القبيلة في اليمن

القبيلة في اليمن

لم ينشر هذا النص والذي كان قد اعد لأحد الموسوعات

 تعريف:

نمط من النظام الاجتماعي يمارسه بعض سكان اليمن الحاليين فالمجتمع القبلي هو ذلك المجتمع الذي يرتبط أعضائه بعلاقة نسب أبوية ويعيشون في منطقة جغرافية ذات حدود واضحة يمارسون داخلها سلطاتهم باستقلالية عن أي سلطة خارجية  بواسطة زعمائهم الذين يختارون من بينهم وينظم شئون حياتهم عرف خاص بهم ويتضامنون بشكل مشترك تجاه الغير . وتتكون القبيلة من وحدات أصغر لها مسميات مختلفة بحسب كل قبيلة - لحام ، أفخاذ ، أبدان ، حبال - بيوت . 
ويدين النظام القبلي بوجوده لعاملين أثنين : غياب سيطرة حكومة مركزية و عدم وجود فائض في الإنتاج . فنجد النظام القبلي يقوى في المناطق الشمالية والشرقية من اليمن وهي مناطق وعرة وفقيرة نسبة للمناطق الأخرى . 
 وهناك  نوعين من القبائل،  زراعية مستقرة وبدوية شبة مترحلة تعيش الأولى في الجبال والوديان الواقعة جنوب وغرب وشمال مدينة صنعاء ، بينما  تعيش الثانية في المناطق الصحراوية والمتاخمة لها  كمنطقة مارب وشبوة والجوف .

أصول القبائل وأنسابها:

 تعتقد القبائل أن لها جد مشترك وأحد يرجعه مؤرخي الأنساب العرب القدماء إلى سبا بن عبد شمس  أحد ملوك ومؤسس الدولة السبئية التي وجدت في فترة ما قبل الميلاد ويوصلون نسبة إلى النبي نوح ومن ثم بأدم أبو البشر. هذا الاعتقاد وأن كان يشوبه الطابع الأسطوري إلا أنه قد ساهم في تخفيف حدة الإنقسام بينهما وسهل عملية التعايش المشترك فيما بينها . وتوجد حاليا في اليمن ثلاث اتحادات قبلية  رئيسية لا زالت تتصف بنظام قبلي حقيقي هي أتحاد قبائل بكيل وحاشد ومدحج  . وتتشكل هذه الاتحادات من قبائل رئيسية تتفرع عنها الوحدة القبلية الأساسية " موضع التحليل الحالي " فلكل وحدة قبلية كيانها الخاص المستقل وأراضيها المحددة ومسئوليتها التضامنية الخاصة تجاه الغير . فلها الحق بأن تقيم علاقات مواخاة " تحالف " مع أي قبيلة أخرى بما فيها القبائل من الاتحادات القبلية الأخرى كما وأنها تتحمل وحدها مسئولية أعمالها تجاه الغير كالحرب أو الاتفاقيات . والتضامن لا يحدث ، بشكل تلقائي ، بين القبيلة الأساسية والقبيلة الأم أو الاتحاد القبلي إلا في حال تمت دعوته للمشاركة معها فيما يسمى " الداعي الكبير " ولكل قبيلة كامل الصلاحية في قبول أو رفض تلك الدعوة.
ولإيضاح الصورة نورد المثل التالي: فقبيلة خولأن الطيال تنقسم إلى  سبع قبائل منها قبيلة جهم التي لها أراضي وحدود خاصة بها لا يحق للقبائل الأخرى استخدامها بما فيها قبائل خولان الأخرى ، كما أن دخول قبيلة جهم في حرب مع طرف أخر من داخل قبائل خولأن  أو من خارجها فأن القبائل الأخرى لا تتضامن معها بشكل تلقائي وتظل في حالة حياد إلا في حال تم حشد الطرف الأخر لقبيلته الأم أو الاتحاد القبلي وفي هذه الحالة يتم طلب النصرة من أقسام القبيلة الأخرى عملا بنظام خاص معمول به بين القبائل . وعلى الرغم من أن رابطة الدم هي المحرك الأساسي في التحالفات القبلية إلا أن هناك خروج على هذه القاعدة عبر الدخول في تحالفات تتخطي علاقات القرابة يسمى " المواخاة " وهي رابطة اصطناعية يقوم بها طرف يشعر بأنه غير قادر على مواجهة خصم له أكبر منه قد يكون أقرب له من حيث النسب واللجوء إلى عقد تحالف مع طرف أخر قوي يعمل على موازنة القوة بينهما . وهذا النظام يشبة نظام الإستجارة الذي يعمل به في النظام القبلي إلا أن كرامة القبيلة وأعتزازها بنفسها ترفض أن تتعامل معه وكأنه نظام استجارة .  
التركيبة الاجتماعية :يعيش داخل المنطقة القبلية بشكل رئيسي فئتان : القبائل وغير القبائل  .كالسادة " المنتسبين لأسرة النبي " ، بني الخمس " أصحاب المهن " واليهود . وتعيش كل فئة منغلقة على نفسها ، فالتزاوج يتم داخل كل فئة على حدة خاصة بين فئة اليهود وفئة أصحاب المهن . فالقبيلي والسيد يرفض التزاوج مع تلك الفئات وأن كان يتم تزاوج بين فئتي السادة والقبائل وأن في نطاق محدود . ولفئة  القبائل مهمة الزعامة والمسئولية الحربية كما أن ملكية الأرض تعود في الأساس إلى القبائل فغير القبائل هم بمثابة وافدين على القبيلة وأراضيها . ويمنحهم ذلك الوضع حماية من المنازعات فلا تطألهم الثارات القبلية ولا يشاركون في دفع الغرامات التي تفرض على القبيلة فهم وفقا للعرف القبلي فئات مهجرة " محمية "  الفئات الأخرى فهي فئات مهجرة " محمية " وتتميز كل فئة بزي خاص وطريقة محددة في ارتداء الجنبية " الخنجر " وبشكل عام فأن الفئات غير القبلية لم تكن تحمل السلاح كونها  مؤمنة من قبل الجميع .

الزعامة:

لكل قسم من أقسام  القبيلة زعيم يسمى عاقل أو عين - حاليا يسمى شيخ - وللقبيلة زعيم يسمى شيخ  أو نقيب أو منصب غير أن لقب الشيخ صار هو الأكثر شيوعا حاليا  . وينحصر منصب الشيخ على أسر معينة داخل القبيلة ، تكون الأكبر عادة ، يتم توارثه في داخلها . على الرغم من أن منصب الشيخ لا يتم الحصول عليه بشكل تلقائ فكل شيخ جديد محتاج إلى تفويض من زعما الوحدات الفرعية ( الأعيان ) كي تصبح زعامته مؤكدة ومقبولة ليصير بعدها "شيخ الضمان" . ويشكل الشيخ مع الأعيان ما يشبه مجلس القبيلة حيث يتم بواسطة هذا المجلس اتخاذ القرارات المهمة الخاصة بالقبيلة والذي تتم عادة بالإجماع . ويناط بالشيخ  وظيفة حل المشاكل وتمثيل القبيلة تجاه الغير وقيادتها في الحرب واستقبال الزوار واستضافتهم . ويحدد العرف القبلي  حقوق وواجبات المشايخ  التي تعتمد سلطتهم على رضاء ومباركة رجال القبائل الذين بإمكانهم تغيير ولائهم إلى مشايخ آخرين أو اختيار مشايخ جدد  .  والشيوخ ، تقليديا ، ليسوا بالضرورة الأكثر ثروة .

اقتصاد القبيلة:

يتصف الاقتصاد القبلي بالطابع الاكتفائي  فموارد القبيلة في العادة لا تكفي لسد احتياجات أفرادها خاصة في المناطق الصحراوية . مما يجعلهم يبحثون عن موارد من خارج مناطقهم عن طريق الغزو والنهب أو من خلال تأجير إمكاناتهم الحربية للأطراف السياسية المتصارعة . والأرض المخصصة للرعي غالبا ما تكون مشاعة لجميع أفراد القبيلة بينما الأرضي الزراعية تسود فيها الملكية الخاصة . وفي الوقت الحاضر تغير نمط الاقتصاد القبلي خاصة في المناطق المدنية أو القريبة منها ومن الطرقات الرئيسية ومناطق زراعة القات والمحاصيل النقدية .

الحرب:

يوصف المجتمع القبلي في اليمن على أنه في الأساس مجتمع حربي . فالموارد من الشحة إلى الحد الذي يجعلها لا تكفي المجتمع القبلي مما يولد صراع شديد عليها داخل القبيلة أو مع القبائل الأخرى . إضافة إلى ذلك فأن عدم كفاية موارد القبيلة من سد احتياجاتها من السلع الضرورية جعلها تبحث عن مصادر خارجية عن طريق الغزو والنهب أو المشاركة مع أطراف متنازعة لقاء أموال تعطى لهم أو غنائم موعودة . هذه البيئة شكلت المجتمع القبلي وجعلت من الحرب ملازمة لحياة ذلك المجتمع . كما وأن الاستقلالية التي تتمتع بها الوحدة القبلية تحتاج إلى قوة عسكرية لتحافظ عليها من أي تهديد من جانب الحكومة المركزية أو غازي أجنبي أو قبيلة أخرى . فالبيئة التصارعية جعلت من  المجتمع القبلي في حالة استنفار دائم استعدادا  لهجوم أو توقعا للدفاع من غازي خارجي .
 وتنتشر الحروب بين القبائل نظرا لغياب سلطة مركزية يحتكمون لها في خلافاتهم التي تعد الحرب أحد وسائل حلها .
هذا التلازم  للحرب في المجتمع القبلي أوجد قواعد عرفية هدفت في مجملها إلى جعل الحرب أقل تدميرية لتصير شكل من أشكال الاستعراض للقوة أكثر منه وسيلة لتدمير الخصم .فالعرف القبلي ينظم بشكل دقيق النشاط الحربي بكل تفاصيله منذ اندلاع الحرب وحتى انتهائها . فالنشاط الحربي لا يطال إلا المحاربين فقط  الذين هم رجال القبائل فقط فكل الفئات الأخرى تعتبر مهجرة " محمية " وكذلك النساء والأطفال ، بعبارة أخرى كل من لا يحمل السلاح او عاجز عن استخدامه  كالأسير أو الجريح  ، لا  يشارك في الحرب .
 ومن أهم ما يميز الحروب القبلية ، وهو ما فسر طبيعتها ، أن المنتصر لا يحصل على أي حقوق من المهزوم بل أنه يتحمل تبعات انتصاره ، إن صح التعبير ،  ففي نهاية جولات الصراع يتم حصر خسائر كل الأطراف ، المادية والبشرية ، ومن ثم  تحميل من تسبب في الضرر بالتعويض عن الخسائر المادية وتحمل دين الدم بالنسبة للخسائر البشرية الذي يبقون دين علية من حق الطرف الخاسر الانتقام بنفس عدد القتلى فيما يسمى " السلف والقضاء " . لهذا فأن القبائل عندما تتحارب فأنها تتجنب إيقاع الخسائر في الخصم لأنها تدرك بأن تلك الخسائر ستتحول إلى دين عليها أن تسدده في المستقبل . وفي نفس الوقت فأن العرف لا يسمح لأي طرف بالإستيلا على أراضي الغير بالقوة فحدود الأراضي بين القبائل محددة بموجب مراقيم " اتفاقيات "  لا تتغير أو تتبدل بالحرب .
  ويحصر العرف مناطق النزاع في أرضي الأطراف المتنازعة فأراضي القبائل الأخرى أو المدن أو الأسواق يمنع فيها ممارسة أي نشاطات عدائية بما فيها التهديد بالسلاح أو حتى مجرد إظهار ملامح عدائية . وتوجد قرى ومناطق محمية تسمى  هجر تسكنها الفئات غير القبلية أشهرها مناطق سكن فئة السادة .
وقد أدى ذلك التقييد للنشاط الحربي إلى أن أصبحت الحروب القبلية أشبه بشكل من أشكال استعراض القوة ووسيلة لجر الخصم نحو التفاوض لحل خلاف واقع بينهما لم تنفع الوسائل الأخرى في حله أو الانتقام لإهانة وجهت للقبيلة أو ضرر وقع عليها .
وتتحمل كل وحدة قبلية مسئولية الحرب بمفردها فالتضامن القبلي بين القبيلة والقبائل التي ترتبط بها  لا يتم إلا بعد أن يتم دعوتها للمشاركة . فقبيلة فرعية من قبائل خولان الطيال ، مثلا ، التي تضم سبعة أقسام في حال دخولها في حرب مع قبيلة من قبائل أرحب التي تضم عشرة أقسام هذه الحرب لا تعني أن كل قبائل خولان أو أرحب ستشترك تلقائيا مع الفرع المنتمي لها فهذا الاشتراك لا يتم إلا بعد أن تستدعيها القبيلة المحاربة والذي قد يلبى أو يرفض بحسب تقييمه . والقاعدة أن القبائل غير المشتركة في الحرب تظل محايدة وقد تشترك في الوساطة لإنهاء الحرب فالقاعدة القبلية تقول " الثالث واسطة ".

الثار:

 بما أنه لا توجد سلطة مركزية يمكن الاحتكام إليها في المجتمع القبلي فأن كل فرد أو جماعة تلجئ إلى أن تأخذ ما تعتقد أنه حقها بنفسها وكل أسرة أو عشيرة أو قبيلة عليها أن تتضامن فيما بينها لأخذ الثار أو لمواجهة ثار لطرف أخر ما لم تقرر الأسرة أو القبيلة تبرئها من الفاعل أو المفعول فيه .
وتعتبر الأسرة أو القبيلة التي خسرت أفراد لها دائنة بنفس العدد للطرف الأخر يعطيها العرف القبلي الحق بأن تنتقم بنفس العدد من الطرف الأخر فيما يسمى بقاعدة " السلف والقضاء " .

التحالفات:

يوجد في العرف القبلي نظام يسمى الموأخاة بموجبة يحق لكل قبيلة أو فرع من قبيلة أو أسرة أو حتى أشخاص الارتباط مع قبائل أخرى في تحالف ما ضد خصم قد يكون أقرب للطرف الملتجي . فالحياة القبلية تشهد بشكل مستمر حركات من التحالفات التي تتخطى علاقات القرابة . ويتم ذلك التخطي عندما تلجئ  الفروع القبلية الصغيرة للتحالف مع طرف خارجي يدعمها ضد فرع قبلي أقرب لها من حيث النسب إلا أنها لا تقدر على مواجهتها بمفردها  فتتحالف مع طرف خارجي. وفي الغالب فأن هذه التحالفات تهدف إلى خلق حالة من توازن للقوة يكون قد اختل لصالح طرف ما . وتساعد هذه التحالفات في خلق حالة من التوازن الدائم في القوة داخل المجتمع القبلي تعتبر الضامن الرئيسي لاحترام كل القبائل للعرف القبلي .

السلاح:

يتميز القبيلي عن غيره من الفئات الأخرى بأنه الوحيد الذي يحق له حمل السلاح والاشتراك في الحرب ولهذا فأن حمل السلاح هو جزء من زي القبيلي . ويشمل السلاح الجنبية والأسلحة النارية بكافة أنواعها بما فيها المدافع الثقيلة التي تمتلكها بعض القبائل . وقد كان للبيئة القبلية المليئة بالمنازعات والحروب والغياب الكامل أو الجزئي  للسلطة المركزية أثر في ولع القبيلي بالسلاح الذي يعد وسيلة حماية وضمان من الأخطار الكثيرة المحدقة به . كما وأن لكثرة المنازعات السياسية التي حفل بها التاريخ اليمني ولا زال حتى الآن والتي يشارك فيها رجال القبائل لصالح هذا الطرف أو ذاك قد خلقت إحساس لديهم بأهمية توظيف إمكاناتهم الحربية لمن يطلبها وبالتالي صار ت أحد مصادر الرزق الأساسية التي تؤجر في تلك الظروف .. وقد أدت كثرة النزاعات السياسية والحروب التي شهدتها اليمن منذ 1962 إلى زيادة عدد ونوعية الأسلحة التي يمتلكها القبائل ، حيث تقدر بعض المصادر أن في اليمن أكثر من 50 مليون قطعة سلاح .
وعلى الرغم من كثافة انتشار السلاح واعتزاز القبيلي به ، فأن العرف القبلي يضع قيود كثيرة على استخدامه أو التهديد باستخدامه فهناك مناطق وأراضي يحضر فيها أي شكل من أشكال استخدام السلاح  كالأسواق وأراضي القبائل المحايدة والهجر .

العرف القبلي:

ينظم العرف مجمل الحياة القبلية ويلتزم الأفراد به بشكل طوعي ومن خلال وسائل الضغط المعنوية التي تمارس بكثرة في المجتمع القبلي . ويتولى الشيوخ بشكل أساسي دور القضاة عبر التحكيم الذي يتم بشكل طوعي . ويختص العرف بشكل رئيسي في القضايا الجنائية ، والعقوبات التي ينص عليها العرف القبلي تعتمد بالدرجة الأولى على التعويضات المادية والرمزية كذبح الحيوانات " التهجير " ولا تشتمل العقوبات في العرف القبلي على عقوبة الإعدام أو إقامة الحدود أو السجن وأقسى عقوبة توقع بمرتكب جريمة هي الطرد من القبيلة . وأما الإعدام فأنه إن تم فإنما يتم في حالات نادرة عندما تقوم قبيلة بقتل أحد أفرادها لجرم تعتقد أنه الحق بها الخزي والعار ويتم التنفيذ من قبل قريب الجاني كالأب أو الأخ .

العلاقة مع الدولة:

تتأرجح العلاقة بين الدولة والقبيلة تبعا لقوة وتوجهات الحكومات المركزية ففي فترة قوة السلطة المركزية تضعف القبيلة وتتراجع لصالح الدولة وقوانينها والعكس صحيح كما وأن لتوجهات الحكومة المركزية أثر في تحديد هذه العلاقة فبعض الحكومات تبدي رغبة في أضعاف السلطة القبلية كما كان يحدث مع بعض الائئمة الذين كانوا يحكمون أجزاء من اليمن قبل الثورة عام 1992  .
وبعد قيام الثورة وقوة القبيلة ونفوذها هو  تنامي نظرا إلى اشتراك القبائل في الصراعات والحروب التي حدثت خلال تلك الفترة . وكذلك لزيادة وجود أفراد من القبائل في المناصب العليا للدولة بما فيها منصب رئيس الدولة الذي كان حكرا قبل ذلك التاريخ على فئة السادة وفقا للمذهب الزيدي   .

القبيلة في الوقت الحالي:

حدث تغير كبير منذ عام 1962 على بنية القبيلة وطبيعة نشاطها الاقتصادي وعلاقتها بالحكومة المركزية . ورغم أن هذا التغيير لم يطال كل القبائل بنفس الدرجة إلا أن جميعها لم تعد كما كانت في الفترة التي سبقت الثورة . فعلى مستوى التركيب الداخلي للقبيلة حدث تحول في نمط العلاقة بين الزعماء والقبائل من حيث مصادر القوة والنفوذ ، فارتباط المشايخ بالحكومة المركزية أو بقوى محلية أو إقليمية ،غير من مستوى العلاقات فيما بينهم ، فحجم الفوارق في الثروة والنفوذ أصبحت ملحوظة بشكل كبير ، بعد أن صار للزعماء  مصادر دخل من خارج موارد القبيلة يساعدهم على بسط نفوذهم وفي نفس الوقت أصبح لهذه الموارد والنفوذ يد في تقوية بعض المشايخ والذي صاروا يمتلكون سجون خاصة بهم ويتمتع البعض منهم بسلطات تمكنه من أن يأمر جهات الضبط القضائي الرسمية - الشرطة ، النيابة -  من سجن ومتابعة أفراد من قبيلته أو غير قبيلته وهو ما يتقاطع مع وظائف الحكومة المركزية . ونتيجة لذلك فأن شكل العلاقة بين القبيلي والشيخ لم تعد كما كانت في الماضي والذي كانت بدرجة عالية من المساواة ،  فالتراتبية  الطبقية ، إن صح التعبير ، أصبحت أكثر وضوحا عما كانت عليه في الماضي . ومن جهة ثانية فقد أدت العلاقة القوية للزعماء بالجهات الحكومية وعمل كثيرين منهم في جهاز الدولة ، إلى نقل سكن معظم الزعماء  بشكل موقت أو دائم إلى المدن وبالذات العاصمة صنعاء مما زاد من الحواجز  بينهم وبين قبائلهم  ، بالإضافة إلى أن تواجدهم في المناصب الحكومية وبالذات العسكرية قد زاد من نفوذهم داخل مناطقهم وخارجها وأنعكس ذلك على طريقة معيشتهم ونمط حياتهم فكثير من المشايخ  صارت لهم نشاطات تجارية وصناعية .
ومن ناحية أخرى فأن العزلة التي كانت تميز حياة القبيلة وتفاعلها المحدود مع القبائل والمناطق الأخرى قد تغيرت خاصة في المناطق التي  اتصلت بالطرقات الرئيسية وأصبحت مراكز تجارية وصناعية ، وهو ما أنعكس على درجة البناء القبلي والنزعة الحربية . وأدت عملية الهجرة إلى تغيير البنية السكانية فالنقاء القبلي الذي كانت تشهده بعض المناطق صار غير واضح بعد أن أصبح بعض سكان المدن الأصليين أقلية في مناطقهم كما هو الحال في مدينتي عمران ومأرب . وقد أدت هذه التغيرات إلى تغيير في ثقافة العمل نفسه فكثير من المهن التي كان يرفض أن يمارسها القبيلي كالتجارة والحدادة والخياطة وحتى الزراعة التي كانت القبائل البدوية ترفض ممارستها  صارت هذه المهن تمارس من قبل القبائل، وتبعا لذلك تغيرت العلاقة بين الفئات التي كانت في السابق تعيش منغلقة على نفسها وصار تفاعلها أكبر خاصة بين فئة السادة والقبائل وحتى أصحاب المهن الذي كان ينظر لهم على أنهم ناقصين فأن هذه النظرة بدأت تتعدل وأن لم تتغير بشكل مطلق في كل المناطق ،فهذه الفئة التي لم تكن تحمل السلاح وكانت فئة محمية بشكل كامل أصبحت الآن تحمل السلاح مثلها مثل فئة القبائل ولم تعد تتميز بزي خاص بها كما كان في السابق  .
وبسبب تزايد اعتماد المشايخ على الدولة أو جهات خارجية فقد صار لهذه الأطراف دور في تقوية نفوذ بعضهم وأضعاف نفوذ آخرين تبعا لمصالح هذه الأطراف  ولهذا صرنا نرى وجود أكثر من أسرة أو أشخاص يدعون الزعامة داخل كل قبيلة .
ولقد أدت تلك التغيرات إلى نتائج متناقضة فمن ناحية تغير شكل القبيلة وبنائها الداخلي عما كانت علية في السابق مما يدل على بوادر ضعفها ومن الناحية الأخرى يلاحظ تزايد تأثير الثقافة القبلية على الحياة المدنية مما شكل تداخل حقيقي مع وظائف الدولة وقوانينها فالتقاضي العرفي صار منتشرا بشكل أكبر عما كان علية في السابق خاصة في المناطق غير القبلية ، كما أن كثير من المظاهر القبلية كعادة حمل السلاح وانتشار الثارات صارت تلاحظ في المناطق غير القبلية . هذه النتائج المتناقضة أصبحت تولف مزيج فريد من نوعه يطبع الحياة السياسية والاجتماعية في الوقت الحاضر يتقاطع الحديث بالقديم والعرف بالقانون والقبيلة بالدولة .




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟