تقرير 2008

 

مقدمة


تعد الانتخابات من أهم المحطات المفصلية للأحزاب السياسية، إذ أن نتائجها تعد المقياس الحقيقي لحجمها وقوتها، ومن ثم نفوذها وحصتها في المؤسسات التي تخرج عنها، وبحكم هذه الأهمية، فأن الخلاف حول طريقة إجراء الانتخابات، والذي يشمل آلية عد واحتساب الأصوات (النظام الانتخابي) والجهة التي تقوم بعملية الإعداد والإشراف على العملية الانتخابية (إدارة الانتخابات) يعد من الأمور البديهية خاصة إذا كانت هذه القضايا لم تحسم من قبل أطراف اللعبة السياسية الممثلة في الأحزاب السياسية.
وإذا كان الخلاف حول القضايا المذكورة يزداد حدة ووضوحا في الدول الديمقراطية الناشئة، فأن من المهم التذكير بأنه لا يقتصر على هذه الدول فقط، إذ نجد أن بعض الدول العريقة في الديمقراطية لازالت تشهد خلافات حول نفس القضايا التي تثار في دول الديمقراطيات الناشئة، ففي بريطانيا مثلا، لا زال هناك جدل حول النظام الانتخابي، حيث يطالب حزب الأحرار وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى بتغيير النظام الانتخابي المعمول به في هذه الدولة (نظام الأغلبية النسبية) وتبني نظام التمثيل النسبي. كما أننا نجد أن دولة مثل إيطاليا تم تعديل نظامها الانتخابي (نظام التمثيل النسبي) منذ تسعينات القرن العشرين أكثر من مرة ولا يزال هذا الموضوع مطروحا للنقاش في هذا البلد.
وإذا كان هذا هو الحال في هذه الدول، فكيف بدولة مثل اليمن لا يزال النظام الديمقراطي في مرحلة جنينية، أو أنه لم يولد بعد، بحسب ما يراه البعض، ولهذا فأن الخلاف حول عدد من القضايا المرتبطة بالانتخابات يعد أمرا طبيعيا في ظروف اليمن الحالية.
هذا التقرير مهمته استعراض بالوصف والتحليل لأوجه الخلافات التي برزت خلال عام 2008 حول الانتخابات، المقرر أجرئها في أبريل 2009، بين أطراف العملية السياسية في اليمن، وسنركز بشكل محدد حول طبيعة القضايا محل الخلاف، والطريقة التي ظهر فيها، والوسائل، أو المحاولات التي اتبعت لحل الخلاف، وأخيرا النتائج التي أسفر عنها هذا الخلاف.
  



قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر 2006 تم الاتفاق بين الحكومة وحزب المؤتمر الشعبي من جهة وأحزاب اللقاء المشترك من جهة أخرى في يونيو 2006[1]، على إدخال تعديلات على قانون الانتخابات، بعضها تم في تلك الفترة، وشمل إضافة عضوين من المشترك إلى قوام اللجنة العليا للانتخابات والذي أصبح عدد أعضائها تسعة. فيما تضمن الاتفاق وضع مبادئ لتعديل قانون الانتخابات يتم صياغتها في وقت لاحق. وقد أدى ذلك الاتفاق إلى مشاركة اللقاء المشترك في الانتخابات الرئاسية، وهي المشاركة التي تمثلت بقيام المشترك بترشيح فيصل بن شملان للانتخابات الرئاسية. وقد أدى هذا الأمر إلى جعل الانتخابات تنافسية وهو ما منحها درجة معقولة من المشروعية الداخلية والخارجية.
وفي عام 2007 وكنتيجة للاتفاقية التي أبرمت قبل الانتخابات الرئاسية وللوقائع التي أفرزتها الانتخابات، بما فيها التقارير الصادرة عن الجهات التي راقبت العملية الانتخابية وتحديدا لجنة الرقابة التابعة للاتحاد الأوربي، والتي تقدمت بعدد من التوصيات التي هدفت إلى تحسين العملية الانتخابية، وهي توصيات وافق المؤتمر الشعبي وأحزاب اللقاء المشترك على العمل بها. كل هذه العوامل وغيرها أفضت إلى قيام الأحزاب السياسية بإجراء حوار حول عدد من القضايا كان على رأسها إدخال تعديلات على قانون الانتخابات. وقد ترأس الحوار الأمين العام للمؤتمر الشعبي وشارك فيه ممثلون عن جميع الأحزاب.
وبعد عقد عدد من جلسات الحوار، لم يتوصل المتحاورون إلى أي اتفاق يذكر بما في ذلك الاتفاق على مواضيع الحوار وآلية إجرائه، وفي نهاية الأمر توقف الحوار بعد أن تقدمت الحكومة اليمنية في نوفمبر 2007 بطلب إلى مجلس النواب بإجراء تعديلات على قانون الانتخابات شمل من بين أمور أخرى على أن تتشكل اللجنة العليا للانتخابات من القضاة، وقد رفضت أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) هذه المقترحات واعتبرتها استفرادا من قبل الحزب الحاكم بتعديل القانون لصالحة، والتفافا على الحوار الذي كان قد بداء، وقد رد الحزب الحاكم على ذلك بالقول أن المقترحات التي تقدمت بها الحكومة كانت منسجمة واتفاق المبادئ الذي تم التوقيع عليه قبل الانتخابات الرئاسية، خاصة فيما يتعلق بتشكيل اللجنة العليا من القضاة.
مع بداية عام 2008 كانت الفجوة بين الطرفين قد توسعت بشكل كبير، فالحكومة ومن خلفها الحزب الحاكم وعدد من الأحزاب الموالية له، كانت مصممة على إجراء التعديلات على القانون الانتخابي بالشكل الذي تريده، فيما أحزاب المشترك ترفض هذه التعديلات من حيث المبدأ على أساس أنها تخرق قواعد اللعبة الديمقراطية كونها تتم وفق إرادة أحد أطراف اللعبة السياسية ووفقا لمصلحته.
وبعد أن شعرت الحكومة بأن تلك التعديلات لا يمكن تمريرها سياسيا، وإن كان بالإمكان تمريرها قانونيا نظرا للأغلبية الكبيرة التي يمتلكها حزب المؤتمر الشعبي، فقد تم تجميد الإجراءات داخل مجلس النواب لإقرار تلك التعديلات، وكانت هذه الخطوة قد تمت بالتوافق مع أحزاب المشترك. وكنتيجة لموقف الحكومة فأن الأطراف السياسية شرعت في إجراء حوارات، غير رسمية، مع السلطة وتحديدا مع رئيس الجمهورية. وبعد عدد من جولات الحوار اتفق الطرفان على إدخال تعديلات طفيفة على قانون الانتخابات، تضمن بعض المطالب الخاصة بالمعارضة، فيما تم الاتفاق على تأجيل القضايا الأخرى إلى ما بعد الانتخابات، ومنها قضية تعديل أو تغيير النظام الانتخابي.
وقد اعتبرت المعارضة تحقيق تلك التعديلات بأنها تمثل الحد الأدنى الضرورية لدخولها الانتخابات، غير أن هذه التعديلات لم ترى النور بسبب الخلافات التي دارت في أخر لحظة بين حزب المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك حول مرشحي هذه الأحزاب في اللجنة العليا للانتخابات. وقد أسفر هذا الأمر إلى عودة الأوضاع إلى نقطة الصفر. فالحكومة والحزب الحاكم مضيا في اتجاه إقامة الانتخابات في موعدها المحدد عن طريق قيام اللجنة العليا للانتخابات بالقيام بعملها بشكل طبيعي، فيما قاطعت أحزاب المشترك عمل اللجنة على اعتبار أن اللجنة تفتقد للمشروعية السياسية التي تخولها القيام بعملها بشكل طبيعي.
وكان من أهم الخطوات التي اتخذتها اللجنة العليا تشكيل لجان القيد ومراجعة سجل الناخبين، وفقا لقانون الانتخابات، وهي العملية التي قاطعتها أحزاب المشترك، ودعت أنصارها إلى القيام باحتجاجات ومظاهرات ضد هذه الخطوات، شملت عدد من المناطق كان أكبرها الاحتجاجات في العاصمة صنعاء في يوم 27 نوفمبر 2008، وهي الاحتجاجات التي رفضت الحكومة التصريح بقيامها، وهو ما أدى إلى مصادمات بين المتظاهرين ورجال الأمن، أسفرت عن سقوط عدد من الجرحى.
ومع نهاية 2008 كانت الأمور تتجه نحو أزمة سياسية حادة، فالحكومة والمؤتمر الشعبي مصممان على إجراء الانتخابات في موعدها، فيما المعارضة مصممة هي الأخرى نحو المقاطعة، وإن لم تعلن ذلك صراحة، ولكون الأمور هي على هذا الحال فأن من المتوقع أن كل طرف سيستخدم كل الأدوات التي يملكها لتنفيذ أجندته الخاصة، ويعنى هذا الأمر توقع أزمة سياسية لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
وفيما يلي أهم القضايا محل الخلاف بين أطراف العملية السياسية.




قضايا الخلاف


أولا: النظام الانتخابي:
تعتمد اليمن في انتخابات مجلس النواب على نظام الأغلبية النسبية وهو النظام الذي يتم من خلال تقسيم الدولة على عدد من الدوائر الانتخابية ويفوز عن كل دائرة شخص واحد بعد أن يحصل على أعلى أصوات الناخبين بغض النظر عن حجم ونسبة هذه الأصوات. وبمعنى أخر فأن هذا النظام يمنح الفوز للمرشح الذي يأتي في المرتبة الأولى حتى وأن كانت نسبة هذه الأصوات أقل من 50%.
 يُعمل بنظام الأغلبية النسبية في العديد من الدول خاصة في الدول (الأنجلو سكسونية) وأهم الدول التي تعمل بهذا النظام هي: بريطانيا والولايات المتحدة. ومن ميزات هذا النظام، حسب مؤيديه، أنه يساعد على خلق كتل سياسية كبيرة قادرة على إدارة العملية السياسية بشكل بسيط وهادي، خاصة في الدول التي تعمل بالنظام البرلماني كبريطانيا. فنظام الأغلبية النسبية يساعد الأحزاب الكبيرة على أن تحصل على نسبة من المقاعد البرلمانية أكبر بكثير من النسبة التي حصلت عليها من الأصوات الكلية لجموع الناخبين، ويتأتي ذلك على حساب الأحزاب المتوسطة والصغيرة، والتي يضعفها هذا النظام إلى حد أنه قد يخرجها من العملية السياسية برمتها في نهاية المطاف. ولهذا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا يهيمن علي الحياة السياسية فيهما حزبان رئيسيان يحتكران الحياة السياسية ويتناوبان الحكم بشكل شبه كامل تقريبا.
ومن وجهة نظر المعارضة فأن تطبيق هذا النظام في اليمن قد خلق عدد من المشاكل يمكن إيراد أهمها في النقاط التالية:

أولا: عدم التكافؤ بين ما يحصل عليه الحزب من أصوات مع ما يحصل عليه من مقاعد:


بما أن هذا النظام يحابي بعض الأحزاب وخاصة الأحزاب الكبيرة فقد نتج عنه فوز بعض الأحزاب بنسبة من المقاعد تفوق كثيرا نسبة ما فازت به من مجموع أصوات الناخبين، مما يعني حصولها على تمثيل سياسي في المجلس يفوق كثيرا حجم التمثيل المعطى لها من جمهور الناخبين. في المقابل حصلت بعض الأحزاب على نسبة من مقاعد مجلس النواب تقل كثيرا عن نسبة ما حصلت عليه من جمهور الناخبين، وهو ما يعني حصول هذه الأحزاب على تمثيل سياسي داخل مجلس النواب أقل بكثير من حجم تمثيلها الممنوح من جمهور الناخبين. فعلى سبيل المثال، في انتخابات مجلس النواب عام 2003 وكما يشير الجدول رقم (1) فقد حصل حزب المؤتمر الشعبي العام، على ما نسبته 57.79% من إجمالي أصوات الناخبين، وهو ما كان يؤهله بالفوز بـ 174 مقعدا نيابيا، غير أنه وبسبب النظام الانتخابي، فقد فاز بـ 229 مقعدا بما يساوي 76.08% من إجمالي عدد مقاعد مجلس النواب. في المقابل حصل حزب التجمع اليمني للإصلاح على ما نسبته 22.51% من أصوات الناخبين، وهو ما كان يؤهله بالفوز بـ 67 مقعدا نيابيا، غير أنه وبسبب النظام الانتخابي فلم يفز حزب الإصلاح إلا بـ 45 مقعدا فقط بما يساوي 14.95% من عدد مقاعد المجلس. وينطبق نفس الأمر على الحزب الاشتراكي والذي حصل على ما نسبته 4.86% من إجمالي عدد الأصوات وهو ما كان يؤهله للفوز بـ 15 مقعدا نيابيا فيما لم يحصل إلا على 7 مقاعد فقط نتيجة النظام الانتخابي. ولهذا فأن الأعضاء المنتخبين في مجلس النواب لا يعكسون إرادة الناخبين وتوجهاتهم.
جدول 1 نسبة الأصوات وعدد المقاعد التي حصلت بعض الأحزاب في انتخابات 2003 النيابية*
الحزب
عدد المقاعد التي فاز بها
النسبة من إجمالي  عدد المقاعد
النسبة من عدد الأصوات
المؤتمر
229
76.08%
57.79%
الإصلاح
45
14.95%
22.51%
الاشتراكي
7
2.33%
4.86%
الناصري
3
1%
1.83%
·          اللجنة العليا للانتخابات

ثانيا: يعمل النظام على إضعاف الأحزاب:

                                     كون نظام الأغلبية النسبية يقوم على فوز نائب واحد عن كل دائرة انتخابية فأنه يجعل المعركة الانتخابية تدور على مستوى الدائرة الانتخابية فقط، الأمر الذي يجعل من القضايا المطروحة في هذه المعركة تدور بشكل رئيسي حول الشأن المحلي الخاص بالدائرة الانتخابية. وهو ما يسهم في صرف نظر الناخب عن القضايا الوطنية التي تتضمنها البرامج الحزبية والاهتمام  بالدرجة الأولى على الصفات الخاصة بالمرشح، خاصة وأن المعركة تنحصر بين الأشخاص المتنافسين أكثر من كونها معركة بين ممثلين حزبين يمتلكون برامج ذات طابع وطني. وبما أن الأمر على هذا النحو فأن فرص الفوز في الانتخابات البرلمانية، خاصة في الأرياف والمدن الصغيرة، تعتمد على قدرات المرشحين ونفوذهم في الدوائر التي ينتمون لها بغض النظر عن انتمائهم السياسي.
ولأن الأمور تجري على هذا النحو فأن فرص الفوز تزداد لدى أفراد محددين ممن يمتلكون نفوذ فعلي في الدائرة، بسبب مركزهم الاجتماعي أو المالي، ويحظون بالقبول والحظوة لدى السلطة الحاكمة. وهذه المواصفات تنطبق بالدرجة الأولى على فئة المشايخ ورجال الأعمال والمسئولين الحكوميين، وهي الفئات التي تفوز بأكبر نسبة في انتخابات مجلس النواب.[2]  ولهذا نجد أن هذه الفئات هي أكثر الفئات التي يرشحها الحزب الحاكم وتنزل باسمه بغض النظر عما إذا كانوا من الأعضاء النشيطين في الحزب أم لا. وينتج عن ذلك تهميش واستبعاد للأعضاء الحزبين من معظم عمليات الترشيح في انتخابات مجلس النواب الأمر الذي يضعف الاهتمام بالنشاط الحزبي وبالأحزاب عموما.
وقد ساعد على هذا الأمر أن السلطة الحاكمة قد جعلت انتخابات مجلس النواب تبدوا وكأنها تنافس بين أشخاص للحصول على عضوية هيئة حكومية تعود بنفع مباشر على العضو المنتخب وأفراد دائرته. فالناخب، وبعد عدة دورات انتخابية، أصبح على يقين، بأن انتخابات مجلس النواب ليس الهدف منها  تغيير الحكومة أو تقرير السياسة العامة للدولة، كما هي صلاحيات المجلس الدستورية، وإنما هدفها إيصال هذا الممثل أو ذاك إلى البرلمان، لتحقيق منافع مباشرة له ولمن قام بانتخابه. وهذه القناعة تستفيد منها السلطة الحاكمة وتعمل على ترسيخها في أذهان الناخبين الذين ينصرفون عن الاهتمام بالبرامج الانتخابية للأحزاب، أو النشاط الحزبي برمته، ويركزون على شخص المرشح ومدى قدرته على تحقيق ما يعتقدون بأنه هدف الانتخابات النيابية.
ونتيجة لذلك فأن عضو مجلس النواب المنتخب يهتم بالدرجة الأولى بالقضايا المحلية الخاصة بدائرته أكثر من اهتمامه بالقضايا الوطنية. فكون الفائز في انتخابات مجلس النواب ممثلا لسكان دائرة محددة فإنه ملزم أمام جمهور الناخبين، خاصة في الريف والمدن الصغيرة، بأن يهتم بقضاياهم المباشرة. فعضو مجلس النواب هو المسئول الأول لتمثيل مواطني دائرته أمام السلطة المركزية و المحلية. وتقع عليه مهمة متابعة قضايا المواطنين في دائرته، مثل الحصول على المشاريع الخدمية، وتحسين الخدمات الموجودة، وغيرها من المطالب التي قد تشمل أبسط الاحتياجات، كالحصول على منحة علاجية أو متابعة مصير سجين في جريمة أو جنحة، وغيرها من المهام التي تدخل ضمن اختصاصات المجلس المحلي.

ثالثا: عدم قدرة النظام الانتخابي على تمثيل بعض الفئات التمثيل المطلوب:      


بما أن النظام الانتخابي يحابي أصحاب الوجاهات والمقربين من السلطة، كما سبق وذكرنا، فأن الكثير من الفئات يصعب عليها الفوز بالانتخابات خاصة في المناطق الريفية والمدن الصغيرة. ومن أهم هذه الفئات النساء والمثقفين والجماعات المهمشة. وهذه الفئات يكون نصيبها في الفوز ضئيل الأمر الذي يجعل الأحزاب وبالتحديد الحزب الحاكم ينصرفون عن ترشيحها كي لا يخسروا الانتخابات. فأهمية الفوز بأغلبية برلمانية تدفع الحكومة إلى ترشيح القادرين على الفوز والذين هم في الغالب ليسوا نساء ولا مثقفين ولا ينتمون لأقليات هامشية.

رابعا: يساعد النظام الانتخابي على سيطرة الحزب الحاكم على السلطة:

كون العملية الانتخابية تجري وفق نظام الدوائر الفردية فقد تمكن الحزب الحاكم من أن يحكم قبضته ويزيد من عدد المقاعد التي يحصل عليها بشكل متصاعد. ويعود أحد أسباب ذلك إلى النظام الانتخابي الحالي الذي يهيئ الظروف للحزب الحكم من خلال الوسائل التالية:
أ‌-   يوصل الحزب الحاكم للناخبين رسالة مفادها أنه سيكافئ الدائرة التي تنتخب مرشحه بالاستجابة لمطالبها في الحصول على المشاريع والخدمات التي تحتاجها، فيما سيعاقب الدائرة التي تنتخب مرشح المعارضة بحرمانها من المشاريع والخدمات. وتعمل هذه الرسالة على إقدام الناخبين على اختيار مرشح الحزب الحاكم، وهو ما يؤدي إلى تناقص التأييد والتأثير لأحزاب المعارضة خاصة في الريف وانضمام  بعض من أعضاء أحزاب المعارضة إلى عضوية الحزب الحاكم كي يفوزوا في الانتخابات في حال ترشحوا باسم الحزب الحاكم.
ب‌-  يختار الحزب الحاكم مرشحيه في الانتخابات البرلمانية من بين الشخصيات ذات الثقل الاجتماعي القبلي أو المالي، حتى وأن لم يكونوا من أعضائه الفاعلين كما ذكرنا، عبر تحالف فضفاض، يتم بينه وبين هذه الشخصيات يستفيد منه الطرفان. فالحكومة تضمن عضواً ضمن كتلتها البرلمانية يصوت لصالحها حينما تحتاجه، والعضو " المتحالف " معها يحقق مكاسب خاصة له من خلال عضويته في المجلس. وفي هذا الصدد نشير إلى أن الحزب الحاكم لا يهتم إن كان العضو المحسوب عليه يحمل  مؤهلات للعمل في مجلس النواب، إن لم نقل أنها تحبذ أن يكون مفتقدا لتلك المؤهلات، لأن العضو الغير مؤهل يسهل على الحكومة أن تحصل على صوته في القضايا العامة، التي قد لا يفقه فيها كثيرا أو لا تهمه. ويعد عضو مجلس النواب الجاهل الخيار النموذجي للحكومة، على عكس العضو المتعلم الذي قد لا يكون مطواعا لها حتى وأن كان من ضمن كتلتها البرلمانية.

أن النظام الانتخابي بالصورة التي ذكرناها جعل أحزاب المعارضة ترى بأن بقاء هذا النظام يخدم الحزب الحاكم ويعمل، حسب وجهة نظرها، على إضعاف النظام الديمقراطي حين يمنح الحزب الحاكم المزيد من السيطرة على مجلس النواب. ونتيجة لذلك فقد اقترحت أحزاب المعارضة تغيير هذا النظام وعملت خلال عام 2008 على المطالبة بتغيير هذا النظام واستبداله بنظام القائمة النسبية، وهو النظام الذي تراه أكثر عدلا في تمثيل إرادة الناخبين وقادر على إحداث تبادل سلمي للسلطة ومن ثم قيام مشاركة سياسية فاعلة.
ونظام القائمة النسبية يمكن شرحه باختصار في النقاط التالية:
1-  هناك عدة نماذج لهذا النظام غير أن أكثرها شيوعا هو ذاك الذي يجعل الدولة دائرة انتخابية واحدة، بحيث يتعين على كل حزب مشارك أن يتقدم للانتخابات بقائمة مرشحين تساوي إجمالي مقاعد البرلمان، فيما يقوم الناخب باختيار قائمة واحدة من قوائم الأحزاب المتنافسة. وبعد فرز الأصوات في جميع المراكز الانتخابية يمنح كل حزب عدد من المقاعد تتساوى مع ما حصل عليه من أصوات. ونتيجة لهذا النظام فأن جميع الأحزاب تمثل وفقا لحجم قوتها.
2-  يمنح هذا النظام الأحزاب الصغيرة والأقليات فرصة التمثيل في المجالس المنتخبة، من خلال تمكنها من تجميع أصوات مؤيديها من مناطق عديدة.
3-  يحد هذا النظام من سيطرة الأحزاب الكبيرة على الحياة السياسية، عبر سيطرتها على السلطتين التنفيذية والتشريعية ومن ثم سهولة سيطرتها على السلطة القضائية، وهذا الأمر وفي حال حدوثه فأنه يخل بمبدأ فصل السلطات الضروري لقيام نظام ديمقراطي.

لقد كان من الطبيعي أن ترفض الحكومة والحزب الحاكم مقترح تعديل النظام الانتخابي، وتسوق الحكومة عدد من الأسباب التي تجعلها ترفض هذا النظام، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
-        أن أي تعديل للنظام الانتخابي يتطلب تعديل دستوري، فوفقا للمادة (63) من الدستور والتي تنص على " يتألف مجلس النواب من ثلاثمائة عضو وعضو واحد، ينتخبون بطريق الاقتراع السري العام الحـر  المباشر المتساوي  وتقسم الجمهورية إلى دوائر انتخابية متساوية من حيث العدد السكانـي مع التجـاوز عن نسبة  (  5%  ) زيادةً أو نقصاناً وينتخب عن كل دائرة عضـو واحـد" فأن هذه المادة وفقا لتفسير الحكومة والمؤيدين لها، لا تتماشى ومقتضيات النظام النسبي. في المقابل ترى المعارضة أن هذه المادة لا تنص صراحة على النظام الانتخابي الحالي ولا تحول دون تبني النظام النسبي. وفي كل الأحوال فأن كل طرف متمسك بتفسيره الخاص لهذه المادة، وهو ما يبقي الجدل دائرا حولها نظر لغياب أي جهة يأنس لها الطرفان ويحتكمان لتفسيرها، كالمحكمة العليا، والتي يناط بها تفسير القضايا الخلافية في بنود الدستور، ولهذا فأن كل طرف سيبقى متمسكا بتفسيره الخاص لهذه المادة.
-        ترى الحكومة والمؤتمر الشعبي بأن النظام النسبي غير ملائم لليمن ويحمل الكثير من المشكلات من أهمها:
أ‌-      أن هذا النظام معقد ولا يتناسب وطبيعة المجتمع اليمني الذي تنتشر فيه الأمية بشكل كبير وهو ما يصعب الأمر على الناخب اليمني.
ب‌-   العمل بالنظام النسبي سيحرم الكثير من المناطق بممثلين لها في المجالس التشريعية حيث أن الفوز عن طريق القائمة الحزبية يعني بأن بعض المناطق كالمدن الرئيسية مثلا سيتصدر سكانها القائمة ، ومن ثم سيحصلون على تمثيل أكبر مما سيحصل عليه سكان المناطق النائية والذين سيأتي الكثير منهم في ذيل القوائم الحزبية.
ت‌-   سيعمل النظام النسبي على إضعاف الأحزاب الكبيرة وسيحرمها من الحصول على ألأغلبية المطلقة الضرورية لتشكيل حكومة بمفردها، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى قيام حكومات ائتلافية عادة ما تتسم بالعجز والضعف في حكم وإدارة شئون الدولة.
إن هذه المبررات التي تسوقها الحكومة وحزب المؤتمر الشعبي الحاكم، حين ترفض القبول بتغيير النظام الانتخابي تخفي خلفها أسباب أكثر عمقا من ذلك، ومن أهم هذه الأسباب تيقن الحزب الحاكم بأن تغيير النظام الانتخابي الحالي وتبني النظام النسبي يعني حرمان الحزب من الامتيازات التي يوفرها النظام الانتخابي الحالي، وأهمها السيطرة الكاسحة للحزب على مجلس النواب. ولهذا فأن من غير المتوقع أن يقبل حزب المؤتمر الشعبي، المستفيد من النظام الحالي، تغييره إلى نظام أخر يضره ويفيد خصومه.
أن هذه القضية ستضل من أكثر قضايا الخلاف بين أطراف اللعبة السياسية إذ من غير المتوقع أن يحدث اتفاق حولها للأسباب التي تم ذكرها سابقا، لهذا فأن من المتوقع أن تبقى هذه القضية محل جدل في المرحلة القادمة.
ثانيا: آلية تشكيل اللجنة العليا للانتخابات:
تتولى اللجنة العليا للانتخابات مسئولية إدارة الانتخابات، وهي لهذا السبب تحتل أهمية قصوى في العملية السياسية والانتخابية، ونظرا لما لها من أهمية في التأثير على نتائج الانتخابات، فان آلية تشكيلها وطبيعة ممارستها لعملها، كانت من المواضيع الخلافية الدائمة بين أطراف اللعبة السياسية، فمنذ قيام الوحدة وحتى الآن لم تتفق هذه الأطراف على صيغة واحدة، فقانون الانتخابات تم تعديله أكثر من مرة تبعا للتطورات السياسية وانسجاما مع رغبة بعض القوى المهيمنة على الحياة السياسية.
وتشتكى أحزاب المعارضة ومنذ فترة طويلة من الآلية المتبعة في تشكيل اللجنة، حيث ترى أن اللجان التي شكلت منذ ما بعد لجنة 1992 والتي أشرفت على انتخابات 1993، كانت تفتقر إلى التوازن الضروري لعمل اللجنة، فهذه اللجان وفقا للمعارضة، كانت تعمل لصالح حزب المؤتمر الشعبي، نتيجة لخلل في قانون الانتخابات، وهو القانون الذي تتضمن المادة رقم (19) منه على أن تتشكل اللجنة من تسعة أعضاء يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية من بين قائمة تحتوى على (15) أسما يرشحهم مجلس النواب يتم إقرارها بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب[3]. وبموجب المادة السابقة فأن حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، والذي أمتلك أغلبية الثلثين في مجلسي (1997 ، 2003) استطاع أن يضع القائمة التي تتماشى ومصالحة، ومن ثم تعيين أعضائه أو الموالين له في اللجنة العليا، خاصة وان رئيس الجمهورية هو رئيس المؤتمر الشعبي الأمر الذي يعني هيمنة الحزب على اللجنة.
ومما زاد من حدة الخلاف على آلية تشكيل اللجنة، انتهاء الفترة الدستورية للجنة في نوفمبر 2007 وقيام الحكومة في نفس الشهر بالتقدم للبرلمان بتعديل للقانون تضمن بنود اشتملت على أن تتشكل اللجنة من القضاة، وهي المقترحات التي رفضتها أحزاب المعارضة بشدة، مستندة على حجة أن التعيين من القضاة في ضل هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، يعني عمليا سيطرة الحكومة المطلقة على عمل اللجنة، وهو أمر يعد، من وجهة نظر المعارضة، أسوا من الوضع السابق الذي كانت تتشكل بموجبه اللجنة من الأحزاب.
وخلال جولات الحوار التي دارت بين المعارضة والسلطة ممثلة برئيس الجمهورية، أتفق الجانبان على صيغة، اعتبرت في حينها حل توافقي، تضمنت الصيغة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وفق القانون النافذ، على أن يتم الاتفاق الضمني بأن تتشكل اللجنة العليا على أساس المحاصصة الحزبية بين المشترك والمؤتمر الشعبي، يحصل بموجبها المؤتمر الشعبي على خمسة أعضاء ومنصب نائب رئيس اللجنة، في مقابل أن تحصل أحزاب المشترك على أربعة أعضاء ومنصب رئيس اللجنة. وتم الاتفاق على ذلك وفق حزمة من التعديلات على القانون تمت مناقشتها في المجلس وتضمنت عدد من النقاط، أكثرها قضايا ثانوية لا تتعلق بتغييرات جذرية في القانون.
ورغم الاتفاق المذكور، إلا أنها لم ترى النور بسبب الخلافات التي طرأت في أخر لحظة حول قضية تسمية ممثلين المشترك في اللجنة، كما سبق وذكرنا، ففي الجلسة التي عقدها مجلس النواب في يوم 18 -8 -2008 لإقرار تلك التعديلات، أسقط النواب التابعون للمؤتمر الشعبي هذه التعديلات، بحجة تأخر المشترك من تقديم أسماء ممثليه في اللجنة العليا للانتخابات. وفي خطوة سريعة وغير متوقعة صوت أعضاء كتلة المؤتمر على إعادة العمل بالقانون النافذ وكذلك التصويت على قائمة بخمسة عشر أسما لرئيس الجمهورية ليتم اختيار تسعة أعضا منهم للجنة الجديدة. وقد انسحبت كتلة المشترك من التصويت واعتبرت ما حدث بأنه انقلاب على الاتفاقية التي أبرمتها مع الرئيس، واستفراد من قبل المؤتمر بتشكيل اللجنة العليا.
وقد تم الكشف عن بعض الأسباب التي أدت إلى ذلك الفعل، حيث ذكرت الأنباء أن رفض المؤتمر للتعديلات أتى على خلفية قيام أحزاب المشترك بتسمية ممثلين لها في اللجنة لم تكن مقبولة من قبل المؤتمر، والذي كان يصر على أن يختار المؤتمر ممثلي أحزاب المشترك بنفسه، وهو أمر اعتبرته أحزاب المشترك غير منطقي إذ لا يعقل أن يترك للمؤتمر حرية اختيار ممثليه في اللجنة بينما يمنح المؤتمر حق اختيار ممثلي المشترك.
وبعد هذه الخطوة، أصدر رئيس الجمهورية قرار بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات ضمت سبعة من أعضاء اللجنة المنتهية ولايتها بما فيها الرئيس وأثنين أعضاء جدد أحدهما عضو مفصول من الحزب الاشتراكي.
وعلى أثر ذلك جمد أثنين من الأعضاء المعينين المنتمين لأحزاب المشترك عضويتهما ولم يوديا اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، كما ينص عليه القانون، فيما بدأت اللجنة الجديدة مهامها بشكل اعتيادي.
وقد طعنت أحزاب المشترك في كل هذه الخطوات حيث رأت أنها حملت مخالفات قانونية وإجرائية، وخروجا على القواعد الديمقراطية. ومن بين المخالفات القانونية التي ساقتها المعارضة، قيام مجلس النواب بالتصويت على تفعيل قانون نافذ، والتصويت على قائمة المرشحين للجنة العليا في نفس الوقت وبدون نقاش حولها.
وبالرغم من هذه الاعتراضات إلا أن السلطة تجاهلتها، وباشرت اللجنة عملها بشكل طبيعي، وبدأت بالتحضير للانتخابات، ومن ذلك تشكيل لجان قيد وتعديل جداول الناخبين والتي باشرت عملها في شهر نوفمبر 2008، رغم مقاطعة أحزاب المشترك وتشكيكهم في شرعية هذه اللجان. وهو ما أدى إلى احتجاجات قام بها المشترك في عدد من المناطق كما سبق وذكرنا.
ثالثا الخلاف حول آلية عمل اللجنة:
خلال جولات الحوار التي دارت بين أحزاب المشترك والسلطة، طالبت أحزاب المشترك بأن يتم تعديل القانون باتجاه تغيير الآلية التي تدار بها اللجنة العليا ومن بين المطالب التي ذكرتها هذه الأحزاب في أكثر من مناسبة، جعل نصاب التصويت في اللجنة العلياء بأغلبية الثلثين في القضايا المتعلقة بالتوظيف والتعيين للمناصب في اللجنة العليا واللجان التابعة لها، وكذلك في إقرار اللوائح الخاصة بعمل اللجنة، وكذلك وثيقة المصادقة على نتائج الانتخابات[4].
وتهدف أحزاب المشترك من هذه التعديلات تجاوز إي أغلبية مطلقة (النصف +1) التي قد يتمتع بها المؤتمر داخل اللجنة وجعل إقرار القضايا الرئيسية يتم عبر التوافق، من خلال اشتراط نصاب الثلثين، وفي حال أقر هذا التعديل فأن ذلك يعني إعادة صياغة عمل اللجنة واللجان التابعة لها بشكل جذري، وهو ما ترى المعارضة بأنه شرط ضروري لقيام انتخابات حرة ونزيهة.
رابعا: إلغاء الموطن الثالث:
بحسب قانون الانتخابات الحالي فأنه للناخب ثلاثة مواطن انتخابية يحق له أن يختار واحد منها ليصبح موطنه الانتخابي الذي سيمارس فيه حق التصويت أو الترشح. والموطنين الأول والثاني هما محل الإقامة والسكن الدائم للعائلة أما الموطن الثالث فهو مقر العمل. وقد كان الموطن الثالث محل خلاف وجدل بشكل دائم، على أساس اتهام المعرضة للحكومة بأنها قد سخرت هذه الموضوع لصالحها، من خلال استخدام مقر عمل العاملين في الحكومة والجيش للتأثير على نتائج الانتخابات. فوفقا للمعارضة فأن الحكومة تقوم بعملية تنقل واسعة للجنود تستهدف من ورآها تغيير قوام الناخبين باتجاه المرشحين التابعين للحزب الحاكم.
وخلال عام 2008 أصبح موضوع إلغاء الموطن الثالث من القضايا التي يصر المشترك على تحققه، كشرط لقيام انتخابات حرة ونزيهة، وقد قابلت الحكومة والحزب الحاكم مطالب المعارضة تلك بالتجاهل والرفض على أساس أن إلغاء هذا الموطن سيحرم الكثيرين من ممارسة حقوقهم الانتخابية، وتحدث المسئولين الحكوميين عن أن هذا المطلب تحديدا يستهدف حرمان أفراد الجيش والأمن من ممارسة حقوقهم الانتخابية، على اعتبار أن هذه الفئة تكون في يوم الاقتراع متواجدة في مهام حفظ الأمن في اللجان ومن ثم بعيدة عن مقر سكناها أو مقر إقامة عائلاتها (الموطن الأول والثاني) وهو ما يعني حرمانهم من ممارسة هذا الحق.
ومن الجدير ذكره هنا، أن أحزاب المشترك لم تتقدم بمقترح لكيفية تصويت الفئات التي يمنعها ظروف عملها من التصويت، كأفراد الجيش والأمن، وهو أمر يجعل من الصعوبة بمكان حل هذه القضية في المستقبل.
خامسا: الحق في حصول جميع الأحزاب على نسخة الكترونية من السجل الانتخابي:
تعتقد أحزاب اللقاء المشترك أن السجل الانتخابي يشوبه الكثير من المشاكل أهمها تسجيل من لم يبلغوا السن القانونية ووجود أسماء وهمية ومكررة، وترى هذه الأحزاب أن تصحيح الخلل في السجل الانتخابي يتطلب حصولها على نسخة الكترونية منه، وهي نسخة متوفرة لدى اللجنة العليا للانتخابات، فوجود هذه النسخة لدى الأحزاب يسهل عليها اكتشاف الكثير من المشاكل التي تعتري السجل الانتخابي. وترفض اللجنة ومن ورآها الحكومة وحزب المؤتمر، الاستجابة لهذا المطلب، بحجة أن توفر السجل لدى الأحزاب، قد يؤدي إلى تسربه إلى أطراف أخرى قد تسيء استخدامه، خاصة وأن السجل الانتخابي يحتوى على صور الناخبين بما في ذلك صور النساء الأمر الذي قد يؤدي إلى إثارة حساسية في مجتمع محافظ مثل اليمن، وترى أحزاب المعارضة أن سبب الرفض يعود إلى أسباب سياسية كون السجل الحالي ملي بالمشاكل التي تستفيد منها الحكومة.
سادسا:حيادية الدولة في العملية الانتخابية:
في جميع الانتخابات التي جرت في اليمن، تشتكي أحزاب المعارضة بأن الحزب الحاكم يسخر الدولة بكل إمكاناتها من أجل مصلحته، فهناك شكوى دائمة من أن الحزب الحاكم يحصل بشكل غير مشروع، بشكل مباشر أو غير مباشر، على أموال عامة خلال العملية الانتخابية وهو لهذا الغرض يخل بمبدأ تكافؤ الفرص الضروري لقيام انتخابات نزيهة وعادلة. لهذا الغرض فأن أحزاب المعارضة ما فتئت تلح على ضرورة حيادية الدولة في العملية الانتخابية، ويعني ذلك توفر الشفافية في قضية تمويل الأحزاب، خاصة خلال المواسم الانتخابية، وكذلك حيادية أجهزة الدولة والتي تشمل: وسائل الإعلام الحكومية ومرافق الدولة المختلفة، وإبعاد الوظيفة العامة والموظفين العامين عن النشاط السياسي خلال الانتخابات، إما بالضغط عليهم للتصويت لمرشحي الحزب الحاكم، أو تسخيرهم في العمل لصالح هؤلاء المرشحين.
وقد حاولت أحزاب المشترك أن يتضمن ذلك في التعديلات الملغاة في أغسطس وتمكنت من تعديل بعض الفقرات التي تساعد على ضمان حيادية الدولة، غير أن تلك التعديلات لم تكن بالمستوى الذي تريده المعارضة، ومع ذلك وبعد سقوط التعديلات فأن أحزاب المعارضة مستمرة بالمطالبة بإجراء تعديلات صريحة وواضحة على قانون الانتخابات تحد من استخدام موارد الدولة لصالح حزب ما.
 إلى جانب هذه القضايا، هناك عدد من القضايا الخلافية تتعلق بقضايا فنية بحتة، كوجوب توقيع أعضاء اللجان الفرعية على ورقة التصويت، قبل تسليمها للناخب، وكذلك الاعتماد حصريا على البطاقة الشخصية عند التعريف بطلب القيد أو الانتخاب، بالإضافة إلى إعادة فحص ملفات العاملين في اللجنة العلياء والفروع التابعة لها وتوظيفهم وفق شروط تضمن عدم سيطرة جهة ما على قوام الموظفين.
إن أحزاب المشترك بمطالبها تلك، والتي تصر على أنها شروطها للدخول في الانتخابات، والرفض العلني أو الضمني لهذه المطالب من قبل الحكومة والحزب الحاكم. أدخل البلد في مأزق يصعب التنبؤ بكيفية الخروج منه.
فالحكومة والحزب الحاكم يصران على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في 27 أبريل 2009 على أساس أن هذا حق دستوري يجب القيام به، وعلى اعتبار أن أي تأجيل أو تغيير في موعد الانتخابات سيخلق فراغ في المؤسسات الدستورية وسيعمل على خلق بيئة أزمة تعتقد الحكومة أنها ستؤدي إلى مشاكل كبيرة، اليمن في غنى عنها، فيما ترى المعارضة الممثلة بأحزاب المشترك أن قيام انتخابات وفق الوضع الراهن، عمل لا فائدة منه وهدر للموارد العامة الشحيحة في انتخابات صورية غير حقيقية.



الانتخابات مشكلة قانون أم أزمة نظام


منذ قيام الوحدة عام 1990 تم إجراء ثلاث انتخابات برلمانية واثنتين رئاسية ومحلية، وجميع هذه الانتخابات كانت تشهد خلافات بين الأطراف السياسية شملت معظم جوانب العمليات الانتخابية ابتداء بالإجراءات وانتهائا بالنتائج التي كانت تتمخض عنها.
وكانت الانتخابات البرلمانية، ولازالت، تستحوذ على النصيب الأكبر من الخلافات، ويعني ذلك أن النخب السياسية لم تتفق بعد على واحدة من أهم أوجه العملية الديمقراطية.
تمثل الانتخابات النيابية بالنسبة للسلطة المصدر الرئيسي إن لم يكن الوحيد للحصول على الشرعية الدستورية في حكم اليمن، فالنظام الحاكم في اليمن لا يمتلك أي مصدر من مصادر الشرعية الأخرى غير شرعية التفويض الشعبي التي يتم التعبير عنها بالانتخابات. فلا يملك النظام أي شرعية أخرى كالشرعية المستمدة من الدين أو التقاليد أو تلك الشرعية المعتمدة على الإنجاز والكفاءة أو الشرعية المعتمدة على الكاريزما أو أي مصدر أخر من مصادر الشرعية - كالشرعية الثورية - التي أدعتها بعض من الأنظمة التي استولت على الحكم بانقلابات عسكرية.
إن شرعية التفويض الشعبي أصبحت منذ الوحدة الأساس التي تقوم عليه شرعية النظام الحاكم في اليمن، وفي حال فقدت الانتخابات لمصداقيتها فأن شرعية السلطة تصبح مشكوكا بها، الأمر الذي يضعفها ويجعلها غير قادرة على الدفاع عن نفسها أمام أية أخطار تحدق بها.
ولكي تكون الانتخابات قادرة على منح الشرعية للنظام لا بد أن تتوفر لها عدد من العناصر أهمها:
1-    مشاركة جميع القوى السياسية، وتحديدا المعارضة التي يمثلها في الوقت الحالي (اللقاء المشترك)، فمشاركة اللقاء المشترك في الانتخابات يصبغ على الانتخابات طابع التنافس والتعددية ومن ثم المصداقية. ويعني ذلك أن مشاركة اللقاء المشترك هو الشرط الضروري لإنجاح الانتخابات.
2-     قبول المشاركين في العملية الانتخابية بنتائج الانتخابات وهذا القبول لن يتحقق إلا بتوفر حد أدنى من تكافؤ الفرص للقوى المتنافسة وتحديدا المعارضة. وتكافؤ الفرص يتحقق من خلال توفر إدارة انتخابية تحظى بالقبول من الأطراف المشاركة وتكون قادرة على توفير الظروف التي تحقق قدرا معقولا ومقبولا من تكافؤ الفرص.
3-    تحتاج الانتخابات لكي تكون شرعية إلى شهادة مراقبين مستقلين (محليين وأجانب) يؤكدون بأن  الانتخابات قد تمت وفق الحدود والمعايير الديمقراطية. وهذه الشهادة تعد ضرورية للأحزاب الفائزة ليردا على أي تشكيك أو عدم قبول بنتائج الانتخابات قد ترد من قبل الأحزاب الخاسرة.
أن تحقق هذه الشروط أمر في غاية الأهمية لأي سلطة تنبثق عن هكذا انتخابات، إذ بإمكانها بعد ذلك أن تكون سلطة شرعية استمدت وجودها من تفويض شعبي حر وحقيقي. وغياب هذه الشروط أو بعضها سيشكك بشكل كبير في شرعية النظام السياسي المنبثق عن هذه الانتخابات. وهو الأمر الذي سيضعف من أداء هذا النظام ويجعله أضعف في مواجهة خصومه. وعلى افتراض أن الانتخابات القادمة افتقدت للشروط السابقة فأن السلطة ستجد نفسها وقد أضرت بمشروعيتها أكثر من أي مرحلة سابقة، وهو الأمر الذي سوف يعطي خصومها قوة أكبر في مقاومتها.
في المقابل تدرك المعارضة أن مشاركتها في الانتخابات تمنح النظام شرعية وجوده الدستوري والأخلاقي ولهذا فأنها تحاول أن تستفيد من هذا الأمر بأقصى درجة ممكنة. ولكون الأمر على هذا النحو فأن المعارضة في الوقت الحالي أصبحت في موقف قوة أفضل من أي وقت سابق وهو ما يجعلها قادرة على أن تساوم النظام بشكل لم يألفه منها من قبل. ومما زاد من قوة المعارضة تكتلها ضمن اللقاء المشترك، وهو التكتل الذي صمد طوال الفترة الماضية رغم محاولات السلطة المستمرة لإضعافه وتفكيكه، وما يبرهن على قوة اللقاء المشترك عجز السلطة في أكثر من مناسبة من تمرير التعديلات الدستورية أو تعديل قانون الانتخابات الذي كان يستهدف تعيين قضاة في منصب اللجنة العليا للانتخابات. وكل هذه الأمور زادت من ثقة المشترك بنفسه وفي نفس الوقت أدركت السلطة صعوبة تجاوزه وحاجتها للتوافق معه.
ومما زاد من قوة المشترك تزايد المشاكل السياسية التي واجهها النظام الحاكم خلال السنوات الماضية من مثل التمرد الحوثي والحراك الجنوبي وتزايد نشاط الجماعات الإرهابية، والتي عجز النظام عن احتواها سياسيا أو عسكريا، إلى جانب ذلك فأن المشاكل الاقتصادية المتصاعدة، والناجمة عن التضخم في الأسعار خلال السنوات الأخيرة وتناقص الدخل من النفط نتيجة انخفاض الإنتاج والأسعار، كل هذه المشاكل جعلت النظام في وضع أضعف مما كان عليه الحال في السابق، وهو وضع من الطبيعي أن تستثمره المعارضة في صالحها، وهو ما ينبئ بخلق مشهد سياسي جديد في اليمن من الممكن اختصاره في نضال المشترك بتغيير قواعد اللعبة السياسية. وهي القواعد الذي سعى النظام إلى ترسيخها منذ انتهاء الحرب عام 1994 والتي يمكن تحديد أهمها في الأمور التالية:
أ‌-       الاحتكار المطلق للسلطة من خلال الفوز في جميع الانتخابات بأغلبية تتجاوز الثلثين، وهو ما يمكنها من احتكار كامل وشامل للسلطة والثروة. فمن خلال هذه الأغلبية تستطيع السلطة أن تمرر جميع قراراتها بما في ذلك إعادة صياغة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالطريقة التي تخدم مصلحتها. فحصولها على أكثر من ثلثي مقاعد مجلس النواب منذ انتخابات 1997 جعلها قادرة على إجراء التعديلات الدستورية والقانونية التي هدفت إلى ديمومة سيطرتها على السلطة.
ب‌-    تحديد سقف محدد لنفوذ خصومها في البرلمان والمجالس المنتخبة يقفون عنده وهذا السقف لا يتجاوز نسبة الـ20% وهي نسبة لا تمكن المعارضة من أن تعيق أي أجراء أو سلوك تمارسه السلطة.
ت‌-   المحافظة على المعارضة تحت السقف المذكور للمحافظة على الشكل الديمقراطي للنظام الذي يمنحه الشرعية الداخلية والخارجية.
ث‌-    التضييق على المعارضة بوسائل كثيرة وجعلها في حاجة دائمة للسلطة خاصة في الجوانب المالية.
ج‌-     السيطرة المطلقة على موارد الدولة وتسخيرها في خدمة الحزب الحاكم خاصة فيما يتعلق بالموارد المالية والإعلام وهما من أهم العوامل التي تضمن للسلطة الديمومة.
ح‌-    إضعاف السلطة القضائية وجعلها ملحقة بالسلطة التنفيذية مما يمكنها من استخدام هذه السلطة في قمع وإضعاف المعارضين لها، وهو ما ظهر في أكثر من مناسبة.
خ‌-    جعل جميع الوظائف العليا والوسطى وحتى الوظائف العادية حكرا على أعضاء الحزب الحاكم، مما يعني إضعاف أحزاب المعارضة.
أن هذه القواعد هو ما تحاول أحزاب اللقاء المشترك منذ عام 2005 وحتى الآن تعديلها أو تغييرها، بينما نجد أن السلطة ترى في هذه القواعد وكأنها حق من حقوقها التي لا يمكن التنازل عنها. ولكون الممارسة السياسية هي صراع قوة وفق ما يملكه كل طرف من مصادر قوة، فأن أحزاب المعارضة أصبحت تدرك أن الأوضاع الحالية تمكنها من أن تعيد صياغة قواعد اللعبة فيما السلطة من جهتها لا ترى بأن هناك شيا تغير على الأرض يجعلها تقبل بذلك.
أن ما يجعل من تغيير قواعد اللعبة أمرا صعبا يتمثل في تعود النظام على هذه القواعد واطمئنانه لها ورسم كل خططه المستقبلية وفقا لها. لهذا فقد أصبح أمر تغيير هذه القواعد أو تعديلها من الأمور الصعبة على السلطة، إذ أنها تعتقد بأن تعديل قواعد اللعبة سيؤدي في نهاية المطاف إلى خروجها من السلطة أو الحد من السلطة المطلقة التي تتمتع بها. وهي أمور يبدوا أن السلطة لم تهيئ نفسها له، كما وأن قبولها بتغيير هذه القواعد يعني تغييرا في خططها المستقبلية التي رسمتها. لذلك نجد أن السلطة غير مستعدة، في الوقت الحالي على الأقل، أن تقبل بتغيير قواعد اللعبة.
لقد كانت الثلاث سنوات الأخيرة بمثابة الذروة في الصراع بين السلطة والمعارضة من أجل تغيير قواعد اللعبة ورغم أنه لم تظهر نتائج واضحة لهذا الأمر إلا أن من الممكن الإشارة إلى قضيتين تظهران ما ذهبنا إليه. الأولى كانت حين تحدت المعارضة السلطة وأنزلت مرشح خاص بها في الانتخابات الرئاسية نافس إلى حد كبير مرشح السلطة. والثانية حين لم تتمكن السلطة من تمرير التعديلات الدستورية التي طرحتها عام 2007 بعد أن واجهت معارضة من قبل المشترك. وستكون القضية الثالثة، وأعتقد بأنها ستكون الأهم، قضية الانتخابات النيابية عام 2009. وحتى الآن فأن الجميع في حالة امتحان والمستقبل سيرينا نتائج هذا الامتحان.  
·         بعد إعداد هذا التقرير تم الاتفاق بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك في 24 فبراير 2009  على تأجيل الانتخابات لمدة عامين، يتم خلالها إجراء تعديلات دستورية وقانونية تشمل تغيير النظام الانتخابي وعدد من القضايا الأخرى.
ويعد هذا الاتفاق مخرج للأزمة التي كان من المتوقع حدوثها في حال تمت الانتخابات بمقاطعة أحزاب المشترك، غير أن هناك شكوك من أن الطرفان سيتوصلان إلى اتفاق حول القضايا الخلافية خلال الموعد المحدد مما يعني أن الأمر لا يعدوا كونه ترحيل للأزمة وليس حلا لها.



[1] تقرير المعهد الديقراطي حول القيد والتسجيل 2008   http://www.ndi.org/files/Yemen_2008VoterRegistrationReport-Arabic.pdf
[2] قدر أحد الباحثين نسبة المشايخ الذين فازوا في انتخابات مجلس النواب عام 2003 بما نسبته 30% من إجمالي المجلس تلتها فئة رجال الأعمال بما نسبته 26% . د. عبدالجليل الصوفي: نتائج الانتخابات النيابية 27 أبريل 2003م مؤشرات ودلائل،شئون العصر عدد (12) صنعاء ص (203)
[3] أ-تشكل اللجنة العليا للانتخابات من تسعة أعضاء يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية من بين قائمة تحتوى على (15) اسماً يرشحهم مجلس النواب ممن تتوفر فيهم الشروط المحددة في المادة(21) من القانون رقم 13 لسنة 2001م .
ب-يكون إقرار قائمة المرشحين لعضوية اللجنة العليا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.

[4] الإطار السياسي لرؤية اللقاء المشترك لمتطلبات إجراء انتخابات حرة ونزيهة  http://www.alwahdawi.net/narticle.php?sid=4991

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدور الخارجي في حرب 1994

هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟ دراسة قانونية/سياسية

لماذا هجمات الحوثيين غير مؤثرة على الحرب في غزة؟