تقرير 2010
عام من الحوار المفقود بين السلطة والمعارضة
المقدمة:
تعد العلاقة بين أطراف العمل السياسي أحد مؤشرات الفعل
السياسي للدولة خلال فترة زمنية محددة، كما أن طبيعة وشكل العلاقة تعكس درجة
التنمية السياسية في الدولة حيث نجد أنه كلما كان هناك حوار مثمر بين القوى السياسية
كلما دل ذلك على درجة عالية من التنمية السياسية التي تؤدي إلى المزيد من الاستقرار السياسي في هذه الدولة أو تلك والعكس
صحيح. وفي الحالة اليمنية نجد أن طبيعة وأسلوب العلاقة التي تربط أطراف العمل
السياسي تتسم بدرجة عالية من عدم الثقة تؤدي إلى الكثير من الخلاف والقليل من
الاتفاق. كما أنها تتسم بغياب الأطر المؤسسية التي يتم الحوار داخلها وكل ذلك يشير
إلى حقيقة هامة وهي غياب قواعد متفق عليها لحل الصراعات والخلافات.
وقد أسفر غياب قواعد لحل الخلافات بين السلطة والمعارضة إلى
أن يقوم كل طرف بخلق قواعد للصراع تتوافق وإمكاناته، والنتيجة الطبيعية لهذه
الحالة وجود قواعد لعبة متعددة ومناطق صراع مختلفة وأساليب متعددة، والنتيجة حالة
من الفوضى السياسية تعقد المشهد وتزيد الخلافات عمقا.
لقد كان عام 2009 تجسيدا حيا لما ذكرناه، فالسمة البارزة
لذلك العام كانت عبارة عن حالة من الفوضى السياسية عاشتها اليمن ولا زالت تعيشها.
فخلال ذلك العام تفاقمت الخلافات بين أطراف العمل السياسي (السلطة/ المعارضة) بشكل
غير مسبوق منذ نهاية حرب 1994، وكان من أسباب ذلك وجود تراكم للمشاكل من الأعوام
السابقة، إلى جانب دخول عوامل جديدة أججت هذه الخلافات وجعلت التوصل إلى حلول أمرا
في غاية الصعوبة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال تفاقم المشاكل السياسية في نهاية
العام عما كانت عليه في بدايته، وهذه النتيجة يمكن اعتبارها خلاصة لطبيعة العلاقة
بين السلطة والمعارضة في عام 2009.
هذا العمل مهمته توصيف وتحليل لطبيعة العلاقة بين الحزب
المؤتمر الشعبي الحاكم ( السلطة ) وأحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) وما سنقوم به
في الصفحات المقبلة ليس سرد تاريخي للأحداث فقط بل أنه محاولة لتحليل وتفسير هذه
الأحداث قدر الإمكان.
العلاقة بين السلطة والمعارضة قبل توقيع اتفاق فبراير:
ما إن بداء عام 2009 حتى كانت أطراف العمل السياسي الرئيسيين
(حزب المؤتمر الشعبي ، أحزاب اللقاء المشترك) قد شقا لنفسيهما طرق خاصة في العمل
السياسي وفي مواجهة الطرف الأخر، فحزب المؤتمر كان قد حزم أمره في أن يجري
الانتخابات في موعدها المحدد – 27 أبريل 2009 – بطريقته الخاصة ممنيا نفسه
بانتخابات تحمل قدر من القبول والتأييد الداخلي والخارجي، فيما المشترك راح يعد العدة،
أو هكذا بدأ، لإفشال هذه الانتخابات عبر المقاطعة الرسمية وعرقلة قيامها والتشكيك
في نتائجها في حال حدوثها وفي هذا الصدد يمكن تفصيل ما أشرنا له في النقاط
التالية:
أداء المؤتمر الشعبي :
رسم المؤتمر الشعبي خططه للانتخابات على مسارين يتمثل الأول على
افتراض اشتراك أحزاب المشترك أو بعضها في الانتخاب، فيما الثاني يقوم على مقاطعة
جميع أحزاب المشترك للانتخابات ومن ثم ذهاب المؤتمر وحدة لهذه الانتخابات. ووفقا
للمسار الأول فقد كان هناك من يعتقد داخل المؤتمر الشعبي بأن أحزاب المشترك أو
بعضها ستضطر أن تشارك في الانتخابات حين يتم فرضها كأمر واقع، وهو ما كان المؤتمر
قد قام به خلال الفترة السابقة حين قام بإجراءات القيد والتسجيل رغم معارضة ورفض أحزاب
المشترك. ووفقا لهذه الفرضية فإن المؤتمر كان يعد نفسه لعقد صفقات انتخابية مع
المشترك أو بعض أطرافة المستعدة بأن تشارك في الانتخابات. وفي هذا الشأن صدر عن
بعض قيادات المؤتمر عدد من التصريحات الهادفة إلى شق المشترك من خلال التقرب لأحد
أطرافه الرئيسيين – الحزب الاشتراكي ، الإصلاح – ولتحقيق هذه الغاية تحرك المؤتمر
في أكثر من جهة، ففي بعض الأحيان كان يتقرب للحزب الاشتراكي من خلال الإشادة بدوره
في تحقيق الوحدة والشراكة مع حزب المؤتمر التي أعقبتها. وقد أبدى الأمين العام
المساعد للمؤتمر الشعبي رغبة في الاستجابة لمطالبه الخاصة بأموال ومقرات الحزب[1].
ومن ناحية أخرى لوحظ بعض المحاولات للتقرب من حزب الإصلاح عبر صحافة المؤتمر، حيث
نشرت صحيفة الميثاق في تاريخ 3 نوفمبر 2008 ما عنوته برسالة مفتوحة من مؤتمري محب
لوطنه، أشاد فيها بحزب الإصلاح وبمواقفه من قضية الوحدة وتحالفاته السابقة مع
المؤتمر مشددا على أن حزب الإصلاح يجر نحو الانتحار السياسي من قبل حلفائه داخل
المشترك، ومحذرا الإصلاح من أن مقاطعته الانتخابات سيكون لها عواقب شبيهة بالعواقب
التي لحقت بالحزب الاشتراكي بعد مقاطعته لانتخابات 1997. [2]
وليس من الصعب إدراك دوافع المؤتمر وأهدافه من هذه الممارسة والمتمثلة في شق أحزاب
اللقاء المشترك من خلال الدخول مع بعضها في صفقة انتخابية تضمن للحزب المنشق بعض
المكاسب الانتخابية وتحقق للمؤتمر شرعية انتخابية هو في أمس الحاجة لها في
الانتخابات التي كانت مقررة في ابريل 2009.
ورغم كل هذه المحاولات إلا أن أحزاب المشترك ظلت متماسكة
ورافضة الاشتراك في الانتخابات، وهو ما جعل حزب المؤتمر يعد نفسه لانتخابات
يقاطعها المشترك، وفي هذه الحالة فقد كان على المؤتمر إعداد العدة لانتخابات تحمل ،
ظاهريا، حد أدنى من المصداقية والشرعية. وعلى
هذا الأساس تم العمل على إقامة انتخابات تنافسية من حيث الشكل عن طريق الدفع بعدد
كبير من المرشحين المستقلين أو من المنتمين للأحزاب الموالية للمؤتمر الشعبي لخوض
هذه الانتخابات. ولتحقيق ذلك لوحظ أن المؤتمر الشعبي قد قام بحث عدد كبير من
الأفراد الغير منتمين له وبالتحديد بعض الشخصيات العامة من صحفيين ورجال مال
وأعمال وزعما قبائل ورؤساء منظمات مجتمع مدني بالترشح في هذه الانتخابات. وكان
الهدف من وراء ذلك إقامة انتخابات "تنافسيه" ظاهريا فالعدد الكبير من
المرشحين خاصة من غير المنظمين للمؤتمر الشعبي ستخلق انطباع بأن الانتخابات
تنافسيه، حيث أنها ستكون كذلك على المستوى الفردي وفي النطاق المحلي الخاص بكل
دائرة، إلا أنها في جوهرها لن تكون انتخابات تعددية بالمعنى الفعلي لجوهر
التعددية. فالفائزين من هكذا انتخابات حتى لو لم يكونوا من المؤتمر الشعبي فإما
أنهم سينضمون لكتلة المؤتمر بعد فوزهم أو أن تصويتهم داخل البرلمان لن يكون منظم
بالشكل الذي يعيق السيطرة الساحقة لحزب المؤتمر على البرلمان.
أداء أحزاب اللقاء المشترك:
اقتصر أداء هذه الأحزاب في مجمله على ردود الفعل لما تقوم به
السلطة، فهذه الأحزاب بدأ وكأنها كانت تعد العدة باتجاه مقاطعة الانتخابات وإفشالها
بكل الوسائل، حيث لوحظ أن هذه الأحزاب كانت تعد أنصارها لعرقلة العملية الانتخابية
بكل السبل خاصة في المناطق التي تمتلك المعارضة فيها نفوذ وسلطة، ويبدوا أن الأمور
كانت في طريقها نحو المزيد من القلاقل خلال فترة الانتخابات خاصة في المناطق
الملتهبة في الجنوب وصعدة، مستغلة الأوضاع الأمنية المتدهورة في هذه المناطق. وكان
من شأن هكذا أعمال أن تلقي بظلال من الشك حول الانتخابات ومن ثم افقادها المشروعية
والمصداقية التي تحاول السلطة إصباغها عليها.
اتفاق فبراير بين الحزب الحاكم والمعارضة:
أدرك المؤتمر أن إجراء انتخابات تقاطعها المعارضة لن تخدم
مصلحته خاصة وانه قد وصلته رسائل من جهات خارجية لا تؤيد مثل هذه الانتخابات وبأنها لن تعطيها المشروعية والقبول
التي تحرص الحكومة عليها، إلى جانب ذلك فقد أدركت بعض القيادات داخل المؤتمر الشعبي بحجم المخاطر
السياسية والأمنية المحتملة في حال إجراء انتخابات تقاطعها المعارضة. خاصة وأن
الأوضاع الأمنية السيئة في بعض المحافظات الجنوبية وصعدة قد تتدهور أكثر خلال
الانتخابات وبعدها، إضافة إلى أن شرعية النظام ستزداد ضعفا بعد الانتخابات عما هي
عليه قبل الانتخابات. ويبدوا أن هذه القيادات قد تمكنت من إقناع زعامة المؤتمر
بضرورة العدول عن دخول الانتخابات منفردا، وهو ما أدى إلى اتفاق 23 فبراير، وقبل
الدخول في مضمون هذا الاتفاق يجب الإشارة إلى ملاحظة مهمة تتعلق بتوقيت هذا
الاتفاق، حيث أنه أتى في اللحظات الأخيرة التي يسمح الدستور بعقد هذا الاتفاق،
فتأجيل الانتخابات يحتاج إلى تعديل دستوري وهذا الأمر يتطلب أن يتم ذلك خلال شهرين
ويومين. إذ أن الدستور يشترط لإقرار إي تعديل دستوري أن يتم ذلك من خلال التقدم
بالمقترحات وإقراره المبدئي من قبل البرلمان ومن ثم إحالته للجنة خاصة على أن يتم
التصويت عليه بعد مرور شهرين على الموافقة المبدئية[3].
ومن أجل أن تتم الأمور وفق هذه الإجراءات فقد تم الاتفاق في اللحظات الأخيرة لهذه
المهلة الدستورية حيث أتى الاتفاق في 23 فبراير والذي يعني شهرين وأربعة أيام على
موعد انتهاء الفترة الدستورية للبرلمان.
مضمون اتفاق فبراير:
كما سبق وذكرنا فقد أتى الاتفاق في اللحظات الأخيرة للمهلة
الدستورية المسموح بها للتعديل، وهو ما انعكس على مضمون هذا الاتفاق، حيث أن أهم
بند في هذا الاتفاق كان المتعلق بتأجيل الانتخابات لمدة عامين، يتم خلال هذه
الفترة الحوار بين الحزب الحاكم والمعارضة من أجل الاتفاق على تعديل قانون
الانتخابات وإجراء تعديلات دستورية. وعلى الرغم من أن الاتفاق لم يشير بشكل واضح
إلى طبيعة النقاط التي سيتم التحاور حولها إلا أنها أشار إلى قضية البحث في مسألة النظام
النسبي الخاص بالانتخابات وقضية الإصلاح السياسي.
وبعد أن تم التوقيع على الاتفاق تم اقتراح تعديل الدستور عبر
إضافة مادة دستورية تتضمن تمديد فترة مجلس النواب الحالي عامين ولمرة واحدة فقط،
وقد سارت الإجراءات بشكل قانوني إلى حد كبير وبسلاسة خاصة وأن الأحزاب التي وقعت على الاتفاق تمتلك
معظم مقاعد البرلمان. فقد صوت البرلمان يوم 26 فبراير[4]
التعديل المقترح وصوت عليه بالأغلبية المطلوبة وشكل لجنة خاصة لدراسته وتقديمه في
الموعد المحدد وفي يوم 27 ابريل 2009، وهو اليوم الأخير لولاية مجلس النواب صوت
المجلس بأغلبية 230 صوت من أصل 232 حظروا الجلسة على تعديل المادة (65) من الدستور
بإضافة سنتين على المدة المحددة في الدستور ولمرة واحدة فقط[5].
أسباب اتفاق
فبراير:
1-
حاجة السلطة والمعارضة لوقت كي يرتبوا أوراقهم، فالسلطة
أدركت أن إقامة الانتخابات كان سيزيد من حدة المشاكل التي تواجهه، وعليه فإنها
تتمنى أن هذا التأجيل قد يخدمها في حال تغيرت الظروف بعد مرور الفترة المتفق عليها
لصالحها، مما يجعلها تعقد الانتخابات وفقا لرغبتها. أما المعارضة فإنها قد راهنت هي
الأخرى على الوقت على أمل أن تزداد المشاكل للسلطة والحزب الحاكم الأمر الذي
يجعلها تقبل بمطالب المعارضة.
2-
غياب البديل الأفضل للسلطة والمعارضة، فالسلطة لم تكن قادرة
كما قلنا على إجراء انتخابات في غياب المعارضة، والمعارضة لم تكن قادرة على فرض
شروطها على السلطة أو الدخول في أزمة مفتوحة غير مضمونة العواقب وغير مستعدة لها.
لهذه الأسباب وغيرها تم ترحيل الأزمة السياسية إلى فترة
لاحقة، وهو ما يجعل من الممكن القول أن هذا الاتفاق عمل على تنفيس الاحتقان
السياسي، وخلق حالة من الاسترخاء لجميع الأطراف تكون بمثابة استراحة لجولة جديدة
من الصراع السياسي.
الأطراف المعارضة لاتفاق
فبراير:
عمل اتفاق فبراير على تخفيف حدة التوتر السياسي في اليمن وتم
اعتماد التعديل الدستوري بأقل معارضة ممكنة، إذ اقتصرت المعارضة من قبل الأحزاب
الموالية للمؤتمر الشعبي والتي رأت بأن هذا الاتفاق قد تجاهل وجودها على أساس أنها
تمثل قوة سياسية رئيسية [6]
. والحقيقة أن معارضة هذه الأحزاب للتأجيل قد أتى على خلفية المكاسب الانتخابية
التي كانت تأمل أن تحققها في حال إجراء الانتخابات، فالمؤتمر الشعبي كان قد أعطى
هذه الأحزاب وعودا بدعم وصول عدد منها للبرلمان ليعطي لهذا البرلمان شكل من أشكال
التعددية، خاصة وان غياب أحزاب المعارضة عن الانتخابات من شأنه أن يرفع من رصيد
هذه الأحزاب، ولهذا فقد شعرت هذه الأحزاب بخيبة الأمل من جراء أتفاق فبراير. إلى
جانب هذه الأحزاب عارض المرشحون المستقلون تأجيل الانتخابات، حيث كان البعض منهم
قد بدأ بشكل من الأشكال حملته الانتخابية، والتي كان قد حصل البعض منهم على وعود من
حزب المؤتمر بإفساح المجال أمامهم للفوز بعدد من المقاعد إذا ما قاطعت المعارضة
الانتخابات.
رؤية
كل طرف تجاه قضايا الحوار:
تتسم الحياة السياسية في اليمن بدرجة من الغموض الذي يكتنف
خطط وبرامج أطراف العمل السياسي وينسحب ذلك على قضايا الحوار، حيث نجد بأن كل طرف
يحاول أن لا يعلن عن أهدافه الحقيقة من الحوار، ويبدوا هذا الأمر طبيعي في العمل
السياسي، إلا أنه يشكل مشكلة للمحلل السياسي الذي عليه أن يقرءا ما بين السطور
أكثر من قراءته للسطور نفسها، وهذا الأمر يجعل الباحثين يجتهدون في التأويلات إلى
الحد الذي قد يبعدهم كثيرا عن طبيعة الأوضاع، وهو أمر ينطبق على الجميع بما فيهم
كاتب هذه السطور، ومن هنا لزم التنبيه إلى ذلك قبل البدء في شرح رؤية أطراف العمل
السياسي وأهدافهم من الحوار، وسوف نبدأ برؤية الحزب الحاكم / السلطة الحاكمة
للحوار.
قضايا الحوار:
قبل أجراء الانتخابات الرئاسية عام 2006 اتفقت أحزاب اللقاء
المشترك وحزب المؤتمر الشعبي على عقد حوار حول القضايا محل الخلاف بينهما، وكانت
القضايا المقررة آنذاك ترتبط بتعديل قانون الانتخابات وإجراء تعديلات دستورية. وقد
بدأت هذه الأطراف حوار في عام 2007 إلا أنه توقف ولم يستأنف بشكل رسمي منذ ذلك
التاريخ. ورغم أن تحديد قضايا الحوار تبقى
محل خلاف بين هذه الأطراف إلا أنه قد تمت الإشارة إلى عدد من العناوين الرئيسية
للقضايا التي ستناقش خلال إي جلسة حوار تعقد بين الطرفين. وإذا عدنا إلى اتفاق
فبراير سنجد أن قضايا الحوار تحددت في ثلاث قضايا رئيسية يتفرع عنها عدد غير محدد
من القضايا الفرعية وهذه القضايا هي:
1-
إدخال تعديلات على النظام الانتخابي.
2-
إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات.
3-
إجراء تعديلات دستورية.
ومن خلال ما تم ذكره يتضح أن قضايا الحوار ليست بالوضوح الكافي
وهو ما يصعب على المتابع التحديد بشكل محدد رؤية كل طرف للحوار، ولهذا فإننا سنركز
بدلا من ذلك إلى تحليل أهداف كل طرف من الحوار والوسائل التي يلجا لها في تحقيق
هذه الأهداف، وسوف نبدأ في أهداف الحزب الحاكم ثم ننتقل إلى أهداف أحزاب اللقاء المشترك
(المعارضة).
أهداف الحزب الحاكم/السلطة من الحوار:
تتصف إي سلطة بطابعها المحافظ، حيث تميل إلى إبقاء الأوضاع
السياسية على ما هي عليه، وينطبق هذا الأمر على السلطة الحاكمة في اليمن وحزب
المؤتمر الشعبي التابع لها، فالحوار في الأساس هو مطلب المعارضة التي ترغب من
خلاله إحداث تغيير في الأوضاع القائمة لصالحها. وبما أن الأمر كذلك فإن السؤال
الذي يطرح هنا هو ما هي مصلحة السلطة والحزب الحاكم إن كان الأمر كذلك؟ وللإجابة
على ذلك نشير إلى أن الحزب الحاكم حين يقبل بإجراء الحوار فإنه يقبل به لسببين
رئيسيين هما:
1- اضطراره للحوار ومعنى
الاضطرار هنا يتمثل في أن الحزب الحاكم يجد نفسه في بعض الأحيان مضطرا للحوار مع
المعارضة لحاجته لمشاركتها في العملية السياسية بهدف الحصول على شرعية ما. فمشاركة
المعارضة في الانتخابات تمنحها قدر من الشرعية والمصداقية والذي يتم من خلالها منح
الشرعية للحزب الحاكم في حال فوزه في مثل هكذا انتخابات. إلى جانب ذلك قد يضطر
الحزب الحاكم للدخول في حوار مع المعارضة من أجل تهدئة نزاع ما أو الحيلولة دون
اندلاعه. وفي الحالة اليمنية نجد أن الحزب الحاكم مضطر للدخول في حوار مع أحزاب
المعارضة من أجل إبقائها ضمن العملية السياسية، فمشاركتها في هذه العملية يمنح
السلطة جزء من المشروعية، إلى جانب ذلك فإن الحوار مع المعارضة من شأنه أن يساعد
على تهدئة المناطق الملتهبة، حتى وإن لم تكن المعارضة منخرطة بشكل مباشر في هذه
النزاعات، كما هو الحال في صعدة والمحافظات الجنوبية. فالمعارضة حين تكون في حالة
وفاق مع السلطة بإمكانها أن تهدئ المناطق الملتهبة من خلال علاقاتها بالأطراف
المتمردة، والتي وإن كانت تبدوا بعيدة عن نفوذ المعارضة إلا أن وقوف المعارضة مع
السلطة في مواجهتها للمتمردين يضعف موقف المتمردين ويقوي من موقف السلطة.
2- تمرير أجندتها من خلال الحوار مع المعارضة، وفي هذا الشأن
فإن السلطة حين تحاور المعارضة تهدف من وراء ذلك الحصول على موافقة المعارضة على تعديلات
دستورية ترغب السلطة في تمريرها. ويمكن الإشارة هنا إلى أهم أهداف السلطة من
الحوار في النقاط التالية:
أ-
العمل على إبقاء السيطرة الكاسحة للحزب الحاكم في الانتخابات
البرلمانية والمحلية والرئاسية، والذي يتم من خلال إبقاء النظام الانتخابي الحالي
والسيطرة شبه الكاملة على عمل اللجنة العلياء للانتخابات. وهو ما يعمل على إبقاء
المعادلة السياسية على حالها المتمثلة بسيطرة الحزب الحاكم على أكثر من ثلاثة
أرباع مجلس النواب.
ب-
التخفيف من حالة التوتر السياسي عن طريق استيعاب أحزاب
المعارضة في النظام السياسي، وهو ما يتم من خلال مشاركتها في الانتخابات بمختلف
أنواعها والقبول بها، وهو ما يعزز من شرعيتها ويخفف عنها الضغوط الداخلية
والخارجية.
ت-
إضفاء الشرعية على تعديلات دستورية السلطة في أمس الحاجة
لها، تتعلق بإيجاد صيغة ما تسمح للرئيس بإعادة ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية
القادمة، وهو ما لم تعلن السلطة عنه بصراحة، إذ يتم الحديث عن موضوع تطوير النظام
السياسي من قبيل تخفيض مدة رئيس الجمهورية من 7 إلى خمس سنوات، وإنشاء غرفة
برلمانية ثانية تمتلك سلطات تشريعية وإقامة حكم محلي واسع الصلاحيات وزيادة مشاركة
المرأة في الهيئات المنتخبة. وشرعية هذه التعديلات لن تتم إلا في حال وافقت
المعارضة على المشاركة في صياغة هذه التعديلات عبر الحوار معها وفقا لاتفاق فبراير
2009. وفي مقابل ذلك تقدم السلطة على ما تعتبره تنازلات للمعارضة من قبيل إدخال
النظام النسبي في الانتخابات البرلمانية وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات
وبعض القضايا التي لا تغير في المعادلة السياسية الراهنة.
أهداف أحزاب المشترك من الحوار:
يمكن تقسيم
أهداف أحزاب المشترك إلى نوعين هما: أهداف إستراتيجية بعيدة المدى وأهداف أنية
قصيرة المدى والأهداف الإستراتيجية يمكن اختصارها في النقاط التالية:
-
إعادة صياغة النظام السياسي بشكل جذري تؤدي إلى إحداث تغيير
نوعي في بنية السلطة وآلية ممارستها ويشمل ذلك إيجاد توازن فعلي بين السلطات بمعنى
تحقيق قدر معقول من فصل السلطات، والذي يتم من خلال تقييد السلطات الواسعة للسلطة
التنفيذية وبالتحديد سلطات رئيس الدولة، وجعلها مراقبه ومقيدة من قبل السلطة
التشريعية والقضائية، وفي هذا الشأن دعت المعارضة ومنذ عام 2005 إلى تغيير شكل
النظام السياسي من النظام المختلط المعمول به في الدستور الحالي إلى نظام برلماني
تكون السلطة التنفيذية لدى مجلس الوزراء.
-
تغيير العلاقة بين السلطة المركزية ومكوناتها المحلية عبر
إقامة شكل من أشكال اللامركزية السياسية والإدارية، وفي هذا الصدد لم تتفق أحزاب
المعارضة على هذا الشكل فبعض أحزاب المعارضة كالحزب الاشتراكي يميل نحو الأخذ
بالنظام الفدرالي فيما حزب الإصلاح يميل نحو نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تقوم أحزاب المعارضة بالعمل على
تحقيق أهداف مرحلية تكتيكيه تؤدي إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية من خلال التركيز
على النقاط التالية:
1- تعديل النظام الانتخابي
الخاص بالانتخابات البرلمانية عن طريق تبني النظام النسبي الكامل أو الجزئي، بهدف
تغيير النتيجة النمطية لها المتمثلة في السيطرة الكاسحة للحزب الحاكم على مقاعد
المجلس.
2- إجراء تعديلات على
قانون الانتخابات تتضمن إعادة الأسس التي تتشكل بموجبها اللجنة العليا للانتخابات،
بحيث لا تبقى تحت سيطرة الحزب الحاكم. إلى جانب إلغاء الموطن الانتخابي الثالث،
الذي يعتبر مكان العمل موطن انتخابي، على أساس أن هذا الموطن قد تم استخدامه لصالح
الحزب الحاكم. إلى جانب بعض الإجراءات الهادفة إلى خلق انتخابات أكثر عدالة
وشفافية.
3- حرية ممارسة العمل
السياسي لأنصار المعارضة عبر منع السلطة التنفيذية من التضييق عليهم، من خلال
الاعتقالات وإغلاق الصحف ومحاكمة الصحفيين، ويتم ذلك عن طريق المزيد من الحريات
الصحفية وجعل القضاء المستقل حكم في النزاعات السياسية.
موقف القوى الإقليمية والدولية بشان
الحوار:
خلال فترات الخلافات السياسية في اليمن لم تبدي الأطراف
الخارجية مواقف محددة منها خاصة وأن هذه الأطراف لديها توجهات مختلفة فالدول
الغربية كالاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، لديها أجندات تختلف عن أجندات الدول
الإقليمية. فعلى سبيل المثال تظهر تلك الدول بشكل علني دعمها للعملية الديمقراطية
في اليمن وتقدم الدعم السياسي والاقتصادية لتحقيق ذلك، في المقابل لا تتحدث دول
الجوار بشكل رسمي عن إي دعم للعملية الديمقراطية. ومع ذلك فإن جميع الأطراف
الخارجية تعلن عن اهتمامها باستقرار وأمن اليمن وهو عنوان يدخل تحته تفسيرات
متنوعة ومختلفة، إذ أن استقرار اليمن - الذي أصبح حاجة إقليمية ودولية بعد عولمة
الإرهاب - يتطلب وجود توافق سياسي وهذا التوافق لا يتم إلا من خلال حوار حقيقي بين
السلطة والمعارضة، وهو ما تدركه القوى الإقليمية والدولية وتدعوا له إن بشكل صريح
ومباشر كما هو حال الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، أو بشكل غير مباشر كما هو
الحال مع بعض القوى الإقليمية، حيث تفضل أن لا تعلن عن إي مواقف خاصة بالحوار
السياسي لحساسية هذه القضايا فيما بين الدول العربية.
إن من غير الواقعي توقع مواقف للأطراف الخارجية من قضايا
الحوار وبالتحديد من نوعية القضايا أو طريقة الحوار ونتائجه إذ أن هذه الأمور تبقى
من المسائل الداخلية لليمن ولا يمكن توقع مواقف محددة، على الأقل وفق الظروف
الحالية لليمن، من الأطراف الخارجية كون هذه المواقف سيتم توظيفها محليا من قبل
الأطراف المحلية، ويجعل الأطراف الخارجية جزء من الصراع السياسي اليمني وطرفا فيه،
وهو ما تتجنبه هذه الأطراف إلا في حالات استثنائية. وللتدليل على ذلك نشير هنا إلى
بعض المواقف التي صدرت عن المدير السابق للمعهد الديمقراطي في اليمن حين أبدأ رائيه
بشكل محدد في قضية مشاركة المعارضة في انتخابات المحافظين أو مقاطعتها، وهذه
التصريحات تم توظيفها من قبل الحزب الحاكم للتدليل على صوابية موقفها. الأمر الذي
أغضب المعارضة التي اعتبرت هذه الآراء انحياز من قبل مدير المعهد للسلطة ومحاولة
لفرض الوصاية على المعارضة [7]
.
اللقاء ألتشاوري
أوضحت نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2003
لأحزاب المعارضة أن التوجه العام من قبل السلطة يسير باتجاه تجميد العملية
الديمقراطية عند سقف محدد. يتم من خلاله إدامة السلطة الحالية وإبقاء حجم المعارضة
في نطاق محدد لا يمكن تجاوزه. ومنذ ذلك الحين وأحزاب المعارضة تبحث عن الوسائل
التي تمكنها من تغيير هذه الحالة، والتي تأكدت لها مع الانتخابات الرئاسية - التي
بدأت وكأنها تطور نوعي في الممارسة السياسية في اليمن - إلا أنها أكدت قناعة
المعارضة من أن الممارسة السياسية وفق الأنظمة والقوانين السائدة لن تحدث إي تغيير
يذكر في بنية السلطة أو في تطور العملية الديمقراطية. وخلال الفترة التي أعقبت الانتخابات
الرئاسية، حاولت المعارضة التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا محل الخلاف إلا أن جميع
تلك المحاولات لم تسفر عن شي.
واستنادا إلى ذلك
بدأت أحزاب المشترك تفتش عن وسائل للضغط على السلطة الحاكمة تجبرها على الدخول
معها في حوار يفضي إلى تعديل المعادلة السياسية، ومن ضمن الوسائل التي استخدمتها
المعارضة تشكيل ما سمي بالتشاور الوطني، والذي يهدف إلى حشد أكبر قدر ممكن من
الرأي العام إلى صف المعارضة خاصة في قضايا "الإصلاح السياسي". ويأتي هذا
العمل من قبل المعارضة ليدلل على جمود النظام السياسي الذي لم تعد آلياته قادرة
على إحداث التطوير لهذا النظام، فالانتخابات المتعددة لم تسفر عن إحداث إي تغيير
في موازين القوى بعد أن تمكنت السلطة من إحكام السيطرة على مدخلاتها ومن ثم
مخرجاتها، فمن وجهة نظر المعارضة فإن الانتخابات أصبحت وسيلة إعادة إنتاج النخبة الحاكمة
وإدامة سيطرتها على الحكم. لتلك الأسباب، على ما يبدوا، نشأت فكرة اللقاء التشاوري
الذي يمكن اعتباره أحدى محاولات الضغط التي تمارسه المعارضة من أجل تغيير موازين
القوى في الدولة. كما أنه يشير إلى قيام المعارضة باللعب في ملعب جديد خارج الملعب
السياسي الحالي الذي فشل في استيعاب رغبات وطموحات المعارضة في التغيير.
تأسيس اللقاء التشاوري:
في يونيو 2008 وبعد أن فشلت ألسلطة وأحزاب اللقاء المشترك من
الاتفاق على القضايا المتعلقة بالانتخابات، أطلق المشترك الدعوة لما أسماه
"التشاور الوطني"[8]
وعلى أثر ذلك تم تشكيل اللجنة العليا للتشاور الوطني برئاسة عضو مجلس النواب
والقيادي في حزب الإصلاح الشيخ حميد الأحمر، وقد أنيط بهذه اللجنة مهمة التواصل مع
جميع الشخصيات والقوى الفاعلة في الساحة اليمنية بهدف الاتفاق على مشروع وطني جامع
يعمل على إحداث ما تعتبره أحزاب المعارضة إصلاح شامل للأوضاع السياسية والاقتصادية
والاجتماعية.
وبعد تشكيل اللجنة بدأت بممارسة عملها من خلال الاجتماع
الدوري في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات مع القوى المستهدفة، عن طريق اللقاء
العلني مع المنظمات الاجتماعية والأفراد لمناقشة القضايا التي كان يتم طرحها
والخروج برؤية تحدد الأسباب وتقترح الحلول للمشاكل المطروحة.
وقد تم تتويج هذه اللقاءات بعقد ملتقى التشاور الوطني في
صنعاء يومي 21 – 22 مايو 2009 . وقد حضر حفل الافتتاح أكثر من ألف مشارك ممثلين
للأطراف التي تم التشاور معها خلال جلسات التشاور التي تم عقدها خلال العشرة
الأشهر السابقة لهذا الملتقى. وقد تزامن انعقاد الملتقى مع ذكرى قيام الوحدة التي
كانت الحكومة قد استعدت له بعروض عسكرية ضخمة شملت معظم مناطق اليمن، وهي
الاحتفالات التي تمت مقاطعتها من قبل أحزاب المشترك، وهي خطوة تشير إلى عمق الهوة
التي أصبحت عليها العلاقة بين السلطة والمعارضة.
وقد نتج عن الملتقى الإعلان عن تشكيل اللجنة التحضيرية
للحوار الوطني والتي ضمت 90 عضوا ينتمي معظمهم إلى أحزاب اللقاء المشترك، إضافة
إلى عدد من الشخصيات التي التقت وجهات نظرها مع فكرة اللقاء التشاوري، ومن بينهم
عدد ممن ينتمون "نظريا" للحزب الحاكم. وقد رئس اللجنة السياسي المخضرم
محمد سالم باسندوة وهو وزير سابق ويشغل في حينه مستشارا لرئيس الجمهورية، فيما
أسند المنصب الثاني في اللجنة للشيخ حميد الأحمر. وقد أوكل للجنة مهمة صياغة مشروع
رؤية للإنقاذ الوطني، تمهيدا للحوار الوطني المزمع عقدة فيما بعد.
مشروع رؤية للإنقاذ الوطني:
في 7 سبتمبر 2009 تم الإعلان في صنعاء عن مشروع رؤية للإنقاذ
الوطني، وهي الوثيقة التي صاغتها اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، استنادا إلى
المشاورات التي أجرتها اللجنة العليا للحوار الوطني. وبحسب رئيس اللجنة التحضيرية
- الذي أعلن عن تدشين المشروع - فإن مشروع الرؤية "مطروح كورقة للتحاور
مع المكونات السياسية والاجتماعية وسائر المواطنين بهدف الخروج باتفاق لحل المشاكل
التي تعاني منها اليمن".
يشتمل المشروع على ثلاثة أجزاء رئيسية حيث يتناول الجزء
الأول "تشخيص موضوعي للأزمة الراهنة " وفي هذا الشأن حدد
المشروع جذر الأزمة بما أسماه " الحكم الفردي المشخصن " الذي
اضعف المؤسسات السياسية، ومن ثم غياب مشروع الدولة الوطنية، وهو ما أسفر، وفقا
للمشروع، عن أزمة وطنية نتج عنها غليان في المحافظات الجنوبية وصراع مسلح في
محافظة صعدة إلى جانب انسداد الأفق السياسي من خلال سد أفاق التغيير عبر
الانتخابات.
أما القسم الثاني الذي ناقشه المشروع فقد تطرق للحلول
والمعالجات للأزمات التي تعيشها اليمن، والتي ركزت على وقف ما أسماه المشروع
بالانهيار من خلال المعالجات العاجلة أهمها حل المشاكل في الجنوب وإيقاف الحرب في
محافظة صعدة. وتشمل هذه المعالجات تطبيع الحياة السياسية التي تتطلب إيقاف
الإجراءات التصعيدية من قبيل وقف الحملات العسكرية والاعتقالات والملاحقات
للناشطين السياسيين، بما في ذلك وقف المحاكمات السياسية، إلى جانب إلغاء القوانين والإجراءات
المقيدة للحقوق والحريات، والتي تشمل التوقف عن ملاحقة الصحفيين وإغلاق ومصادرة
الصحف، ويتطلب ذلك الإفراج عن جميع المعتقلين "السياسيين" بحسب المشروع،
والسماح بالمظاهرات السلمية التي كفلها الدستور وغيرها من الإجراءات التي تعمل على
تطبيع الأوضاع في البلد. وفي هذا الشأن اقترح المشروع إزالة أثار حرب 1994 التي
تشمل إعادة الموظفين – المدنيين والعسكريين – اللذين ابعدوا من وظائفهم بسبب الحرب
وغيرها من الإجراءات التي حددها المشروع بشكل واضح ومحدد والتي تهدف إلى معالجة الأوضاع
في المحافظات الجنوبية. وفيما يتعلق بالحرب في صعدة - التي كانت في أوجها يوم
الإعلان - فقد طالب المشروع بالوقف الفوري لها والبدء في حوار وطني شامل يكون
الحوثيون طرفا فيه.
إلى جانب ذلك أشار المشروع إلى ما اسماه بناء الدولة الحديثة
والتي اشتمل على عدد من النقاط التي تشبه مشروع لتعديلات دستورية. وكان من أهم ما
اشتمل عليه إجراء تعديلات جذرية في بنية وشكل النظام السياسي، من خلال إقامة نظام
برلماني بحيث تصبح السلطة التنفيذية في يد مجلس الوزراء وجعل منصب رئيس الدولة
منصب فخري وشرفي، وهو ما يتطلب تغيير في بنية السلطة التشريعية من خلال إضافة غرفة
ثانية لهذه السلطة وتغيير في اختصاصات السلطة التشريعية بما يعطيها المزيد من الاستقلالية
والقوة، ويترافق ذلك بإجراء تعديلات في القانون الانتخابي تشمل: إعادة تشكيل
اللجنة العليا للانتخابات والتي اقترح المشروع أن تتشكل من جميع القوى السياسية
وبالتساوي، وتغيير النظام الانتخابي الخاص بانتخابات السلطة التشريعية من خلال
الأخذ بالنظام النسبي.
ويتم ذلك بالتوازي
مع تطوير شكل الدولة على قاعدة اللامركزية، وقد وضع المشروع ثلاثة خيارات لشكل
الدولة يشمل الأول خيار الحكم المحلي كما ورد في وثيقة العهد والاتفاق، أما الخيار
الثاني فيكون من خلال الفدرالية بينما يكون الخيار الثالث الحكم المحلي واسع
الصلاحيات.
أما القسم الثالث من المشروع فقد خصص للآليات التي يقترحها
للإصلاحات المقترحة في المشروع أو التي سيتم اقتراحها من قبل الأطراف الأخرى. وقد
حدد هذه الآلية من خلال حوار وطني شامل لا يستثني أي طرف بهدف مناقشة جميع القضايا
والخروج بمعالجات شاملة لها.
المواقف تجاه اللقاء التشاوري والحوار
الوطني:
منذ تأسيس اللقاء التشاوري ومن ثم لجنة الحوار الوطني
المنبثقة عنه والجدل يدور حولهما فمن جهة المعارضة والأطراف القريبة منها فإنها
تعتبرهما أحدى مخارج الأزمة التي تعيشها اليمن منذ فترة، أما السلطة والقوى
القريبة منها فإنها قد عارضت تشكيل اللقاء التشاوري وكل ما خرج عنه على اعتبار أن
هذه الأطروحات تعد خروجا عن الأطر الدستورية والمؤسسات المنبثقة عنه، على اعتبار
أن الحوار من وجهة نظر السلطة يجب أن يتم ضمن الدستور والمؤسسات المنبثقة عنه.
ولهذا فإن السلطة والأطراف القريبة منها قد تعاملت بتجاهل ورفض لجميع مخرجات اللقاء
التشاوري واعتبرت كل ما يصدر عنه لا يخصها، خاصة وأن توقيت إعلان مشروع رؤية
الإنقاذ قد تزامن مع اندلاع المواجهات المسلحة في صعدة وهو ما قلل من الاهتمام
بالمشروع حتى من قبل الجمهور العادي الذي كان همة مركزا نحو الحرب في صعدة وما
ستسفر عنه من نتائج.
القضايا التي اثرت سلبا وايجابا على
العلاقة بين المؤتمر الشعبي واللقاء المشترك:
يعد عام 2009 من الأعوام التي ساءت فيها العلاقة بين
السلطة/الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، فهذا العام يمكن اعتباره الأسوأ منذ
نهاية الحرب عام 1994، إذ لم يتم فيه إي تحاور حقيقي أو لقاء بين السلطة والمعارضة.
وأتسم بحالة من الاستقطاب الحاد بين الطرفين، باستثناء الاتفاق على تأجيل
الانتخابات والذي يشير أيضا إلى تفاقم الأزمة بين الطرفين. وما جعل هذا العام يمر
بالطريقة التي مر بها بروز عدة قضايا ساهمت مجتمعة في زيادة اتساع الفجوة بين
السلطة والمعارضة، ويمكن ذكر بعض من هذه القضايا فيما يلي:
1-
تصاعد الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية، والتي غلب عليها
الدعوات الصريحة للانفصال من قبل قوى الحراك الجنوبي في الداخل والزعماء الجنوبيين
في الخارج بزعامة نائب الرئيس السابق على سالم البيض، الذي عاد للنشاط السياسي
العلني منذ أن فر إلى سلطنة عمان نتيجة حرب 1994 ، وقد ألقت هذه الاحتجاجات
بضلالها على طبيعة العلاقات بين السلطة والمعارضة، فالسلطة رأت بأن المعارضة تدعم
وتؤيد هذه الاحتجاجات بشكل من الأشكال وهو ما تعتبره خروج على الدستور و
"الثوابت الوطنية"، وراحت السلطة تطالب المعارضة بان تتخذ موقف واضح
ومحدد من الدعوات الانفصالية في الجنوب. أما المعارضة من جهتها فإنها قد اتخذت
مواقف معارضة للمعالجات التي قامت بها السلطة في مواجهة الاحتجاجات، حيث رأت في
هذه المعالجات، خاصة الأمنية منها، والتي أدت إلى صدامات عنيفة واعتقال ومحاكمة عدد
من المحتجين، على أنها خروج عن الدستور وتعمل على تأجيج الأوضاع وتدهورها.
ونتيجة لذلك فقد أدت هذه الاحتجاجات إلى إعاقة الحوار بين
السلطة والمعارضة، والتي اشترطت للدخول في حوار جدي مع السلطة تغيير أسلوب السلطة
في التعامل مع هذه الاحتجاجات من خلال استبعاد الإجراءات الأمنية والسماح بتنظيم
المظاهرات في هذه المناطق والإفراج عن المعتقلين وتعويض الضحايا ومعاقبة المتسببين
فيها.
2-
اندلاع الحرب في صعدة في شهر أغسطس 2009 أدى إلى المزيد من
التوتر في الأجواء بين السلطة والمعارضة، حيث اتهمت السلطة المعارضة بعدم وطنيتها
حين عارضت الحرب، على أساس أن هذا الموقف يشجع المتمردين الحوثيين على مقاومة
السلطة. وفي المقابل رفضت أحزاب المعارضة قرار الحرب واعتبرته قرار عبثي يضر
بالوحدة الوطنية ويهدد التعايش والانسجام داخل الدولة، ودعت بدلا من ذلك إلى إيقاف
الحرب والدخول في حوار شامل مع جميع الأطراف بما فيهم الحوثيين. ونتيجة لهذه الحرب فقد ازدادت العلاقة سوءا بين
السلطة والمعارضة، كان من تجلياتها سخونة الحملات الإعلامية المتبادلة، وقيام
السلطة بالتضييق على عدد من الناشطين السياسيين التابعين للمعارضة بحجة دعم المتمردين
الحوثيين والتي طال عدد من الناشطين كما حدث للصحفي والناشط السياسي محمد المقالح
عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، والذي اختطف وأخفي على خلفية الحرب في صعدة.
3-
إجراء الانتخابات التكميلية للمقاعد الخالية والذي تم في شهر
ديسمبر 2009 وساهم في المزيد من التوتر بين السلطة والمعارضة. فقد اعتبرت المعارضة
(اللقاء المشترك) إجراء هذه الانتخابات بمثابة تراجع من قبل السلطة عن اتفاق
فبراير، والذي نص على أن يعاد النظر في تشكيل اللجنة العليا للانتخابات بالتوافق
بين السلطة والمعارضة. ورأت المعارضة أن إجراء الانتخابات من قبل اللجنة العليا
للانتخابات المختلف عليها، نكوصا عن هذا الاتفاق. وقد نتج عن ذلك مقاطعة جميع
أحزاب المشترك للعملية الانتخابية حيث لم تتقدم بإرسال ممثليها للجان المكلفة
بعملية التصويت والفرز، إلى جانب عدم ترشح إي من أعضائها للمقاعد الذي تم فيها
الانتخابات. وبعد أن أجريت الانتخابات قررت أحزاب المعارضة مقاطعة جلسات البرلمان
التي عقدت عقب الانتخابات، حيث أصرت على عدم شرعية فوز الأعضاء..
4-
إغلاق بعض الصحف والتضييق على عدد من الناشطين السياسيين
المنتمين للمعارضة أو القريبين منها خلق أجواء من التوتر بين السلطة والمعارضة، وهو
ما أدى إلى المزيد من العراقيل أمام الحوار بين السلطة والمعارضة، حيث جعلت
المعارضة من إطلاق المعتقلين شرطا سابق لأي حوار حول القضايا الواردة في اتفاق
فبراير.
5-
الهجمات على تنظيم القاعدة التي نفذت في نهاية عام 2009 زادت
من حدة الخلاف بين الطرفين، حيث أن المعارضة لم تؤيد الحكومة في هذه الخطوات خاصة
وأن بعض من هذه الهجمات راح ضحيتها عدد كبير من المدنيين بينهم نساء وأطفال.
أفق مسدود للحوار
عندما انتهى عام 2009 كانت العلاقة بين السلطة (المؤتمر
الشعبي) والمعارضة (أحزاب اللقاء المشترك) أسوا مما كانت في بدايته، وهو ما يشير
إلى أن محصلة العام كانت في مجملها سيئة لجهة الحوار بين الطرفين. فخلال العام لم
يتفق الطرفان إلا مرة واحدة حين قبلا بتأجيل الانتخابات، وهذا الاتفاق لا يمكن
اعتباره اتفاق بقدر ما يمكن اعتباره مظهر من مظاهر الأزمة. فتأجيل الانتخابات
للمبررات التي أجلت من أجلها، يشير إلى تفاقم الأزمة، خاصة وأن الاتفاق لم يكن سوى
تأجيل للأزمة والخلافات إذ لم ينص بشكل صريح على القضايا التي سيتم مناقشتها أو
الآليات التي ستتبع في ذلك، وهو ما أكدته الوقائع التالية، حيث لم تعقد جلسات حوار
فعلية، وكل ما حدث عبارة عن مشاورات مبدئية لم تفضي حتى للاتفاق على آلية الحوار
أو حتى جدول الأعمال الخاص به.
إن من الممكن القول أن حجم الهوة بين الحزب الحاكم والمعارضة
في ازدياد مستمر ومن غير المحتمل أن تضييق هذه الفجوة في المراحل التالية، ويمكن
الإشارة إلى عدد من القضايا التي تفسر هذه النتيجة فيما يلي:
1-
عدم قدرة النظام على تقديم عروض تقبلها المعارضة ورفض
المعارضة أن تستمر بلعب نفس الدور التي كانت تلعبه. فحزب الإصلاح والحزب الاشتراكي
لم يقبلا ولا يمكن توقع أن يقبلا بأن يكونا قوة هامشية في النظام السياسي. فالحزب
الاشتراكي الذي كان الحزب المسيطر على الدولة في الجنوب قبل الوحدة، والشريك
الوحيد للمؤتمر الشعبي في اليمن الموحد، لم يعد بمقدوره أن يقبل بالحالة الذي وصل
إليها والتي اقتصرت على 6 مقاعد في مجلس النواب، وغياب شبه كلي عن الوظائف الوسطى
والعليا في الدولة. ونفس الأمر ينطبق جزئيا على حزب الإصلاح الذي وجد نفسه يخسر الكثير من
الأماكن الذي كان يحتلها قبل الوحدة وبعد الوحدة، فأنصاره تم تسريحهم أو تحجيمهم
من الوظائف الوسطى والعليا في الدولة وحجم المقاعد التي يحصل عليها في الانتخابات
في تناقص مستمر. وهذه الأوضاع تجعل من الطبيعي لهذه القوى أن لا تقبل بوضعها
الحالي.
من جهة أخرى فإن الحزب الحاكم الذي سيطر على جميع مفاصل
الدولة، تقريبا، خلال العشر سنوات الأخيرة أصبح أقل استعدادا للسماح لأحزاب
المعارضة في مشاركته في صنع القرار، فيما يعرف بالمشاركة في السلطة والثروة. ولهذا
فإن جميع الحوارات بين الطرفين لم تتمكن من الوصول لاتفاق، كون السلطة لم تقدم ما
تعتبره المعارضة الحد الأدنى لمطالبها.
2-
ذهاب كل طرف للعب في ملعبه الخاص وبين جمهوره، إن صح
التعبير، فالحزب الحاكم كان في طريقه لإجراء انتخابات بدون المعارضة، وهو ما كان
سيؤدي إلى إفراغ العملية الديمقراطية من مضمونها. فيما أحزاب اللقاء المشترك
بتشكيلها اللقاء التشاوري راحت تلعب في ملعب خاص بها من خلال حشد معارضي النظام
إلى صفها عبر التحاور مع أطرافها والقوى القريبة منها. وهذه الحالة تفتح الأبواب
باتجاه المزيد من التصعيد والتوتر
إن ما يمكن استخلاصه من كل ما سبق يشير إلى أن فرص التوصل
إلى اتفاق بين السلطة والمعارضة في عام 2010 ضئيلة جدا بالقياس إلى الواقع السياسي
المعاش. فالسلطة تريد من الحوار أن يفضي إلى إبقاء المعادلة السياسية دون تغيير يذكر،
حيث أنها تريد من أحزاب المعارضة أن تلعب نفس الأدوار التي لعبتها في خلال العشر
سنوات الماضية، وفقا لتوجه واضح من قبل السلطة يقوم على أساس إبقاء مشاركة أحزاب
المعارضة في السلطة والثروة ضمن إطار محدد من قبلها، فيما أحزاب المعارضة تريد أن
تصبح شريك حقيقي وربما بديل عن السلطة الحالية.
ومن هنا يمكننا القول أن من غير المحتمل أن يحدث اتفاق بين
الطرفين، إلا في حال ظهور معطيات جديدة تغير من موازين القوى، ولهذا فإن ما هو
متوقع هو المزيد من الفوضى السياسية بين النخبة السياسية مما يفتح المجال لجميع الاحتمالات
السيئة.
[1]
تصريحات للبركاني حول الحزب الاشتراكي أنظر http://www.14october.com/Print.aspx?newsid=1d48e75e-c3fb-4795-aacb-400172ca179e
[3]
المواد (219) (220) (221) من الدستور
[7]
مقالة لتوكل كرمان تنتقد فيه موقف مدير المعهد الديمقراطي، أنظر http://www.aleshteraki.net/articles.php?lng=arabic&id=902.
3-
تحتاج
الانتخابات لكي تكون شرعية إلى شهادة مراقبين مستقلين (محليين وأجانب) يؤكدون بأن الانتخابات قد تمت وفق الحدود والمعايير
الديمقراطية. وهذه الشهادة تعد ضرورية للأحزاب الفائزة ليردا على أي تشكيك أو عدم
قبول بنتائج الانتخابات قد ترد من قبل الأحزاب الخاسرة.
أن
تحقق هذه الشروط أمر في غاية الأهمية لأي سلطة تنبثق عن هكذا انتخابات، إذ
بإمكانها بعد ذلك أن تكون سلطة شرعية استمدت وجودها من تفويض شعبي حر وحقيقي.
وغياب هذه الشروط أو بعضها سيشكك بشكل كبير في شرعية النظام السياسي المنبثق عن
هذه الانتخابات. وهو الأمر الذي سيضعف من أداء هذا النظام ويجعله أضعف في مواجهة
خصومه. وعلى افتراض أن الانتخابات القادمة افتقدت للشروط السابقة فأن السلطة ستجد
نفسها وقد أضرت بمشروعيتها أكثر من أي مرحلة سابقة، وهو الأمر الذي سوف يعطي
خصومها قوة أكبر في مقاومتها.
في
المقابل تدرك المعارضة أن مشاركتها في الانتخابات تمنح النظام شرعية وجوده
الدستوري والأخلاقي ولهذا فأنها تحاول أن تستفيد من هذا الأمر بأقصى درجة ممكنة.
ولكون الأمر على هذا النحو فأن المعارضة في الوقت الحالي أصبحت في موقف قوة أفضل
من أي وقت سابق وهو ما يجعلها قادرة على أن تساوم النظام بشكل لم يألفه منها من
قبل. ومما زاد من قوة المعارضة تكتلها ضمن اللقاء المشترك، وهو التكتل الذي صمد
طوال الفترة الماضية رغم محاولات السلطة المستمرة لإضعافه وتفكيكه، وما يبرهن على
قوة اللقاء المشترك عجز السلطة في أكثر من مناسبة من تمرير التعديلات الدستورية أو
تعديل قانون الانتخابات الذي كان يستهدف تعيين قضاة في منصب اللجنة العليا
للانتخابات. وكل هذه الأمور زادت من ثقة المشترك بنفسه وفي نفس الوقت أدركت السلطة
صعوبة تجاوزه وحاجتها للتوافق معه.
ومما
زاد من قوة المشترك تزايد المشاكل السياسية التي واجهها النظام الحاكم خلال
السنوات الماضية من مثل التمرد الحوثي والحراك الجنوبي وتزايد نشاط الجماعات
الإرهابية، والتي عجز النظام عن احتواها سياسيا أو عسكريا، إلى جانب ذلك فأن
المشاكل الاقتصادية المتصاعدة، والناجمة عن التضخم في الأسعار خلال السنوات
الأخيرة وتناقص الدخل من النفط نتيجة انخفاض الإنتاج والأسعار، كل هذه المشاكل
جعلت النظام في وضع أضعف مما كان عليه الحال في السابق، وهو وضع من الطبيعي أن
تستثمره المعارضة في صالحها، وهو ما ينبئ بخلق مشهد سياسي جديد في اليمن من الممكن
اختصاره في نضال المشترك بتغيير قواعد اللعبة السياسية. وهي القواعد الذي سعى
النظام إلى ترسيخها منذ انتهاء الحرب عام 1994 والتي يمكن تحديد أهمها في الأمور
التالية:
أ- الاحتكار المطلق للسلطة من خلال الفوز في جميع
الانتخابات بأغلبية تتجاوز الثلثين، وهو ما يمكنها من احتكار كامل وشامل للسلطة
والثروة. فمن خلال هذه الأغلبية تستطيع السلطة أن تمرر جميع قراراتها بما في ذلك
إعادة صياغة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالطريقة التي تخدم مصلحتها. فحصولها
على أكثر من ثلثي مقاعد مجلس النواب منذ انتخابات 1997 جعلها قادرة على إجراء
التعديلات الدستورية والقانونية التي هدفت إلى ديمومة سيطرتها على السلطة.
ب-
تحديد سقف محدد لنفوذ خصومها
في البرلمان والمجالس المنتخبة يقفون عنده وهذا السقف لا يتجاوز نسبة الـ20% وهي
نسبة لا تمكن المعارضة من أن تعيق أي أجراء أو سلوك تمارسه السلطة.
ت- المحافظة على المعارضة تحت السقف المذكور
للمحافظة على الشكل الديمقراطي للنظام الذي يمنحه الشرعية الداخلية والخارجية.
ث-
التضييق على المعارضة
بوسائل كثيرة وجعلها في حاجة دائمة للسلطة خاصة في الجوانب المالية.
ج-
السيطرة المطلقة على موارد
الدولة وتسخيرها في خدمة الحزب الحاكم خاصة فيما يتعلق بالموارد المالية والإعلام
وهما من أهم العوامل التي تضمن للسلطة الديمومة.
ح- إضعاف السلطة القضائية وجعلها ملحقة بالسلطة
التنفيذية مما يمكنها من استخدام هذه السلطة في قمع وإضعاف المعارضين لها، وهو ما
ظهر في أكثر من مناسبة.
خ- جعل جميع الوظائف العليا والوسطى وحتى الوظائف
العادية حكرا على أعضاء الحزب الحاكم، مما يعني إضعاف أحزاب المعارضة.
أن
هذه القواعد هو ما تحاول أحزاب اللقاء المشترك منذ عام 2005 وحتى الآن تعديلها أو
تغييرها، بينما نجد أن السلطة ترى في هذه القواعد وكأنها حق من حقوقها التي لا
يمكن التنازل عنها. ولكون الممارسة السياسية هي صراع قوة وفق ما يملكه كل طرف من
مصادر قوة، فأن أحزاب المعارضة أصبحت تدرك أن الأوضاع الحالية تمكنها من أن تعيد
صياغة قواعد اللعبة فيما السلطة من جهتها لا ترى بأن هناك شيا تغير على الأرض
يجعلها تقبل بذلك.
أن
ما يجعل من تغيير قواعد اللعبة أمرا صعبا يتمثل في تعود النظام على هذه القواعد
واطمئنانه لها ورسم كل خططه المستقبلية وفقا لها. لهذا فقد أصبح أمر تغيير هذه
القواعد أو تعديلها من الأمور الصعبة على السلطة، إذ أنها تعتقد بأن تعديل قواعد
اللعبة سيؤدي في نهاية المطاف إلى خروجها من السلطة أو الحد من السلطة المطلقة
التي تتمتع بها. وهي أمور يبدوا أن السلطة لم تهيئ نفسها له، كما وأن قبولها
بتغيير هذه القواعد يعني تغييرا في خططها المستقبلية التي رسمتها. لذلك نجد أن
السلطة غير مستعدة، في الوقت الحالي على الأقل، أن تقبل بتغيير قواعد اللعبة.
لقد
كانت الثلاث سنوات الأخيرة بمثابة الذروة في الصراع بين السلطة والمعارضة من أجل
تغيير قواعد اللعبة ورغم أنه لم تظهر نتائج واضحة لهذا الأمر إلا أن من الممكن
الإشارة إلى قضيتين تظهران ما ذهبنا إليه. الأولى كانت حين تحدت المعارضة السلطة
وأنزلت مرشح خاص بها في الانتخابات الرئاسية نافس إلى حد كبير مرشح السلطة.
والثانية حين لم تتمكن السلطة من تمرير التعديلات الدستورية التي طرحتها عام 2007
بعد أن واجهت معارضة من قبل المشترك. وستكون القضية الثالثة، وأعتقد بأنها ستكون
الأهم، قضية الانتخابات النيابية عام 2009. وحتى الآن فأن الجميع في حالة امتحان
والمستقبل سيرينا نتائج هذا الامتحان.
·
بعد إعداد هذا التقرير تم الاتفاق بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء
المشترك في 24 فبراير 2009 على تأجيل
الانتخابات لمدة عامين، يتم خلالها إجراء تعديلات دستورية وقانونية تشمل تغيير
النظام الانتخابي وعدد من القضايا الأخرى.
ويعد هذا الاتفاق مخرج للأزمة التي كان من المتوقع حدوثها في حال تمت
الانتخابات بمقاطعة أحزاب المشترك، غير أن هناك شكوك من أن الطرفان سيتوصلان إلى
اتفاق حول القضايا الخلافية خلال الموعد المحدد مما يعني أن الأمر لا يعدوا كونه
ترحيل للأزمة وليس حلا لها.
[1] تقرير المعهد الديقراطي
حول القيد والتسجيل 2008 http://www.ndi.org/files/Yemen_2008VoterRegistrationReport-Arabic.pdf
[2] قدر أحد الباحثين نسبة
المشايخ الذين فازوا في انتخابات مجلس النواب عام 2003 بما نسبته 30% من إجمالي
المجلس تلتها فئة رجال الأعمال بما نسبته 26% . د. عبدالجليل الصوفي: نتائج
الانتخابات النيابية 27 أبريل 2003م مؤشرات ودلائل،شئون العصر عدد (12) صنعاء ص
(203)
[3] أ-تشكل اللجنة
العليا للانتخابات من تسعة أعضاء يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية من بين
قائمة تحتوى على (15) اسماً يرشحهم مجلس النواب ممن تتوفر فيهم الشروط المحددة في
المادة(21) من القانون رقم 13 لسنة 2001م .
ب-يكون إقرار قائمة
المرشحين لعضوية اللجنة العليا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
[4] الإطار السياسي لرؤية
اللقاء المشترك لمتطلبات إجراء انتخابات حرة ونزيهة http://www.alwahdawi.net/narticle.php?sid=4991
تعليقات
إرسال تعليق