هل تنهي الثورة المارونية السياسية في اليمن

هل تنهي الثورة المارونية السياسية في اليمن؟
·         الإثنين 19 مارس 2012 01:06:11 مساءً
خلال المائة عام الماضية، وحتى قبلها، هيمن على السلطة في اليمن الشمالي قبل الوحدة، والجمهورية اليمنية بعدها، المنتمون إلى المنطقة الجغرافية الواقعة في المرتفعات العليا من اليمن. ويحمل هؤلاء أكثر من مسمى تبعاً للجهة التي تسميهم، فهم في مناطق تعز وما حولها (أصحاب مطلع) وفي تهامة (الجبالية) وفي المحافظات الجنوبية (الشماليون، الزيود).

ويمكن اعتبار هذه الهيمنة بما يمكن تسميته بالمارونية السياسية، وهو المصطلح المقتبس من النظام السياسي اللبناني المستند على الطائفية، والذي منح للطائفة المارونية أهم المناصب في الدولة خاصة منصب رئيس الدولة.

وقد تمكن «موارنة اليمن» من احتكار المناصب العليا في الدولة خلال العهدين الملكي والجمهوري بسبب تركيبتهم الاجتماعية ووضعهم الاقتصادي، فمناطق هذه الفئة تتصف بطابعها القبلي، الناتج أصلاً عن شحه الموارد وقسوة الطبيعة. وبفضل عصبيتهم القبلية، ونزعتهم الحربية، تمكنوا من الهيمنة على مفاصل السلطة عبر التواجد الكثيف في مؤسسات السيطرة والقوة (الجيش، والأمن).

وبوصول عبدربه منصور هادي لمنصب رئيس الجمهورية، ومحمد سالم باسندوه لمنصب رئيس الوزراء وهما المنحدران من المحافظات الجنوبية، فإن ذلك يعني، نظرياً على الأقل، سيطرة الاثنين على أرفع المناصب في الدولة اليمنية، الأمر الذي يبشر ببداية النهائية للمارونية السياسية في اليمن.

إن نهاية المارونية السياسية في اليمن لا تعني أو لا يجب أن تعني تغيير الأدوار، عن طريق تحويل الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية، فليس المطلوب القيام بعمليات انتقامية لهذه المجموعة، تحت مبرر العدالة أو الكفاءة، فالأمر يحتاج إلى تروٍ وحصافة، ويحتاج قبل ذلك إلى شرعية أخلاقية تغطي عملية التحول، بحيث تجعل الجميع بما فيهم «الموارنة» أنفسهم يؤمنون بضرورة إنهاء هذه الهيمنة. ويكمن المبرر الرئيسي لذلك في حاجة الدولة إلى المساواة ليس بصفتها، قيمة أخلاقية وحسب، وإنما لضرورة سياسية يستفيد منها الجميع، بمن فيهم «الموارنة» أنفسهم. فهؤلاء لم يكن جميعهم مستفيدين من هذا الوضع، كما يعتقد، فخلال العهود السابقة، وتحديداً فترة الرئيس صالح، التي قامت على التمايز، خلق هذا التمايز إحساساً بالاضطهاد النسبي طال جميع أفراد الشعب تقريباً.. فعلى سبيل المثال، حين كان نظام صالح يميز بين المواطنين استناداً إلى القرابة والولاء، أدى هذا الأمر إلى إحساس بالاضطهاد النسبي، في الفئات التي تقف في أعلى سلم الحكم، وما انشقاق اللواء علي محسن وأولاد الشيخ عبدالله الأحمر إلا مظهر من مظاهر الإحساس بالتمايز الذي شعر به هؤلاء، حين منح الرئيس صالح أسرته الصغيرة امتيازات تفوق ما منح لهم، رغم أن جموع الشعب كان يرى في مواقع هؤلاء امتيازات لا يستحقونها.

وفي هذا الشأن أستذكر واقعة، تحمل الكثير من الطرافة والغرابة، لكنها تؤكد ما ذكرناه. وهذه الواقعة، التي يعرفها الكثيرون، تتعلق بموقف الشيخ حسين الأحمر حين مُنع من دخول صنعاء بموكب كبير في عام 2007، وهو ما جعله «يحنق» ويعود إلى مدينة خمر، ويقوم بعمل حشد ضخم لقبيلة حاشد، ويخطب فيهم قائلاً «إن قبيلة حاشد مهمشة» وقد أدى هذا الوصف إلى حالة من التعجب والتندر من قبل الكثيرين، والذي قال أحدهم إذا كانت قبيلة حاشد مهمشة فماذا سنقول على سكان تهامة إذاً؟

والحقيقة أن تهميش حاشد من وجهة نظر الشيخ حسين الأحمر، كان صحيحاً قياساً بالامتيازات التي كانت تتمتع بها قبيلة سنحان، وتحديداً أسرة الرئيس، فبالنسبة لحسين الأحمر فإنه من الظلم أن يكون موكبه لا يزيد عن سيارتين فقط ـ حسب التعليمات التي أقرتها الحكومة في تلك الفترة ـ فيما يسمح لابن الرئيس وأبناء إخوانه وغيرهم من المقربين بمواكب تزيد عن ذلك العدد. وتدل هذه الواقعة، أن القبول بالامتيازات يؤدي بالضرورة إلى حالة من الإحساس بالظلم يشعر بها الجميع بنسب متفاوتة. وعليه فإن إلغاء مبدأ الامتيازات يحقق العدالة للجميع.

ينبغي أن يتم تفكيك «المارونية السياسية» بأكبر قدر من الحيطة والحذر، إذ إن التسرع في هذا التفكيك قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ولنا فيما يسمى بأحداث «أغسطس» تجربة مرة في هذا الشأن، إذ أدى الشروع المتسرع في إلغاء المارونية السياسية في ذلك العام (1968) إلى نتيجة عكسية حين استنفر «الموارنة» قوتهم وتمكنوا من وأد تلك المحاولة ومن ثم القيام بعمليات تطهير طائفي بغيض، طالت أرواح البعض ووظائف ومراكز البعض الآخر، ومازال بعض آثارها السيئة باقياً حتى الآن. وحين نقول إن هذا التفكيك يجب أن يتم بحكمة وتروٍ وبصورة سلمية وقانونية، فإن ذلك ناتج من إدراكنا لصعوبة هذا الأمر، وهي صعوبة تمليها حقائق موضوعية على الأرض، فموارنة اليمن مازالوا ممسكين بمصادر القوة والنفوذ في الدولة، من خلال تواجدهم الكثيف في الجيش والأمن، كما أن خلفياتهم القبلية تمنحهم ميزة إضافية تجعلهم في موقف أقوى في حال كانت هناك رغبة في إزاحتهم بالقوة وبشكل استفزازي.

إن من مخرجات المارونية السياسية في اليمن هذه المشاريع الصغيرة التي تتجاذب اليمن الآن، والتي يمكن اعتبارها بمثابة ردود فعل على المارونية السياسية، التي اتصفت بها الحالة السياسية لليمن. ولهذا فإن على الجميع أن يدركوا، وتحديداً موارنة اليمن، أنه لا يمكن أن تكون هناك دولة مزدهرة يستفيدون من خيرتها، في ظل غياب لمبدأ المساواة.

ونحن على أعتاب مرحلة جديدة بعد الثورة، علينا أن ندرك أن التمسك بالديمقراطية وحكم القانون هو الطريق الوحيد المؤدي إلى إنهاء هيمنة أسرة أو منطقة أو شطر. ولهذا فإن من مصلحة الجميع، وتحديداً ضحايا التمييز، أن يتمسكوا بالعدالة وحكم القانون، بدلاً من عمليات الثأر والانتقام فإنها لا تورث سوى المزيد من الظلم والبغضاء

عن الجمهورية بالاتفاق مع الكاتب.


s N � o a 0a a #222222'> 

واقع الحال يشير إلى أن مؤتمر الحوار يسير باتجاه إقرار صيغ لتفكيك الدولة اليمنية، وتكون مصدر لصراعات قادمة في اليمن، وسيتم تمرير ذلك بضغط الدول الراعية ومندوب الأمم المتحدة، ومن خلال خبراء ومستشارين أجانب لا يفقهون بالشأن اليمني ولا يعرفون بما يدور خارج قلعة الموفبيك المتحصنين داخلها.

من غير المفهوم معرفة ما يفكر به المخطط لمؤتمر موفبيك، فهل يدرك خطورة القرارات التي سُيقدم عليها، وكيف سيتم تمريرها عبر الاستفتاء على الدستور، والذي قد ترفضه الأغلبية الشمالية والمؤيدين للوحدة في الجنوب، وهو الرفض الذي سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر. أم أن الطبخة تقتضي ألا تمرر القضايا الخاصة بالوحدة عبر الاستفتاء وهو ما يتم الترويج له.

منذ تشكيل اللجنة الفنية وما تلاها من قرارات وحتى انعقاد المؤتمر وما صدر عنه حتى الآن، نلاحظ أن هناك خفة وعدم مسؤولية في تناول القضايا المصيرية لليمن. وما يثير القلق ويبعث على الاستهجان أن من يقوم بذلك، من أعضاء اللجنة الفنية وأعضاء مؤتمر الحوار، لا يمتلكون الكفاءة الفنية ولا الشرعية الأخلاقية والقانونية، ليقرروا مصير اليمن. فالمبادرة الخليجية، والتي يستمدون وجودهم منها، ليست وثيقة دستورية، كما يتم التعامل معها، فلم يُستفتى عليها الشعب اليمني لتحصل على الشرعية. فالمبادرة؛ في سياقها التاريخي والسياسي، خطة عمل لإحداث التغيير السياسي الذي كان مطلوبا وضروريا لليمن، وكانت البديل عن إحداث التغيير بواسطة العنف. وهي بتلك الصفة لا يمكنها أن تكون الخيار الوحيد لليمن واليمنيين، وبديلة عن إرادتهم. فقيمتها تسقط حين تنحرف مخرجاتها نحو تفكيك الدولة وتمزيقها. وعلى هذا الأساس، ينبغي التفكير بخارطة طريق بديلة عن المبادرة الخليجية، خاصة وأن الغاية الرئيسية من المبادرة، وهي عملية التغيير السياسي، قد تحققت إلى حد كبير.

إن رفض صيغة المناصفة ليس نابعا من تعصب مناطقي، كما سيحلو للبعض تفسيره، ولكنه نابع من إحساس بالمسئولية لإدراكنا لخطورته على جميع اليمنيين في الشمال والجنوب، كونه يمس مبدأ التعايش والانسجام ويخلق اصطفاف مناطقي عنصري كريه، وهو الاصطفاف الذي سيلحق الضرر بالجميع وبالأخص الجنوبيين، والذين سيجدون أنفسهم أمام اصطفاف الأغلبية الشمالية التي تمتلك معظم عناصر القوة والنفوذ. وهو ما يجعل الجنوبيين الأكثر خسارة في أي صراع شمالي جنوبي. وعليه فإن على العقلاء من الجنوبيين أن لا ينجروا إلى مربع الأقلية الانفصالية ومشروعها العدمي، تحت ضغط الشارع الجنوبي، والتعصب البدائي، وأوهام مؤتمر موفبيك، والانخراط بدلا من ذلك في صلب مشروع يمني واسع، يتجاوز الاصطفافات الضيقة، وهو المشروع الوحيد القادر على حل مشاكل اليمنيين في الشمال والجنوب.

لقد توهم من يقف خلف صيغة المناصفة بأنه سيحقق أهدافه بالانفصال أو الحصول على امتيازات خاصة بالجنوبيين في غفلة من الزمن، بسبب صراع الطبقة السياسية وانقسامها بعد الثورة، وهو ما يشير إلى سوء تقدير وجهل، سينكشف حين يتم رفض الدستور المقترح، أو مقاومة مخرجاته في حال تم تمرير صيغ ظالمة وغير عملية.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟