على مثل هذا الخيار. وحينها سنجد أن كل فريق سيلقي باللائمة على الفريق الأخر ويحمله مسئولية الخسائر البشرية والمادية. إضافة إلى ذلك فإن قرار من هذا القبيل يعد مغامرة غير مضمونة العواقب، إذ أن مثل هذا العمل يحتاج إلى موارد عسكرية كبيرة ودعم سياسي واسع، وتصميم على مواصلته مهما كلف من ثمن. والمتوقع وفق الظروف الحالية أن الحكومة الانتقالية لا يتوفر لها هذه الإمكانيات. فعسكريا لا تملك السيطرة الكاملة على الجيش والقوات الأمنية التي هي منقسمة الآن ويتوقع أن تزداد انقساما وضعفا خلال المرحلة الانتقالية. والدعم السياسي لن يتوفر بسبب الانقسام الحاد بين أطراف السلطة ووجود قوى فاعلة من خارج أطراف الحكومة الائتلافية تتربص بها. أما الإصرار على تنفيذ سياسة الحزم فأنه غير محتمل في ظل سلطة ائتلافية تتعدد فيها مراكز اتخاذ القرار. وعليه فإن من المتوقع أن لا تقدم الحكومة على هذا الخيار، خاصة وأن المسئولين الحكوميين خلال هذه الفترة لن يغامروا على المستوى الشخصي من الدخول في صراع خطير مع قبائل عرف عنها الثار والملاحقة الشخصية لمن يوقع بها خسائر بشرية أو مادية. وفي حال أقدمت الحكومة على هذا العمل فإن من المتوقع أن تتراجع عنه في مرحلة لاحقة وتكون النتيجة إظهار ضعف الدولة وعجزها، وهو ما سيؤدي إلى المزيد من عمليات التخريب في مناطق أخرى ولموارد طبيعة وطرقات إستراتيجية.
3-  في حال قررت حكومة الوفاق الوطني التعامل باللين مع المخربين – على افتراض أنهم يقومون به دون دوافع سياسية - فإن هذا الأمر لا يمكن أن يكون مجديا، فاللين يتطلب أن تقدم الحكومة للقبائل أموال وامتيازات غير قانونية، وهذا الأمر غير ممكن في الوضع الحالي، ففي حين كان بإمكان الرئيس علي عبدالله صالح القيام به بسهولة لأن الظروف التي كان يحكم بها مختلفة عن ظروف حكم حكومة الإنقاذ الوطني. فالمال العام أو الامتيازات التي كان يقدمها لرجال القبائل كانت متوفرة لدية ولم يكن أحد قادر على منعه منها، إذ أن المال العام خلال حكم صالح كان يوزعه بالطريقة التي يريدها، فلا وجود لرقيب أو حسيب على ما كان يقوم به، أما حكومة الوفاق الوطني فإنها ستكون في وضع مختلف، إذ أن قيامها بصرف مبالغ مالية لاسترضاء القبائل كي يكفوا عن تخريب الكهرباء، سيواجه بمعارضة من داخلها ومن خارجها. فكثير من الأطراف المشاركة في الحكومة ستتنصل من القيام بدفع مبالغ غير قانونية للقبائل، وهو ما يعني عدم وجود اتفاق على إتباع هذه الوسيلة. وفي حال تم تجاوز كل ما ذكرناه وتمكنت الحكومة من استرضاء القبائل التي تقوم بتخريب إمدادات الكهرباء وأنابيب النفط وطرق المحروقات، فإن هذا العمل سيفتح على الحكومة سلسلة من الإبتزازات ألا محدودة، إذ أن إي مبالغ مالية أو امتيازات قد تمنح لهذه القبيلة أو تلك ستكون معروفة للجميع في ظل هذا الوضع، وهذا الأمر سيدفع الكثير من الأطراف للقيام بأعمال مشابهة، وهو ما سيؤدي إلى انتشار هذا الأسلوب ليشمل جميع مناطق اليمن تقريبا، فكل من له مشكلة مع الحكومة أو غير الحكومة بحق أو باطل سيقوم بتخريب أو التهديد بتخريب منشأة حيوية مقابل للضغط على الحكومة وابتزازها. وقد نتوقع أن نشهد تخريب لخطوط نقل التيار الكهربائي وأنابيب النفط وطرقات رئيسية في مناطق جديدة لم تكن تمارس هذا الفعل من قبل. فضعف ألدولة الذي سيترجم من خلال رضوخها للابتزاز أو سكوتها عن عمليات التخريب سيفتح أبواب الفوضى على مصراعيه، وهو ما يهدد بانهيار الدولة وتفككها.
4-  تفيد الأنباء أن الحكومة اليمنية بصدد حل مشكلة الكهرباء عن طريق إقامة محطات جديدة في مناطق بعيدة عن سيطرة رجال القبائل، ومع أن هذا الحل يبدوا الحل الواقعي، إلا أن إنشاء محطات جديدة يحتاج إلى وقت وموارد مالية كبيرة، فتعويض الفاقد من خروج محطة مارب الغازية يحتاج إلى ما يقارب 400 مليون دولار قيمة محطات التوليد وإلى 600 مليون دولار سنويا قيمة المشتقات النفطية لتشغيل هذه المحطات، وهذا المبلغ لن يكون توفره سهلا من مصادر محلية. ومع ذلك يبقى هذا الحل أحد الخيارات الصعبة الذي قد تلجى لها حكومة الوفاق الوطني لحل مشكلة الكهرباء في حال حصلت على دعم خارجي سريع وكبير.  

توفير المحروقات:

خلال الأزمة الحالية شهدت اليمن أزمات متتالية من نقص في المحروقات بكافة أنواعه، من قبيل الغاز المنزلي ومادتي البنزين والديزل. وقد أدت هذه الأزمات إلى أوضاع كارثية على السكان خلال هذه الفترة، كما سبقت الإشارة، ومن المحتمل أن هذه الأزمات ستستمر وربما تتفاقم خلال المرحلة المقبلة، وهو ما سيخلق الكثير من المشاكل أمام حكومة الوفاق الوطني. وقبل التطرق لهذه المشاكل سوف نستعرض الدور الذي تلعبه المحروقات في الاقتصاد اليمني.
فمن خلال الجدول رقم (2) يتبين لنا أن الانتاج النفطي في تناقص مستمر حيث كان قد وصل المتوسط اليومي في عام 2002 إلى حدود 450 ألف برميل، لينخفض ذلك المعدل ليصبح 270 الف برميل في عام 2010، وكان معدل التناقص يتراوح ما بين 4 و 8 % سنويا. في المقابل يتزايد الاستهلاك المحلي من المشتقات النفطية بما يعادل 5% سنويا. حيث يصل حجم الاستهلاك المحلي إلى حدود 7300 مليون لتر (إحصائيات 2009) تذهب ربع هذه الكمية لمحطات الكهرباء الحكومية. وتبلغ قيمة صادرات النفط الخام 3 مليار دولار تقريبا (إحصائيات 2010) فيما تبلغ قيمة الواردات من المشتقات النفطية 2.1 مليار دولار.
ويلعب النفط دور حيوي في الاقتصاد اليمني، إذ أنه يوفر للحكومة أكثر من 80% من ايرادتها [1]، وأكثر من 90% من قيمة الصادرات، إضافة إلى ذلك تولد 70% تقريبا من محطات الكهرباء بمشتقات نفطية، وتعمل جميع وسائل النقل، تقريبا، بمشتقات نفطية، إلى جانب استخدام المشتقات النفطية في ضخ المياه للزراعة. هذه الأهمية الحيوية للنفط في اليمن تجعل منه العمود الفقري للدولة اليمنية. وحدوث أزمات في قطاع النفط يعني حدوث أزمات في جميع جوانب الحياة في اليمن.
المعلومات الأساسية حول النفط في اليمن
معدل الإنتاج اليومي من النفط الخام في 2002
450 ألف برميل
معدل الإنتاج اليومي من النفط الخام في 2010
260 ألف برميل
كمية الاستهلاك المحلي السنوي من المشتقات البترولية (2010)
7192 مليون لتر
قيمة مبيعات المشتقات النفطية للاستهلاك المحلي عام 2010
400 مليار ريال
حصة الحكومة من النفط الخام عام 2010
58 مليون برميل
كمية استهلاك البنزين في عام 2010
2220 مليون لتر (6 مليون لتر في اليوم)
كمية استهلاك الديزل في عام 2010
3540 مليون لتر ( 9.5 مليون لتر في اليوم)
كمية استهلاك المازوت في 2010
1277 مليون لتر (3.4 مليون لتر في اليوم)
المخصص اليومي للمصافي المحلية من النفط اليمني
70 ألف برميل (26 مليون برميل سنويا)
كمية المشتقات النفطية لتوليد الكهرباء في 2009
2 مليار لتر (5.4  مليون لتر في اليوم)
قيمة صادرات الحكومة من النفط الخام في 2010
2700 مليون دولار
قيمة واردات المشتقات النفطية في 2010
2100 مليون دولار
معدل التصدير اليومي للنفط عبر أنبوب مارب – رأس عيسى
120 ألف برميل (60 ألف للحكومة ، 60 ألف للشركات)
كمية الديزل التي حصلت عليها شركة النفط خلال شهر يونيو2011
70 الف طن (81 مليون لتر) 2.7 مليون لتر يوميا
كمية الاحتياج الفعلي من الديزل في شهر يونيو 2011
260 ألف طن (304 مليون لتر) 10 مليون لتر يوميا
الكمية اليومية للمصافي من المنحة السعودية
50 ألف برميل
·         بعض الأرقام الواردة في الجدول ليست دقيقة تماما لتضارب المعلومات بشأنها
·         معظم المعلومات في الجدول مصدرها بيانات رسمية وتصريحات لمسئولين حكوميين
من خلال الجدول السابق يمكن استخلاص النتائج التالية:
 1- إنتاج النفط في تناقص مستمر، فقد انخفض منذ عام 2002 من 450 ألف برميل يوميا ليصبح في حدود 260 ألف برميل يوميا عام 2010 وبنقص سنوي يتراوح ما بين 4 و7%. وهذا يعني بأن هذا المورد الحيوي في طريقه إلى النضوب.
 2- أصبحت اليمن تستهلك أغلب دخلها من صادرات النفط على الاستهلاك المحلي، فوفقا للإحصائيات الرسمية الخاصة بعام 2010 نجد أن إجمالي قيمة إيرادات صادرات النفط الخام، بلغت 2700 مليون دولار، فيما تم شراء مشتقات نفطية من الخارج بقيمة 2100 مليون دولار. وهذا يعني بأن الحكومة اليمنية قد أنفقت ما نسبته 77% من دخلها الذي حصلت عليه من تصدير النفط الخام على استيراد المشتقات النفطية. وفي حال استمر الحال على ما هو عليه فإن من المتوقع أن تستهلك الحكومة كل دخلها من تصدير النفط الخام على شراء المشتقات النفطية في عام 2013.
 3- الاستهلاك المحلي من جميع المشتقات النفطية في عام 2010 (وفق إحصائية شركة النفط) بلغ 7.191 مليار لتر، وكانت قيمتها في حدود 400 مليار ريال (1800 مليون دولار) وكان متوسط سعر اللتر لجميع المشتقات = 55 ريالاً (25 سنت أمريكي) فيما كان السعر العالمي لمتوسط هذه المشتقات بحدود (70 سنت أمريكي) وهذا يعني بأن القيمة الفعلية للمشتقات النفطية في حدود (5 مليار دولار) أي أن الدعم الفعلي للمشتقات النفطية في حدود 3.2 مليار دولار.
 4- لكون الحكومة اليمنية تستهلك معظم دخلها من صادرات النفط الخام في شراء المشتقات النفطية، فإنها قد قررت في نهاية 2010 وبالاتفاق مع المانحين الأجانب أن ترفع جزء من الدعم عن المشتقات النفطية، وكان هذا الاتفاق الذي لم يُـعلن عنه يقضي برفع أسعار المشتقات النفطية بما يقارب 80%. وقد توصلنا لهذه النتيجة من أرقام ميزانية 2011 والتي تضمنت تخفيض قيمة الدعم بما يقارب 40% عما كان عليه في 2010، وهو ما كان سيؤدي إلى رفع أسعار المشتقات النفطية بنسبة 80% تقريبا في النصف الثاني من عام 2011 بعد إجراء الانتخابات النيابية التي كان مقررا لها أن تجرى في 27 أبريل 2011، ولكن وبسبب حركة الاحتجاجات فقد تراجعت الحكومة عن هذا القرار. (بعد أن انتهيت من كتابة هذه الورقة تواردت الأنباء عن قيام الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية بأكثر من 100% وهو ما يؤكد ما ذكرناه) 
1-         من المحتمل أن يبلغ دخل الحكومة من صادرات النفط الخام في عام 2011  في حدود 3.2 مليار دولار، وكان من المتوقع أن تصل قيمة واردات المشتقات النفطية 2.8 مليار دولار. – في حال لم يتم تفجير أنبوب النفط واستمرت الحكومة باستيراد المشتقات النفطية بنفس معدل 2010- وفي هذه الحالة فإن فاتورة الدعم على المشتقات النفطية كانت ستصل إلى 5 مليار دولار إذا لم تقدم الحكومة على رفع أسعار المشتقات النفطية.






[1]

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟