خيارات السلطة والمعارضة
عبدالناصر المودع
السياسة
بكونها خيارات
يُـعرف
الفعل السياسي بأنه سلسلة لا متناهية من المفاضلة بين قرارات يتعين على السياسي أن
يختار من بينها، فالسياسي وهو يمارس السياسية يتحتم عليه أن يقرر بين أن ينحاز لما
يعتقد أنه قرار صائب وتجنب ما يعتقد أنه قرار ضار. وفي الغالب فأن الخيارات التي
يواجهها السياسيون تكون إما سيئة أو أقل سوءا، حيث يندر أن يصادف السياسي ظروفا
تضعه يختار بين القرار السيئ والقرار الجيد. وفي هذه الورقة سوف استعرض معكم الخيارات
التي نعتقد أنها مطروحة أمام كل من السلطة وأحزاب أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة)
حول الانتخابات المقرر إجراءها في 27 أبريل 2009.
أهمية الانتخابات للسلطة:
تمثل
الانتخابات النيابية بالنسبة للسلطة المصدر الرئيسي إن لم يكن الوحيد للحصول على
الشرعية الدستورية في حكم اليمن، فالنظام الحاكم في اليمن لا يمتلك أي مصدر من
مصادر الشرعية الأخرى غير شرعية التفويض الشعبي التي يتم التعبير عنها
بالانتخابات. فلا يملك النظام أي شرعية أخرى كالشرعية المستمدة من الدين أو
التقاليد أو تلك الشرعية المعتمدة على الإنجاز والكفاءة أو الشرعية المعتمدة على الكاريزما
أو أي مصدر أخر من مصادر الشرعية - كالشرعية الثورية - التي أدعتها بعض من الأنظمة
التي استولت على الحكم بانقلابات عسكرية.
إن
شرعية التفويض الشعبي الأوضاع بينبالانتخابات أصبحت منذ الوحدة الأساس التي تقوم
عليه شرعية النظام الحاكم في اليمن، وفي حال فقدت الانتخابات لمصداقيتها فأن شرعية
السلطة تصبح مشكوكا بها، الأمر الذي يضعفها ويجعلها غير قادرة على الدفاع عن نفسها
أمام أية أخطار تحدق بها.
ولكي
تكون الانتخابات قادرة على منح الشرعية للنظام لا بد أن تتوفر لها عدد من العناصر
أهمها:
1- مشاركة جميع القوى السياسية، وتحديدا المعارضة التي
يمثلها في الوقت الحالي (اللقاء المشترك)، فمشاركة اللقاء المشترك في الانتخابات
يصبغ على الانتخابات طابع التنافس والتعددية ومن ثم المصداقية. ويعني ذلك أن
مشاركة اللقاء المشترك هو الشرط الضروري لإنجاح الانتخابات.
2- قبول المشاركين في العملية
الانتخابية بنتائج الانتخابات وهذا القبول لن يتحقق إلا بتوفر حد أدنى من تكافؤ
الفرص للقوى المتنافسة وتحديدا المعارضة. وتكافؤ الفرص يتحقق من خلال توفر إدارة
انتخابية تحظى بالقبول من الأطراف المشاركة وتكون قادرة على توفير الظروف التي
تحقق قدرا معقولا ومقبولا من تكافؤ الفرص.
3- تحتاج الانتخابات لكي تكون شرعية إلى شهادة
مراقبين مستقلين (محليين وأجانب) يؤكدون بأن الانتخابات قد تمت وفق الحدود والمعايير
الديمقراطية. وهذه الشهادة تعد ضرورية للأحزاب الفائزة ليردا على أي تشكيك أو عدم
قبول بنتائج الانتخابات قد ترد من قبل الأحزاب الخاسرة.
أن
تحقق هذه الشروط أمر في غاية الأهمية لأي سلطة تنبثق عن هكذا انتخابات، إذ
بإمكانها بعد ذلك أن تكون سلطة شرعية استمدت وجودها من تفويض شعبي حر وحقيقي. وغياب
هذه الشروط أو بعضها سيشكك بشكل كبير في شرعية النظام السياسي المنبثق عن هذه
الانتخابات. وهو الأمر الذي سيضعف من أداء هذا النظام ويجعله أضعف في مواجهة خصومه.
وعلى افتراض أن الانتخابات القادمة افتقدت للشروط السابقة فأن السلطة ستجد نفسها
وقد أضرت بمشروعيتها أكثر من أي مرحلة سابقة، وهو الأمر الذي سوف يعطي خصومها قوة
أكبر في مقاومتها.
ما حاجة النظام للشرعية؟
ذكرنا
فيما سبق على أن النظام سيضر بشرعيته إن هو ذهب إلى انتخابات لا تلبي الحدود
الدنيا من المصداقية والنزاهة. والتي ستتضح من خلال ذهابه منفردا إلى الانتخابات وبمقاطعة
رسمية من قبل المشترك. فالمشروعية ضرورية لأي نظام سياسي ناهيك عن النظام في
اليمن.
وقد ينظر البعض إلا أن المبالغة في حاجة السلطة
لمشروعية الانتخابات ليست إلا من باب التمني لمعارضيها وأن السلطة قادرة على الصمود
ولن يؤثر عليها مقاطعة المشترك في الانتخابات فشرعية وجودها تعتمد على أمور أخرى
أهم من الانتخابات. خاصة في ظل ضعف المؤسسات القادرة على إجبار النظام على الالتزام
بالدستور.
إضافة
إلى ذلك فأن تدني مستوى الوعي السياسي لدى الغالبية العظمى من اليمنيين تجعل
النظام يصمد ويستمر مهما كانت طبيعة الانتخابات. وسيدلل أصحاب هذا الرأي بأن نفس
هذا النظام قد عاش قبل الوحدة في الشمال دون وجود انتخابات تعددية، كما وأنه استطاع
الحكم بعد الوحدة رغم أن جميع الانتخابات، باستثناء انتخابات 1993، كانت جميعها
مشكوكا في نزاهتها ولم ينتج عن ذلك إي تهديد للنظام وأستمر حتى الآن.
وهو
لهذه الأسباب قادر على أن يتجاوز مقاطعة المشترك ويستمر في الحكم لفترة طويلة. خاصة
وأن النظام لا يختلف كثيرا عن أنظمة شبيهة في المنطقة العربية كمصر وتونس والأردن
التي تُـجري انتخابات صورية ولم يهددها أي مقاطعات من قبل المعارضة.
يحمل
التحليل السابق الكثير من الواجهة وربما يكون أكثر قربا وتعبيرا عن الواقع مما
نعتقد، ومع ذلك أن أخذ الماضي كنموذج قابل للتكرار بحذافيره فيه الكثير من الخطاء
والتضليل، فكون النظام قد تمكن من الصمود والبقاء منذ ثلاثة عقود وحتى الآن لا
يعني أنه قادر على الاستمرار لنفس الفترة. فطول البقاء في السلطة ليست دائما مؤشرا
جيدا على النجاح والكفاءة. بل أنها قد
تعني العكس تماما فالنظام السياسي يشبه الكائن الحي كلما طال بقائه تعرض لمخاطر
الضعف والفناء بشكل أكبر من النظام الفتي.
أما
القول بأن أنظمة عربية تفتقد للشرعية الانتخابية أكثر بكثير من النظام في اليمن
ومع ذلك نجدها قوية ومتينة فأن فيه الكثير من غياب الدقة في التحليل، فالأوضاع في
اليمن لا تشبه أوضاع مصر ذات أقدم دولة في العالم. إلى جانب أن الطبيعة البسيطة
للتضاريس المصرية وللشعب المصري تختلف كثيرا عن تضاريس اليمن الوعرة وما خلفته من
شعب يشبهها. وينطبق الأمر على اختلاف الأوضاع بين تونس واليمن، حيث هنالك دولة بوليسية قوية
تستمد شرعيتها من قوتها وبعض النجاحات التي تحققت على صعيد التنمية البشرية
والاقتصادية. فيما النظام في اليمن لا يمتلك تلك المقومات التي يمتلكها النظام
التونسي.
وهذا
ينطبق بدرجة شبيهة على الأردن التي يوجد بها
نظام يمتلك شرعية تقليدية وشرعية انجاز وفوق هذا وذاك دعم ورعاية دولية
تعمل بشكل كبير على تقويته وحمايته من إي أخطار داخلية أو خارجية.
أن
وضع اليمن هو أقرب إلى النموذج الموريتاني منه إلى النموذج المصري أو التونسي أو ألأردني.
حيث نجد في اليمن دولة مواردها محدودة للغاية وأهمية إستراتيجية ثانوية وحكومة غير
قادرة على بسط سيطرتها على مجمل أراضيها، وتعقيد في بنيتها السياسية والاجتماعية
والاقتصادية تجعلها معرضة للكثير من الأزمات والمخاطر.
أن
سؤال الشرعية ورغم أنه لا يطرح بالصفة الأكاديمية التي نطرحه في هذه الورقة، إلا
أنه سؤال يطرح بأكثر من طريقة ومن أكثر من جهة، والكل يدرك بما في ذلك النظام نفسه
أنه بحاجة لشرعية التفويض الشعبي لأنها وببساطة هي المصدر الوحيد الفعلي للشرعية
في اليمن والتي تمكن النظام أن يواجه كل من يزاحمه على السلطة.
إلى
جانب ذلك أصبحت الانتخابات هي أحد أسس قيام دولة الجمهورية اليمنية، حيث اقترن
قيام دولة الوحدة ووجودها بقيام نظام ديمقراطي تعددي وأصبح النظام الديمقراطي شرطا
لبقاء الدولة ومن ثم بقاء النظام. لهذا فأن الانتخابات بما تمثله من مصدر للشرعية
تبقى هي أساس بقاء النظام السياسي الحالي والدولة الموحدة على الأقل من الناحية
النظرية.
ومن
هنا فأن من مصلحة النظام الحالي أن يعزز من شرعيته عن طريق الانتخابات لا أن
ينسفها من خلال انتخابات صورية لأن نسف هذه الشرعية.
أن ما
نحب التأكيد عليه من كل ما سبق هو أن النظام سيضعف وربما يغامر بوجوده إن أجراء
انتخابات صورية، وهذا لا يعني بأن مقاطعة المشترك للانتخابات ستؤدي إلى السقوط
الحاسم والسريع للنظام غداة الانتخابات. وما نذهب إلى قوله هنا هو أن ضعف مشروعية
النظام تعني ضعف أكبر في مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدده. إن ما نريد أن نؤكد
عليه هو الحقيقة التالية وهي: أن الشرعية الحقيقية لأي نظام سياسي تعطيه
المناعة والقوة لمواجهة المخاطر التي تهدده. ولشرح هذه العبارة بشكل عملي
وواقعي دعونا نناقش القضايا التالية:
النظام الشرعي أقدر على مواجهة
المتمردين:
بدون
الدخول في تفاصيل لقضية التمرد الحوثي إلا أن ألأمر المهم هنا هو أن ظهور هذا
التمرد لم يكن إلا أحد أعراض أزمة المشروعية للنظام السياسي الحاكم. فلوا أن شرعية
النظام كانت من القوة والمتانة لما تمكن الحوثيين من حشد الأنصار والأتباع والتمرد
على الدولة بالشكل الذي تم. ولنا أن نتخيل كيف ستكون قوة الدولة في حال تجدد
المواجهات، وهو أمر كبير الاحتمال، في حال أجريت الانتخابات بمقاطعة المشترك وهو
ما يعني المزيد من الضعف والتدهور في مشروعية النظام. إذ أن من المرجح إن تجد حركة
التمرد الكثير من المبررات لتمردها ولمشروعها حين تدعي بأنها تتمرد على سلطة غير
مشروعة.
وما
ينطبق على التمرد الحوثي ينطبق على المشكلة الجنوبية فأي تصاعد أو تغيير في وسائل
الاحتجاج في الجنوب سيجد له الكثير من التبريرات في حال قاطعت أحزاب المشترك
الانتخابات، والتي تعتبر إجراء الانتخابات دون مشاركتها وكأنه انقلاب على أسس دولة الوحدة. وهذا يعني بأن السلطة الحاكمة لم
تعد شرعية، وما دام الأمر على هذا النحو، فأن الأمور ستصل للنتيجة الخطيرة التالية
وهي: أن أي نظام غير مشروع يعتبر التمرد عليه أمر مشروع، وشيوع هذا الأمر يحمل
درجة كبيرة من الخطورة ليس على النظام فقط ولكن على الدولة ككل. من هنا فأن على
السلطة أن تدرك أنها ستكون في وضع ضعيف حين تواجه القضيتان المذكورتان في المستقبل
إذا ما ذهبت للانتخابات بدون أحزاب المشترك.
تمنح الشرعية النظام قدرة على مواجهة الأزمات:
أثبتت
التجارب التاريخية أن الأنظمة الديمقراطية، رغم ما تبدوا عليه من هشاشة ظاهرية، هي
الأقدر على مواجهة مختلف الأزمات فالحكومات الديمقراطية التي تتمتع بتأييد شعبي
حقيقي تمتلك الكثير من الثقة والمصداقية في حال اضطرت إلى اتخاذ تدابير مؤلمة
وقاسية لمواجهة أزمة اقتصادية أو اجتماعية. وثبت بالدليل القاطع أن الإصلاحات
الاقتصادية الحقيقية التي تمت في دول أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية تمت على أيدي
حكومات ديمقراطية تمتعت بقدر معقول من التأييد الشعبي.
وفي
حالة اليمن دعنا نكون متشائمين ونتخيل هبوط حاد في أسعار النفط ومن ثم تراجع كبير
في إيرادات الدولة فكيف يمكن لحكومة مشكوك في شرعيتها أن تواجه أمرا كهذا. حيث
ستضطر في أوضاع كهذه إلى القيام بمزيد من الجرع الاقتصادية المؤلمة، الأمر الذي سيفجر
الكثير من الاحتجاجات وهو أمرا لن يكون بمقدور حكومة مشكوكا في شرعيتها مواجهته.
أن
الشرعية المستمدة من الانتخابات قد تكون ترفا في دولة كالإمارات أو قطر، وهي دول
تعيش في بحبوحة تحسد عليها من أغنى أغنيا العالم، لكن الشرعية في دولة كاليمن، تعد
حاجة ملحة وضرورية. فاليمن الذي يصنف ضمن الدول الأكثر عرضة للتفكك والانهيار- كما
ورد في مقاييس الدول الفاشلة المنشور في مجلة السياسة الدولية حيث احتلت اليمن المرتبة رقم 21 ضمن تصنيفات
الدول الفاشلة لعام 2007 وهو عام كانت عائدات اليمن من النفط تحقق أرقاما قياسية –
بحاجة إلى حكومة تحظى بدرجة معقولة من التأييد الشعبي والحصانة الدستورية لمواجهة
أزماتها الكثيرة.
الشرعية الداخلية تعزز من
الشرعية الخارجية:
في عالم اليوم أصبحت الشرعية الخارجية للأنظمة
السياسية أمرا لا غنى عنه لأي حكومة. ويصبح الأمر أكثر إلحاحا في الدول التي تحتاج
في بقائها إلى دعم وعون العالم الخارجي، والنظام السياسي في اليمن ومنذ الوحدة
تمكن من الحصول على دعم وتأييد للعملية الديمقراطية- والتي تمثل الانتخابات أهم
وجه من وجوه الديمقراطية - من الدول الغربية التي قدمت الكثير من برامج المساعدات
لليمن ودخلت مع اليمن في برنامج إصلاح شامل كانت الديمقراطية أحد أركان هذا
البرنامج. وقيام انتخابات صورية في اليمن سيخل بالكثير من برامج الدعم والمساندة
التي تقدمها الكثير من الدول الغربية لليمن. لهذا فأن النظام يهتم بأن تحصل إي
انتخابات نيابية على شهادة نجاح من قبل الأطراف الخارجية وبالطبع لا يمكن للنظام
أن يتوقع الحصول على هذه الشهادة في حال قاطعت المعارضة الانتخابات.
ورغم
ذلك فأنه يجب التأكيد على أن قضية الديمقراطية قد لا تأتي على رأس أولويات الدول
المانحة في الوقت الحالي، إلا أن إقامة انتخابات تحمل الحدود الدنيا من المصداقية،
ستساعد النظام في الحصول على المزيد من العون الاقتصادي والسياسي له من الدول
الغربية والهيئات المانحة.
ميزان
الربح والخسارة للمشترك في حال قاطع
الانتخابات
تدرك المعارضة
أن مشاركتها في الانتخابات تمنح النظام شرعية وجوده الدستوري والأخلاقي ولهذا فأنها
تحاول أن تستفيد من هذا الأمر بأقصى درجة ممكنة. ولكون الأمر على هذا النحو فأن
المعارضة في الوقت الحالي أصبحت في موقف قوة أفضل من أي وقت سابق وهو ما يجعلها قادرة
على أن تساوم النظام بشكل لم يألفه منها من قبل. ولتوضيح مصادر قوة المعارضة يمكن
ذكر عدد من العناصر في النقاط التالية:
1- قيام اللقاء المشترك وتماسكه حتى الآن، ويمثل
هذا الأمر أهم قوة للمعارضة، فقيام جبهة معارضة واحدة تضم معظم ألوان الطيف
السياسي في اليمن جعل من المعارضة قوة لا يُستهان بها، مما يتطلب من السلطة أن تتوافق
معها في القضايا السياسية. وما يبرهن على قوة المعارضة خلال الفترة الماضية فشل
النظام أكثر من مرة في إجراء تعديلات دستورية حين لم تقبل به المعارضة.
2- تزايد المشاكل التي واجهها النظام في الفترة
الأخيرة من مثل التمرد الحوثي والحراك الجنوبي وتزايد نشاط العمليات الإرهابية،
وهذه المشاكل والتحديات التي عجز النظام عن حلها وحسمها استثمرتها المعارضة لصالحها
حين ظهر النظام بموقف ضعف أكبر من أي وقت مضى.
3-
زيادة
المشاكل الاقتصادية خاصة حدوث التضخم في السنوات القليلة الماضية الذي أدى إلى
تفاقم الأوضاع الاقتصادية، رغم أنها لم تتدهور كثيرا خلال هذه الفترة، بسبب
الارتفاع الكبير في أسعار النفط الذي منح السلطة موارد إضافية مكنها من أحتوى هذه
المشاكل.
إن
هذه الحقائق الجديدة ساهمت في خلق مشهد سياسي جديد في اليمن من الممكن اختصاره في
نضال المشترك بتغيير قواعد اللعبة السياسية في اليمن. وهي القواعد الذي سعى النظام
إلى ترسيخها منذ انتهاء الحرب عام 1994 والتي يمكن تحديد أهمها في الأمور التالية:
أ- الاحتكار المطلق للسلطة من خلال الفوز في جميع
الانتخابات بأغلبية تتجاوز الثلثين، وهو ما يمكنها من احتكار كامل وشامل للسلطة
والثروة. فمن خلال هذه الأغلبية تستطيع السلطة أن تمرر جميع قراراتها بما في ذلك
إعادة صياغة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالطريقة التي تخدم مصلحتها. فحصولها
على أكثر من ثلثي مقاعد مجلس النواب منذ انتخابات 1997 جعلها قادرة على إجراء
التعديلات الدستورية والقانونية التي هدفت إلى ديمومة سيطرتها على السلطة.
ب-
تحديد سقف محدد لنفوذ خصومها
في البرلمان والمجالس المنتخبة يقفون عنده وهذا السقف لا يتجاوز نسبة الـ20% وهي
نسبة لا تمكن المعارضة من أن تعيق أي أجراء أو سلوك تمارسه السلطة.
ت- المحافظة على المعارضة تحت السقف المذكور
للمحافظة على الشكل الديمقراطي للنظام الذي يمنحها الشرعية الداخلية والخارجية.
ث-
التضييق على المعارضة
بوسائل كثيرة وجعلها في حاجة دائمة للسلطة خاصة في الجوانب المالية.
ج-
السيطرة المطلقة على موارد
الدولة وتسخيرها في خدمة الحزب الحاكم خاصة فيما يتعلق بالموارد المالية والإعلام
وهما من أهم العوامل التي تضمن للسلطة الديمومة.
ح- إضعاف السلطة القضائية وجعلها ملحقة بالسلطة
التنفيذية مما يمكنها من استخدام هذه السلطة في قمع وإضعاف المعارضين لها، وهو ما
ظهر في الكثير من المناسبات.
خ- وستكون القضيةالعامة وجعل جميع الوظائف العليا
والوسطى وحتى الوظائف العادية حكرا على أعضاء الحزب الحاكم، مما يعني إضعاف أحزاب
المعارضة.
أن
هذه القواعد هو ما تحاول أحزاب اللقاء المشترك منذ عام 2005 وحتى الآن تعديلها أو
تغييرها، بينما نجد أن السلطة ترى في هذه القواعد وكأنها حق من حقوقها التي لا
يمكن التنازل عنها. ولكون الممارسة السياسية هي صراع قوة وفق ما يملكه كل طرف من مصادر
قوة، فأن أحزاب المعارضة أصبحت تدرك أن الأوضاع الحالية تمكنها من أن تعيد صياغة
قواعد اللعبة فيما السلطة من جهتها لا ترى بأن هناك شيا تغير على الأرض يجعلها
تقبل بذلك. وحتى الآن فأن الجميع في حالة امتحان والمستقبل سيرينا نتائج هذا
الامتحان.
أن ما
يجعل من تغيير قواعد اللعبة أمرا صعبا يتمثل في تعود النظام على هذه القواعد واطمئنانه
لها ورسم كل خططه المستقبلية وفقا لها. لهذا فقد أصبح أمر تغيير هذه القواعد أو
تعديلها من الأمور الصعبة على السلطة، إذ أنها تعتقد بأن تعديل قواعد اللعبة سيؤدي
في نهاية المطاف إلى خروجها من السلطة أو الحد من السلطة المطلقة التي تتمتع بها. وهي أمور يبدوا أن السلطة لم تهيئ نفسه لها، كما
وأن قبولها بتغيير هذه القواعد يعني تغييرا في خططها المستقبلية التي رسمتها. لذلك
نجد أن السلطة غير مستعدة، في الوقت الحالي على الأقل، أن تقبل بتغيير قواعد
اللعبة.
لقد
كانت الثلاث سنوات الأخيرة بمثابة الذروة في الصراع بين السلطة والمعارضة من أجل
تغيير قواعد اللعبة ورغم أنه لم تظهر نتائج واضحة لهذا الأمر إلا أن من الممكن
الإشارة إلى قضيتين تظهران ما ذهبنا إليه. الأولى كانت حين تحدت المعارضة السلطة وأنزلت
مرشح خاص بها في الانتخابات الرئاسية نافس إلى حد كبير مرشح السلطة. والثانية حين
لم تتمكن السلطة من تمرير التعديلات الدستورية التي طرحتها عام 2007 بعد أن واجهت
معارضة من قبل المشترك. وستكون القضية
الثالثة، وأعتقد بأنها ستكون الأهم، قضية الانتخابات النيابية عام 2009. وهي
موضوعنا في هذه الورقة.
المكاسب التي سيجنيها المشترك من مشاركته في
الانتخابات:
تدرك
المعارضة أن الانتخابات وفقا للأوضاع السياسية الحالية لن توصلها إلى السلطة أو
حتى تقربها منها ومع ذلك فأن المشاركة في الانتخابات سوف يمنحها بعض المزايا التي
يمكن تصنيفها إلى مزايا مباشرة ومزايا غير مباشرة، والمزايا المباشرة تتمثل في:
1- الحصول على تمويل من الخزينة العامة يساعدها في
تغطية جزء من نفقاتها الضرورية التي تبقيها قادرة على الاستمرار في عملها
والمنافسة في الانتخابات المختلفة. وامتلاك أحزاب المعارضة لعدد كبير من الأعضاء
في المجلس النيابي يزيد من حجم الأموال التي تحصل عليها من الخزينة العامة وفقا
للقانون.
2- يتيح تواجد نواب تابعين لأحزاب المعارضة في مجلس
النواب ممارسة الكثير من الضغوط على السلطة التنفيذية من خلال إثارة النقاش حول ممارسات
السلطة في الكثير من الجوانب، وعلى الرغم من أن الحكومة قادرة على تجاوز كل هذه
الضغوط في نهاية الأمر بسبب الأغلبية التي تتمتع بها، إلا أن وجود عدد من نواب
المعارضة يثيرون المشاكل من وقت لأخر يجعل الحكومة تعمل حسابهم. وفي حال تغيب
المعارضة عن مجلس النواب فأنها ستخسر هذه الميزة.
3- يوفر مجلس النواب للمعارضة منبرا مهما لطرح
وجهات نظرها حول القضايا العامة والترويج لسياساتها من خلال المجلس خاصة وأن جلسات
المجلس تعرض على الجمهور من خلال التلفزيون الرسمي.
1- تمثل الانتخابات ذروة النشاط والعمل الحزبي حيث
يكون أعضاء الحزب في أعلى درجات الاستنفار والجهد خلال الحملات الانتخابية وهو
الأمر الذي يزيد من حجم التفاعل بين هذه الأحزاب والمواطنين، ومن ثم فأن المواسم
الانتخابية تعمل على إكساب الأحزاب وأعضائها الكثير من المهارات التي ترفع من قدرة
الحزب. ومقاطعة الانتخابات ستفقد الحزب الكثير من هذه المهارات.
2- لو قررت أحزاب المعارضة مقاطعة الانتخابات فأنها
بذلك تخسر موقع مهم وهو مجلس النواب الذي يوفر لها فرصة البقاء متصلة بالشأن
السياسي كما وأن العمل في المجلس يوفر لأحزاب المعارضة الكثير من المعلومات الهامة
التي تعينها في صياغة برامجها ومقارعة خصومها.
3- تمتع أعضاء الحزب المنتخبين في مجلس النواب بالحصانة
البرلمانية، يتيح لهم حرية أكبر في العمل والقول وهو ما يساعد الأحزاب من الدفاع
عن مصالحها.
4-
وجود
أحزاب المعارضة في البرلمان يعطيها الكثير من الثقة في نظر المواطنين والعالم
الخارجي.
إلى
جانب الميزات المباشرة التي ذكرناها، هناك ميزات غير مباشرة يمكن ذكر أهمها في
النقاط التالية:
1- ضمان بعض المصالح التي تدر عائد مالي وسياسي
لأحزاب المعارضة في حال شاركت في الانتخابات، كالاستثمارات التجارية الذي يقوم بها
حزب الإصلاح والتي توفر للحزب موارد مالية مستقلة تمكنه من العمل والحركة. إلى
جانب ضمان عمل بعض الجمعيات والمؤسسات التي تعمل على تقوية الحزب سياسيا وتبقيه
قريبا من اهتمامات المواطنين.
2- المحافظة على بعض المصالح الخاصة لقيادات بعض
أحزاب المعارضة والتي يمكن ضمانها في حال المشاركة في الانتخابات فيما تصبح هذه
المصالح مهددة في حال قاطع المشترك.
3- تغاضي السلطة عن مصادر الدعم التي تحصل عليها
بعض أحزاب المعارضة من مصادر خارجية أكانت دول أو جمعيات أو منظمات غير حكومية.
4-
حصول
بعض من قيادات الأحزاب وحتى الأحزاب نفسها على أموال من الحكومة تحت مسميات عديدة
في حال شاركت في الانتخابات.
المكاسب التي يمكن أن يجنيها المشترك
في حال مقاطعته للانتخابات:
يحمل
خيار المقاطعة الكثير من المخاطر على أحزاب اللقاء المشترك إلا أن هناك العديد من
الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها هذه الأحزاب والتي يمكن تلخيصها في النقاط
التالية:
1- التمايز الواضح عن السلطة، حيث يعتقد الكثيرون
من المعارضين للنظام أن قادة أحزاب المعارضة وتحديدا قادة حزب الإصلاح تلتقي مع
السلطة في الكثير من المصالح التي تجعلها تتواطآ معها في الكثير من القضايا على
حساب مصالح المواطنين. وتجد هذه المقولات الكثير من الحجج والشواهد التي تدعم وجهة
النظر هذه منها: تراجع أحزاب المعارضة عن بعض المطالب التي تكون قد أعلنت عنها
مقابل بعض الصفقات التي يستفيد منها بعض من قادة الأحزاب. وهذا الاعتقاد – أكان
صحيح أم خطاء – يؤثر على شعبية أحزاب المعارضة ويفقدها الكثير من المصداقية لدى المواطنين
وهو ما يصب في صالح السلطة.
وفي حال قررت أحزاب المعارضة
الذهاب إلى خيار المقاطعة فأنها ستقوي من مصداقيتها في أن معارضتها للنظام هي
معارضة حقيقية وجادة، وهو ما قد يزيد من شعبيتها.
2- تصعيد الوسائل في معارضة النظام من خلال زيادة
الحشد الشعبي ضد النظام وتغيير وسائل الاحتجاجات لتصبح أكثر إيلاما للنظام وهذه
الخطوات على الرغم من خطورتها فأنها قد تؤدي إلى مزيد من الإضعاف للنظام الحاكم
ربما يحسن من قوة المعارضة في المستقبل.
3- إضعاف شرعية السلطة الحاكمة، حيث أن مقاطعة
المشترك للانتخابات سيفقد الانتخابات المصداقية ومن ثم تخسر النظام أهم مصدر من مصادر
الشرعية.
سيناريوهات
متوقعة
حتى الآن فأن اللقاء المشترك لم يحدد خياراته
التي سيتخذها بشأن الانتخابات ويعود السبب في ذلك إلى أن جميع الخيارات تبدوا صعبة
وتحمل الكثير من المخاطر، ولكن وفي ظل الواقع السياسي الحالي والخبرة المتأتية من
التاريخ يمكن توقع عدة سيناريوهات محتملة يمكن ذكرها في ما يلي:
السيناريو الأول: مشاركة
للمشترك بعد تحسن الظروف لصالح المعارضة:
يفترض هذا السيناريو أن
المعارضة ستتمكن من الخروج من لعبة عض الأصابع منتصرة نسبيا، وسيتأتي لها ذلك بعد
أن يدرك النظام صعوبة أو استحالة إجراء انتخابات بدون المعارضة وفي حال وصلت
الأمور إلى هذا النحو فأن النظام سوف يضطر أن يقدم تنازلات أكثر من تلك التي
يرفضها الآن، بعد أن يكون قد خرج مهزوما، إن لم نقل غير منتصر، من عملية صراع
الإرادات مع المشترك. وفي حالة الوصول إلى هذه النقطة يعني أن المشترك أصبح قادرا
على الحصول على مكاسب مهمة في قضية
الانتخابات. وحين حدوث هذا الأمر فأن من المتوقع أن لا تتعدى المكاسب التي سيحصل
عليها المشترك القضايا التالية:
1- تأجيل الانتخابات من 6 أشهر إلى سنة يتم خلالها
ترتيب البيئة السياسية والقانونية لصالح إجراء انتخابات أكثر عدالة ونزاهة.
2- خلق توازن في تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من
خلال إقرار التمثيل الحزبي لأعضاء اللجنة وليس التمثيل الشخصي المعمول به حاليا،
وسيعتبر هذا الأمر في حال إقراره، نصرا للمعارضة حيث ستتمكن من أن تضمن ولاء أعضاء
اللجنة للأحزاب الذي تمثلها.
3- إجراء تعديلات قانونية تخص الموطن الانتخابي
بحيث يتم إلغاء مكان العمل من كونه موطن انتخابي، وهي ما سيعد نصرا للمشترك.
فأحزاب المشترك تشكوا من أن الحزب الحاكم يستفيد من اعتبار مكان العمل موطن
انتخابي حين يتم استغلال تصويت القوات المسلحة والموظفين العموميين لصالحة.
4- إجراء بعض التعديلات في القانون لجهة خلق توازن
في وسائل الإعلام العامة يجعل من الممكن للمعارضة أن توصل رسالتها للناخبين وتحد
في نفس الوقت من الدعاية السياسية التي تمارسها هذه الوسائل للحزب الحاكم.
5- التقليل من استخدام الحزب الحاكم لموارد الدولة
في صالحة أثنا العملية الانتخابية.
6- تصحيح الخلل في قوام الجهاز الإداري والفني في
اللجنة العليا للانتخابات وفروعها والذي يسيطر عليه الحزب الحاكم حاليا.
7- تصحيح جداول الناخبين من الأخطاء التي تفسد
العملية الانتخابية.
8- إجراء انتخابات أكثر عدالة ونزاهة ومصداقية.
كل
هذه الإنجازات لو تحققت لأحزاب المعارضة فأنها قد تزيد من عدد أعضائها في المجلس
القادم قد يقربها من رقم المائة مقعد وهو الرقم الذهبي الذي سيحرم الحزب الحاكم من
أغلبية الثلثين الذي يحرص وبكل قوة بأن لا يخسرها. ولو حدث وحقق المشترك هذا النصر
فأنه سيمتلك قوة مؤثرة وإن بشكل نسبي تمكنه من تعديل أو تغيير قواعد اللعبة في
المستقبل.
السيناريو الثاني: مقاطعة
رسمية وفعلية من جميع أحزاب المعارضة:
يفترض
هذا السيناريو أن السلطة وأحزاب اللقاء المشترك لن تتمكن من التوصل إلى أي تسوية
قبل الانتخابات وهو ما يجعل السلطة تجري الانتخابات بدون اللقاء المشترك. وفي هذه
الحالة فأن الانتخابات ستكون عديمة القيمة وضعيفة المصداقية، على الرغم من توقع
حدوث منافسات حقيقية بين المرشحين في بعض الدوائر، إلا أن هذه المنافسات لن تعدوا
كونها منافسات فردية متصلة بشأن محلي كتنافس قبلي أو مناطقي أو غيره، وقد يعطي هذا
الشكل من التنافس للسلطة فرصة الإدعاء بأن هناك انتخابات تنافسية، إلا أن الواقع سيؤكد
أن الفائزين في هذه الانتخابات سينظمون في معظمهم إلى كتلة الحزب الحاكم، ومن ثم
فأن المجلس القادم سيكون كله أو أغلبيته الساحقة تنتمي إلى لون سياسي وأحد وهو ما
يفقد المجلس القادم صفة التعدد المطلوبة.
هذا
السيناريو لن يتحقق بالشكل الذي ذكرناه إلا في حال تمكن أحزاب المعارضة من إلزام أعضائها
بقرارات المقاطعة في الترشيح أو التصويت
أو ألإدارة أو أي عملية من عمليات الانتخابات.
وفي
حال سارت الأمور على هذا النحو فأن المجلس القادم سيكون مشكوك في شرعيته ومن
المحتمل أن لا يعمر طويلا ويتم حلة وإجراء انتخابات مبكرة.
السيناريو الثالث: إجراء
انتخابات بمشاركة جزء من المعارضة ومقاطعة جزء أخر:
يعد
هذا السيناريو من أفضل ما تتمناه السلطة وتخطط له، فحدوث هذا السيناريو يعني أن
السلطة ستتمكن من شق اللقاء المشترك وربما تدميره نهائيا. وتفاصيل هذا السيناريو
يتمثل بقدرة السلطة من جلب أحد أطراف المعارضة الرئيسية الإصلاح أو الاشتراكي
ليشارك في الانتخابات مقابل الحصول على مكاسب مادية و انتخابية وغيرها. في الوقت
الذي يتخذ فيه أحد أطراف المعارضة الرئيسية موقف المقاطعة.
في
هذه الحالة يبدوا الأكثر ترجيحا أن حدوث هذا الانشقاق إن تم فأن حزب الإصلاح هو
أكثر الأطراف المرشحة لأن يكون هو الطرف المنشق، حيث أن هناك تيار ضمن قيادات
الإصلاح تعتقد بأن المكاسب التي سيحصل عليها الحزب من المشاركة، ضمن صفقة خاصة مع
السلطة، أفضل من المقاطعة استنادا إلى كون المشاركة سوف تقرب حزب الإصلاح من
السلطة وتخفف من الضغوط التي تمارس ضده حاليا وهي أمور من شانها أن تحسن من الوضع
العام للإصلاح. كما وأن هذا التيار يعتقد بأن المقاطعة تحمل في طياتها المخاطرة
بجميع مصالح الحزب ومصالح قياداته. كون المقاطعة ستجر الإصلاح إلى مواجهة مفتوحة
مع السلطة وهي مواجهة يعتقد أصحاب هذا التوجه أن حزب الإصلاح سيخرج منها خاسرا.
ومن
الطبيعي توقع أن هذا التيار يلقى الكثير من الدعم والمساندة المباشرة وغير
المباشرة من السلطة بهدف الضغط على القيادة السياسية لحزب الإصلاح كي تشارك في
الانتخابات. وفي هذا الشأن لا بد من الإشارة إلى أن الكثير من قواعد الإصلاح خاصة
تلك التي تم استهداف مصالحها في الوظائف الحكومية أو في منابر المساجد أو غيرها لا
تساند هذا الاتجاه وتميل في معظمها نحو التشدد
تجاه السلطة بمعنى أنها ستؤيد قرار المقاطعة.
وعلى
كل حال فأن حدوث هذا السيناريو سيكون له مخاطر كبيرة على بقاء اللقاء المشترك وستكون
السلطة هي الرابح الأكبر، وإن مؤقتا، من هذا الأمر فيما قد تضعف المعارضة وتتشتت
جهودها.
وفي
حال سارت الأمور على هذا النحو فأن حزب الإصلاح قد يخسر كثيرا على المدى البعيد
حيث ستضعف مصداقيته أمام المواطنين وستتأكد الشكوك التي ينشرها خصومه حول عدم
جديته في المعارضة السياسية. وهذا يعني، على المدى البعيد، تدهور في قوة الحزب
وليس العكس.
بالنسبة للطرف الأخر وهو الحزب الاشتراكي فأن هذا
السيناريو سيعزز من قوته لدى الكثير من أنصاره الذين يميلون في أغلبهم إلى التشدد
تجاه السلطة، خاصة في المناطق الجنوبية، وموقفه هذا سيقربه أكثر من جماهيره كما
وأنه سيضعه في موقع حزب المعارضة الرئيسية للنظام وسيجعله يميل نحو التطرف والاقتراب
أكثر فأكثر نحو الدعوات المتطرفة في الحراك الجنوبي الداعمة للانفصال وتقرير
المصير.
وهذا
النقطة هي نقطة الضعف الرئيسية التي لن يستفيد منها النظام في هذا السيناريو فالانجاز
المباشر الذي ستحققه السلطة من جراء تفكك اللقاء المشترك ستخسره حين يتحرك الحزب
الاشتراكي نحو التشدد خاصة فيما يتعلق بالقضية الجنوبية التي تعد من أخطر القضايا
التي تهدد النظام.
على
الرغم من أن هذا السيناريو يبقى أقل احتمالا إلا أنه من السيناريوهات المتوقعة.
وفي حال حدوثه فأنه لن يمنح السلطة الشرعية الكاملة وإن كان سيمنحها جزء من
مشروعية هي في حاجة لها.
السيناريو الرابع: مقاطعة
رسمية من أحزاب المشترك ومشاركة من بعض من عناصره:
هذا
السيناريو يعد من أكثر السيناريوهات احتمالا وسيتحقق هذا السيناريو من خلال توصل
أحزاب اللقاء المشترك وبالذات القيادات السياسية إلى قناعة بأن المشاركة بمكاسب
ضئيلة هي أسوا من المقاطعة بمكاسب مستقبلية كبيره. وقرار مثل هذا سيعني بأن قادة
اللقاء المشترك يراهنون على أن الأوضاع العامة لن تسير في صالح النظام وأنه سيضطر
بعد فترة وجيزة من الانتخابات من العودة إليهم كي يشاركوا في انتخابات جديدة. وما
سوف يعزز من وجهة النظر هذه المشاكل الكثيرة التي يواجهها النظام حاليا والذي
يتوقع الكثيرين أنها ستكون أكبر في السنوات المقبلة. من مثل التمرد الحوثي والحركة
في الجنوب وتصاعد العمليات الإرهابية وغياب أي حليف إقليمي أو دولي للنظام، إضافة
إلى ذلك فأن تداعيات الأزمة الدولية الحالية، والتي لا يعرف إلى أين تتجه، يمكن أن
تؤدي إلى انخفاض في العوائد النفطية وهي العوائد التي تسهم في قوة النظام.
كل
هذه المشاكل تعطي قادة اللقاء المشترك اعتقاد بأن الظروف لن تسير في صالح السلطة
وأن السلطة ستضطر أن تقدم تنازلات كبيرة للمعارضة بعد أن تجرب الذهاب لوحدها في
الانتخابات وتفشل.
أما الشق
الأخر من السيناريو المتعلق بمشاركة بعض من أعضاء المعارضة في الانتخابات ضد رغبة
أحزابهم فأن هذا الأمر وارد ومحتمل خاصة وأن السلطة ستدعم هذه العناصر وستقدم لها الدعم
المادي والسياسي وتعدها بضمان الفوز في الانتخابات. والسلطة ستسعى من ذلك إلى شق
صفوف المعارضة وخلق انطباع بأن المعارضة شاركت في الانتخابات وبأن الانتخابات تعددية
وتنافسية.
إن
لهذا السيناريو عدة مظاهر منها أن أحزاب المعارضة المقاطعة ستعمل بشكل غير رسمي
على دعم بعض من أعضائها المشاركين في الانتخابات بصفة مستقلين كي تضمن لنفسها وجود
في المجلس النيابي القادم رغم أنها ستستمر في التشكيك في شرعيته.
إن
هذا السيناريو وحتى لو شارك عدد كبير من أعضاء أحزاب المعارضة كمستقلين لن يغير من
الصورة كثيرا فعدم الشرعية ستضل تلاحق هذا المجلس والأعضاء المنشقين لن يؤثروا على
قوة هذه الأحزاب كثيرا بل أن هناك من سيقول بأن خروج هؤلاء المنشقين سيقوي هذه
الأحزاب. وقد برهنت التجربة التاريخية على أن انشقاق بعض من قادة المعارضة لم يضعف
أحزاب المعارضة حيث لم يسحبوا معهم أية أعداد تذكر من أحزبهم وبقى انشقاقهم عمل
فردي.
السيناريو الخامس: مشاركة
المشترك ضمن صفقة الحد الأدنى:
يبدوا
أن هذا السيناريو سيكون هو الأقرب للتحقق من السيناريوهات التي سبق وذكرناها وبوادر
هذا السيناريو بدأت تلوح في الأفق، ومضمون هذا السيناريو يمكن ذكره في النقاط
التالية:
1- قبول السلطة بأن تقر التعديلات التي كان قد تم
الاتفاق عليها مع المشترك مع إضافة بعض البنود هنا وهناك.
2- إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من أعضاء ترشحهم
أحزاب المشترك وليس من قبل السلطة، وفي هذا الشأن فأن الأشخاص الذي سبق وعينوا
كممثلين للمشترك سيتم تغييرهم بأشخاص لا اعتراض للسلطة عليهم، أي أن التسوية تعني
تخلي كل طرف عن بعض من مطالبه.
3- من المحتمل لأي اتفاق كهذا أن يؤدي إلى تأجيل
الانتخابات وهذا التأجيل لن يزيد عن بضعة شهور وسيكون طلب التأجيل مقدم من المشترك
الذي لدية مصلحة في التأجيل أكثر من السلطة.
4- سيتم التراجع عن الخطوات التي اتخذتها اللجنة
العليا الحالية.
5-
لن
ينهي اتفاق كهذا الخلافات بين السلطة والمشترك بل أن من المتوقع أن تستمر الخلافات
حتى بعد إجراء الانتخابات ويرجع السبب إلى الرغبات المتعارضة بين السلطة والمعارضة
في الشأن الانتخابي.
إلى
جانب تلك الصفقة التي تختص بالقضايا العامة فأن من المحتمل أن توجد صفقات خاصة بكل
حزب من أحزاب اللقاء المشترك والسلطة في حال تحقق هذا السيناريو. وستتضمن هذه
الصفقات الحصول على أموال تحت مسميات كثيرة كإعادة جزء من أموال الحزب الاشتراكي
المصادرة أو دفع مخصصات بعض الأحزاب أو حتى الحصول على مبالغ مالية دون تحديد سبب
الحصول على هذه الأموال. وسينظر البعض، خاصة بين المتشددين من أعضاء أحزاب اللقاء
المشترك، لهذه الأموال على أنها رشاوى قدمت لقادة أحزاب المعارضة من أجل المشاركة
في الانتخابات خاصة وأن من المحتمل أن تشمل الصفقات المتوقعة ضمان مصالح خاصة لبعض
من قيادات أحزاب المشترك.
من
ناحية أخرى فأن قادة المشترك سيردون على المتطرفين من أنصارهم بأنهم قبلوا بهذه
الصفقة لأنها أفضل ما يمكن أن يحصلوا عليه وفقا للظروف الحالية وسيعددون المزايا
في هذه الصفقة بما في ذلك الأموال التي سيحصلون عليها بكونها ستدعم هذه الأحزاب من
أن تعزز من وجودها ونفوذها على أمل أن تحصل على تنازلات في جولات قادمة.
إلى
جانب ذلك ستتضمن الصفقة المتوقعة وعود من جانب السلطة لقادة أحزاب المشترك بتسهيل
وصول عدد أكبر من نوابهم للمجلس القادم، رغم أن وعود السلطة لن يصل إلى حد الوعد
بالوصول إلى مستوى الثلث الذي يعد التنازل عنه خط أحمر بالنسبة لها. ومع ذلك فأن
هذه الوعود يصعب تطبيقها على أرض الواقع لأسباب خارجة أحيانا عن إرادة السلطة، حيث
دللت التجارب أن أعضاء الحزب الحاكم لا يستجيبون بسهولة للتعليمات والأوامر من
قياداتهم إذا كانت هذه التعليمات تتعارض مع مصالحهم، كما حدث خلال انتخابات
المحافظين. لهذا فأن أحزاب اللقاء المشترك لن تعول كثيرا على هذه الوعود.
أن
من النتائج المحتملة لتنفيذ هذا السيناريو رفض قواعد بعض الأحزاب وتحديدا الحزب
الاشتراكي القبول بالمشاركة في الانتخابات وفق الصفقة المبرمة مع السلطة، حيث أن
قيادات الحزب الاشتراكي في المحافظات الجنوبية تميل بشكل أكبر نحو المقاطعة في جميع
الأحوال والظروف معتقدة أن المقاطعة هي خيار أفضل يمكنها من إجبار السلطة على
تقديم تنازلات في القضية الجنوبية التي يراها هؤلاء أنها لا تتعلق بالانتخابات
ولكنها تتعلق ببنية الدولة نفسها التي يريدون أن تتغير.
ورغم
أن الرفض الذي سيقوم به أنصار الاشتراكي سيؤثر على قوة وبقاء الاشتراكي إلا أن
قبول الحزب الاشتراكي الدخول في الانتخابات وفق هذا السيناريو سيعمل على إنجاح
نسبي للعملية الانتخابية. وهو نجاح سينفس من حالة الاحتقان الحالية إلا أنه لن
يلغيها.
الجميع
في مأزق
أن ما
يمكن الخروج به من هذه الورقة هو حقيقة مفادها أن الجميع في مأزق فالخيارات أمام
كل طرف تحمل من المضار أكثر مما تحمل من الفوائد. فقرار المقاطعة لن يكون سهل على
المعارضة أن تتخذه، كما وأن قرار المشاركة، وفق المعطيات الحالية، يحمل هو الأخر
الكثير من المضار. وما ينطبق على المعارضة ينطبق على السلطة حيث أن قيامها بإجراء
انتخابات صورية سيضعف كثيرا من شرعيتها، وقبولها بمنح المعارضة تنازلات تخل بقواعد
اللعبة التي رسمتها قد يهدد وجودها حسب ما تراه.
من
هنا فأن لا أحد يستطيع أن ينصح أي طرف باتخاذ قرار بعينه فأي قرار سوف يحمل في
طياته نتائج خطرة.
إن من
الأعراض المحتملة لإخفاق النخبة السياسية اليمنية من التوصل إلى توافق سياسي بشأن
الانتخابات، أن يكون بمثابة الذخيرة التي ستغذي أصحاب المشاريع الصغيرة الذين تزداد
قوتهم حين يخفق أصحاب المشاريع الكبيرة في انجاز مشاريعهم.
أن
عدم التوصل لاتفاق مرضي بشأن الانتخابات هو ضربة موجعة للديمقراطية على الجميع أن
يتحمل نتيجة تعطلها أو تدهورها خاصة وأن على الجميع أن يدرك هشاشة الأوضاع في
اليمن وهي هشاشة تجعل من تفاقم الأزمات أمرا لن يطيح بالنظام فقط ولكنه قد يطيح
بالبلد بأكمله.
إن
على السلطة أن تدرك أن قراراتها الغير مدروسة تجر عليها من المشاكل أكثر مما تحل،
كما أن مراهنتها على عامل الزمن وفرض الأمر الواقع غير مضمون، فقد يضطر النظام في
المستقبل بأن يقبل بأكثر مما يرفضه الآن في حال خسر امتحان فرض الأمر الواقع.
وللتذكير هنا يجب أن يدرك النظام حجم الخطاء الذي وقع فيه حين ألغى الاتفاق مع
المعارضة في مجلس النواب في خطوة انفعاليه لا تدل على أي درجة من الحكمة والرصانة.
فتلك التعديلات الملغاة قد تصبح الآن من الماضي، فالمعارضة يبدوا أنها سوف ترفع
سقف المطالب بعد أن يدرك النظام أنه لن يستطيع إجراء الانتخابات بدون المشترك.
خلال
فترة التفرد بالحكم غالى النظام في إقصاء خصومه وإضعافهم إلى الحد الذي أوصل بعض
من أعضاء أحزاب المعارضة إلى الشعور بأنهم لم يعودوا يمتلكون شيئا يخافون عليه،
فاحتكاره للوظيفة العامة وإفقار كل من لا يواليه زاد من أولئك المستعدين للذهاب في
معاداته إلى نهاية المطاف.
فخلال
التسعينات كانت ورقة المعاهد العلمية من أهم الأوراق التي كان النظام يجيد التلويح
بها ضد الإصلاح وبعد أن فقد هذه الورقة بداء التمرد الفعلي للإصلاح في التوسع.
والآن فأن أي رغبة بالمزيد من الضغط لن يكون له إلا الكثير من المواجهة وهو أمر لن
يكون في صالح السلطة.
أن
فرصة التوصل لاتفاق معقول يتطلب أن يدرك كل طرف حجم قوته الحقيقية دون أن يغامر في
معركة صراع إرادات قد يخرج منها مهزوم ويضطر أن يقدم تنازلات بأكثر مما كان يعتقد.
وإدراك حجم قوة كل طرف تجعله يفكر في أن لا يطالب بأكثر من قدرة الطرف الأخر على
الاستجابة.
فعلى
المعارضة أن تدرك أنها لن تستطيع الحصول على تنازل من السلطة يغير بشكل دراماتيكي
من قواعد اللعبة فلا تتوقع المعارضة مثلا أن تقبل السلطة بنظام القائمة النسبية
لأنه سيفقدها وجودها وسيكون بمثابة انتحار سياسي لا يمكن توقع أن تقدم السلطة عليه.
وعلى
السلطة من جهتها أن تدرك أن الأوضاع في عام 2008 لا تشبه الأوضاع في نهاية
التسعينات حين كان يتم التوصل إلى اتفاق سريع وحاسم بين الرئيس وقيادة الإصلاح في
صفقة لم تكن تكلف النظام شيئا يذكر. على النظام أن يعرف أن أوراق الضغط التي كان
يستخدمها ضد الإصلاح قد استهلك معظمها وأن هناك حقائق على الأرض قد قوت المعارضة
وأضعفت السلطة أهمها التمرد الحوثي والقضية الجنوبية وتصاعد الإرهاب. لهذا فأن على
السلطة أن لا تندهش حين ترى قادة الإصلاح أو الاشتراكي يرفضون بعض العروض التي
يعتقد ألنظام أنه قد قدم تنازل كبيرا فيها. فقواعد الإصلاح الذي تم استهدفهم في
الوظائف والمساجد لن يقبلوا بأن يُملي عليهم قادتهم صفقات لا تخدم رزقهم ووجودهم.
في
الأخير فأن ما يجب على النخبة السياسية في اليمن، سلطة ومعارضة، أن لا تبتعد عن
ثقافة التسويات وهي ثقافة عميقة في المجتمع اليمني تلخص طبيعته الصعبة والمعقدة
هذه الثقافة التي جعلت من ثقافة "ثلثين بثلث" تصبح القاعدة الذهبية في
حل جميع الخلافات.
السياسة
بكونها خيارات
يُـعرف الفعل السياسي بأنه سلسلة
لا متناهية من المفاضلة بين قرارات يتعين على السياسي أن يختار من بينها،
فالسياسي وهو يمارس السياسة يتحتم عليه أن يقرر بين أن ينحاز لما يعتقد أنه قرار
صائب ويتجنب ما يعتقد أنه قرار ضار. وفي الغالب فإن الخيارات التي يواجهها
السياسيون تكون إما سيئة أو أقل سوءا، حيث يندر أن يصادف السياسي ظروفا تضعه
يختار بين القرار السيئ والقرار الجيد. وفي هذه الورقة سوف استعرض معكم الخيارات
التي نعتقد أنها مطروحة أمام كل من السلطة وأحزاب أحزاب اللقاء المشترك
(المعارضة) حول الانتخابات المقرر إجراؤها في 27 أبريل 2009.
أهمية
الانتخابات للسلطة:
تمثل
الانتخابات النيابية بالنسبة للسلطة المصدر الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، للحصول
على الشرعية الدستورية في حكم اليمن، فالنظام الحاكم في اليمن لا يمتلك أي مصدر
من مصادر الشرعية الأخرى غير شرعية التفويض الشعبي التي يتم التعبير عنها
بالانتخابات. فلا يملك النظام أي شرعية أخرى كالشرعية المستمدة من الدين أو
التقاليد، أو تلك الشرعية المعتمدة على الإنجاز والكفاءة، أو الشرعية المعتمدة
على الكاريزما، أو أي مصدر آخر من مصادر الشرعية - كالشرعية الثورية - التي
ادعتها بعض الأنظمة التي استولت على الحكم بانقلابات عسكرية.
إن
شرعية التفويض الشعبي للأوضاع بالانتخابات أصبحت منذ الوحدة الأساس التي تقوم
عليه شرعية النظام الحاكم في اليمن، وفي حال فقدت الانتخابات مصداقيتها فإن
شرعية السلطة تصبح مشكوكا بها، الأمر الذي يضعفها ويجعلها غير قادرة على الدفاع
عن نفسها أمام أية أخطار تحدق بها.
ولكي
تكون الانتخابات قادرة على منح الشرعية للنظام لا بد أن تتوفر لها عدد من
العناصر أهمها:
مشاركة
جميع القوى السياسية، وتحديدا المعارضة التي يمثلها في الوقت الحالي (اللقاء
المشترك)، فمشاركة اللقاء المشترك في الانتخابات يصبغ الانتخابات بطابع التنافس
والتعددية ومن ثم المصداقية. ويعني ذلك أن مشاركة اللقاء المشترك هو الشرط
الضروري لإنجاح الانتخابات.
قبول
المشاركين في العملية الانتخابية بنتائج الانتخابات. وهذا القبول لن يتحقق إلا
بتوفر حد أدنى من تكافؤ الفرص للقوى المتنافسة وتحديدا المعارضة. وتكافؤ الفرص
يتحقق من خلال توفر إدارة انتخابية تحظى بالقبول من الأطراف المشاركة وتكون
قادرة على توفير الظروف التي تحقق قدرا معقولا ومقبولا من تكافؤ الفرص.
تحتاج
الانتخابات لكي تكون شرعية إلى شهادة مراقبين مستقلين (محليين وأجانب) يؤكدون
بأن الانتخابات قد تمت وفق الحدود والمعايير الديمقراطية. وهذه الشهادة تعد
ضرورية للأحزاب الفائزة ليردوا على أي تشكيك أو عدم قبول بنتائج الانتخابات قد
ترد من قبل الأحزاب الخاسرة.
إن
تحقق هذه الشروط أمر في غاية الأهمية لأي سلطة تنبثق عن انتخابات، إذ بإمكانها
بعد ذلك أن تكون سلطة شرعية استمدت وجودها من تفويض شعبي حر وحقيقي. وغياب هذه
الشروط أو بعضها سيشكك بشكل كبير في شرعية النظام السياسي المنبثق عن هذه
الانتخابات. وهو الأمر الذي سيضعف من أداء هذا النظام ويجعله أضعف في مواجهة
خصومه. وعلى افتراض أن الانتخابات القادمة افتقدت للشروط السابقة فإن السلطة
ستجد نفسها وقد أضرت بمشروعيتها أكثر من أي مرحلة سابقة، وهو الأمر الذي سوف
يعطي خصومها قوة أكبر في مقاومتها.
ما
حاجة النظام للشرعية؟
ذكرنا
فيما سبق أن النظام سيضر بشرعيته إن هو ذهب إلى انتخابات لا تلبي الحدود الدنيا
من المصداقية والنزاهة. والتي ستتضح من خلال ذهابه منفردا إلى الانتخابات
وبمقاطعة رسمية من قبل المشترك. فالمشروعية ضرورية لأي نظام سياسي ناهيك عن
النظام في اليمن.
وقد
ينظر البعض إلا أن المبالغة في حاجة السلطة لمشروعية الانتخابات ليست إلا من باب
التمني لمعارضيها، وأن السلطة قادرة على الصمود ولن يؤثر عليها مقاطعة المشترك
في الانتخابات، فشرعية وجودها تعتمد على أمور أخرى أهم من الانتخابات. خاصة في
ظل ضعف المؤسسات القادرة على إجبار النظام على الالتزام بالدستور.
إضافة
إلى ذلك فإن تدني مستوى الوعي السياسي لدى الغالبية العظمى من اليمنيين تجعل
النظام يصمد ويستمر مهما كانت طبيعة الانتخابات. وسيدلل أصحاب هذا الرأي بأن نفس
هذا النظام قد عاش قبل الوحدة في الشمال دون وجود انتخابات تعددية، كما أنه
استطاع الحكم بعد الوحدة رغم أن جميع الانتخابات، باستثناء انتخابات 1993، كانت
جميعها مشكوكا في نزاهتها ولم ينتج عن ذلك إي تهديد للنظام واستمر حتى الآن.
وهو
لهذه الأسباب قادر على أن يتجاوز مقاطعة المشترك ويستمر في الحكم لفترة طويلة.
خاصة وأن النظام لا يختلف كثيرا عن أنظمة شبيهة في المنطقة العربية كمصر وتونس
والأردن التي تُـجري انتخابات صورية ولم يهددها أي مقاطعات من قبل المعارضة.
يحمل
التحليل السابق الكثير من الوجاهة وربما يكون أكثر قربا وتعبيرا عن الواقع مما
نعتقد، ومع ذلك إن أخذ الماضي كنموذج قابل للتكرار بحذافيره فيه الكثير من الخطأ
والتضليل، فكون النظام قد تمكن من الصمود والبقاء منذ ثلاثة عقود وحتى الآن لا
يعني أنه قادر على الاستمرار لنفس الفترة. فطول البقاء في السلطة ليست دائما
مؤشرا جيدا على النجاح والكفاءة. بل إنها قد تعني العكس تماما، فالنظام السياسي
يشبه الكائن الحي كلما طال بقاؤه تعرض لمخاطر الضعف والفناء بشكل أكبر من النظام
الفتي.
أما
القول بأن أنظمة عربية تفتقد للشرعية الانتخابية أكثر بكثير من النظام في اليمن
ومع ذلك نجدها قوية ومتينة فإن فيه الكثير من غياب الدقة في التحليل، فالأوضاع
في اليمن لا تشبه أوضاع مصر ذات أقدم دولة في العالم. إلى جانب أن الطبيعة
البسيطة للتضاريس المصرية وللشعب المصري تختلف كثيرا عن تضاريس اليمن الوعرة وما
خلفته من شعب يشبهها. وينطبق الأمر على اختلاف الأوضاع بين تونس واليمن، حيث
هنالك دولة بوليسية قوية تستمد شرعيتها من قوتها وبعض النجاحات التي تحققت على
صعيد التنمية البشرية والاقتصادية. فيما النظام في اليمن لا يمتلك تلك المقومات
التي يمتلكها النظام التونسي.
وهذا
ينطبق بدرجة شبيهة على الأردن التي يوجد بها نظام يمتلك شرعية تقليدية وشرعية
إنجاز، وفوق هذا وذاك دعم ورعاية دولية تعمل بشكل كبير على تقويته وحمايته من إي
أخطار داخلية أو خارجية.
إن
وضع اليمن هو أقرب إلى النموذج الموريتاني منه إلى النموذج المصري أو التونسي أو
الأردني. حيث نجد في اليمن دولة مواردها محدودة للغاية وأهمية استراتيجية ثانوية
وحكومة غير قادرة على بسط سيطرتها على مجمل أراضيها، وتعقيداً في بنيتها
السياسية والاجتماعية والاقتصادية تجعلها معرضة للكثير من الأزمات والمخاطر.
إن
سؤال الشرعية رغم أنه لا يطرح بالصفة الأكاديمية التي نطرحه في هذه الورقة، إلا
أنه سؤال يطرح بأكثر من طريقة ومن أكثر من جهة، والكل يدرك بما في ذلك النظام
نفسه أنه بحاجة لشرعية التفويض الشعبي لأنها وببساطة هي المصدر الوحيد الفعلي
للشرعية في اليمن والتي تمكن النظام أن يواجه كل من يزاحمه على السلطة.
إلى
جانب ذلك أصبحت الانتخابات هي أحد أسس قيام دولة الجمهورية اليمنية، حيث اقترن
قيام دولة الوحدة ووجودها بقيام نظام ديمقراطي تعددي، وأصبح النظام الديمقراطي
شرطا لبقاء الدولة ومن ثم بقاء النظام. لهذا فإن الانتخابات بما تمثله من مصدر
للشرعية تبقى هي أساس بقاء النظام السياسي الحالي والدولة الموحدة على الأقل من
الناحية النظرية.
ومن
هنا فإن من مصلحة النظام الحالي أن يعزز من شرعيته عن طريق الانتخابات لا أن
ينسفها من خلال انتخابات صورية.
إن
ما نحب التأكيد عليه من كل ما سبق هو أن النظام سيضعف وربما يغامر بوجوده إن
أجرى انتخابات صورية، وهذا لا يعني بأن مقاطعة المشترك للانتخابات ستؤدي إلى
السقوط الحاسم والسريع للنظام غداة الانتخابات. وما نذهب إلى قوله هنا هو أن ضعف
مشروعية النظام تعني ضعفاً أكبر في مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدده. وما
نريد أن نؤكد عليه هو الحقيقة التالية: إن الشرعية الحقيقية لأي نظام سياسي
تعطيه المناعة والقوة لمواجهة المخاطر التي تهدده. ولشرح هذه العبارة بشكل عملي
وواقعي دعونا نناقش القضايا التالية:
النظام
الشرعي أقدر على مواجهة المتمردين:
بدون
الدخول في تفاصيل لقضية التمرد الحوثي، إلا أن الأمر المهم هنا هو أن ظهور هذا
التمرد لم يكن إلا أحد أعراض أزمة المشروعية للنظام السياسي الحاكم. فلو أن
شرعية النظام كانت قوية ومتينة لما تمكن الحوثيون من حشد الأنصار والأتباع
والتمرد على الدولة بالشكل الذي تم. ولنا أن نتخيل كيف ستكون قوة الدولة في حال
تجدد المواجهات، وهو أمر كبير الاحتمال، في حال أجريت الانتخابات بمقاطعة
المشترك وهو ما يعني المزيد من الضعف والتدهور في مشروعية النظام. إذ أن من
المرجح أن تجد حركة التمرد الكثير من المبررات لتمردها ولمشروعها حين تدعي بأنها
تتمرد على سلطة غير مشروعة.
وما
ينطبق على التمرد الحوثي ينطبق على المشكلة الجنوبية، فأي تصاعد أو تغيير في
وسائل الاحتجاج في الجنوب سيجد له الكثير من التبريرات في حال قاطعت أحزاب
المشترك الانتخابات، وهي تعتبر إجراء الانتخابات دون مشاركتها انقلاباً على أسس
دولة الوحدة. وهذا يعني بأن السلطة الحاكمة لم تعد شرعية، وما دام الأمر على هذا
النحو، فإن الأمور ستصل للنتيجة الخطيرة التالية: أي نظام غير مشروع يعتبر
التمرد عليه أمراً مشروعاً، وشيوع هذا الأمر يحمل درجة كبيرة من الخطورة، ليس
على النظام فقط، ولكن على الدولة ككل. من هنا فإن على السلطة أن تدرك أنها ستكون
في وضع ضعيف حين تواجه في المستقبل القضيتين المذكورتين إذا ذهبت للانتخابات
بدون أحزاب المشترك.
تمنح
الشرعية النظام قدرة على مواجهة الأزمات:
أثبتت
التجارب التاريخية أن الأنظمة الديمقراطية، رغم ما تبدوا عليه من هشاشة ظاهرية،
هي الأقدر على مواجهة مختلف الأزمات، فالحكومات الديمقراطية التي تتمتع بتأييد
شعبي حقيقي تمتلك الكثير من الثقة والمصداقية في حال اضطرت إلى اتخاذ تدابير
مؤلمة وقاسية لمواجهة أزمة اقتصادية أو اجتماعية. وثبت بالدليل القاطع أن
الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية التي تمت في دول أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية
تمت على أيدي حكومات ديمقراطية تمتعت بقدر معقول من التأييد الشعبي.
وفي
حالة اليمن دعنا نكون متشائمين ونتخيل هبوطاً حاداً في أسعار النفط، ومن ثم
تراجعاً كبيراً في إيرادات الدولة، فكيف يمكن لحكومة مشكوك في شرعيتها أن تواجه
أمرا كهذا. حيث ستضطر في أوضاع كهذه إلى القيام بمزيد من الجرع الاقتصادية
المؤلمة، الأمر الذي سيفجر الكثير من الاحتجاجات، وهو أمر لن يكون بمقدور حكومة
مشكوك في شرعيتها مواجهته.
إن
الشرعية المستمدة من الانتخابات قد تكون ترفا في دولة كالإمارات أو قطر، وهي دول
تعيش في بحبوحة تحسد عليها من أغنى أغنياء العالم، لكن الشرعية في دولة كاليمن،
تعد حاجة ملحة وضرورية. فاليمن الذي يصنف ضمن الدول الأكثر عرضة للتفكك
والانهيار- كما ورد في مقاييس الدول الفاشلة المنشور في مجلة السياسة الدولية
واحتلت اليمن المرتبة رقم 21 ضمن تصنيفات الدول الفاشلة لعام 2007 وهو عام كانت
عائدات اليمن من النفط تحقق أرقاما قياسية – بحاجة إلى حكومة تحظى بدرجة معقولة
من التأييد الشعبي والحصانة الدستورية لمواجهة أزماتها الكثيرة.
الشرعية
الداخلية تعزز من الشرعية الخارجية:
في
عالم اليوم أصبحت الشرعية الخارجية للأنظمة السياسية أمرا لا غنى عنه لأي حكومة.
ويصبح الأمر أكثر إلحاحا في الدول التي تحتاج في بقائها إلى دعم وعون العالم
الخارجي، والنظام السياسي في اليمن ومنذ الوحدة تمكن من الحصول على دعم وتأييد
للعملية الديمقراطية- تمثل الانتخابات أهم وجه من وجوه الديمقراطية - من الدول
الغربية التي قدمت الكثير من برامج المساعدات لليمن، ودخلت مع اليمن في برنامج
إصلاح شامل كانت الديمقراطية أحد أركان هذا البرنامج. وقيام انتخابات صورية في
اليمن سيخل بالكثير من برامج الدعم والمساندة التي تقدمها الكثير من الدول
الغربية لليمن. لهذا فإن النظام يهتم بأن تحصل إي انتخابات نيابية على شهادة
نجاح من قبل الأطراف الخارجية وبالطبع لا يمكن للنظام أن يتوقع الحصول على هذه
الشهادة في حال قاطعت المعارضة الانتخابات.
ورغم
ذلك فإنه يجب التأكيد على أن قضية الديمقراطية قد لا تأتي على رأس أولويات الدول
المانحة في الوقت الحالي، إلا أن إقامة انتخابات تحمل الحدود الدنيا من
المصداقية، ستساعد النظام في الحصول على المزيد من العون الاقتصادي والسياسي له
من الدول الغربية والهيئات المانحة.
ميزان
الربح والخسارة للمشترك في حال قاطع الانتخابات:
تدرك
المعارضة أن مشاركتها في الانتخابات تمنح النظام شرعية وجوده الدستوري
والأخلاقي، ولهذا فإنها تحاول أن تستفيد من هذا الأمر بأقصى درجة ممكنة. ولكون
الأمر على هذا النحو فإن المعارضة في الوقت الحالي أصبحت في موقف قوة أفضل من أي
وقت سابق وهو ما يجعلها قادرة على أن تساوم النظام بشكل لم يألفها من قبل.
ولتوضيح مصادر قوة المعارضة يمكن ذكر عدد من العناصر في النقاط التالية:
قيام
اللقاء المشترك وتماسكه حتى الآن، ويمثل هذا الأمر أهم قوة للمعارضة. فقيام جبهة
معارضة واحدة تضم معظم ألوان الطيف السياسي في اليمن جعل من المعارضة قوة لا
يُستهان بها، مما يتطلب من السلطة أن تتوافق معها في القضايا السياسية. وما
يبرهن على قوة المعارضة خلال الفترة الماضية فشل النظام أكثر من مرة في إجراء
تعديلات دستورية حين لم تقبل به المعارضة.
تزايد
المشاكل التي واجهها النظام في الفترة الأخيرة من مثل التمرد الحوثي والحراك
الجنوبي وتزايد نشاط العمليات الإرهابية، وهذه المشاكل والتحديات التي عجز
النظام عن حلها وحسمها استثمرتها المعارضة لصالحها حين ظهر النظام بموقف ضعف
أكبر من أي وقت مضى.
زيادة
المشاكل الاقتصادية، خاصة حدوث التضخم في السنوات القليلة الماضية الذي أدى إلى
تفاقم الأوضاع الاقتصادية، رغم أنها لم تتدهور كثيرا خلال هذه الفترة، بسبب
الارتفاع الكبير في أسعار النفط الذي منح السلطة موارد إضافية مكنها من احتواء
هذه المشاكل.
إن
هذه الحقائق الجديدة ساهمت في خلق مشهد سياسي جديد في اليمن من الممكن اختصاره
في نضال المشترك بتغيير قواعد اللعبة السياسية في اليمن. وهي القواعد التي سعى
النظام إلى ترسيخها منذ انتهاء الحرب عام 1994 والتي يمكن تحديد أهمها في الأمور
التالية:
- الاحتكار المطلق للسلطة من خلال
الفوز في جميع الانتخابات بأغلبية تتجاوز الثلثين، وهو ما يمكنها من احتكار كامل
وشامل للسلطة والثروة. فمن خلال هذه الأغلبية تستطيع السلطة أن تمرر جميع
قراراتها بما في ذلك إعادة صياغة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالطريقة
التي تخدم مصلحتها. فحصولها على أكثر من ثلثي مقاعد مجلس النواب منذ انتخابات
1997 جعلها قادرة على إجراء التعديلات الدستورية والقانونية التي هدفت إلى
ديمومة سيطرتها على السلطة.
- تحديد سقف محدد لنفوذ خصومها في
البرلمان والمجالس المنتخبة يقفون عنده وهذا السقف لا يتجاوز نسبة الـ20% وهي
نسبة لا تمكن المعارضة من أن تعيق أي إجراء أو سلوك تمارسه السلطة.
- المحافظة على المعارضة تحت السقف
المذكور للمحافظة على الشكل الديمقراطي للنظام الذي يمنحها الشرعية الداخلية
والخارجية.
- التضييق على المعارضة بوسائل كثيرة
وجعلها في حاجة دائمة للسلطة خاصة في الجوانب المالية.
- السيطرة المطلقة على موارد الدولة
وتسخيرها في خدمة الحزب الحاكم خاصة فيما يتعلق بالموارد المالية والإعلام وهما
من أهم العوامل التي تضمن للسلطة الديمومة.
- إضعاف السلطة القضائية وجعلها ملحقة
بالسلطة التنفيذية مما يمكنها من استخدام هذه السلطة في قمع وإضعاف المعارضين
لها، وهو ما ظهر في الكثير من المناسبات.
- جعل جميع الوظائف العليا والوسطى
وحتى الوظائف العادية حكرا على أعضاء الحزب الحاكم، مما يعني إضعاف أحزاب
المعارضة.
أن
هذه القواعد هو ما تحاول أحزاب اللقاء المشترك منذ عام 2005 وحتى الآن تعديلها
أو تغييرها، بينما نجد أن السلطة ترى في هذه القواعد وكأنها حقاً من حقوقها التي
لا يمكن التنازل عنها. ولكون الممارسة السياسية هي صراع قوة وفق ما يملكه كل طرف
من مصادر قوة، فإن أحزاب المعارضة أصبحت تدرك أن الأوضاع الحالية تمكنها من أن
تعيد صياغة قواعد اللعبة فيما السلطة من جهتها لا ترى بأن هناك شيئاً تغير على
الأرض يجعلها تقبل بذلك. وحتى الآن فإن الجميع في حالة امتحان والمستقبل سيرينا
نتائج هذا الامتحان.
إن
ما يجعل من تغيير قواعد اللعبة أمرا صعبا يتمثل في تعود النظام على هذه القواعد
واطمئنانه لها ورسم كل خططه المستقبلية وفقا لها. لهذا فقد أصبح أمر تغيير هذه
القواعد أو تعديلها من الأمور الصعبة على السلطة، إذ أنها تعتقد بأن تعديل قواعد
اللعبة سيؤدي في نهاية المطاف إلى خروجها من السلطة أو الحد من السلطة المطلقة
التي تتمتع بها. وهي أمور يبدو أن السلطة لم تهيئ نفسها لها، كما أن قبولها
بتغيير هذه القواعد يعني تغييرا في خططها المستقبلية التي رسمتها. لذلك نجد أن
السلطة غير مستعدة، في الوقت الحالي على الأقل، أن تقبل بتغيير قواعد اللعبة.
لقد
كانت الثلاث سنوات الأخيرة بمثابة الذروة في الصراع بين السلطة والمعارضة من أجل
تغيير قواعد اللعبة، ورغم أنه لم تظهر نتائج واضحة لهذا الأمر إلا أن من الممكن
الإشارة إلى قضيتين تظهران ما ذهبنا إليه. الأولى كانت حين تحدت المعارضة السلطة
وأنزلت مرشحاً خاصاً بها في الانتخابات الرئاسية نافس إلى حد كبير مرشح السلطة.
والثانية حين لم تتمكن السلطة من تمرير التعديلات الدستورية التي طرحتها عام
2007 بعد أن واجهت معارضة من قبل المشترك. وستكون القضية الثالثة، وأعتقد بأنها
ستكون الأهم، قضية الانتخابات النيابية عام 2009. وهي موضوعنا في هذه الورقة.
المكاسب
التي سيجنيها المشترك
من
مشاركته في الانتخابات:
تدرك
المعارضة أن الانتخابات وفقا للأوضاع السياسية الحالية لن توصلها إلى السلطة أو
حتى تقربها منها ومع ذلك فإن المشاركة في الانتخابات سوف تمنحها بعض المزايا
التي يمكن تصنيفها إلى مزايا مباشرة ومزايا غير مباشرة، والمزايا المباشرة تتمثل
في:
- الحصول على تمويل من الخزينة العامة
يساعدها في تغطية جزء من نفقاتها الضرورية التي تبقيها قادرة على الاستمرار في
عملها والمنافسة في الانتخابات المختلفة. وامتلاك أحزاب المعارضة لعدد كبير من
الأعضاء في المجلس النيابي يزيد من حجم الأموال التي تحصل عليها من الخزينة
العامة وفقا للقانون.
- يتيح تواجد نواب تابعين لأحزاب
المعارضة في مجلس النواب ممارسة الكثير من الضغوط على السلطة التنفيذية من خلال
إثارة النقاش حول ممارسات السلطة في الكثير من الجوانب. وعلى الرغم من أن
الحكومة قادرة على تجاوز كل هذه الضغوط في نهاية الأمر بسبب الأغلبية التي تتمتع
بها، إلا أن وجود عدد من نواب المعارضة يثيرون المشاكل من وقت لآخر يجعل الحكومة
تعمل حسابهم. وفي حال تغيب المعارضة عن مجلس النواب فإنها ستخسر هذه الميزة.
- يوفر مجلس النواب للمعارضة منبرا
مهما لطرح وجهات نظرها حول القضايا العامة والترويج لسياساتها من خلال المجلس،
خاصة وأن جلسات المجلس تعرض على الجمهور من خلال التلفزيون الرسمي.
- تمثل الانتخابات ذروة النشاط والعمل
الحزبي حيث يكون أعضاء الحزب في أعلى درجات الاستنفار والجهد خلال الحملات
الانتخابية، وهو الأمر الذي يزيد من حجم التفاعل بين هذه الأحزاب والمواطنين،
ومن ثم فإن المواسم الانتخابية تعمل على إكساب الأحزاب وأعضائها الكثير من
المهارات التي ترفع من قدرة الحزب. ومقاطعة الانتخابات ستفقد الحزب الكثير من
هذه المهارات.
- لو قررت أحزاب المعارضة مقاطعة
الانتخابات فإنها بذلك تخسر موقعاً مهماً وهو مجلس النواب الذي يوفر لها فرصة
البقاء متصلة بالشأن السياسي. كما أن العمل في المجلس يوفر لأحزاب المعارضة
الكثير من المعلومات الهامة التي تعينها في صياغة برامجها ومقارعة خصومها.
- تمتع أعضاء الحزب المنتخبين في مجلس
النواب بالحصانة البرلمانية، يتيح لهم حرية أكبر في العمل والقول وهو ما يساعد
الأحزاب من الدفاع عن مصالحها.
- وجود أحزاب المعارضة في البرلمان
يعطيها الكثير من الثقة في نظر المواطنين والعالم الخارجي.
إلى
جانب الميزات المباشرة التي ذكرناها، هناك ميزات غير مباشرة يمكن ذكر أهمها في
النقاط التالية:
- ضمان بعض المصالح التي تدر عائداً
مالياً وسياسياً لأحزاب المعارضة في حال شاركت في الانتخابات، كالاستثمارات
التجارية الذي يقوم بها حزب الإصلاح والتي توفر للحزب موارد مالية مستقلة تمكنه
من العمل والحركة، إلى جانب ضمان عمل بعض الجمعيات والمؤسسات التي تعمل على
تقوية الحزب سياسيا وتبقيه قريبا من اهتمامات المواطنين.
المحافظة
على بعض المصالح الخاصة لقيادات بعض أحزاب المعارضة والتي يمكن ضمانها في حال
المشاركة في الانتخابات فيما تصبح هذه المصالح مهددة في حال قاطع المشترك.
- تغاضي السلطة عن مصادر الدعم التي
تحصل عليها بعض أحزاب المعارضة من مصادر خارجية(دولاً أو جمعيات أو منظمات غير
حكومية).
- حصول بعض من قيادات الأحزاب وحتى
الأحزاب نفسها على أموال من الحكومة تحت مسميات عديدة في حال شاركت في
الانتخابات.
المكاسب
التي يمكن أن يجنيها المشترك
في حال مقاطعته للانتخابات:
يحمل
خيار المقاطعة الكثير من المخاطر على أحزاب اللقاء المشترك، إلا أن هناك العديد
من الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها هذه الأحزاب ويمكن تلخيصها في النقاط
التالية:
- التمايز الواضح عن السلطة، حيث يعتقد
الكثيرون من المعارضين للنظام أن قادة أحزاب المعارضة وتحديدا قادة حزب الإصلاح
تلتقي مع السلطة في الكثير من المصالح التي تجعلها تتواطأ معها في الكثير من
القضايا على حساب مصالح المواطنين. وتجد هذه المقولات الكثير من الحجج والشواهد
التي تدعم وجهة النظر هذه منها: تراجع أحزاب المعارضة عن بعض المطالب التي تكون
قد أعلنت عنها مقابل بعض الصفقات التي يستفيد منها بعض من قادة الأحزاب. وهذا
الاعتقاد – أكان صحيحاً أم خاطئاً – يؤثر على شعبية أحزاب المعارضة ويفقدها
الكثير من المصداقية لدى المواطنين وهو ما يصب في صالح السلطة.
وفي
حال قررت أحزاب المعارضة الذهاب إلى خيار المقاطعة فأنها ستقوي من مصداقيتها في
أن معارضتها للنظام هي معارضة حقيقية وجادة، وهو ما قد يزيد من شعبيتها.
- تصعيد الوسائل في معارضة النظام من
خلال زيادة الحشد الشعبي ضد النظام وتغيير وسائل الاحتجاجات لتصبح أكثر إيلاما
للنظام، وهذه الخطوات على الرغم من خطورتها فإنها قد تؤدي إلى مزيد من الإضعاف
للنظام الحاكم ربما يحسن من قوة المعارضة في المستقبل.
- إضعاف شرعية السلطة الحاكمة، حيث أن
مقاطعة المشترك للانتخابات سيفقد الانتخابات المصداقية ومن ثم تخسر النظام أهم
مصدر من مصادر الشرعية.
سيناريوهات
متوقعة
حتى الآن فإن اللقاء المشترك لم
يحدد خياراته التي سيتخذها بشأن الانتخابات، ويعود السبب في ذلك إلى أن جميع
الخيارات تبدوا صعبة وتحمل الكثير من المخاطر، ولكن في ظل الواقع السياسي الحالي
والخبرة المتأتية من التاريخ يمكن توقع عدة سيناريوهات محتملة يمكن ذكرها في ما
يلي:
السيناريو
الأول: مشاركة للمشترك بعد
تحسن
الظروف لصالح المعارضة:
يفترض هذا السيناريو أن المعارضة
ستتمكن من الخروج من لعبة عض الأصابع منتصرة نسبيا، وسيتأتي لها ذلك بعد أن يدرك
النظام صعوبة أو استحالة إجراء انتخابات بدون المعارضة، وفي حال وصلت الأمور إلى
هذا النحو فإن النظام سوف يضطر أن يقدم تنازلات أكثر من تلك التي يرفضها الآن،
بعد أن يكون قد خرج مهزوما، إن لم نقل غير منتصر، من عملية صراع الإرادات مع
المشترك. وفي حالة الوصول إلى هذه النقطة يعني أن المشترك أصبح قادرا على الحصول
على مكاسب مهمة في قضية الانتخابات. وحين حدوث هذا الأمر فإن من المتوقع أن لا
تتعدى المكاسب التي سيحصل عليها المشترك القضايا التالية:
تأجيل
الانتخابات من 6 أشهر إلى سنة يتم خلالها ترتيب البيئة السياسية والقانونية
لصالح إجراء انتخابات أكثر عدالة ونزاهة.
خلق
توازن في تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من خلال إقرار التمثيل الحزبي لأعضاء
اللجنة، وليس التمثيل الشخصي المعمول به حاليا، وسيعتبر هذا الأمر في حال
إقراره، نصرا للمعارضة حيث ستتمكن من أن تضمن ولاء أعضاء اللجنة للأحزاب الذي
تمثلها.
إجراء
تعديلات قانونية تخص الموطن الانتخابي بحيث يتم إلغاء مكان العمل من كونه موطناً
انتخابياً، وهو ما سيعد نصرا للمشترك. فأحزاب المشترك تشكوا من أن الحزب الحاكم
يستفيد من اعتبار مكان العمل موطناً انتخابياً حين يتم استغلال تصويت القوات
المسلحة والموظفين العموميين لصالحة.
إجراء
بعض التعديلات في القانون لجهة خلق توازن في وسائل الإعلام العامة يجعل من
الممكن للمعارضة أن توصل رسالتها للناخبين وتحد في نفس الوقت من الدعاية
السياسية التي تمارسها هذه الوسائل للحزب الحاكم.
التقليل
من استخدام الحزب الحاكم لموارد الدولة في صالحه أثناء العملية الانتخابية.
تصحيح
الخلل في قوام الجهاز الإداري والفني في اللجنة العليا للانتخابات وفروعها والذي
يسيطر عليه الحزب الحاكم حاليا.
تصحيح
جداول الناخبين من الأخطاء التي تفسد العملية الانتخابية.
إجراء
انتخابات أكثر عدالة ونزاهة ومصداقية.
كل
هذه الإنجازات لو تحققت لأحزاب المعارضة فإنها قد تزيد من عدد أعضائها في المجلس
القادم قد يقربها من رقم المائة مقعد وهو الرقم الذهبي الذي سيحرم الحزب الحاكم
من أغلبية الثلثين الذي يحرص وبكل قوة بأن لا يخسرها. ولو حدث وحقق المشترك هذا
النصر فإنه سيمتلك قوة مؤثرة وإن بشكل نسبي تمكنه من تعديل أو تغيير قواعد
اللعبة في المستقبل.
السيناريو
الثاني: مقاطعة رسمية وفعلية
من
جميع أحزاب المعارضة:
يفترض هذا السيناريو أن السلطة
وأحزاب اللقاء المشترك لن تتمكن من التوصل إلى أي تسوية قبل الانتخابات، وهو ما
يجعل السلطة تجري الانتخابات بدون اللقاء المشترك. وفي هذه الحالة فأن
الانتخابات ستكون عديمة القيمة وضعيفة المصداقية، على الرغم من توقع حدوث
منافسات حقيقية بين المرشحين في بعض الدوائر، إلا أن هذه المنافسات لن تعدوا
كونها منافسات فردية متصلة بشأن محلي كتنافس قبلي أو مناطقي أو غيره، وقد يعطي
هذا الشكل من التنافس للسلطة فرصة الإدعاء بأن هناك انتخابات تنافسية، إلا أن
الواقع سيؤكد أن الفائزين في هذه الانتخابات سينظمون في معظمهم إلى كتلة الحزب
الحاكم، ومن ثم فإن المجلس القادم سيكون كله أو أغلبيته الساحقة تنتمي إلى لون
سياسي واحد وهو ما يفقد المجلس القادم صفة التعدد المطلوبة.
هذا
السيناريو لن يتحقق بالشكل الذي ذكرناه إلا في حال تمكن أحزاب المعارضة من إلزام
أعضائها بقرارات المقاطعة في الترشيح أو التصويت أو الإدارة أو أي عملية من
عمليات الانتخابات.
وفي
حال سارت الأمور على هذا النحو فإن المجلس القادم سيكون مشكوكاً في شرعيته ومن
المحتمل أن لا يعمر طويلا ويتم حله وإجراء انتخابات مبكرة.
السيناريو
الثالث: إجراء انتخابات بمشاركة جزء من المعارضة ومقاطعة جزء آخر:
يعد
هذا السيناريو من أفضل ما تتمناه السلطة وتخطط له، فحدوث هذا السيناريو يعني أن
السلطة ستتمكن من شق اللقاء المشترك وربما تدميره نهائيا. وتفاصيل هذا السيناريو
يتمثل بقدرة السلطة على جلب أحد أطراف المعارضة الرئيسية الإصلاح أو الاشتراكي
ليشارك في الانتخابات مقابل الحصول على مكاسب مادية و انتخابية وغيرها. في الوقت
الذي يتخذ فيه أحد أطراف المعارضة الرئيسية موقف المقاطعة.
في
هذه الحالة يبدو الأكثر ترجيحا أن حدوث هذا الانشقاق إن تم فإن حزب الإصلاح هو
أكثر الأطراف المرشحة لأن يكون هو الطرف المنشق، حيث أن هناك تياراً ضمن قيادات
الإصلاح يعتقد بأن المكاسب التي سيحصل عليها الحزب من المشاركة، ضمن صفقة خاصة
مع السلطة، أفضل من المقاطعة استنادا إلى كون المشاركة سوف تقرب حزب الإصلاح من
السلطة وتخفف من الضغوط التي تمارس ضده حاليا وهي أمور من شأنها أن تحسن من
الوضع العام للإصلاح. كما وأن هذا التيار يعتقد بأن المقاطعة تحمل في طياتها
المخاطرة بجميع مصالح الحزب ومصالح قياداته. كون المقاطعة ستجر الإصلاح إلى
مواجهة مفتوحة مع السلطة وهي مواجهة يعتقد أصحاب هذا التوجه أن حزب الإصلاح
سيخرج منها خاسرا.
ومن
الطبيعي توقع أن هذا التيار يلقى الكثير من الدعم والمساندة المباشرة وغير
المباشرة من السلطة بهدف الضغط على القيادة السياسية لحزب الإصلاح كي تشارك في
الانتخابات. وفي هذا الشأن لا بد من الإشارة إلى أن الكثير من قواعد الإصلاح
خاصة تلك التي تم استهداف مصالحها في الوظائف الحكومية أو في منابر المساجد أو
غيرها لا تساند هذا الاتجاه وتميل في معظمها نحو التشدد تجاه السلطة بمعنى أنها
ستؤيد قرار المقاطعة.
وعلى
كل حال فإن حدوث هذا السيناريو سيكون له مخاطر كبيرة على بقاء اللقاء المشترك
وستكون السلطة هي الرابح الأكبر، وإن مؤقتا، من هذا الأمر فيما قد تضعف المعارضة
وتتشتت جهودها.
وفي
حال سارت الأمور على هذا النحو فإن حزب الإصلاح قد يخسر كثيرا على المدى البعيد
حيث ستضعف مصداقيته أمام المواطنين وستتأكد الشكوك التي ينشرها خصومه حول عدم
جديته في المعارضة السياسية. وهذا يعني، على المدى البعيد، تدهور في قوة الحزب
وليس العكس.
بالنسبة
للطرف الآخر وهو الحزب الاشتراكي، فإن هذا السيناريو سيعزز من قوته لدى الكثير
من أنصاره الذين يميلون في أغلبهم إلى التشدد تجاه السلطة، خاصة في المناطق
الجنوبية، وموقفه هذا سيقربه أكثر من جماهيره كما وأنه سيضعه في موقع حزب
المعارضة الرئيسية للنظام وسيجعله يميل نحو التطرف والاقتراب أكثر فأكثر نحو
الدعوات المتطرفة في الحراك الجنوبي الداعمة للانفصال وتقرير المصير.
وهذه
النقطة هي نقطة الضعف الرئيسية التي لن يستفيد منها النظام في هذا السيناريو،
فالإنجاز المباشر الذي ستحققه السلطة من جراء تفكك اللقاء المشترك ستخسره حين
يتحرك الحزب الاشتراكي نحو التشدد خاصة فيما يتعلق بالقضية الجنوبية التي تعد من
أخطر القضايا التي تهدد النظام.
على
الرغم من أن هذا السيناريو يبقى أقل احتمالا إلا أنه من السيناريوهات المتوقعة.
وفي حال حدوثه فإنه لن يمنح السلطة الشرعية الكاملة وإن كان سيمنحها جزءاً من
مشروعية هي في حاجة لها.
السيناريو
الرابع: مقاطعة رسمية من أحزاب
المشترك
ومشاركة من بعض عناصره كمستقلين:
هذا
السيناريو يعد من أكثر السيناريوهات احتمالا، وسيتحقق هذا السيناريو من خلال
توصل أحزاب اللقاء المشترك وبالذات القيادات السياسية إلى قناعة بأن المشاركة
بمكاسب ضئيلة هي أسوأ من المقاطعة بمكاسب مستقبلية كبيرة. وقرار مثل هذا سيعني
بأن قادة اللقاء المشترك يراهنون على أن الأوضاع العامة لن تسير في صالح النظام
وأنه سيضطر بعد فترة وجيزة من الانتخابات إلى العودة إليهم كي يشاركوا في
انتخابات جديدة. وما سوف يعزز من وجهة النظر هذه المشاكل الكثيرة التي يواجهها
النظام حاليا والتي يتوقع الكثيرين أنها ستكون أكبر في السنوات المقبلة. من مثل
التمرد الحوثي والحركة في الجنوب وتصاعد العمليات الإرهابية وغياب أي حليف
إقليمي أو دولي للنظام، إضافة إلى ذلك فإن تداعيات الأزمة الدولية الحالية، التي
لا يعرف إلى أين تتجه، يمكن أن تؤدي إلى انخفاض في العوائد النفطية وهي العوائد
التي تسهم في قوة النظام.
كل
هذه المشاكل تعطي قادة اللقاء المشترك اعتقاداً بأن الظروف لن تسير في صالح
السلطة وأن السلطة ستضطر أن تقدم تنازلات كبيرة للمعارضة بعد أن تجرب الذهاب
لوحدها في الانتخابات وتفشل.
أما
الشق الآخر من السيناريو المتعلق بمشاركة بعض من أعضاء المعارضة في الانتخابات
ضد رغبة أحزابهم فإن هذا الأمر وارد ومحتمل خاصة وأن السلطة ستدعم هذه العناصر
وستقدم لها الدعم المادي والسياسي وتعدها بضمان الفوز في الانتخابات. والسلطة
ستسعى من ذلك إلى شق صفوف المعارضة وخلق انطباع بأن المعارضة شاركت في
الانتخابات وبأن الانتخابات تعددية وتنافسية.
إن
لهذا السيناريو عدة مظاهر منها أن أحزاب المعارضة المقاطعة ستعمل بشكل غير رسمي
على دعم بعض من أعضائها المشاركين في الانتخابات بصفة مستقلين كي تضمن لنفسها
وجوداً في المجلس النيابي القادم رغم أنها ستستمر في التشكيك في شرعيته.
إن
هذا السيناريو وحتى لو شارك عدد كبير من أعضاء أحزاب المعارضة كمستقلين لن يغير
من الصورة كثيرا، فعدم الشرعية ستظل تلاحق هذا المجلس، والأعضاء المنشقون لن
يؤثروا على قوة هذه الأحزاب كثيرا، بل إن هناك من سيقول بأن خروج هؤلاء المنشقين
سيقوي هذه الأحزاب. وقد برهنت التجربة التاريخية على أن انشقاق بعض من قادة
المعارضة لم يضعف أحزاب المعارضة حيث لم يسحبوا معهم أية أعداد تذكر من أحزبهم
وبقى انشقاقهم عملاً فردياً.
السيناريو
الخامس: مشاركة المشترك
ضمن
صفقة الحد الأدنى:
يبدوا
أن هذا السيناريو سيكون هو الأقرب للتحقق من السيناريوهات التي سبق وذكرناها،
وبوادر هذا السيناريو بدأت تلوح في الأفق، ومضمون هذا السيناريو يمكن ذكره في
النقاط التالية:
قبول
السلطة بأن تقر التعديلات التي كان قد تم الاتفاق عليها مع المشترك مع إضافة بعض
البنود هنا وهناك.
إعادة
تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من أعضاء ترشحهم أحزاب المشترك وليس من قبل
السلطة، وفي هذا الشأن فإن الأشخاص الذين سبق وعينوا كممثلين للمشترك سيتم
تغييرهم بأشخاص لا اعتراض للسلطة عليهم، أي أن التسوية تعني تخلي كل طرف عن بعض
من مطالبه.
من
المحتمل لأي اتفاق كهذا أن يؤدي إلى تأجيل الانتخابات، وهذا التأجيل لن يزيد عن
بضعة شهور، وسيكون طلب التأجيل مقدماً من المشترك الذي لديه مصلحة في التأجيل
أكثر من السلطة.
سيتم
التراجع عن الخطوات التي اتخذتها اللجنة العليا الحالية.
لن
ينهي اتفاق كهذا الخلافات بين السلطة والمشترك بل إن من المتوقع أن تستمر
الخلافات حتى بعد إجراء الانتخابات، ويرجع السبب إلى الرغبات المتعارضة بين
السلطة والمعارضة في الشأن الانتخابي.
إلى
جانب تلك الصفقة التي تختص بالقضايا العامة فإن من المحتمل أن توجد صفقات خاصة
بكل حزب من أحزاب اللقاء المشترك والسلطة في حال تحقق هذا السيناريو. وستتضمن
هذه الصفقات الحصول على أموال تحت مسميات كثيرة كإعادة جزء من أموال الحزب
الاشتراكي المصادرة، أو دفع مخصصات بعض الأحزاب، أو حتى الحصول على مبالغ مالية
دون تحديد سبب الحصول على هذه الأموال. وسينظر البعض، خاصة بين المتشددين من
أعضاء أحزاب اللقاء المشترك، لهذه الأموال على أنها رشاوى قدمت لقادة أحزاب
المعارضة من أجل المشاركة في الانتخابات، خاصة وأن من المحتمل أن تشمل الصفقات
المتوقعة ضمان مصالح خاصة لبعض من قيادات أحزاب المشترك.
من
ناحية أخرى فإن قادة المشترك سيردون على المتطرفين من أنصارهم بأنهم قبلوا بهذه
الصفقة لأنها أفضل ما يمكن أن يحصلوا عليه وفقا للظروف الحالية، وسيعددون
المزايا في هذه الصفقة بما في ذلك الأموال التي سيحصلون عليها بكونها ستدعم هذه
الأحزاب من أن تعزز من وجودها ونفوذها على أمل أن تحصل على تنازلات في جولات
قادمة.
إلى
جانب ذلك ستتضمن الصفقة المتوقعة وعوداً من جانب السلطة لقادة أحزاب المشترك
بتسهيل وصول عدد أكبر من نوابهم للمجلس القادم، رغم أن وعود السلطة لن يصل إلى
حد الوعد بالوصول إلى مستوى الثلث الذي يعد التنازل عنه خطاً أحمر بالنسبة لها.
ومع ذلك فإن هذه الوعود يصعب تطبيقها على أرض الواقع لأسباب خارجة أحيانا عن
إرادة السلطة، حيث دللت التجارب أن أعضاء الحزب الحاكم لا يستجيبون بسهولة
للتعليمات والأوامر من قياداتهم إذا كانت هذه التعليمات تتعارض مع مصالحهم، كما حدث
خلال انتخابات المحافظين. لهذا فإن أحزاب اللقاء المشترك لن تعول كثيرا على هذه
الوعود.
إن
من النتائج المحتملة لتنفيذ هذا السيناريو رفض قواعد بعض الأحزاب وتحديدا الحزب
الاشتراكي القبول بالمشاركة في الانتخابات وفق الصفقة المبرمة مع السلطة، حيث أن
قيادات الحزب الاشتراكي في المحافظات الجنوبية تميل بشكل أكبر نحو المقاطعة في
جميع الأحوال والظروف معتقدة أن المقاطعة هي خيار أفضل يمكنها من إجبار السلطة
على تقديم تنازلات في القضية الجنوبية التي يراها هؤلاء أنها لا تتعلق
بالانتخابات ولكنها تتعلق ببنية الدولة نفسها التي يريدون أن تتغير.
ورغم
أن الرفض الذي سيقوم به أنصار الاشتراكي سيؤثر على قوة وبقاء الاشتراكي إلا أن
قبول الحزب الاشتراكي الدخول في الانتخابات وفق هذا السيناريو سيعمل على إنجاح
نسبي للعملية الانتخابية. وهو نجاح سينفس من حالة الاحتقان الحالية إلا أنه لن
يلغيها.
الجميع
في مأزق
إن ما يمكن الخروج به من هذه
الورقة هو حقيقة مفادها أن الجميع في مأزق، فالخيارات أمام كل طرف تحمل من
المضار أكثر مما تحمل من الفوائد. فقرار المقاطعة لن يكون سهلاً على المعارضة أن
تتخذه، كما وأن قرار المشاركة، وفق المعطيات الحالية، يحمل هو الآخر الكثير من
المضار. وما ينطبق على المعارضة ينطبق على السلطة حيث أن قيامها بإجراء انتخابات
صورية سيضعف كثيرا من شرعيتها، وقبولها بمنح المعارضة تنازلات تخل بقواعد اللعبة
التي رسمتها قد يهدد وجودها حسب ما تراه.
من
هنا فإن لا أحد يستطيع أن ينصح أي طرف باتخاذ قرار بعينه، فأي قرار سوف يحمل في
طياته نتائج خطرة.
إن
من الأعراض المحتملة لإخفاق النخبة السياسية اليمنية من التوصل إلى توافق سياسي
بشأن الانتخابات، أن يكون بمثابة الذخيرة التي ستغذي أصحاب المشاريع الصغيرة
الذين تزداد قوتهم حين يخفق أصحاب المشاريع الكبيرة في انجاز مشاريعهم.
إن
عدم التوصل لاتفاق مرضي بشأن الانتخابات هو ضربة موجعة للديمقراطية على الجميع
أن يتحمل نتيجة تعطلها أو تدهورها خاصة وأن على الجميع أن يدرك هشاشة الأوضاع في
اليمن وهي هشاشة تجعل من تفاقم الأزمات أمرا لن يطيح بالنظام فقط ولكنه قد يطيح
بالبلد بأكمله.
إن
على السلطة أن تدرك أن قراراتها الغير مدروسة تجر عليها من المشاكل أكثر مما
تحل، كما أن مراهنتها على عامل الزمن وفرض الأمر الواقع غير مضمون، فقد يضطر
النظام في المستقبل بأن يقبل بأكثر مما يرفضه الآن في حال خسر امتحان فرض الأمر
الواقع. وللتذكير هنا يجب أن يدرك النظام حجم الخطأ الذي وقع فيه حين ألغى
الاتفاق مع المعارضة في مجلس النواب في خطوة انفعالية لا تدل على أي درجة من
الحكمة والرصانة. فتلك التعديلات الملغاة قد تصبح الآن من الماضي، فالمعارضة
يبدو أنها سوف ترفع سقف المطالب بعد أن يدرك النظام أنه لن يستطيع إجراء
الانتخابات بدون المشترك.
خلال
فترة التفرد بالحكم غالى النظام في إقصاء خصومه وإضعافهم إلى الحد الذي أوصل بعض
أعضاء أحزاب المعارضة إلى الشعور بأنهم لم يعودوا يمتلكون شيئا يخافون عليه،
فاحتكاره للوظيفة العامة وإفقار كل من لا يواليه زاد من أولئك المستعدين للذهاب
في معاداته إلى نهاية المطاف.
فخلال
التسعينات كانت ورقة المعاهد العلمية من أهم الأوراق التي كان النظام يجيد
التلويح بها ضد الإصلاح، وبعد أن فقد هذه الورقة بدأ التمرد الفعلي للإصلاح في
التوسع. والآن فإن أي رغبة بالمزيد من الضغط لن يكون له إلا الكثير من المواجهة،
وهو أمر لن يكون في صالح السلطة.
إن
فرصة التوصل لاتفاق معقول يتطلب أن يدرك كل طرف حجم قوته الحقيقية دون أن يغامر
في معركة صراع إرادات قد يخرج منها مهزوماً ويضطر أن يقدم تنازلات بأكثر مما كان
يعتقد. وإدراك حجم قوة كل طرف تجعله يفكر في أن لا يطالب بأكثر من قدرة الطرف
الآخر على الاستجابة.
فعلى
المعارضة أن تدرك أنها لن تستطيع الحصول على تنازل من السلطة يغير بشكل
دراماتيكي من قواعد اللعبة، فلا تتوقع المعارضة مثلا أن تقبل السلطة بنظام
القائمة النسبية لأنه سيفقدها وجودها وسيكون بمثابة انتحار سياسي لا يمكن توقع
أن تقدم السلطة عليه.
وعلى
السلطة من جهتها أن تدرك أن الأوضاع في عام 2008 لا تشبه الأوضاع في نهاية
التسعينات حين كان يتم التوصل إلى اتفاق سريع وحاسم بين الرئيس وقيادة الإصلاح
في صفقة لم تكن تكلف النظام شيئا يذكر. على النظام أن يعرف أن أوراق الضغط التي
كان يستخدمها ضد الإصلاح قد استهلك معظمها، وأن هناك حقائق على الأرض قد قوت
المعارضة وأضعفت السلطة أهمها التمرد الحوثي والقضية الجنوبية وتصاعد الإرهاب.
لهذا فإن على السلطة أن لا تندهش حين ترى قادة الإصلاح أو الاشتراكي يرفضون بعض
العروض التي يعتقد النظام أنه قد قدم تنازلاً كبيرا فيها. فقواعد الإصلاح الذين
تم استهدافهم في الوظائف والمساجد لن يقبلوا بأن يُملي عليهم قادتهم صفقات لا
تخدم رزقهم ووجودهم.
في
الأخير فإن ما يجب على النخبة السياسية في اليمن، سلطة ومعارضة، أن لا تبتعد عن
ثقافة التسويات، وهي ثقافة عميقة في المجتمع اليمني تلخص طبيعته الصعبة
والمعقدة. هذه الثقافة التي جعلت من ثقافة "ثلثين بثلث" تصبح القاعدة
الذهبية في حل جميع الخلافات.
|
|
تعليقات
إرسال تعليق