اليمن الخليج 20-20
أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص
ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل
م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث
ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش
ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك
ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت
ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س
ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق
ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب
ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز
س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف
ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ
ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر
ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ
ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي
أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ
ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع
غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و
ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د
ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ
ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ
و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ
د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط
ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن
هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح
خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض
ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م
ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج
ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص
ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل
م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث
ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش
ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك
ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت
ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س
ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق
ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب
ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز
س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف
ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ
ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر
ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ
ف ق ك ل م ن هـ و يأ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و
يأ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك
|
اليمن
– الخليج 2020
عبدالناصر المودع
|
جدول المحتويات
هذه
الدراسة واحدة من عدد من الدراسات المستقبلية التي يقوم بها منتدى التنمية
السياسية في اليمن بالتعاون مع مؤسسة فريدرش إيبرت الألمانية ضمن مشروع استشرافي
لما سيكون عليه الوضع في اليمن عام 2020. وقد تم اختيار العام 2020 لأسباب فنية متعلقة بالوقع
السحري للرقم ولكون هذا التاريخ قد تم استخدامه في عدد من الدول في مشاريع مشابهة.
وتشمل الدراسة عدد من القضايا التي يمكن أن تتحكم بمصير اليمن مثل: تناقص الموارد،
ندرة المياه، التزايد السكاني، الحكم المحلي و العلاقات اليمنية الخليجية.
وكما
هو ملاحظ فإن بعض القضايا مشاكل منذرة بأزمات، كتناقص الموارد وندرة المياه
والتزايد السكاني فيما تعد القضايا الأخرى وكأنها جزء من الحلول لهذه المشاكل. حيث
نجد أن الحكم المحلي الجيد وتطوير العلاقات اليمنية الخليجية سيعملان على التخفيف
من وطأة المشاكل المذكورة.
تعد
اليمن من بين الدول الأكثر فقرا في العالم، فمتوسط دخل الفرد لا يزيد عن 1000$[1]، ويصنف
ما يقارب 40% من السكان بأنهم فقراء[2]. ويعتمد
اقتصاد اليمن على النفط، والذي يشكل 90% من إجمالي الصادرات وأكثر من 70% من
ميزانية الدولة وما يقارب الثلث من قيمة الناتج المحلي[3]. وينعكس
الوضع الاقتصادي السيئ على الأوضاع الاجتماعية، حيث نجد أن متوسط العمر المتوقع
لليمني عند الولادة = 61 سنة[4]، فيما
يموت طفل واحد من بين كل 11 ولادة حية قبل
سن الخامسة[5]، ويعاني
46% من الأطفال دون الخامسة من نقص الوزن، فيما أن 33% من السكان لا يحصلون على
الحد الأدنى من حاجتهم إلى الطاقة الغذائية[6]. وتنتشر
الأمية في اليمن بشكل واسع حيث نجد 36% ممن هم في سن 15 وأعلى أميين أغلبهم من
الإناث. ولا يلتحق بالتعليم الابتدائي سوى 59% ممن هم في سن التعليم[7].
ويواجه
اليمن طيفا واسع من المشاكل منها: زيادة في عدد السكان حيث تبلغ نسبة الزيادة
السنوية 3% وهو ما يعني تضاعف عدد السكان كل 22 سنة. ونقصا في المخزون الجوفي من
المياه، حيث يشهد اليمن عجزا متزايدا في المياه قدر في عام 2007 بما يقارب المليار
متر مكعب، يتم تعويضه من المخزون الجوفي الذي يتوقع نضوبه في بعض المناطق خلال عدد
قليل من السنيين، وتناقصا في إنتاج النفط يصل إلى 12% سنويا، وهو ما يعني توقف
إنتاج النفط خلال فترة قصيرة.
إلى
جانب ذلك فإن اليمن يواجه مشاكل سياسية / أمنية كحركة التمرد المسلحة لجماعة
الحوثي التي بدأت عام 2004، ودعوات انفصالية في المناطق الجنوبية، وعمليات إرهابية
ضد أهداف محلية وأجنبية. وتحدث هذه المشاكل في ظل عدد من المنازعات القبلية، وتدن
في حكم القانون نتيجة ضعف السيطرة الحكومية على بعض المناطق، وانتشار السلاح لدى
المواطنين بكثافة. كما أن اليمن يستقبل مئات الألوف من اللاجئين، معظمهم قادمون من
الصومال.
هذه
المشاكل وغيرها تشير إلى أن اليمن، وفي المستقبل القريب، ربما يسقط في أوضاع
الدولة الفاشلة وهي حالة تشير العديد من الدراسات إلى أنه أصبح قريبا منها، إن لم
تتخذ خطوات محلية وإقليمية ودولية تحول دون ذلك. ومن الأفكار الرائجة في هذا الشأن،
ما يراه الكثيرون من أن دمج اليمن بمحيطة الإقليمي (دول مجلس التعاون)، سوف ينقذ
اليمن من المصير السيئ الذي ينتظره. فدول الخليج ذات الموارد الاقتصادية الضخمة
قادرة على انتشال اليمن من حالته الراهنة، ومن ثم الحيلولة دون أن يصبح دولة
فاشلة.
وتنبع
هذه الأفكار من حقيقة الأوضاع في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث نجدها تتمتع
باقتصاديات قوية. فالناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول وصل عام 2007 إلى 822 مليار$
مقارنة بـ 20 مليار$ لليمن، واحتياطي النفط فيها يقدر بـ 472 مليار برميل مقارنة
بـ 3 مليار برميل للاحتياطي اليمني من النفط (أنظر الجدول رقم 1) وفوائض مالية
تُقدر بأكثر من 2000 مليار$.
أن حل
جزء من مشاكل اليمن عبر دمجه بجيرانه الأغنياء يبدو معادلة سهلة، فوفقا لهذه
المعادلة، فإن الدول الخليجية لن تخسر كثيرا في حال خصصت جزءا يسيرا من مواردها
لدعم اليمن، وهو ما سيجنبها خسائر أكبر في حال لم تقم بذلك وتركت اليمن يتحول إلى دولة
فاشلة. غير أن هذه المعادلة ليست بالصورة التي تبدو عليها، وهذا ما ستسعى الدراسة
إلى تبيانه وفق الظروف والمعطيات الحالية وتلك المتوقعة في المستقبل.
والحقيقة
التي لا مفر منها هي أن ما يفصلنا عن عام 2020 ليس بالفترة الطويلة – 11 عاما –
وهي فترة تعد قصيرة نسبيا، وهو ما يجعلنا نعتقد بأنه من غير المتوقع أن تحدث تغييرات
كبيرة في طبيعة العلاقات اليمنية الخليجية، ألأمر الذي قد يقلل من قيمة وأهمية هذه
الدراسة وتوقعاتها. ومع ذلك، لا بد من التنبيه إلى أن التاريخ يعلمنا بأن أحداثه
لا تسير دائما بشكل بطي ورتيب، فكثير من الأمور والأحداث التي تأتي دون تخطيط أو
إنذار مسبق، تُـغير من رتابة الأوضاع وتحرفها باتجاهات لم يكن أحد يتصورها. فالأحداث
التي تعصف بالمجتمعات والدول قد لا يكون مصدرها أوضاعا محلية، بل إنها قد تأتي من أماكن
بعيدة جدا.
ولنا
في أحداث 11 سبتمبر نموذج يبين كيف أن حدثا ما يقع في منطقة من العالم، إلا أن
تأثيراته تطال مناطق بعيدة جدا عن مكان الحدث. فهذا الحدث عمل على تغيير مستقبل
أمم وشعوب بعيدة عن موقعه. فمن كان يعتقد قبل أحداث 11 سبتمبر بأن تاريخ المنطقة
العربية والإسلامية، وحتى العالم، سيتغير بالشكل الذي حدث بعد هذه الأحداث؟ إن ما
نريد التأكيد عليه هو أن 11 عاما ربما تكون فترة عادية لكنها في نفس الوقت قد تكون
فترة استثنائية تحمل بداخلها أحداثا قد
تخلق عالما آخر لا يدور الآن في خلد أحد.
تسعى هذه الدراسة إلى وضع
سيناريوهات مختلفة لما ستكون عليه العلاقات اليمنية الخليجية عام 2020، وقد قامت
الدراسة – كما سيتضح لأحقا – بوضع ثلاثة سيناريوهات محتملة لما ستكون عليه
العلاقات اليمنية الخليجية عام 2020، وتراوحت بين سيناريو متشائم وآخر متفائل وثالث
معتدل. وهذه السيناريوهات تم وضعها لأسباب فنية وأكاديمية بحته؛ إذ أن الكاتب لا
تساوره أوهام بأن أحد هذه السيناريوهات سيتحقق بالشكل الذي ذكر، فالتنبؤ الدقيق
بالمستقبل أمر يستحيل على أي دراسة علمية الإدعاء تحققه بشكل كامل. ومع ذلك، فأن فكرة
وضع هذه السيناريوهات، بالشكل الذي وردت به، وخاصة السيناريو المتشائم، يحمل
الكثير من الفائدة وفي نفس الوقت العديد المخاطر. فالكاتب لا يهدف من وراء طرح سيناريو
متشائم تحقيق سبق معرفي يخلده، بقدر ما يهدف إلى الحيلولة دون وقوع هذا السيناريو
لما له من عواقب وخيمة ستطال الجميع بما فيهم الكاتب نفسه. طرح هذا السيناريو علنا
ربما يمنع حدوثه، فضلا عن أنه تنبيه موجه للعموم، وعلى رأسهم القادرون على منع
حدوثه.
أما وجه
الخطورة في طرح مثل هذا السيناريو، فهو أنه في حال لم تتخذ خطوات تحول دون تحققه، فقد
يتحقق طبقا للفكرة التي ترى بان بعض النبوءات في القضايا الاجتماعية تحقق ذاتها، حين
يتصرف من تهمهم النبؤة وفقا لها دون محاولة تغييرها باتجاه أخر.
رغم
أن هذه الورقة هدفها الحديث عن المستقبل، إلا أن العودة للتاريخ أمر ضروري، لأن
التاريخ، في الغالب، أساس الحاضر وجزء من المستقبل. وبطبيعة الحال فإن الدراسة لن
تغرق كثيرا في التاريخ، وستركز بشكل أساسي على أهم المحطات البارزة في تاريخ
العلاقات اليمنية الخليجية كما سيرد في السطور القادمة:
العلاقات
الخليجية مع اليمن الشمالي 1962- 1990:
يعد قيام ثورة 1962 بمثابة المحطة الأبرز في التاريخ الخليجي اليمني، فقد أدى
هذا الحدث إلى زيادة في التفاعل بين اليمن ودول الخليج وتحديدا المملكة السعودية، التي
زاد اهتمامها ونفوذها في اليمن منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، وهو ما سنستعرضه
باختصار في العناوين التالية:
كان لليمن الشمالي
قبل الوحدة، علاقات متميزة مع كل دول الخليج وبالتحديد المملكة العربية السعودية،
التي كانت الداعم الأول والأساسي للحكومة اليمنية الشمالية. حيث خصصت الحكومة
السعودية ومنذ بداية سبعينات القرن العشرين مبالغ كبيرة لدعم الميزانية الحكومية
والكثير من برامج التنمية في اليمن. وفي نفس الوقت منحت السعودية مواطني اليمن
الشمالي الكثير من الامتيازات الخاصة مثل حرية الدخول والإقامة والعمل. وقد سهلت
هذه الامتيازات لأعداد كبيرة من اليمنيين العمل والإقامة في السعودية بلغ عددهم عشية أزمة الخليج - أغسطس 1990 - نحو المليون
ونصف المليون شخصا. وهو ما كان يشكل قرابة 12 % من عدد سكان اليمن في ذلك الوقت.
ويمكن
إرجاع لحظة التحول في العلاقات اليمنية السعودية إلى لحظة قيام الثورة في اليمن
الشمالي عام 1962، وما تلاها من دعم ونفوذ مصري – سياسي و عسكري – اعتبرته الحكومة
السعودية بمثابة تهديد خطير على مصالحها ووجودها. وهو ما جعلها تتبنى دعم القوى
المناهضة للثورة التي خاضت حربا لإسقاط النظام الجمهوري وإخراج الجيش المصري من
اليمن. ورغم أن تلك الحرب التي استمرت قرابة 8 سنوات لم تؤد إلى سقوط النظام
الجمهوري إلا أنها ساعدت على تضاؤل النفوذ المصري وزيادة النفوذ السعودي في اليمن
الشمالي.
ومنذ
عام 1970 وبعد اعتراف الحكومة السعودية بالنظام الجمهوري تصاعد النفوذ السعودي بشكل
كبير وواضح نتيجة لعدد من العناصر التي
يمكن ذكر أهمها في النقاط التالية:
1-
انتفاء
الخطر المصري بعد انسحاب القوات المصرية عقب هزيمة مصر في حرب 1967 أمام إسرائيل ووفاة
الرئيس جمال عبدالناصر عام 1970.
2-
اعتبرت
الحكومة السعودية سيطرة حكومة يسارية على الحكم في اليمن الجنوبي بعد خروج
البريطانيين وتبنيها لخطاب ثوري خطرا عليها. توجب قيامها بتحالف مع نظام الحكم في
اليمن الشمالي ضد الحكومة اليسارية في الجنوب وحلفائها في اليمن الشمالي. وهو تحالف
كان يقوى كلما كان الخطر القادم من جنوب اليمن يزداد على اليمن الشمالي، كما حدث
خلال حربي 1972 و 1979 اللتين اندلعتا بين شطري اليمن.
3-
زيادة
الموارد المالية للسعودية بعد ارتفاع أسعار النفط عام 1973- الطفرة النفطية
الأولى- وهو ما مكنها من لعب دور إقليميي
بارز كانت اليمن إحدى ساحاته.
4-
عدم
الاستقرار السياسي في اليمن الشمالي خلال السبعينات والذي هيأ المناخ للحكومة
السعودية للعب دور رئيسي فيه.
5-
ضعف
الموارد الذاتية لليمن الشمالي واعتمادها الكبير على المعونات السعودية لتسيير
شئونها الضرورية.
6-
هجرة
كبيرة وواسعة للعمالة اليمنية باتجاه السعودية نتج عنها زيادة كبيرة في حجم التحويلات
المالية إلى اليمن.
7- مناخ الحرب الباردة خلال الفترة المذكورة، والذي
ساعد الحكومة السعودية على زيادة نفوذها في اليمن، بعد أن حصلت على موافقة شبه
رسمية من الغرب، بأن يكون اليمن الشمالي جزءا من مناطق نفوذها.
شمل
النفوذ السعودي مجالات عديدة وواسعة، شملت القضايا السياسية والاقتصادية
الاجتماعية والثقافية. ورغم أن النفوذ السعودي كان واضحا على مجريات الأمور في
اليمن الشمالي خلال تلك الفترة، إلا أن النخب الحاكمة المختلفة في هذا البلد كانت تحرص،
كلما سنحت لها الفرصة، على تقليص هذا النفوذ. وكان ذلك يتم لها من خلال تطوير
علاقات إقليمية ودولية تحد من النفوذ السعودي. ولا بد في هذا الصدد، من ذكر العلاقات
مع الاتحاد السوفيتي السابق، والعراق، وحتى الكويت، كجزء من محاولات النخب الحاكمة
في اليمن الشمالي التخفيف من النفوذ السعودي وموازنته.
إلى
جانب علاقات التحالف مع السعودية كانت لحكومة اليمن الشمالي علاقات جيدة مع جميع
دول الخليج الأخرى، وخاصة الكويت والإمارات، واللتين كانتا تقدمان الكثير من الدعم
الاقتصادي والسياسي للحكومة اليمنية الشمالية.
العلاقات
الخليجية مع اليمن الجنوبي 1967- 1990:
سيطرت الجبهة القومية ذات التوجهات اليسارية على السلطة في جنوب اليمن عقب
خروج البريطانيين منها عام 1967. وقد تبنت الجبهة مواقف ثورية تجاه الأوضاع
الداخلية والخارجية، وخاصة خلال فترة السبعينات من القرن العشرين، وهي فترة سيطر
فيها الجناح ذو التوجهات الماركسية على السلطة في هذا البلد. وقد قام بتوثيق
علاقاته السياسية والاقتصادية مع دول المعسكر الشرقي، وتبنى خطابا معاديا للأنظمة
الحاكمة في الخليج، والتي اعتبرها دولا رجعية تابعة للدول الغربية. وفي هذا السياق،
قامت الحكومة الجنوبية بدعم الحركة الانفصالية التي كانت تطالب بانفصال إقليم ظفار
عن سلطنة عمان خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين، وهي الحركة التي
احتوتها السلطة العمانية عسكريا وسياسيا عام 1975.
لقد
كان من الطبيعي أن يواجه نظام الحكم في اليمن الجنوبي بالرفض والعداء من الأنظمة
الخليجية في السبعينات والثمانينات، حيث نجد أن جميع دول الخليج - باستثناء الكويت - لم يكن لها علاقات طبيعية مع
الحكومة الجنوبية. فالحكومة السعودية لم تعترف بالحكومة الجنوبية إلا في عام 1977[8]. ورغم
ذلك فإن العلاقات بين الحكومتين اتسمت خلال السبعينات والثمانينات بالسوء والعداء
أحيانا. وكان هذا العداء يشتد كلما كان هناك ضغط من الحكومة الجنوبية على الحكومة
الشمالية. وحتى منتصف الثمانينات كانت العلاقات السعودية مع اليمن الجنوبي سيئة في
معظمها. ولكن ومنذ منتصف الثمانينات خفت حالة العداء بين البلدين نتيجة تراجع
الخطاب الثوري لحكومة الجنوب، بعد الصراعات الدامية التي دارت بين النخبة الحاكمة
في نهاية السبعينات ومنتصف الثمانينات. وهي صراعات ترافقت مع تغيرات بدأت تشهدها
دول الكتلة الاشتراكية حليفة اليمن الجنوبي.
العلاقات
الخليجية مع الجمهورية اليمنية 1990 – 2000:
لم يكن لدول الخليج موقف موحد من الوحدة اليمنية التي تمت في مايو 1990،
إلا أن جميعها رحبت بها رسميا. ومع ذلك فإن موقف الحكومة السعودية من الوحدة لم يكن
واضحا، حيث حاولت، بشكل غير معلن وغير مباشر، منع قيامها عبر الضغط بواسطة حلفائها
من القوى المحافظة والدينية داخل النظام الحاكم في اليمن الشمالي ، وكذلك محاولة
التقرب من حكومة اليمن الجنوبي قبل عملية التمهيد للوحدة[9]. ومع ذلك
فإن المملكة السعودية لم تبد معارضة ظاهرة ورسمية للوحدة، لما كان لهذه القضية من
دعم شعبي داخل اليمن وتأييد إقليمي وعدم ممانعة دولية. وهي عوامل جعلت الحكومة
السعودية تعلن تأييدها لقيام الوحدة وتتعهد بتقديم مساعدة مالية للدولة الجديدة[10].
غير
أن هذا الوعد لم يتحقق نتيجة حدوث أزمة الخليج في أغسطس 1990 التي حرفت العلاقات
اليمنية الخليجية باتجاه جديد.
تداعيات
أزمة الخليج على العلاقات اليمنية الخليجية:
حين اندلعت أزمة الخليج لم يكن قد مر على تحقيق الوحدة اليمنية سوى بضعة
أشهر، وكانت هذه الأزمة أول امتحان حقيقي تواجهه الدولة الجديدة. فإثر حدوث الأزمة
بدت الحكومة الجديدة في وضع مرتبك، حيث فضلت الابتعاد عن اتخاذ موقف محدد منها. ففي
مجلس الأمن، الذي كان اليمن يحتل فيه مقعدا غير دائم، لم يشارك مندوب اليمن في
التصويت على القرار الذي ندد بالغزو وطالب بسحب القوات العراقية من الكويت دون قيد
أو شرط، وحدث الأمر ذاته حين امتنع اليمن عن إدانة العراق خلال مؤتمر وزراء
الخارجية العرب الذي انعقد بشكل طارئ في القاهرة على هامش اجتماع منظمة المؤتمر
الإسلامي هناك[11].
وقد
فسر ت دول الخليج موقف اليمن هذا على أنه انحياز واضح من طرف اليمن للعراق وهو ما
ظلت اليمن تنفيه حتى الآن، معتبرة أن موقف اليمن قد فُـهم خطأ من قبل الدول
الخليجية، وأن الموقف اليمني لم يكن مؤيدا للعراق في غزوه للكويت وإنما كان موقفه
محايدا يفضل حلا عربيا للمشكلة دون تدخل من أطراف دولية.
وعلى
كل فإن حقيقة الموقف اليمني قد ظهر واضحا في تناول وسائل الإعلام الرسمي وتصريحات
المسئولين اليمنيين في ذلك الحين والمظاهرات المؤيدة للعراق التي كانت تتم بمباركة
شبه رسمية. وقد أظهرت هذه الأفعال انحيازا واضحا من جانب الحكومة اليمنية إلى
الجانب العراقي خلال تلك الأزمة.
ويمكن
تفسير هذا الموقف على أنه أتى كنتيجة للعلاقات التي كانت الحكومة اليمنية الشمالية
قد رسختها مع الحكومة العراقية في نهاية ثمانينات القرن العشرين، ضمن السياسية
اليمنية القاضية بإقامة علاقات إقليمية أو دولية تخفف من النفوذ السعودي. وكان
العراق في نهاية الثمانينات هو الحليف المناسب للعب هذا الدور. خاصة وأن هذا الدور
قد ساعد في التسريع بقيام الوحدة التي تبنتها الحكومة العراقية لأسباب إيديولوجية
وسياسية.
ويمكن
إرجاع تأييد الحكومة اليمنية للعراق إلى رغبتها في عدم التفريط بحليف اعتقدت أنه
القادر على تخفيف الضغط السعودي عليها، ومساعدتها في أي صراع داخلي ضد خصومها، إلى
جانب أن ذلك الموقف كان ينسجم والمزاج الشعبي العام المعادي في معظمه للدول
الخليجية والقوى الغربية.
يمكن
اعتبار موقف الحكومة اليمنية هذا من أكبر الأخطاء التي ارتكبها اليمن بحق نفسه، إذ
أدى ذلك إلى عزلة إقليمية ودولية أسهمت في تفاقم المشاكل في اليمن، وكانت أحد
أسباب اندلاع الحرب الأهلية عام 1994. فنتيجة لهذا الموقف حُـرمت اليمن من جميع
المساعدات المباشرة التي كانت تقدمها دول الخليج لليمن، ومن بعض مساعدات الدول
الغربية خاصة الأمريكية. غير أن أكثر الأضرار فداحة على اليمن كانت عودة ما يقارب
السبعمائة ألف مغترب يمني، معظمهم من السعودية، كانوا يمثلون للاقتصاد اليمني أهم
مصدر للعملات الأجنبية. فعقب الأزمة ألغت المملكة السعودية الامتيازات التي كانت
تمنحها لليمنيين في أراضيها، وهو ما أسفر عن خروج ذلك العدد المذكور. وكان لهذه
العوامل آثار سيئة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا زال اليمن يعاني
منها حتى الآن.
وكان
للموقف اليمني من أزمة الخليج أثر واضح على موقف دول الخليج من الصراعات السياسية
في اليمن، فخلال الحرب التي اندلعت عام 1994 ساندت دول الخليج، باستثناء دولة قطر،
الطرف الجنوبي الذي أعلن الانفصال عن الدولة اليمنية، وقد اشتملت هذه المساندة دعما
ماديا وسياسيا وإعلاميا، إلا أن هذا الدعم لم يصل إلى حد الاعتراف السياسي بالدولة
الانفصالية، بسبب وجود ممانعة دولية للقبول بالدولة المنفصلة، وكذلك للتغيرات الميدانية
التي لم تكن في صالح الدولة المنفصلة[12].
بعد
انتهاء حرب 1994 حاولت الحكومة اليمنية ترميم علاقاتها مع دول الخليج، وهي
العلاقات التي تضررت من جراء هذه الحرب، ومن أزمة الخليج قبلها. وقد نجحت الحكومة
في ترميم علاقاتها مع معظم الدول الخليجية باستثناء الكويت التي لم تغفر لليمن
موقفه من أزمة الخليج، والمملكة السعودية التي كان لها ملف شائك مع اليمن هو قضية
الحدود. وهي القضية التي أدت إلى توتر العلاقات
بين البلدين خلال النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين، ومع ذلك فأن الطرفين
توصلا إلى اتفاق نهائي بشأن الحدود في عام 2000 فيما سمي باتفاقية جدة.
وبحل
الخلاف الحدودي اليمني السعودي أزاح اليمن واحدة من أكبر العقبات المعيقة لتطبيع
العلاقات اليمنية السعودية واليمنية الخليجية عموما.
العلاقات
اليمنية الخليجية منذ عام 2000:
مع بداية
الألفية دخلت العلاقات اليمنية الخليجية مرحلة جديدة، نتيجة لعدد من العوامل يمكن تلخيص أهمها في
النقاط التالية:
1- حل
مشكلة الحدود بين اليمن وكل من: عمان - 1992 - والسعودية - 2000 - ليتم إغلاق ملف
الخلافات الحدودية بين اليمن وجيرانه من دول مجلس التعاون الخليجي، والذي كان يشكل
عقبة رئيسية أمام تطوير العلاقات.
2- تطبيع
العلاقات اليمنية الكويتية وتجاوز جزء كبير من تداعيات أزمة وحرب الخليج الثانية حيث
تم إعادة فتح السفارة اليمنية في الكويت
وتعيين سفير لدولة الكويت في اليمن.
3- تزايد
الوعي بأهمية التعاون الإقليمي بين دول المنطقة في المجالات الأمنية والسياسية
والاقتصادية بعد التغيرات الكبيرة التي حدثت وظلت تحدث في المنطقة والعالم، ومن
أهمها أحداث 11 سبتمبر 2001 وتداعياتها المتواصلة على العالم والمنطقة بشكل خاص.
ونتيجة
لهذه العوامل توفرت بيئة مساعدة لقيام علاقات إيجابية بين الطرفين اليمني والخليجي
بدأت ملامحها في القرارات التي صدرت عن مؤتمر قمة دول مجلس التعاون الخليج في مسقط
نهاية عام 2001، والتي تم بموجبها ضُـم اليمن إلى بعض مؤسسات مجلس التعاون الخليجي[13]، فيما
يمكن اعتباره قبولا جزئيا بدور لليمن داخل المنظومة الخليجية، وهو قبول أتى بعد
عدد من المحاولات التي كان اليمن قد قام بها في السابق. وكانت البداية عام 1996
عندما تقدم اليمن بطلب رسمي للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي[14]، وهو
الطلب الذي تم رفضه بحجة أن النظام الأساسي للمجلس لا يسمح بانضمام أعضاء جدد إليه.
ويعد موقف
دول الخليج في مؤتمر مسقط 2001 بمثابة تطور نوعي في علاقاتها باليمن. فقبل هذا
التاريخ كانت دول المجلس ترفض مناقشة الطلب اليمني من حيث المبدأ وهو ما كان يشكل
عقبة حقيقية أمام اليمن لتطوير علاقات طبيعية ومؤسسية مع تلك الدول. غير أن
الموافقة على الانضمام التدريجي لليمن في بعض المجالات، تعني بأن الطرفين أصبحا
على قناعة بجدوى انضمام اليمن لمجلس التعاون بشكل أو آخر في المستقبل بعد أن يكون
قد تم التغلب على بعض العوائق الاقتصادية والسياسية الحالية. وبناء عليه، فإن سعي
اليمن نحو الاندماج والتكامل مع دول الخليج أصبح في أفضل حالاته منذ ذلك الحين.
حين
يتم تحليل علاقة ما بين أطراف دولية فأن أول ما يتبادر إلى الذهن هو السؤال
التالي: ماذا تريد هذه الأطراف من بعضها البعض؟ وبمعنى آخر ما هي الدوافع التي
تدفع دولة ما إلى إقامة علاقة مع دولة أو دول أخرى؟ وهناك جواب سهل وواضح يمكن
ذكره كمدخل نظري للموضوع، يتلخص في العبارة العامة التالية: "جلب المصالح
وتجنب الضرر"، فكل دولة يهمها أن تجلب علاقتها مع الدولة الأخرى
بعض الفائدة وأن لا تكون مصدر ضرر عليها في نفس الوقت. إن دولة مثل الصومال، بصفتها
دولة مشاطئة لليمن، تعتبر دولة مهمة لليمن، وتنبع أهميتها، في الوقت الحالي، مما
تشكله من ضرر على اليمن بسبب حالة عدم الاستقرار التي تعيشها منذ عقدين تقريبا.
ويفوق ذلك الضرر ما يمكن أن يحصل عليه اليمن من فوائد. أما فيما يتعلق بدولة مثل الإمارات
العربية المتحدة فإن اهتمام اليمن بها مصدره بالدرجة الأولى جلب الفائدة التي يمكن
لليمن أن يحصل عليها من خلال إقامة العلاقة معها وتطويرها.
وتقدير
المنفعة والضرر ليس بهذه البساطة، فلا توجد دولة تمثل خيرا مطلقا أو شرا مطلقا،
فالسعودية على سبيل المثال، كانت خلال الخمسين عاما الماضية، مصدرا للضرر وللمنفعة
في آن معا. فالكثير من المشاكل التي عانى
منها اليمن، وخاصة المشاكل السياسية، كان للسعودية دورا واضحا فيها بشكل من
الأشكال. وبالمقابل فإن السعودية كان لها دور رئيسي في تحسين الظروف المعيشية
للسكان اليمنيين خلال تلك الفترة.
ولتحديد
المنفعة والضرر في العلاقة الخليجية اليمنية سوف نحاول الإجابة على السؤالين
التاليين: ماذا يريد اليمن من دول الخليج ؟ ثم ننتقل للسؤال الموازي، وهو ماذا
تريد دول الخليج من اليمن؟
ينتمي
اليمن جغرافيا وحضاريا إلى منطقة الجزيرة والخليج، وهو بمثابة البوابة الجنوبية
لهذه المنطقة في نفس الوقت تمثل منطقة الخليج منفذ الاتصال البري الوحيد لليمن
بالعالم. يضاف إلى هذا تاريخ وثقافة يحملان الكثير من السمات المشتركة. هذه
العوامل وغيرها تجعل الجزيرة والخليج المكان الطبيعي لتفاعل اليمن واندماجه
الإقليمي.
وبالإضافة
إلى الاعتبارات الجغرافية والثقافية، يبرز العامل الاقتصادي الذي يعزز أهمية الخليج
في الجزيرة والخليج بالنسبة إلى اليمن، فمع الطفرة الاقتصادية التي حدثت بمنطقة
الخليج في سبعينات القرن الماضي. تزايد اعتماد اليمن اقتصاديا على دول الخليج في
تمويل الكثير من برامج التنمية الاقتصادية، عبر المساعدات المباشرة وتحويلات
العمالة اليمنية النقدية من هذه المنطقة.
وعلى
الرغم مما ذكر فإن طابع العلاقات اليمنية الخليجية يحمل الكثير من التعقيد، ويطرح
الكثير من الأسئلة منها: هل هناك إمكانية موضوعية لإقامة علاقات تكاملية بين اليمن
والخليج؟ ومن المستفيد أكثر من قيام تكامل بين اليمن ودول الخليج ؟ وما هي الوسائل
الكفيلة بتحقيق هذا التكامل ؟ هذه الأسئلة
سنحاول بإيجاز الإجابة عليها في الصفحات التالية.
لكن في
البداية دعونا نطرح بعض القضايا المتعلقة بموضوع التكامل بين اليمن ودول مجلس
التعاون وسنركز على الآتي:
1-
إن
علاقات التكامل الاقتصادي بين الدول يفترض أن تكون هناك مصالح لجميع الأطراف من
عملية التكامل. وغياب هذا الافتراض يمثل عائقا موضوعيا أمام إي مشروع تكاملي. إذ
أن إي عملية تكامل منشودة تخدم أحد الأطراف على حساب الطرف الأخر تجعل من إقامتها
أمرا بعيد الاحتمال.
2-
على
الطرفين أن يكون لهما تقدير واقعي لحجم المنافع أو المخاطر من عملية التكامل. إذ
من المحتمل أن يبني أحد الأطراف، أو جميعهم، حساباته على معلومات غير صحيحة، كتوقع
اليمن الحصول على منافع أكثر مما يمكن للطرف الأخر تقديمها، فيتوقع الحصول على منافع
أكبر من الطاقة الفعلية التي للطرف الأخر. ونقصد بالطاقة الفعلية هنا، ما يمكن
عمليًا أن تقدمه دول الخليج لليمن وفق ما
تراه تلك الدول أنه يخدم مصلحتها. وفي المقابل قد يتخوف الطرف الخليجي من أن
تحمّله الشراكة مع اليمن أعباء ضخمة وتعود عليه بمردود ضئيل مما يجعله غير متحمس
لقيام تكامل اقتصادي مع اليمن .
3-
لا
يمكن تخيل حماس متساو لدى كل أطراف عملية التكامل، إذ لا بد أن يكون هناك طرف أكثر
حماسةً من الآخر لهذه العملية. ووفق المعطيات الحالية، فمن السهل أن نخمن بأن
اليمن هو الطرف الأكثر حماسا لقيام علاقات التكامل مع دول مجلس التعاون الخليجي
للأسباب التي سنشرحها لاحقا. وهذا التفاوت في الحماس يتطلب من اليمن أن يكون
المبادر إلى خلق الظروف المؤدية إلى عملية التكامل.
4-
على الطرف اليمني أن يتفهم المخاطر، الحقيقية أو
المتخيلة، التي تساور الأطراف الخليجية من إدماج اليمن.
5-
علاقات التكامل بين أطراف
بينها فجوة كبيرة، عملية معقدة وتحتاج إلى فترة زمنية طويلة وجهد مشترك كي يتحقق
الاندماج والتكامل. وهذه الحقيقة تتطلب خطة طويلة الأمد تعمل على تضييق الفجوة بين
الطرفين.
ماذا يريد اليمن من دول مجلس التعاون الخليجي؟
من خلال
قراءة بسيطة للواقع الموضوعي لكل من اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، يمكننا
بسهولة اكتشاف ما يريده اليمن من هذه الدول. فمن خلال المعطيات التي يبينها الجدول
رقم (1) والنماذج رقم (1، 2، 3) نلاحظ
الفوارق الضخمة بين الواقع الاقتصادي اليمني والخليجي وهو ما يمكننا من أن نكتشف، وبسهولة،
أن الشق الاقتصادي يأتي على رأس اهتمام اليمن بهذه الدول متقدما على المجالات
الأخرى: السياسية، والأمنية، والثقافية. فمن خلال هذا الجدول نلاحظ ما يلي:
يبلغ
عدد سكان اليمن حوالي 22 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد سكان دول مجلس التعاون بما
فيهم الوافدين حوالي 38 مليون نسمة، وفي حال استبعدنا الوافدين فإن سكان اليمن
يتساوون في العدد مع مواطني دول مجلس التعاون الخليجي تقريبا. غير أن هناك تفاوت
ضخم في الإمكانيات الاقتصادية للطرفين، فإجمالي الناتج المحلي لليمن لا يزيد عن 2.4%
من الناتج المحلي لدول الخليج مجتمعة، وهو ما ينعكس على المؤشرات الأخرى كالصادرات
والواردات، وحجم الإنفاق العام، والكمية المنتجة من الطاقة الكهربائية، وحجم إنتاج
النفط، وكلها تشير إلى أرقام يمنية ضئيلة مقارنة بمثيلاتها في الخليج. ويعني ذلك
بلغة الأرقام أن وزن اليمن الاقتصادي لا يتجاوز 3% من وزن دول الخليج. وبمعنى آخر
فإن الحجم الفعلي لاقتصاد اليمن يقارب الحجم الفعلي لاقتصاد أصغر دولة في مجلس
التعاون، وهي البحرين، التي تبلغ مساحتها 740 كيلومتر مربع (أقل من 0.2% من مساحة
اليمن) وسكانها مليون نسمة، ما يعادل 5%
من سكان اليمن.
هذه الفجوة الواسعة في الإمكانيات الاقتصادية
بين الطرفين تجعل اليمن المستفيد الأساسي من أي علاقات تكامل بينهما أو أي شكل من
أشكال التعاون الاقتصادي. فوجود الثروة الضخمة في دول الخليج في مقابل الفقر
الشديد في اليمن، يجعل اليمن يتطلع إلى تلك الدول لتحسين أوضاعه المتردية
والاستفادة من تلك الثروة، خاصة وأن التاريخ القريب يمدنا بتجربة فعلية لهذه
الاستفادة.
ويمكن
تحديد ما يريده اليمن من دول الخليج في أربع قضايا رئيسية هي: استيعاب العمالة
اليمنية، والحصول على مساعدات مالية للحكومة ولمشاريع التنمية في اليمن، وفتح
الأسواق الخليجية أمام المنتجات اليمنية، وأخيرا استقدام استثمارات ضخمة من هذه الدول.
ودعونا نرى ما يمكن أن يحصل عليه اليمن عمليا وفق الواقع الحالي لدول الخليج
ولليمن.
جدول
رقم (1) البيانات الأساسية لكل من اليمن ودول الخليج وفقا لأرقام عام 2007
الدولة
|
السكان مليون نسمة
|
المساحة (ألف كم2)
|
الناتج
المحلي (مليار$)
|
متوسط
نصيب الفرد من الناتج المحلي
(ألف
$)
|
صادرات
(مليار $)
|
واردات
(مليار
$)
|
إنتاج
الكهربا (ميجاوات/ساعة)
|
إنتاج النفط
(ألف برميل يوميا)
|
احتياطي
النفط
(مليار
برميل)
|
||
إجمالي
|
مواطنين
|
% مواطنين
|
|||||||||
السعودية
|
24.4
|
17.5
|
72%
|
2250
|
390
|
16
|
240
|
90
|
16,503
|
9,200
|
264
|
الإمـارات
|
5.2
|
0.866
|
17%
|
83
|
191
|
37
|
152
|
106
|
5,906
|
2,700
|
98
|
الكــويت
|
3.4
|
1.055
|
31%
|
17.8
|
112
|
33
|
62
|
19
|
4,800
|
2,600
|
101
|
عمـــان
|
2.9
|
2.1
|
73%
|
309
|
41
|
14
|
24
|
16
|
1,700
|
780
|
4.8
|
قطـــر
|
1.3
|
0.230
|
18%
|
11.5
|
70
|
54
|
41
|
21
|
3,200
|
850
|
4.2
|
البحـريـن
|
1.04
|
0.527
|
51%
|
0.741
|
18
|
17
|
17
|
12.5
|
2,315
|
35
|
0.1
|
الإجمالي
|
38.2
|
22
|
57.6%
|
2671.4
|
822
|
21.5
|
536
|
264.5
|
34,424
|
16,160
|
472.1
|
اليمــن
|
22
|
|
530
|
20
|
0.9
|
7.13
|
7.2
|
945
|
300
|
3*
|
|
% اليمن مقابل دول الخليج
|
57.6%
|
100%
|
20%
|
2.4%
|
4.5%
|
1.3%
|
2.7%
|
2.7%
|
1.8
|
0.6%
|
المصادر:
1- الإسكوا
- الحسابات القومية 2007
2- وزارة
الاقتصاد الوطني – سلطنة عمان
3- جهاز
الإحصاء – قطر
4- الجهاز
المركزي للمعلومات- البحرين
5- بنك
الكويت الوطني
6- مصلحة
الإحصاءات العامة والمعلومات – السعودية
7-
البنك المركزي اليمني -
التقرير السنوي 2007
8- المؤسسة
العامة للكهربا – التقرير الإحصائي 2006
·
ليس
هناك إحصائية مؤكدة لحجم الاحتياطي اليمني من النفط فبعض التقديرات المتشائمة
تقدره بأقل من 700 مليون برميل فيما المصادر الحكومية تتحدث عن 9 مليار برميل
وهناك بعض التقديرات التي تضعه في حدود 3 مليار برميل
أولا:
استيعاب العمالة:
تقدر المصادر الرسمية اليمنية
والدولية أن هناك 18% ممن هم في سن العمل( 15-65 سنة) من اليمنيين عاطلون عن العمل[15]. ويعني هذا
وجود ما يقارب المليوني شخص في عام 2008 يبحثون عن عمل. وتعد هذه النسبة منخفضة
جدا لأسباب تتعلق بمشاكل الإحصاءات في اليمن، إضافة إلى أن الكثير ممن يصنفون ضمن
قوة العمل، هم فعليا عاطلون عن العمل، كونهم في حالة بطالة مقنعة.
إلى
جانب ذلك فإن من يعملون في اليمن يتقاضون أجورا زهيدة لا تكفي متطلبات الحياة
الضرورية، فمتوسط الأجر الشهري للعامل اليمني لا يزيد عن 150$ حسب البيانات
الرسمية[16].
ونستخلص
مما ذكر بأن هناك ما لا يقل عن أربعة ملايين يمني مهيئون للهجرة والعمل خارج اليمن
في حال توفرت لهم الفرصة. وقد توصلنا إلى هذا الرقم استنادا إلى الدراسات الرسمية
التي تشير إلى وجود ما يقارب التسعة ملايين يمني يصنفون فقراء[17].
ويعول
اليمنيون، حكومة وشعبا، على قيام دول الخليج باستيعاب جزء كبير من العمالة اليمنية،
مسترشدين بما حدث خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين، حين استوعبت المملكة
السعودية ودول الخليج الأخرى عمالة يمنية وصلت في أعلى مراحلها إلى ما يقارب 15%
من عدد السكان في اليمن الشمالي[18].
مستقبل
العمالة اليمنية في دول الخليج:
تقدر بعض المصادر اليمنية عدد اليمنيين المقيمين
في دول الخليج بشكل شرعي بحدود المليون شخص، تستوعب السعودية أكثر من 90% منهم[19].
ورغم أن هذا الرقم يعد كبيرا إلا أن اليمن يطمح إلى أن يتضاعف هذا الرقم في حال
سهلت دول الخليج، والسعودية خاصة، إجراءات استقدام اليمنيين أو أصبحت اليمن عضوا
كامل العضوية في مجلس التعاون الخليجي.
ومن
خلال المعطيات الراهنة فإن الرغبة اليمنية تعد غير واقعية كونها لا ترى العوائق
الموضوعية والذاتية التي تحد من زيادة العمالة اليمنية زيادة كبيرة. وسنحاول من
خلال النقاط التالية أن نبين بعضا من هذه العوائق:
1-
هناك
عوامل اقتصادية وفنية تحد من استقدام العمالة اليمنية. حيث نجد أن العمالة اليمنية
تفتقر إلى المهارات اللازمة والمطلوبة للعمل في دول الخليج، كما وأن هناك عمالة
منافسة للعمالة اليمنية تتمتع بمهارات أفضل وأجور أقل. وكما لاحظنا خلال الطفرة
النفطية الأخيرة، فإن معظم العمالة التي استقدمتها دول الخليج كانت عمالة لا يقدر
اليمن على توفيرها. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة اليمنية، وبمساعدة
مباشرة من الدول الخليجية لرفع كفاءة العمالة اليمنية، عبر زيادة عدد المعاهد
الفنية والمهنية، إلا أن مخرجات هذه العملية لن تظهر في المستقبل القريب، كما أن
حجمها لن يشكل إلا نسبة ضئيلة من حجم قوة العمل اليمنية المتاحة.
2-
كان
لموقف الحكومة اليمنية من أزمة الخليج أثر نفسي سلبي على وضع العمالة اليمنية
والوجود اليمني في الخليج. فقبل هذا التاريخ كان ينظر للعمالة اليمنية بأنها عمالة
لا تحمل مخاطر سياسية تذكر، وهو ما كان يسهل ظروف استقدامها وبقائها في دول
الخليج. غير أن الموقف اليمني، الغير متوقع، قد غير من هذه النظرة وجعل دول الخليج
وخاصة السعودية تعيد النظر في حجم الوجود اليمني وغير اليمني. وقد رأت هذه الدول
أن من مصلحتها الأمنية والسياسية أن تنوع من جنسيات الوافدين، وألا تسمح بوجود
وافدين من جنسية معينة يفوق عددها نسبة معينة من عدد الوافدين والسكان. وبالطبع فإن
الوجود اليمني سيتأثر من هذه السياسات حيث سيظل هناك سقف محدد، غير معلن، للوافدين
اليمنيين وغيرهم في هذه الدول.
3-
يرى
الكثير من اليمنيين وبعض الخليجيين أن العوامل الثقافية والاجتماعية التي تجمع
اليمنيين بالسكان الخليجين تسهل من ظروف استقدام اليمنيين للعمل في دول الخليج.
ويعتقد هؤلاء أن دول الخليج تحتاج للعمالة اليمنية لتحافظ على هويتها العربية
الإسلامية. وعلى الرغم من أن هذا القول فيه الكثير من الصحة، إلا أن ما يعتبر نقطة
قوة في صالح زيادة عدد العمالة اليمنية في الخليج هو في نفس الوقت نقطة ضعف غير
مرئية للكثيرين. حيث أن سهولة الإقامة والاندماج التي يتصف بها اليمني في الخليج
ليست دائما في صالحه، إذ أن هذا الأمر له مخاطر تدركها الحكومات الخليجية حين ترى أن
سهولة اندماج اليمنيين في دولها يحمل الكثير من المخاطر التي يمكن ذكر أهمها في
النقاط التالية:
أ- الحلول الدائم في هذه الدول، إذ يلاحظ أن معظم
المغتربين اليمنيين في دول الخليج يميلون نحو الاستقرار والإقامة الدائمة في الدول
التي تستضيفهم، وهذا الميل يعني بأنهم سيصبحون جزءا من التركيبة السكانية لهذه
الدول، وهو أمر لا ترغب دول الخليج في حدوثه كونه سيؤثر على التوازن السكاني في
هذه الدول، وهو ما سينعكس على الهويات الخاصة بالمجتمعات الخليجية.
ب-
الوجود اليمني الدائم يثير
إشكالات عديدة في بعض الدول كتلك التي يوجد بها خلافات عرقية ومذهبية كمملكة
البحرين. ففي هذه الدولة يوجد رفض من قبل الكثير من أبناء الطائفة الشيعية لأي
عملية تجنيس أو وجود لأجانب، وخاصة العرب منهم، لاعتقادهم بأنه سيخل بالتوازن
السكاني لصالح العرب السنة.
ت-
رغم أن العمالة الغير عربية
تمثل مشكلة ثقافية واجتماعية لدول الخليج، إلا أن حكومات هذه الدول ترى ميزة في
الوجود الغير عربي، تتمثل في أن هذا الوجود يتصف في معظمه بأنه وجود مؤقت؛ فمعظم
الوافدين غير العرب يأتون إلى دول الخليج بغرض الهجرة المؤقتة، كما أنهم يأتون
وليس في ذهنهم أي إحساس بأن لهم حقوقا سياسية أو تاريخية في هذه الدول. على عكس
الوافد العربي الذي يأتي ولديه إحساس، حقيقي أو وهمي، بأنه يعيش في أرض عربية
يمتلك حقا في ثرواتها والبقاء الدائم فيها. ولكون اليمنيين هم أكثر الوافدين رغبة
في البقاء الدائم فإن الحكومات والكثير من نخب هذه الدول يفضلون الوجود غير العربي
على الوجود العربي.
4-
نظرا إلى
نسبة النمو السكاني العالية في اليمن، والذي يتوقع أن يصل سكانه عام 2020 إلى 33
مليون نسمة[20]،
فإن دول الخليج لن تعمل على تشجيع دخول العمالة اليمنية إلى أراضيها.
5-
كان عدد المواطنين
الخليجيين في منتصف السبعينات لا يزيد عن تسعة ملايين، فيما أصبح في عام 2007
بحدود 22 مليون. هذه الزيادة الضخمة في عدد السكان أدت إلى تقليل الاحتياج إلى العمالة
الوافدة، بعد أن أصبحت دول الخليج تعاني من بطالة واضحة بين مواطنيها، وخاصة في السعودية
والبحرين. وتظهر هذه البطالة بشكل واضح خلال تراجع أسعار النفط، كما حدث في نهاية
تسعينات القرن الماضي. هذه البطالة دفعت الحكومات الخليجية إلى فرض قوانين جديدة
تحد من العمالة الوافدة؛ كإجبار الشركات والمؤسسات الخاصة والعامة على تخصيص نسبة
محددة للعمالة المحلية، وجعل بعض القطاعات حكرا على مواطنيها. هذه الإجراءات
وغيرها تعكس تناقص الاحتياج للعمالة الوافدة، ومنها العمالة اليمنية. وهو ما يعني
قلة الفرص أمام العمالة اليمنية في هذه الدول.
والوضع كذلك في القطاع الحكومي
أيضا والذي لم يعد يدار كما كان عليه الحال في السبعينات والثمانينات. فخلال تلك
الفترة كانت هناك ندرة حقيقية للعمالة المحلية في الدول الخليجية، وكان يتم
استيعاب المتوفر منها في القطاع الحكومي الذي كان يشهد توسعا كبيرا واحتياجا
متزايدا للموظفين. أما في الوقت الحاضر، فإن القطاع الحكومي قد وصل إلى حد التشبع بل
انه يعاني من البطالة المقنعة.
6-
خلال
فترة الطفرة النفطية في السبعينات شهد قطاع الخدمات نموا كبيرا في السعودية ودول
الخليج الأخرى وخاصة قطاع الإنشاءات. وكان ذلك القطاع يـُدار عبر شركات المقاولات
الصغيرة وهو ما جعله مناسبا للعمالة غير الماهرة القادمة من ريف اليمن. غير أن
قطاع الإنشاءات في الخليج تغير من حيث الحجم والنوع، حيث أصبحت الأعمال الإنشائية
تقوم بها شركات كبيرة تستخدم معدات حديثة وتحتاج لعمالة ماهرة ورخيصة تم توفيرها
من جنسيات غير يمنية. ونتيجة لذلك فقد حُرمت العمالة اليمنية من العمل في أهم قطاع
كان يستوعبها.
يمكن
الوصول إلى نتيجة مما ذكر مفادها: أن تعويل اليمنيين على دول الخليج في استيعاب
العمالة اليمنية غير واقعي؛ فقدرة هذه الدول على استيعاب العمالة اليمنية محدودة
جدا.
ثانيا: المساعدات المباشرة:
منذ عام 1970 وحتى
1990 كانت دول الخليج وبالتحديد السعودية والكويت والإمارات تقدم مساعدات مالية
مباشرة لليمن، وخاصة لحكومة اليمن الشمالي. تلك المساعدات أدت إلى تحسن في البنية
التحتية لليمن وتوفر الإمكانيات المالية لحكومة صنعاء، التي كانت تتلقى دعما مباشر
لميزانيتها من قبل الحكومة السعودية.
ويقدر
إجمالي قيمة تلك المساعدات التي حصل عليها اليمن شماله وجنوبه خلال السبعينات
والثمانينات بما يقارب الخمسة مليارات دولار وفق بعض التقديرات. وقد توقفت هذه
المساعدات بعد أزمة الخليج بشكل شبه كامل.
تسعى
الحكومة اليمنية وخاصة بعد تطبيع علاقاتها مع جميع دول الخليج إلى الحصول على
مساعدات من حكومات هذه الدول. وبالفعل فقد حصلت الحكومة اليمنية على وعود بمساعدات
مالية من الدول الخليجية خلال مؤتمر لندن للمانحين الذي أنعقد في نهاية عام 2006،
حين تعهدت الدول الخليجية بتقديم ما قيمته 2300 مليون دولار لليمن، معظمها قروض
تنموية ميسرة[21].
ورغم أن هذه الأموال لا تلبي الطموحات اليمنية، الشعبية والحكومية، إلا أنه سيكون
لها أثر على برامج التنمية في اليمن. ومع ذلك فإن مستقبل الدعم الحكومي من دول
الخليج لليمن يواجه الكثير من المشاكل التي تجعلنا نتوقع بأن هذا الدعم لن يكون
كبيرا استنادا إلى العوامل التالية:
1-
قبل
عام 1990 كانت المساعدات الخليجية لليمن، خاصة السعودية منها، تحركها دوافع سياسية
بالدرجة الأولى، حيث أن الدعم السعودي لليمن الشمالي كان يهدف إلى محاربة النفوذ
الشيوعي واليساري في اليمن، والذي كان مصدره اليمن الجنوبي وبعض الدول المعادية للسعودية.
أما في الوقت الحاضر فأن الدوافع السياسية قد تناقصت بشكل واضح وحلت محلها دوافع أخرى
أهمها الدوافع الأمنية. وأصبحت المساعدات التنموية مرتبطة بالدافع الأمني، إذ تؤدي
بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تقليص المخاطر الأمنية. ولهذه الأسباب فإن زيادة
المساعدات المباشرة لا يمكن توقعه إلا في حال حدوث تطورات سياسية / أمنية غير
متوقعة في اليمن والمنطقة تدفع الدول الخليجية إلى زيادة مساعداتها لليمن عن
المستوى الحالي.
2-
يعاني
اليمن من الفساد وغياب الشفافية حيث صنف اليمن في تقرير منظمة الشفافية لعام 2007
في المرتبة (137) [22]وهي
مرتبة تضعها في خانة الدول الأكثر فسادا في العالم. ورغم محاولات اليمن الحد من
هذا الوضع عبر إنشاء هيئة مكافحة الفساد إلا أن واقع الحال والتقارير الدولية تشير
إلى أن اليمن يزداد فسادا. ولكون المساعدات الخليجية في الوقت الحالي تحركها بواعث
غير سياسية فإن من المتوقع أن يكون الفساد أحد العوامل والحجج التي ستسوقها دول
الخليج لتقليل مساعداتها لليمن في المستقبل. ويتضح ذلك من إصرارها على تولي
صناديقها صرف المعونات مباشرة عبر الإشراف المباشر على المشروعات.
3- وعلى الرغم من أن السنوات الخمس الأخيرة قد أدت إلى
ارتفاع ضخم في موارد دول الخليج نتيجة ارتفاع أسعار النفط، إلا أن التاريخ يعلمنا
بأن أسعار النفط تشهد تقلبات كبيرة لا يمكن التنبؤ بها. وفي حال استمرت أسعار
النفط في الانخفاض، كما هو حاصل في الوقت الحالي، فإن من المتوقع أن تقلص دول
الخليج من برامج الدعم لليمن بما في ذلك عدم الوفاء بالتعهدات التي قطعتها على
نفسها خلال مؤتمر لندن. ويعني ذلك أن المساعدات المباشرة لن تكون مضمونة.
ثالثا:
الاستثمارات:
بدأت اليمن مؤخرا تدرك
أهمية الاستثمارات الأجنبية في حل مشاكلها الاقتصادية، ورغم أن الحكومة اليمنية تتحدث
كثيرا عن أنها تعمل على استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلا أن حجم وطبيعة هذه
الاستثمارات يشير إلى أنه لا زال صغيرا جدا، كما انه يتوجه إلى قطاعات محددة كقطاع
النفط والغاز.
وتسعى
اليمن إلى الاستثمارات في القطاعات الإستراتيجية والتي توظف عمالة كثيفة كقطاع الصناعة
والبناء والخدمات، وتعتقد الحكومة اليمنية أن الاستثمارات الخليجية هي المهيأة لأن
تقوم بهذا الدور خاصة بعد أن حققت هذه الدول خلال السنوات الخمس الأخيرة فوائض
مالية ضخمة قدرت قيمتها – قبل الأزمة المالية – بأكثر من 1500 مليار دولار[23]. غير أن
واقع الحال يؤكد بان اليمن التي لم تستفد خلال مرحلة الفوائض لن تستفيد خلال فترات
التراجع التي تبدو ملامحها في الأفق. ويرجع أسباب صغر حجم الاستثمارات الأجنبية
وتحديدا الخليجية إلى عدد من العوامل يمكن ذكر أهمها فيما يلي:
1-
صغر
حجم الاقتصاد اليمني الذي يحول دون تمكنه من استيعاب الاستثمارات الضخمة. فالناتج
المحلي لليمن لا يزيد عن 20 مليار دولار وهو ما يعني ضعف القدرة الشرائية للمستهلك
اليمني والذي لا يزيد متوسط دخله الفردي من الناتج المحلي عن 900 دولار في السنة.
2-
ضعف
البنية التحتية في اليمن التي لا تشجع المستثمرين على القيام بإنشاء مشاريع كبيرة
تحتاج إلى بنية تحتية قوية. فحجم إنتاج الكهرباء في اليمن – وهو من أهم مؤشرات البنية
التحتية – لا يزيد عن 1000 ميجاوات/ساعة وهي قدرة صغيرة جدا لا تساعد على إنشاء
مشاريع صناعية أو خدمية كبيرة.
3-
ضعف
البيئة التشريعية في اليمن، حيث يشكو الكثير من المستثمرين بأن المناخ القضائي
والقانوني في اليمن متخلف جدا، وهذا الأمر يعمل على خلق بيئة طاردة للاستثمار.
4- عدم وجود استقرار سياسي وأمني في اليمن، فخلال
السنوات الأربع الماضية شهدت اليمن عدة حروب صغيرة، وهجمات إرهابية، وعدد من حوادث
الاعتداء على المصالح الأجنبية وبعض السائحين الأجانب. وكل هذه الأحداث خلقت بيئة
يمنية طاردة للاستثمار: المحلي والأجنبي خاصة في المشاريع الإستراتيجية.
إن
العوامل السابقة حدت وتحد من حجم الاستثمارات في اليمن ولا يمكن توقع حدوث تغيرات
تذكر تعمل على زيادة حجم الاستثمارات في اليمن، خاصة وأن هناك مشاكل أخرى تتفاقم
في اليمن مثل: نقص المياه وزيادة التصحر وغيرها من الظروف البيئية التي لا تساعد على
جلب الاستثمارات.
رابعا: فتح السوق
الخليجية أمام السلع اليمنية:
في عام 2007 كان إجمالي الصادرات اليمنية إلى دول مجلس التعاون الخليجي بما
في ذلك إعادة الصادرات بحدود 750 مليون دولار؛ وقد مثلت ما نسبته 12% من إجمالي
الصادرات اليمنية[24].
وتأتي معظم الصادرات اليمنية إلى هذه الدول من النفط ومشتقاته، وبعض المنتجات
الزراعية والحيوانية والأسماك، وبعض الصناعات الخفيفة. وتعد قدرة اليمن على زيادة
صادراتها إلى هذه الدول محدودة بسبب الطاقة الإنتاجية الضعيفة في بعض القطاعات
خاصة القطاع الزراعي والصناعي.
وفي
الوقت الحالي فإن معظم الصادرات اليمنية لدول الخليج تلقى معاملة جمركية تفضيلية،
ومع ذلك فأن الصادرات اليمنية تشهد معوقات كثيرة، نتيجة ضعف المقدرة الفنية
للمصدرين لناحية ضبط معايير الجودة المطلوبة. وهو ما يعني بان توقع زيادة كبيرة في
حجم الصادرات اليمنية لدول الخليج محدود جدا. فأقصى ما يمكن توقعه هو أن تتضاعف قيمة
الصادرات في الأعوام المقبلة في حال تحسن الطاقة الإنتاجية الحالية ومستواها الفني.
نخلص
مما سبق إلى أن مطالب اليمن الاقتصادية من دول الخليج أكبر بكثير من قدرة هذه
الدول على تلبيتها. فاليمن يرغب في أن يصدر جزءا كبير من طاقة العمل المعطلة لدية
والمقدرة بالملايين، بينما دول الخليج لم تعد قادرة على استيعاب هذه الأعداد. وأما
المساعدات السخية التي يطمح أليها اليمن فإن الأوضاع الاقتصادية لهذه الدول تجعلها
غير قادرة، أو غير راغبة، على تلبيتها.
إلى
جانب اهتمام اليمن بدول الخليج من الناحية الاقتصادية يأتي موضوع أخر يتعلق برغبة
اليمن في إبعاد تدخل دول الخليج في شئونه الداخلية. فهناك تاريخ طويل لتدخل دول
الخليج في الشئون اليمنية كانت تمارسه السعودية بشكل خاص. ومن مظاهر التدخل
السعودي ما تقوم به من تقديم أموال لقوى معارضة للنظام أو حتى موالية، كما هو
الحال في دعم بعض القوى القبلية. ذلك التدخل الواضح في الِشأن اليمني والذي صبغ
العلاقات اليمنية الخليجية خلال الفترة الماضية هو ما تريد اليمن حكومة وشعبا من
دول الخليج أن تتوقف عنه.
ماذا
تريد دول مجلس التعاون من اليمن؟
هناك
اهتمام خليجي باليمن يختلف حجمه وأهميته من دولة لأخرى تبعا لمدى القرب الجغرافي
والتداخل السكاني. فالسعودية مثلا: اهتمامها باليمن يختلف عن اهتمام الكويت أو
البحرين البعيدتين جغرافيا عن اليمن.
وللجواب
على سؤال ماذا تريد دول الخليج من اليمن سنستعرض القضايا التالية كي نكتشف الجوانب
التي تمثل محور الاهتمام الخليجي باليمن:
أولا:
الأمن:
يحتل البعد الأمني الأهمية القصوى
لجميع دول العالم وهو ما نلاحظه من النفقات الضخمة التي تخصص للشأن العسكري
والأمني في جميع دول العالم. ولكون اليمن يقع ضمن الحزام الأمني لدول الخليج، حيث
يوجد لدولتين من دول المجلس هما السعودية وعمان حدود برية طويلة مع اليمن، فأن
القضية الأمنية تأتي على رأس أولويات اهتمام دول الخليج باليمن.
خلال
فترة الحرب الباردة اعتبرت المملكة السعودية وسلطنة عمان اليمن أحد مصادر التهديد السياسي
لهما. فخلال تلك الفترة اندلعت الثورة اليمنية بدعم عسكري وسياسي من مصر وهو ما
اعتبرته الحكومة السعودية خطرا على مصالحها ووجودها الذي كانت النزعات الثورية
التي كانت سائدة في ذلك الوقت تهدده. ومن ناحية أخرى كانت اليمن الجنوبي الداعم والحليف
الرئيسي للحركة الانفصالية في إقليم ظفار.
وعلى
الرغم من أن الخطرين السابقين تم احتواؤهما إلا أن الإستراتيجية السعودية
والعمانية ظلت تتعامل مع اليمن وفق اعتبارات تتعلق باستقرارهما السياسي والأمني بالدرجة
الأولى، وفي هذا الشأن كانت الإستراتيجية السعودية تجاه اليمن تتلخص في العمل على
عدم تحول اليمن إلى مصدر خطر عليها من خلال تحالفه مع قوة إقليمية أو دولية معادية
للسعودية.
وبعد
انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج وتضاؤل المخاطر السياسية الكبرى السابقة، انتقل
اهتمام السعودية وعمان نحو قضايا أخرى أمنية، مثل تهريب الأسلحة والبضائع الممنوعة
والهجرة غير الشرعية وأضيف لها مؤخرا خطر جديد تمثل في وجود الجماعات الإرهابية في
اليمن.
الجماعات
الإرهابية:
تزايد قلق دول الخليج
وبقية دول العالم من الأوضاع الأمنية في اليمن بعد أحداث 11 سبتمبر. فقد اتُـهمت
اليمن بأنها ملجأ للجماعات الإرهابية التي تهدد السلم الإقليمي والعالمي. ومنذ ذلك
الحين وحتى الآن واليمن تحت المراقبة الدولية والإقليمية. إذ أن هذه الدول تخشى من
حالة الفلتان الأمني في اليمن الذي يمكن أن يوفر لهذه الجماعات إمكانية العمل
والحركة داخل أراضيه. خاصة وأن اليمن قد شهد أعمال عنف خطيرة كحادث تفجير المدمرة
الأمريكية (كول) في مدينة عدن عام 2000 وتفجير ناقلة النفط الفرنسية (ليمبرج) في
2002 وحوادث الاعتداء على المصالح الأجنبية والسياح في عامي 2007 - 2008.
كل
هذه الحوادث ترسخ الاعتقاد لدى الكثيرين بوجود خلايا تابعة لتنظيم القاعدة في
اليمن، وهو ما يزيد من اهتمام وقلق الدول المجاورة وبقية دول العالم باليمن.
الســلاح:
راجت في التسعينات أخبار مفادها أن في
اليمن ما يقارب الخمسين مليون قطعة سلاح وهو ما يكفي جميع مواطني اليمن والخليج مجتمعين،
ورغم أن هذا الرقم يبدو مبالغا فيه بشكل كبير، إلا أن اليمن يعج بكميات هائلة من
الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة، التي بحوزة أطراف غير حكومية، قدرتها بعض
الدراسات بأنها تقارب السبعة ملايين قطعة سلاح[25].
إن سهولة
حمل السلاح والحصول عليه والمتاجرة به جعل اليمن منطقة خطرة على العالم، وتحديدا
على جيرانه، فانتشار السلاح بهذا الشكل يساعد القوى المتطرفة والإجرامية المحلية
والدولية على استخدام اليمن مركزا لنشاطاتها أو معسكرات للتدريب على السلاح أو تهريبه
إلى المناطق الأخرى .
وفي خلال
السنوات الأخيرة أصبحت سلطنة عُمــان والسعودية، تعانيان من ظاهرة تهريب الأسلحة
من اليمن، وهو ما شكل تهديدا خطيرا للأمن في هذه الدول، خاصة وأن هذه الدول تفرض
نظاما صارما في حيازة الأسلحة يتناقض وما هو معمول به في اليمن. وفي السنوات
الأخيرة أفادت التحقيقات التي أجريت مع بعض من قاموا بأعمال عنف داخل السعودية، أن
بعض الأسلحة التي استخدمت في تلك العمليات كان مصدرها اليمن.
تهريب
السلع المحظورة:
تعاني السعودية من
تهريب للسلع المحظورة من اليمن إلى أراضيها، وتشمل تلك السلع القات والخمور
والمخدرات والسلاح وغيرها من المواد الممنوعة. وتحاول السعودية أن تتعاون مع
الحكومة اليمنية للحد من تلك المشكلة والتي يبدوا أن حلها لن يكون سهلا بسبب صعوبة
السيطرة على الحدود الطويلة، خاصة من الجانب اليمني الذي تنقصه القدرات المادية
والبشرية المدربة للقيام بذلك.
هجرة
العمالة غير المشروعة:
نشرت جريدة
الوطن السعودية في بيان لقيادة حرس الحدود السعودي يفيد بأنها ألقت القبض على 501
ألف متسلل حاولوا دخول المملكة من اليمن خلال عام 2006 ونقلت الصحيفة عن قائد حرس
الحدود في منطقة جيزان أن متوسط المتسللين للسعودية في اليوم يصل إلى حوالي 1000
شخص[26]. وبغض
النظر عن العدد الحقيقي للمتسللين إلى السعودية من اليمن، فإن ما يجب التأكيد عليه
هنا هو أن هذه الظاهرة في تزايد مستمر وأصبحت أحد أهم المشاكل التي تواجهها
السعودية في علاقتها باليمن.
إن
ظاهرة تهريب البشر إلى لسعودية تصاحبها مشاكل كبيرة منها: تهريب الأطفال والذين
يتم استغلالهم في أعمال غير قانونية كالتسول والدعارة وغيرها من الأعمال التي
تنتهك حقوقهم وتعرضهم للمخاطر. إلى جانب ذلك فأن تهريب البشر لم يعد يقتصر على
تهريب اليمنيين بل أصبحت هذه المناطق تستخدم من قبل جنسيات غير يمنية يأتي معظمها
من شرق أفريقيا وخاصة الصومال وأثيوبيا وإريتريا، وفي الفترة الأخيرة تحدثت الأنباء
عن محاولات تسلل قام بها أفراد من جنسيات أخرى سودانية ونيجيرية وغيرها.
وتمثل
هذه الظاهرة مشكلة للسعودية كما هي لليمن حيث أن الأشخاص المتسللين إلى لسعودية يكونون
عرضة للاستغلال بكافة أشكاله.
إن
هذه المشكلة مرشحة للتفاقم مع استمرار زيادة عدد السكان في اليمن وما يصاحبها من
تناقص في فرص العمل وتدهور في المعيشة. واستمرار هذه المشكلة سيخلق المزيد من
الأعباء على السعودية واليمن مستقبلا.
ثانيا: الاقتصاد:
على عكس الاهتمام اليمني بدول
الخليج والذي يتمحور حول القضايا الاقتصادية نجد أن الجانب الاقتصادي ليس له أهمية
تذكر في اهتمامات الدول الخليجية تجاه اليمن. ويرجع السبب في ذلك إلى طبيعة
الاقتصاد النفطي لهذه الدول.
إن
حجم التبادل التجاري بين اليمن ودول الخليج يظهر محدودية هذا التبادل، خاصة للطرف
الخليجي، وهو ما يمكن ملاحظته في الجدول رقم (2). حيث نجد أن إجمالي الصادرات
الخليجية لليمن لا تزيد عن ما قيمته 3120 مليون دولار – جزء كبير من هذا الرقم سلع
معادة التصدير - وهو ما نسبته 0.6% من
إجمالي صادرات دول الخليج للعالم. في المقابل نجد أن إجمالي واردات دول الخليج من
اليمن لا تزيد قيمتها عن 714 مليون دولار وهو ما نسبته 0.3% من إجمالي واردات دول
الخليج من العالم. هذا الحجم الضئيل للتبادل التجاري بين اليمن ودول الخليج يؤكد
على ضعف الأهمية الاقتصادية لليمن بالنسبة لدول الخليج.
جدول
رقم (2) *
حجم
التجارة الخارجية لدول الخليج مع العالم ومع اليمن في عام 2007 (مليون دولار)
الدولة
|
إجمالي
الصادرات
|
الصادرات
لليمن
|
%
اليمن من إجمالي الصادرات
|
إجمالي
الواردات
|
الواردات
من اليمن
|
%
اليمن من إجمالي الواردات
|
السعودية
|
240,000
|
700
|
0.3.%
|
90,000
|
130
|
0.2%
|
الإمارات
|
152,000
|
1830
|
1.2.%
|
106,000
|
450
|
0.4%
|
الكويت
|
62,000
|
420
|
0.7.%
|
19,000
|
125
|
0.7%
|
عمـان
|
24,000
|
160
|
0.7.%
|
16,000
|
6
|
0.04%
|
قطر
|
41,000
|
9
|
0.02.%
|
21,000
|
3
|
0.02%
|
البحرين
|
17,000
|
11
|
0.06.%
|
12,500
|
0.7
|
0.0005.%
|
إجمالي
دول المجلس
|
536,000
|
3,130
|
0.6.%
|
264,500
|
714.7
|
0.3%
|
المصادر:
·
الإسكوا - الحسابات القومية 2007
·
وزارة الاقتصاد الوطني –
سلطنة عمان
·
جهاز الإحصاء – قطر
·
الجهاز المركزي
للمعلومات- البحرين
·
بنك الكويت الوطني
·
مصلحة الإحصاءات العامة
والمعلومات – السعودية
·
البنك المركزي اليمني -
التقرير السنوي 2007
ثالثا:
البعد الإستراتيجي:
يعطي الكثير من
الدارسين، وبالذات اليمنيين، أهمية إستراتيجية كبيرة لليمن، خاصة بعد تحقيق الوحدة[27]، ويحددون
أربع قضايا يعتقدون أنها تعطي اليمن أهمية إستراتيجية وهي:
1-
الموقع
الجغرافي وإطلالة اليمن على المحيط الهندي، وهو من البحار المفتوحة الأمر الذي
يجعل اليمن مكانا ملائما لتصدير النفط الخليجي، عبر المحيط الهندي، من خلال مد
أنابيب نفط من الخليج إلى المحيط الهندي عبر اليمن. وهو ما يجنبها مخاطر الملاحة
في الخليج العربي الذي يعد من البحار المغلقة والمعرض للمخاطر الدائمة كما حدث في الثمانينات؛
عندما تهددت ملاحة النفط في الخليج بسبب الحرب العراقية الإيرانية. ثم ما يلوح في
الأفق من مخاطر بسبب التوتر بين إيران والولايات المتحدة.
وعلى
الرغم من أن إنشاء أنبوب لتصدير النفط قد يقلل من مخاطر تصدير النفط ويقلل من كلفة
التصدير نفسها، إلا أن هذا الأمر لا يتوقع حدوثه على الأقل خلال المستقبل المنظور.
فالمخاطر على الملاحة النفطية في الخليج تبدوا بعيدة الاحتمال حتى لو اندلعت مواجهات
بين الولايات المتحدة وإيران. فإيران التي تصدر معظم صادراتها النفطية عبر الخليج،
لا يتوقع أن تقدم على خطوة تهدد تصدير نفطها. وحتى لو قامت بهذا العمل فأنها لن
تتمكن من هذا الأمر لفترة طويلة لأسباب عسكرية واقتصادية. إلى جانب ذلك فإن عدم
الاستقرار الأمني والسياسي في اليمن لا يشجع دول الخليج، لأي سبب كان، على إنشاء أنبوب
لنقل نفطها عبر منطقة غير مستقرة، هذا إلى جانب أن دول الخليج تمتلك عدة بدائل
لتصدير النفط من خارج الخليج، منها تصديره عبر أنابيب تمر بالأراضي العمانية إلى المحيط
الهندي أو عبر الأراضي السعودية إلى البحر الأحمر.
2-
يشدد بعض المحللين في اليمن على أن اليمن يمثل
عمقا استراتيجيا للدول الخليجية، وهو بذلك يمثل أهمية إستراتيجية كبيرة لهذه
الدول. وهذا الاستنتاج يبدو غير مفهوم من الناحية العسكرية؛ فالعمق الإستراتيجي - والذي
يعني المنطقة التي يمكن للجيوش التحرك فيها بعيدا عن نيران العدو وضغطة العسكري –
الذي يمكن أن توفره اليمن لدول الخليج غير واضح. حيث أن الأخطار التي تتهدد دول
الخليج تأتي من شرق وشمال منطقة الخليج – إيران ، العراق – وهذه المناطق بعيدة
كثيرا عن اليمن والراجح أن المملكة السعودية بما تملكه من مساحة شاسعة تمثل العمق
الاستراتيجي الفعلي لجميع دول الخليج وليس اليمن، وهو ما أثبتته الأحداث بعد غزو
العراق للكويت عام 1990. وفي كل الأحوال، فإن الواقع العسكري الراهن قد قلل كثيرا
من أهمية العمق الإستراتيجي. فالدول الكبرى تمتلك أسلحة قادرة على إصابة أهدافها
في أي مكان داخل منطقة العدو.
3-
هناك
من يعتقد بأن الحجم السكاني لليمن يمثل أهمية إستراتيجية لدول الخليج على أساس أن
سكان اليمن سيساهمون في الحفاظ على الهوية العربية لدول الخليج التي يتهددها
الوجود الضخم للجاليات غير العربية، والتي تصل في بعض دول الخليج إلى أكثر من نصف
عدد السكان. وبحسب هؤلاء فأن إحلال
العمالة اليمنية محل العمالة الغير عربية سيحافظ على الهوية العربية لدول الخليج.
يحمل
هذا التحليل الكثير من الشحنات العاطفية النابعة من الأفكار العروبية السائدة في
المناطق غير الخليجية، وهو لذلك يحمل الكثير من الخطابة ولغة الوصاية أكثر من كونه
تحليلا للواقع الموضوعي في دول الخليج. والذي يشير، كما سبقت الإشارة، إلى تخوف
النخب الحاكمة في دول الخليج من الوجود العربي أكثر من تخوفها من الوجود غير
العربي.
4-
ذهبت بعض التحليلات في اليمن إلى الاعتقاد بأن
الكثافة البشرية في اليمن يمكنها أن تشكل إضافة عسكرية لدول الخليج من خلال قيام
هذه الدول بتشكيل قوات عسكرية من اليمنيين[28]. ويبدو
هذا التحليل مفتقرا إلى الواقعية كونه يجهل الوضع في الخليج. حيث أن دول الخليج
وبالتحديد منذ عام 1990 تبنت إستراتيجية دفاعية تقوم على التحالف مع الدول الكبرى،
وبالذات مع الولايات المتحدة. فهذه الدول قد أدركت أهمية هذا التحالف لسبب بسيط،
وهو أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على ردع وهزيمة أية قوة إقليمية
أو دولية تهدد أمن هذه الدول، كما حدث مع العراق بعد احتلاله الكويت، أو إيران
عندما حاولت أن تعيق عملية الملاحة في الخليج قـٌبيل انتهاء الحرب العراقية
الإيرانية عام 1988. فدول الخليج تدرك أن مصدر الخطر المحتمل عليها يأتي من إيران
والعراق بالدرجة الأولى. وقوة وحجم هاتين الدولتين تجعل من غير الواقعي لدول
الخليج الاعتماد على دول عربية بما فيها الدول العربية الكبيرة كمصر وسوريا كون
هذه الدول ستكون عاجزة عن ردع وصد أي عدوان عليها يأتي من جانب العراق أو إيران
ولدول
الخليج تجربة فاشلة عقب حرب الخليج الثانية، عندما تم الاتفاق على إنشاء منظومة
دفاعية تظم دول الخليج الست إلى جانب مصر وسوريا فيما سُمي (إعلان دمشق). تلك
المنظومة التي اكتشفت دول الخليج عدم جدواها العسكري، وبأنها ستكون بمثابة عبء
مالي لصالح مصر وسوريا، وهو ما دفعها لإنهاء ذلك الحلف بشكل غير رسمي. هذه التجربة
الفاشلة تبين لنا طبيعة اهتمامات دول الخليج ونوع الحليف الذي تركن إليه، فدول
الخليج إلى جانب أنها تدرك عدم قدرة أي طرف غير الولايات المتحدة على حمايتها. فإنها
في الوقت نفسه لا تطمئن للتحالف مع الأطراف العربية وحتى الخليجية نفسها. فالعلاقات فيما بين الدول الخليجية
يشوبها الكثير من الشكوك وعدم الثقة وهو ما منع قيام جيش خليجي كبير وحقيقي حتى من
مواطني دول الخليج أنفسهم، فجيش درع
الجزيرة والذي تم إنشائه منذ مدة طويلة لم يكن له أي دور يذكر في الإستراتيجية
الدفاعية لدول الخليج. وبالقياس إلى ذلك ،
فإن من غير المنطقي أن تطمئن دول الخليج لجيش يتكون في معظمة من أفراد يمنيين لأن
وضعا كهذا يعتبر مهددا لهذه الدول التي قد تجد نفسها وقد أصبحت أسيرة له.
رابعا
البعد الثقافي:
نقصد بالثقافي هنا كل
الجوانب العرقية والدينية والقبلية والعاطفية وهي جوانب تلعب دورا هاما كمحدد
للعلاقات بين الدول والشعوب. وبما أن اليمن يشترك مع دول الخليج في مكون عرقي
وديني وحضاري واحد فإن من الطبيعي أن يكون هناك روابط عاطفية بينهما، الأمر الذي
يخلق أرضية مشتركة للتفاهم والتعايش تؤثر على شكل وطبيعة العلاقات بين الطرفين.
هذا العامل يمكن أن يكون دوره إيجابيا لتطوير العلاقات بين الدول، خاصة إذا كانت
العوامل الأخرى السياسية والاقتصادية مساعدة على قيام هذه العلاقة. وهناك شعور من
التعاطف نحو اليمن لدى كثير من مواطني دول الخليج بما فيهم جزء كبير من النخبة السياسية
والفكرية داخل هذه الدول. فاليمن، كما تراه جزء من هذه النخبة، يستحق أن يحظى
برعاية خاصة من حيث الأولوية التي يمكن أن تمنح للعامل اليمني أو للمنتجات اليمنية
في داخل هذه الدول.
وعلى
الرغم من أهمية هذا البعد، إلا أن ذلك يستدعي أن لا تتم المبالغة في تقدير الأثر
الذي يمكن أن يلعبه مقارنة بالعوامل
الأخرى. خاصة وأن الموقف اليمني خلال أزمة الخليج قد أثر سلبا على المشاعر الطيبة
التي كان يكنها الكثير من مواطني دول الخليج لليمنيين. وبالنظر إلى ذلك الموقف فإن
من الأهمية التذكير بأن هذا العامل يظل دوره ثانويا إذا ما قورن بالعوامل الأخرى.
إن ما
أوردناه فيما سبق لا يهدف إلى التقليل من أهمية اليمن اقتصاديا واستراتيجيا لدول
الخليج، وإنما يهدف إلى التعريف بشكل واقعي بحجم وأهمية اليمن كما تراه هذه الدول،
حتى لا تؤدي التحليلات الخاطئة إلى اتخاذ سياسات كارثية كما حدث خلال أزمة الخليج.
فخلال تلك الأزمة قامت الحكومة اليمنية باتخاذ مواقف دون حساب للنتائج المترتبة
عليها، وربما كان أحد أسباب اتخاذ تلك المواقف نقص المعلومات الصحيحة لدى أصحاب
القرار وعدم تقديرهم لردود الفعل على مواقفهم من قبل دول الخليج، وبالتأكيد
مبالغتهم في تقدير أهمية اليمن لهذه الدول.
ما
نريد التأكيد عليه من خلال هذا العرض هو تبيان الحجم الحقيقي لليمن كما تراه هذه
الدول وليس كما نراه في اليمن. فاليمن وفق تلك المعطيات لا تعتبر ذات أهمية حقيقية
للاقتصاد الخليجي، على الأقل في الوقت الحالي، وكذلك من الناحية الإستراتيجية،
وتبقى أهمية اليمن نابعة من كونه يشكل خطرا أو تهديدا لأمن هذه الدول. وهو ما يجعلنا
نصل إلى إجابة محددة للسؤال حول ما تريده دول الخليج من اليمن. والإجابة أن هذه
الدول تريد أن لا يكون اليمن مصدر ضرر عليها، إي أن اهتمامها باليمن تحركه بواعث
أمنية في الأساس.
خلال
الفصول السابقة لاحظنا أن العلاقات اليمنية الخليجية في الماضي القريب والوقت
الحالي، تكتنفها الكثير من الصعوبات التي تحول دون توقع حدوث اندماج لليمن في المنظومة
الخليجية عبر العضوية الكاملة في مجلس التعاون الخليجي، أو عبر إقامة علاقات
تكاملية مع كل أو بعض دول الخليج بشكل ثنائي.
وهذه
الحقائق تجعل من الممكن المخاطرة بتوقع عدة سيناريوهات لشكل العلاقة اليمنية الخليجية
في العام 2020، انطلاقا من الواقع الموضوعي الراهن للعلاقات اليمنية الخليجية والذي
يشير إلى أن هناك ثلاثة سيناريوهات يمكن توقعها لشكل وطبيعة ما ستكون عليه هذه
العلاقة. وجميع هذه السيناريوهات تعتمد بالدرجة الأولى على ما ستئول إليه الأوضاع
في اليمن خلال المدة التي تفصلنا عن عام 2020. والسيناريوهات المفترضة هي عبارة عن
سيناريو متشائم وآخر متفائل وثالث معتدل. وقبل البدء بشرح هذه السيناريوهات يجب
التذكير بأن هذه السيناريوهات لا تعدو كونها نماذج نظرية يعتريها الكثير من المشاكل،
إلا أن ما نحن واثقين منه هو أن لكل سيناريو افترضناه أسسا نظرية متينة.
يفترض
هذا السيناريو أن المرحلة التي تفصلنا عن 2020 ستشهد عددا من الأحداث إما منفردة
أو مجتمعة – وهو الأكثر احتمالا – توثر في بعضها البعض لتكون هذه الأحداث سببا
ونتيجة لما ينجم عنها من تطورات. ويفترض هذا السيناريو أن نتائج حدوث ذلك على
الأوضاع في اليمن ستكون وخيمة تهدد بقاء الدولة ومن ثم علاقات التكامل والتعاون مع
العالم الخارجي وتحديدا مع جيران اليمن في دول مجلس التعاون.
ولغرض
التنبؤ بحدوث هذا السيناريو سوف يتم التركيز على ما نعتقد بأنها القضايا المفتاحية
- ونقصد بها تلك الأحداث السيئة التي تولد أحداثا سيئة أخرى - ونعتقد وفق المعطيات الراهنة أن هناك أربع قضايا
مفتاحية رئيسية يحتمل أن تواجهها اليمن في المستقبل، ويكون لوقوعها منفردة أو
مجتمعة آثار مدمرة على الأوضاع في اليمن. وهذه القضايا هي: تناقص الموارد - تدهور الأوضاع الأمنية – حدوث فراغ في السلطة
– تدخلات خارجية كبيرة.
وقبل
البدء في شرح هذه القضايا وتداعياتها يجب التذكير بنقطة مهمة، وهي أن فصل هذه القضايا
بالشكل الذي ذكر تم لأسباب أكاديمية، لأنه وكما سيتضح لأحقا فإن جميع هذه القضايا
متداخلة مع بعضها البعض بحيث يصعب التمييز فيما بينها، غير أنه ولضرورات الدراسة
تم هذا الفصل.
هناك عدد كبير من الموارد
التي تمد اليمن بمقومات الحياة والاستمرار، غير أن أهم موارد اليمن في الوقت الحالي
هي: الماء والثروة النفطية وعوائد المغتربين. ولسوء حظ اليمن فإن جميع هذه الموارد
في حالة تناقص واضح، وفي هذا التحليل سوف نستبعد مناقشة المورد الأول – لوجود بحث
خاص به – وسيتم التركيز على المورد الثاني وهو الموارد النفطية فيما ستتم الإشارة فقط
إلى المورد الثالث.
تشكل
الموارد النفطية المصدر الأساسي للثروة في اليمن، إذ أنها تشكل أكثر من70% من
الميزانية الحكومية وأكثر من 90% من صادرات اليمن السلعية. وحدوث تناقص كبير في
هذه الموارد، نتيجة انخفاض أسعار النفط أو تناقص الإنتاج، سيكون له أثار مدمرة على
الأوضاع في اليمن.
لا
توجد تقديرات دقيقة لحجم الاحتياطي النفطي في اليمن، فالمصادر الحكومية تورد في
أوقات مختلفة تقديرات متباينة بشكل واضح. فعلى سبيل المثال حين أرادت الحكومة
اليمنية أن ترفع جزءا من الدعم على المشتقات النفطية في عام 2005 مهدت لخطوتها تلك
ببيانات أشارت فيها إلى أن الاحتياطي النفطي لم يكن يتجاوز المليار برميل، وهو ما
كان يعني توقف إنتاج اليمن من النفط في عام 2012[29].
وبعد
أن رفعت الحكومة جزءا من الدعم على المحروقات في يوليو 2005 تغيرت التصريحات
والبيانات الحكومية حول الاحتياطي النفطي لتذهب في مجملها باتجاه وضع تقدير متفائل؛
حيث صدرت تصريحات حكومية عديدة تشير إلى أن الاحتياطي النفطي في اليمن يقارب العشرة
مليارات برميل[30]
وهو رقم لا تسهب المصادر الرسمية كثيرا في شرح المعطيات التي جعلتها تورد مثل هذا
الرقم.
وينتقل
هذا التضارب في الأرقام إلى الجهات الأجنبية؛ حيث نجد في أحد تقارير البنك الدولي
عام 2006، تحذيرا يفيد بأن اليمن سيستنفذ احتياطاته النفطية في النصف الأول من
العقد القادم، وقدر البنك في هذا التقرير حجم الاحتياطي النفطي اليمني القابل للاستخراج
بما لا يزيد عن 750 مليون برميل فقط تستنفذ خلال 8 سنوات من تاريخ صدور التقرير[31].
إن
هذا التباين في التقديرات يجعلنا غير قادرين على تقدير حجم الموارد النفطية في
المستقبل، ومع ذلك هناك الكثير من الشواهد ترجح التقديرات الصغيرة لحجم الاحتياطي
النفطي، أهمها التناقص الحاد في حجم الإنتاج النفطي في اليمن. فخلال الأعوام الأربعة
الماضية تراجع معدل الإنتاج اليومي من النفط من 436 ألف برميل – وهو أعلى معدل
سنوي بلغه في عام 2004- إلى 280 ألف برميل في نهاية 2008، كما يشير الجدول رقم (3)
والذي يشير أيضا إلى أن معدل التناقص السنوي بلغ 10% وهو ما يؤكد أن حجم الاحتياطي
صغير وفي تناقص واضح.
جدول رقم(3) المعدل اليومي لإنتاج النفط في اليمن * (ألف
برميل)
2004
|
نهاية 2008
|
معدل
التناقص السنوي
|
2112
|
2016
|
2020
|
2030
|
436
|
280
|
10%
|
190
|
125
|
91
|
صفر
|
وفي
حال اعتمدنا البيانات المتشائمة عن احتياطي النفط فأن ذلك سيقودنا إلى نتيجة
مفادها أن اليمن وخلال بضعة سنوات - 2012 - لن يعود قادرا على تصدير النفط وأن
الكمية المنتجة منه لن تكفي حتى الاستهلاك المحلي كما يوضحه الجدول رقم (8). ويعني
هذا الأمر حرمان اليمن من المصدر الأول للعملات الصعبة التي تساعده على توفير
احتياجاته الأساسية من السلع والخدمات المستوردة. وفي نفس الوقت حرمان الميزانية
الحكومية من أهم مصدر مالي يغطي نفقاتها الضرورية،التي تزيد عن 70% من موازنات
الأعوام الأخيرة[32]،
كما يوضحه الجدول رقم (4). وفي حال حدوث ذلك فإن الحكومة اليمنية ستضطر إلى أن
تقلل من نفقاتها وهو ما سيزيد من تدهور الخدمات الحكومية، الضعيفة أصلا.
جدول
رقم (4) دور الموارد النفطية في الاقتصاد اليمني
قيمة النفط المنتج
عام 2007
(مليون $)
|
% مساهمة النفط من
حجم الصادرات اليمنية
|
% مساهمة الموارد
النفطية في الميزانية العامة للدولة (2007)
|
قيمة الاستهلاك المحلي من النفط الخام (2007) مليون $
|
7800
|
90%
|
70%
|
2529
|
ولن
يعوض النقص في الموارد النفطية وجود مصادر أخرى كتصدير الغاز مثلا، كون هذا
المورد، وبحسب المصادر الحكومية لن تزيد الموارد المتحققة منه عن 750 مليون دولار
سنويا[33] على مدى
20 عاما وهو مبلغ لا يتجاوز ما نسبته 37% عن حجم الواردات الغذائية في عام 2007
كما يوضحه الجدول رقم (7) وما نسبته 14% من قيمة الإيرادات النفطية عام 2007 والتي
قاربت الخمسة مليار دولار كما يوضحه الجدول
رقم (5).
جدول
رقم (5) أثر الموارد النفطية على الميزانية الحكومية في عام 2007 (مليون$)
إجمالي الإيرادات
|
قيمة الموارد النفطية
|
حجم الميزانية بدون
الموارد النفطية
|
7100
|
4900
|
2200
|
إن نقص
الموارد النفطية سيكون له تبعات سيئة كثيرة، غير أن أهمها هو العجز الشديد في
قدرات الحكومة اليمنية على القيام بأهم واجباتها خاصة تلك المتعلقة بحفظ الأمن
والنظام، وتوفير الحدود الدنيا من الخدمات الضرورية، خاصة خدمات التعليم والصحة. وحدوث
ذلك يعني أن بقاء الدولة ووجودها سيصبح موضع شك حقيقي، حين تتضاءل سيطرة الحكومة
المركزية على مناطق واسعة من اليمن، وهي الحالة التي تتصف بها الدول الفاشلة.
إلى
جانب تناقص الموارد النفطية فان هناك مورد أخر، وهو عائدات المغتربين اليمنيين في
الخارج والذي لا تتجاوز قيمته السنوية 1300 مليون دولار وفق أفضل التقديرات[34]. ورغم
أن مستقبل هذا المورد غير معروف، إلا أن أفضل التوقعات تشير إلى أنه لن يرتفع
كثيرا بسبب صعوبة الهجرة والاغتراب التي يواجهها اليمنيين في الوقت الحالي.
جدول
رقم (6) اليمن عام 2020
عدد السكان
مليون نسمة
|
قيمة الصادرات
السنوية النفطية مليون$
|
قيمة الصادرات
السنوية من الغاز مليون$
|
حجم الإنتاج النفطي -
ألف برميل يوميا
|
الاستهلاك المحلي من
النفط - ألف برميل يوميا
|
قيمة الواردات
النفطية مليون $
|
قيمة الواردات
الغذائية مليون $
|
إيرادات الخزينة من
النفط والغاز 2007 مليون$
|
إيرادات الخزينة من
النفط والغاز مليون$
|
33
|
صفر
|
750
|
91
|
187
|
4380*
|
2900*
|
4900
|
4071*
|
·
سعر
النفط المفترض = 100$ للبرميل
·
نفترض
هنا أن الحكومة تملك الحصة كاملة من إنتاج النفط وأنها تبيعها للمستهلك المحلي
بنفس السعر العالمي
·
تقدير
قيمة الواردات الغذائية احتسب على أساس أن متوسط نصيب الفرد من الواردات الغذائية
عام 2007 = 90 $ للفرد
جدول
رقم (7) التجارة الخارجية لليمن في عام 2007
إجمالي قيمة الصادرات
اليمنية
|
إجمالي الواردات
|
إجمالي الصادرات من
النفط والغاز
|
الصادرات غير النفطية
|
إجمالي قيمة الواردات
الغذائية
|
7131
|
7212
|
6460
|
670
|
1880
|
جدول
رقم (8) حجم الاستهلاك المحلي والإنتاج من النفط والتوقعات حتى 2020 (ألف برميل
يوميا)
استهلاك 2004
|
استهلاك 2005
|
استهلاك 2014
|
إنتاج 2014
|
استهلاك 2020
|
إنتاج 2020
|
96
|
101
|
147
|
153
|
189
|
82
|
ثانيا:
تدهور الأوضاع الأمنية:
بمصاحبة تناقص
الموارد النفطية أو بمعزل عنها، فإن تدهور الأوضاع الأمنية في اليمن سوف تجعله يسقط
في وضع الدولة الفاشلة الذي تشير الكثير من التقارير الدولية إلى أن اليمن قريب منها[35]. فخلال
الأعوام الأخيرة ، ورغم الزيادة الكبيرة في الموارد الناتجة عن ارتفاع أسعار
النفط، واجهت اليمن الكثير من المشاكل الأمنية منها التمرد الحوثي في الشمال،
ووجود حركات انفصالية في الجنوب، وتصاعد في أعمال الجماعات الإرهابية. ورغم أن
الموارد الكبيرة للحكومة اليمنية قد جعلتها أكثر قدرة على مواجهة تلك المشاكل إلا
أنها لم تمكنها من حسم هذه المشاكل أو احتوائها.
وبقاء
هذه المشاكل عالقة مع توقع تفاقمها في المستقبل يجعلها مصدر تهديد كبير على الأوضاع
العامة في اليمن، خاصة في حال استمرار تناقص الموارد الحكومية الذي بدأ في نهاية
2008 نتيجة تدهور أسعار النفط. وفي حال حدوث ذلك فإن من المتوقع أن تكون قدرة
الحكومة على مواجهة هذه المشاكل ضعيفة جدا الأمر الذي يعني المزيد من التدهور
والضعف في الجوانب الأخرى، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ثالثا:
حدوث فراغ في السلطة:
شهد اليمن - بداية 2009 - حالة من
الاحتقان السياسي سببه المباشر عدم اتفاق السلطة والمعارضة على آلية إجراء
الانتخابات في عام 2009. فيما السبب غير المباشر لهذه الحالة يعود إلى غياب التفاهم
بين النخب السياسية في اليمن على آلية وشكل الحكم وممارسة السلطة، ويرجع ذلك إلى
فترة طويلة تمتد إلى ما قبل الوحدة بأمد طويل. فتاريخ اليمن خلال الخمسين سنة
الماضية يشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي ناتجة عن دورات الثورات
والانقلابات والحروب والتدخلات الخارجية. وهي حالة لم تتمكن الوحدة من تجاوزها أو
حلها بل إن الوحدة نفسها قد أظهرتها إلى السطح وساهمت في خلق تعقيدات خاصة بها.
إن
اليمن يفتقر إلى مؤسسات دستورية قوية وراسخة تمتلك الشرعية الحقيقية القادرة على
ضمان الاستقرار السياسي خاصة أثناء الأزمات.
ومن
العوامل المستقبلية التي يتوقع أن تهدد استقرار اليمن، حدوث فراغ سياسي لا تستطيع
المؤسسات الحالية إيجاد حل له. وحالة الفراغ المقصودة هنا سيكون له عدة صور منها،
انتهاء فترة الولاية الرئاسية الحالية لرئيس الجمهورية في 2113، وهي الفترة
الأخيرة وفقا للدستور النافذ[1]، دون أن
تتمكن السلطة والمعارضة من إيجاد حل سلمي ومقبول لهذه القضية، إما بالتمديد أو
التوافق والقبول بخلف أخر. والصورة الأخرى للفراغ قد تنتج عن عجز أو وفاة رئيس
الجمهورية الحالي دون أن تتمكن النخبة السياسية من التوافق على رئيس يخلفه.
وحدوث
هذا الأمر في ظل الاختلافات السياسية بين السلطة والمعارضة، ووجود حركة التمرد الحوثية
في صعده، ودعوات الانفصال في الجنوب، وما يحتمل لها من تداعيات، إضافة إلى استمرار
خطر الجماعات الإرهابية، كل ذلك يشير إلى أن حدوث فراغ سياسي في هذه الظروف سينجم
عنه أوضاع مدمرة لبقاء الدولة.
رابعا:
التدخلات الخارجية الكبيرة:
قبل أحداث
11 سبتمبر 2001 لم يكن أحد يتوقع أن تشهد المنطقة العربية والإسلامية تغيرات كالتي
حدثت بعد ذلك، فحكومة طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق كانا مسيطرين
على الحكم في بلديهما إلى حد كبير، ولم يكن أحد يتوقع خروجهما من السلطة خلال
الفترة الوجيزة اللاحقة لأحداث سبتمبر.غير أن أحداث سبتمبر حرفت مجرى التاريخ في
هذين البلدين تحديدا وفي بقية المنطقة والعالم عموما.
وحتى
عام 2020 فأن وقوع حادث مشابه لأحداث سبتمبر قد يؤدي إلى خلق واقع تاريخي مختلف في
المنطقة. ومن المحتمل أن يكون اليمن أحد المناطق التي ستستهدفها أي حملة جديدة
لمحاربة الإرهاب. إذ أن اليمن تصنف ضمن
التحليلات الأمنية والإستراتيجية الغربية بأنها من أكثر الدول التي لديها قابلية لاحتضان
الجماعات الإرهابية. وفي حال حدوث ذلك فإن اليمن سيكون مرشحا للذهاب في اتجاهات
كثيرة أحدها الوقوع في حالة الفوضى الشاملة.
السقوط في الفشل
تصنف
الدول الفاشلة بأنها تلك الدول التي لا توجد بها حكومات قادرة على فرض سيطرتها على
جميع أراضيها، وتتنازع السلطة فيها عدد من القوى المستقلة عن الحكومة المركزية،
وينتج عن هذا الوضع حالة من الفوضى وغياب القانون وتدهور حاد في جميع المجالات
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية.
ومن
أسوا ما يمكن توقعه لليمن وقوعه في وضع الدولة الفاشلة وهو وقوع ليس بمستبعد وفقا
للمعطيات الراهنة والتي سبق ذكر أهمها، وسقوط اليمن ضمن الدول الفاشلة ربما يتم في
حال حدوث أحد الأزمات الكبيرة التي سبق ذكرها لوحدها أو متزامنة مع أزمة أخرى، أو عندما
تكون إحدى الأزمات الكبيرة هي بمثابة سبب ونتيجة لأزمة أخرى كما يوضح النموذج رقم
(1) ففي هذا النموذج، الذي أسميناه الحلقة المفرغة للفشل، نلاحظ أن أحد المشاكل
الكبيرة ستكون بمثابة مفتاح لمشكلة أكبر وستعمل هذه المشكلة مع غيرها على الوقوع
في حالة الدولة الفاشلة. ونلاحظ أيضا أن هذه الحلقة تعمل على توسيع نفسها باستمرار
إلى حلقة مفرغة يصعب الخروج منها.
نموذج رقم (1) الحلقة المفرغة للفشل
اليمن
الفاشل والخليج:
تتأثر دول العالم أجمع
بوجود دولة فاشلة. غير أن الدول المحيطة بهذه الدولة تنال النصيب الأكبر من
التأثيرات السلبية لوجودها. وفي حال سقوط اليمن في وضع الدولة الفاشلة فإن من
المتوقع أن تكون هناك عدد من التداعيات السلبية لعلاقات اليمن مع الخليج والتي
يمكن اختصارها في النقاط التالية:
1-
تزايد
معدلات الهجرة الغير شرعية إلى دول الخليج وخاصة السعودية وعمان وتحولها إلى ما
يشبه عمليات اللجوء الجماعي، بحيث لا تصبح الهجرة عمل فرديا يقوم به أفراد، كما هو
الشأن في الوقت الحالي، بل قد تتم على شكل قيام جماعات سكانية كاملة بالهجرة للدول
المجاورة وتحديدا المملكة السعودية. وهجرات من هذا النوع لا يمكن للحكومة السعودية
أن تقبلها كما وأنه لن يكون بالإمكان صدها ومنعها بسهولة حيث أن صد ألاف البشر بما
فيهم الأطفال والنساء وكبار السن من الدخول إلى دولة ما ليس بالأمر اليسير في ظل
التغطية الإعلامية الكبيرة التي ستصاحب إي أعمال من هذا النوع.
2-
تحول
الدولة إلى النشاط غير الشرعي: ومن ذلك تفاقم التهريب من اليمن للدول المجاورة
وخاصة السعودية، وسيشمل التهريب جميع السلع المحظورة في السعودية خاصة الخمور
والمخدرات والقات والسلاح. وما سيساعد على هذا الأمر ضعف أو غياب سيطرة الحكومة
المركزية على الحدود وظهور كيانات مستقلة أو شبه مستقلة، كحركة الحوثي مثلا، تقوم
برعاية عملية التهريب والاستفادة منه في تغذية نفسها بالأموال، كما وأن ضعف السلطة
المركزية سيزيد من الفساد الرسمي مما يعني قيام جهات رسمية برعاية عمليات التهريب والاستفادة
منها.
أن
تتحول الدول الفاشلة إلى النشاط غير الشرعي أمر مصاحب لحالات انهيار الدول أو ضعف
مواردها كما حدث ويحدث في دول عديدة مثل أفغانستان وكوريا الشمالية والصومال وغيرها
من الدول.
إلى
جانب أن التجربة أظهرت أن وجود حركات متمردة في دولة فاشلة ينتج عنه قيام هذه
الحركة بامتهان نشاط غير مشروع تحصل من خلاله على موارد تمول بها نشاطاتها، كما
يحدث حاليا مع حركة طالبان وبعض حركات التمرد اليسارية في عدد من دول أمريكا اللاتينية،
حيث تتمول هذه الحركات من الأنشطة غير الشرعية وبالتحديد من تجارة المخدرات. ولا
يستبعد في حال ظهور كيانات مستقلة في اليمن أن تقوم بأمور مشابهة لتمويل نشاطاتها.
3-
زيادة
التدخلات السياسية من قبل الدول الخليجية في اليمن: وفي هذا الشأن فأن من المتوقع
أن تكون السعودية هي أكثر الأطراف التي ستسعى للتدخل السياسي في اليمن كونها الطرف
الأكثر تحسسا لما يحدث في اليمن ولتاريخها المعروف في هذا الشأن. والتدخل السياسي
المقصود نعني به قيام الدولة المتدخلة بدعم طرف أو عدد من الأطراف للعمل كوكيل
لمصالحها والتي تشمل مقاومة أطراف أخرى معادية لهذه الدولة يمكن أن يكونوا أطراف
موالية لدولة معادية أو جماعات معارضة لها.
4-
اضمحلال
أو انتهاء المساعدات التنموية لليمن حيث أن من غير المتوقع أن تبادر أي حكومة
خليجية أو غيرها لتقديم مساعدات تنموية في حال انتهاء أو اضمحلال سلطة الحكومة
المركزية في اليمن، ومن المحتمل أن تزيد المساعدات الإنسانية والتي قد يتم تقديمها
عبر جهات غير حكومية لبعض الفئات المتضررة من الأوضاع.
5-
استخدام
اليمن قاعدة إقليمية ودولية للجماعات الإرهابية التي تنمو وتنشط في المناطق التي
تضعف أو تنتهي فيها سلطة الدولة، وفي هذا الشأن فإن من المحتمل أن يكون اليمن في
حال تحوله إلى دولة فاشلة، مكانا ملائما للجماعات المتطرفة تستخدمه في التخطيط
والانطلاق لشن عمليات ضد خصومها بما فيهم الدول الخليجية.
وفي
حال وصول الأمور إلى هذا الحد فأن من المحتمل أن تستقطب اليمن الكثير من أبناء
الدول الخليجية وغيرهم للاحتماء والتدريب وشن العمليات.
6-
استخدام
جماعات الجريمة المنظمة لليمن كمركز لنشاطاتها وبالطبع فإن دول الخليج ستكون هي
الهدف الأساسي لنشاط هذه الجماعات.
7-
وجود
الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة في اليمن سيزيد من النشاطات العسكرية
والإستخباراتية للدول الخارجية بما في ذلك الدول الخليجية التي قد تقوم بعمليات
عسكرية أو استخباراتية ضد الجماعات المناوئة لها.
8-
زيادة
عزلة اليمن ماديا ومعنويا من خلال إقامة أسوار وحواجز على حدود اليمن وتشديد
إجراءات الإقامة والدخول على اليمنيين إلى الأراضي الخليجية.
9- تكوين عصابات قراصنة تهدد الملاحة الدولية في
خليج عدن والبحر الأحمر والمحيط الهندي.
يفترض تحقق هذا السيناريو قيام النخب الحاكمة في
اليمن وبمساعدة الدول الخليجية وبقية العالم بجهود استثنائية لمنع تحقق السيناريو
المتشائم، وهذه الجهود ستتطلب القيام بإصلاحات حقيقية في أسلوب إدارة الموارد
وإدارة الدولة عموما. وهذه الجهود في حال القيام بها خلال الفترة من الآن حتى 2020
من شأنها أن تخلق أوضاعا سياسية واقتصادية واجتماعية جيدة تعمل على زيادة التفاعل
بين اليمن ومحيطة الإقليمي والعالم. ويعد التفاعل الإيجابي بين اليمن ودول الخليج أحد
الأسباب التي تحول دون سقوط اليمن في حالة الدولة الفاشلة. ويمكن ذكر بعض المعطيات
التي ستعمل مجتمعة أو منفردة على تحقق هذا السيناريو في النقاط التالية:
1-
زيادة الموارد اليمنية من النفط والغاز على غير
ما تظهره التوقعات الحالية، وهذا الأمر يبقى قابلا للتحقق في حال أخذنا التاريخ
مرجعا لنا. حيث تبين أن الكثير من التوقعات الخاصة باحتياطي النفط في العالم خلال
الثلاثين عاما الماضية لم تتحقق. فخلال هذه المدة، وتحديدا منذ الأزمة النفطية
الأولى عام 1973، ظهرت الكثير من الدراسات الصادرة عن مراكز أبحاث كبيرة، كانت
تتوقع مستقبلا سيئا للاحتياطيات النفطية على مستوى العالم. ومن ذلك مثلا التوقعات
التي كانت تشير إلى أن إنتاج النفط سينخفض في بداية الألفية بشكل كبير نتيجة تراجع
الاحتياطات العالمية من النفط، والتي كانت هذه الدراسات تؤكد أنه كان في طريقه نحو
الانخفاض استنادا إلى الاعتقاد بأن العالم في تلك الفترة قد تم استكشافه نفطيا،
وان من غير المتوقع أن تظهر احتياطات كبيرة في مناطق جديدة.
وقد
كذب الواقع تلك التوقعات حيث أن أرقام الاحتياطيات النفطية في العالم عام 2008
تفوق ما كانت عليه عام 1980، فقد اكتشف البترول في مناطق جديدة ولا تزال حتى الآن
تظهر اكتشافات في دول أعتقد العلماء أنه لا يوجد بها نفط كالبرازيل وكنداء وبعض
الدول الأفريقية.
هذه
الحقائق تجعلنا نذهب باتجاه عدم تصديق الدراسات والتوقعات التي ترى بأن احتياطيات
النفط في اليمن في طريقها إلى النفاذ قريبا. وما يعزز من هذا الاتجاه أن معظم
مناطق اليمن لم تجر فيها عمليات استكشاف للنفط حتى الآن. فاليمن مقسم إلى 87 قطاعا
نفطيا 12 منها فقط يتم استخراج النفط منه فيما 26 قطاعا يتم استكشافه وتطويره
بينما بقية القطاعات البالغة 49 قطاعا لا زالت غير مستكشفة. ومن المتوقع حسب ما
تقول الحكومة اليمنية أن الكثير من هذه القطاعات تحمل الكثير من الاحتياطات، وهو
أمر يبقي محتملا.
إن
زيادة الإنتاج من النفط والغاز خلال الفترة الممتدة حتى 2020، وعودة أسعار النفط للارتفاع
مجددا كما يتوقع الكثيرون، أمور من شأنها أن ترفع إيرادات اليمن وهو ما سيساهم في
زيادة برامج التنمية، ويزيد من خلق الظروف المشجعة على الاستثمار. والنتيجة
المتوقعة هنا هي أن اليمن لن يتحول إلى دولة فاشلة في المستقبل.
2-
تظهر
التجربة المعاشة أن الكثير من الدول التي تقل مواردها الطبيعية أو تنعدم تمتلك
حكومات كفوءة استطاعت أن تقوم بعمليات تنمية حقيقية في وقت قصير. وفي هذا الشأن
نشير إلى دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة، وهي دول تكاد تخلو
من الموارد الطبيعية خاصة النفط، إلا أنها وبسبب ذلك، كما يعتقد، حققت قفزات
تنموية هائلة وأصبحت من الدول الحديثة. وعلى العكس من ذلك نجد دولا امتلكت موارد
طبيعية ضخمة وخاصة النفط إلا أنها أصبحت نموذجا للدول الفاسدة والحكومات الفاشلة.
ونستخلص
من هذا الأمر أن الموارد الطبيعية لا تعمل بالضرورة على إيجاد تنمية حقيقية، ولا
تساعد على إيجاد حكومات فعالة بل العكس هو الصحيح، حيث تعمل الموارد السهلة على
إفساد الحكومات والشعوب التي تتعود على استهلاك الموارد أكثر من إنتاج الموارد.
وفي
حال افترضنا أن موارد اليمن في تناقص، فأن هذا الأمر قد يساعد على زيادة كفاءة
الحكومة، حين تجبرها الظروف الصعبة على أن تبتكر وسائل جديدة في إدارة الموارد
وخلق موارد جديدة، من خلال إصلاحات جذرية تطال الجوانب السياسية والاقتصادية والإدارية
والاجتماعية. وهو أمر في حال حدوثه سيساعد على إحداث تنمية حقيقية.
3-
تواجه اليمن في الوقت الحالي الكثير من المشاكل
السياسية والأمنية التي سبق ذكرها. وعلى افتراض أن هذه الأزمات ستعمل على تنبيه
النخبة الحاكمة إلى مخاطر استمرار هذه المشاكل وتفاقمها، لأنها قد تؤدي إلى تهديد
وجود هذه النخبة والدولة معا في حال لم تقم هذه النخبة بإدخال تغييرات على الطريقة
التي تدير بها الدولة. وفي حال وصلت النخبة إلى هذه القناعة، ومن ثم بادرت بإدخال
إصلاحات جذرية تعمل على إنهاء أو على الأقل احتوى هذه المشاكل وجعلها تحت السيطرة،
فإن حدوث ذلك يجعل فرص النمو والتطور لليمن كبيرة.
4-
كما وأن
العالم الخارجي يمكن أن يأتي منه الشر، فإن الخير أيضا قد يأتي من العالم الخارجي.
فحدوث تحسن وانفراج في المنطقة والعالم من شأنه أن ينعكس إيجابا على الأوضاع في
اليمن، من خلال زيادة المساعدات الأجنبية بما فيها الخليجية لليمن. وفي هذا الشأن
يجب التنبيه إلى أن المساعدات التي تحتاجها اليمن بالدرجة الأولى ليست الأموال فقط
ولكن المساعدات التي تعمل على تحسين كفاءة الدولة. وهي الحالة التي قد تتم حين يربط
المانحون إدخال إصلاحات حقيقية على عمل الحكومة اليمنية، مقابل تدفق المساعدات.
5- تظهر التجارب أن ردود فعل المجتمعات حين تعصف
بها المشاكل ليست واحدة، فبعض الدول تكون على وشك السقوط في حالة الدول الفاشلة إلا
أنها لا تقع في هذه الحالة. ونستحضر هنا نموذج أثيوبيا، فهذه الدولة كانت على وشك
السقوط في الفوضى، أو ما يعرف الآن بالدولة الفاشلة، بعد سقوط نظام حكم (منجستو
هيلا مريام) عام 1991، فظروف سقوط نظام (مريام) كانت شبيهة بظروف سقوط نظام (زياد
بري) في جارتها الصومال، إلا أن الطبقة السياسية وشعب أثيوبيا حافظوا على تماسك دولتهم رغم الكثير من المشاكل
الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي كانت تعيشها أثيوبيا في ذلك الوقت. ونموذج
أثيوبيا يشير إلى أنه ليس حتميا أن تصبح اليمن دولة فاشلة لمجرد حدوث بعض المشاكل
فيها. خاصة وان غريزة البقاء قد تتغلب على نزعة الانتحار الجماعي التي تمثلها
الدولة الفاشلة.
اليمن
الناجح والخليج 2020:
رغم أن نجاح
اليمن سينعكس إيجابا على العلاقات مع دول الخليج، إلا أن هذا النجاح، وفي حال
حدوثه، لن يصل إلى حد تضييق الفجوة الاقتصادية الضخمة التي تفصل اليمن والخليج
حاليا. فالفترة التي تفصلنا عن عام 2020 ليست كبيره بحيث نتوقع حدوث تغيرات كبيرة
في أوضاع اليمن. ونتيجة لهذا فإن من غير المتوقع أن تصبح اليمن عضوا كامل العضوية في
مجلس التعاون الخليجي في 2020. فالعوائق التي ستحول دون انضمام اليمن للمجلس يتوقع
لها أن تبقى حتى ذلك التاريخ. ومع ذلك فإن عدم انضمام اليمن لمجلس التعاون لا يعني
غياب أي صيغة أخرى للتعاون بين اليمن ودول الخليج.
ومن الممكن التنبؤ ببعض المظاهر وفقا لهذا
السيناريو في النقاط التالية:
1-
زيادة
في حجم الاستثمارات الخليجية في اليمن في حال تحسن المناخ العام في اليمن.
2-
تحسين
ظروف استقدام العمالة اليمنية مما سيزيد من حجمها في دول الخليج.
3-
إدخال
اليمن في بعض المنظمات والهيئات الخليجية التي ستساعدها على تحسين عملية الاندماج
والتكامل مع دول الخليج.
4-
إقامة
مناطق حرة في اليمن يتم تمويلها، بشكل رئيسي، من الاستثمارات الخليجية لتكون
بمثابة النواة الأولى في خلق التنمية الاقتصادية الشاملة.
5-
زيادة
في حجم ونوعية المساعدات المالية الخليجية لليمن.
6-
التقليل
من التدخلات السياسية الخليجية في اليمن وزيادة التدخلات التنموية، إن صح التعبير،
عبر إقامة صناديق خاصة خليجية تخطط وتنفذ برامج المساعدات الخليجية.
7-
زيادة
الربط المادي والمعنوي بين اليمن ودول الخليج من خلال إيجاد طرقات سريعة تساعد على
زيادة حركة التجارة والأشخاص بين اليمن ودول الخليج. وكذلك ربط اليمن بشبكة
الكهرباء في الخليج تساعدها على توفير أحد أهم الأسس التي تقوم عليها عملية
التنمية. وستعمل هذه الظروف على زيادة حركة السياحة القادمة من الخليج لليمن وهو
ما سيساعد على زيادة الاندماج الاجتماعي والثقافي بين اليمن وسكان الخليج.
لا
يفصلنا عن عام 2020 سوى 11 عاما، وهذه الفترة لا تعد طويلة كي نتوقع حدوث تغيرات
جذرية على الأوضاع في اليمن تنعكس على علاقاته بدول الخليج. فلو نظرنا للخلف قليلا
إلى عام 1998 تحديدا لنقارن أوضاع اليمن في ذلك التاريخ بالعلاقات مع الدول
الخليجية في عام 2009، فإننا لن نجد إلا تغيرات طفيفة. فحجم العمالة اليمنية في
الخليج لم تتغير كثيرا، وهي وفق أفضل التوقعات لم يتجاوز نموها 15% رغم حدوث
الطفرة النفطية خلال هذه الفترة. كما وأن حجم المساعدات المالية والاستثمارات
الخليجية في اليمن لم تشهد زيادات كبيرة. إضافة إلى أن أوضاع اليمن السياسية
والاقتصادية والاجتماعية لم يطرأ عليها تغييرات جوهرية خلال هذه الفترة.
هذه
الحقائق تجعلنا نفترض بأن طبيعة ونوعية العلاقات اليمنية الخليجية في عام 2020 لن
يحدث لها تغيرات جوهرية تذكر. فقد تتدهور العلاقات قليلا في بعض المجالات كأن تزيد
دول الخليج من تضييقها على العمالة اليمنية الموجودة، وتشدد من إجراءاتها الحدودية
لتمنع الهجرة الغير مشروعة التي من المتوقع أن يزيد حجمها ونوعها في المستقبل. وفي
نفس الوقت قد تسوء الأوضاع أكثر في اليمن لكن ليس إلى تلك الدرجة التي تؤدي إلى انهيار
الدولة والسقوط في حالة الدولة الفاشلة، كما استعرضناه سابقا. وربما يحدث تحسن
طفيف في الأوضاع في اليمن ليس إلى الدرجة التي توقعناها في السيناريو المتفائل.
وهذه الأمور في حال حدوثها فإنها تعني بأن العلاقات اليمنية الخليجية عام 2020 لن
تكون مختلفة نوعيا عن طبيعتها في عام 2009 وهذا هو السيناريو الأكثر احتمالا وفقا
للمعطيات الحالية على الأقل.
ربما
يساور قراء هذه الدراسة حين يصلون إلى هذه النقطة الإحباط، وذلك لأن الدراسة لم
تستطع الإجابة المحددة والنهائية لما ستكون عليه العلاقات الخليجية اليمنية عام
2020. فالدراسة قد فتحت الباب أمام احتمالات متناقضة ولم تجزم بأن إي من هذه الاحتمالات
هو الأقرب إلى التحقق. وفي حال وصل جميع قراء هذه الدراسة إلى هذا الاستنتاج تكون
الدراسة قد حققت هدفها، إذ أن إي دراسة علمية تتحدث عن المستقبل، لا يمكنها الجزم
والقطع بحدوث سيناريو واحد في المستقبل، فلو حاولت ذلك ستصبح عملا من أعمال
التنجيم، أو عملا من أعمال الدعاية التي تهدف إلى الإثارة والتشويق، أكثر من كونها
دراسة علمية. أما الدراسة العلمية فإنها حين تتحدث عن المستقبل فإنها تهدف إلى فتح
الحوار والجدل حول عدة احتمالات مستقبلية، بعضها سيئ يتطلب ممن بيدهم الأمر من
ساسة ومفكرين وغيرهم العمل على منع حدوثه، ومنها ما هو جيد على نفس الفئات العمل والتخطيط
لحدوثه.
أما
ما نحن متأكدين منه هو أن المستقبل لن يكون بالطريقة التي ذكرناها فقد يحمل مزيجا
من السيناريوهات المذكورة مع غلبة بعض عناصر أحد السيناريوهات على الأخرى.
وفي
الصفحات المقبلة يمكن ذكر عدد من النقاط التالية:
1-
تواجه
اليمن في المستقبل مشاكل كبيرة يجب على الجميع التخطيط لمواجهتها، وهنا تجب
الإشارة إلى أن على اليمنيين أن يدركوا أن حل هذه المشاكل يقع بالدرجة الأولى على
عاتقهم، ويأتي تاليا دور الآخرين في المساعدة على حل هذه المشاكل. فعلى الرغم من
أن إي انهيار للأوضاع في اليمن سيكون له أثار سيئة على دول الخليج، إلا أن على
اليمنيين أن يدركوا أن انهيار الأوضاع ستكون له أثار مدمرة عليهم. وهو الأمر الذي
يعني بأن مواجهة هذه المشاكل تتطلب بالدرجة الأولى جهودا يمنية، بمعنى أن علينا أن
نساعد أنفسنا قبل أن نطلب من الآخرين مساعدتنا. فلا يعقل مثلا أن يظل الفساد
والهدر وعدم الكفاءة هو السمة التي تتصف بها الإدارة في اليمن ونتوقع من الآخرين،
خليجيين أو غيرهم، أن يأتوا لضخ أموالهم لتذهب في جيوب الفاسدين. فالفساد وسوء
الإدارة إلى جانب دورهما في تعطيل برامج التنمية فإنهما يقدمان لأي مانح أو مساعد
مفترض، راحة الضمير والتبرير الجاهز، الذي يرد عنه أي لوم بالتقصير وعدم المساعدة.
2-
منذ
عام 2002 وحتى نهاية 2008، حصلت الحكومة اليمنية على ما يقارب الـ 26 مليار دولار
من الموارد الناجمة عن مبيعات النفط[36]. وهذا
المبلغ يعد ضخما جدا بالمقاييس اليمنية، ورغم ذلك فإن الأحوال الاقتصادية لمعظم
اليمنيين لم يطرأ عليها أي تحسن يذكر. وهذا يعني أن مشكلة اليمن لا تكمن في نقص
الموارد وإنما في طريقة إدارة الموارد. وعليه فأن الاعتقاد بأن مجرد ضخ دول الخليج
لبضعة مليارات لليمن من شأنه أن يعمل على إحداث تنمية حقيقية أمر غير صحيح وتكذبه
التجربة. ولهذا فإن على اليمنيين أن يدركوا بأن عليهم إجراء إصلاحات حقيقية يكون
من شأنها إدارة الموارد بشكل جيد.
3-
رغم
أن الفساد يبقي احد معوقات التنمية في اليمن إلا أن هناك أمر لا يقل خطورة عنه وهو
نقص فعالية الإدارة، ونقصد به عجز الإدارة عن القيام بدورها ولو في الحدود الدنيا.
فالفساد أحيانا لا يعد مشكلة لو ترافق ذلك مع وجود إدارة فعالة، حيث نجد بأن
الفساد انتشر ولا زال في عدد من الدول التي حققت نموا كبيرا ككوريا الجنوبية
وتايوان والصين. ففي هذه الدول وعلى الرغم من حجم الفساد الواسع إلا أن ذلك الفساد
لم يؤدي إلى إعاقة النمو في هذه البلدان كونه وجد في ظل إدارات فعالة.
ومن
أهم مظاهر نقص فعالية الإدارة في اليمن القدرة المتدنية على استخدام القروض
والمساعدات، وهذه المشكلة تعد مزمنة ولم تجد لها أي حلول. فالمانحون لليمن يشتكون
من أن الكثير من المخصصات تبقي لسنوات طويلة دون أن تتمكن الجهات اليمنية من
استخدامها، وقد اضطر البنك الدولي إلى تخفيض حجم المساعدات لليمن بسبب هذا الأمر.
وينتج عن ذلك أن الكثير من المشاريع التي يحصل اليمن على مصادر تمويل لها، لا تُـنفذ
إلا بعد مرور فترة طويلة من اعتماد المبالغ الخاصة بها.
وتعترف
الحكومة اليمنية بهذه المشكلة وتدعي أنها تعمل على حلها غير أن الواقع يشير إلى أن
هذه المشكلة ستبقي موجودة، وعلى الأقل في المستقبل المنظور، فقد أشار تقرير، قُـدم
لمجلس الوزراء اليمني في 20-11-2008، إلى أن إجمالي ما تم سحبه من الأموال المقدمة
من المانحين في عام 2007 بلغ 480 مليون دولار وأن ما تم سحبه في النصف الأول من
عام 2008 لم يتجاوز 190 مليون دولار[37].
وهذه
الأرقام تشير إلى أن إجمالي مبلغ المساعدات الذي وعدت اليمن به من قبل المانحين في
مؤتمر لندن والبالغة 4700 مليون دولار[38]، والذي
كان مخططا له أن ينفق خلال ثلاث سنوات، سيحتاج إلى عشر سنوات إذا استمرت وتيرة
الإنفاق بنفس هذه المعدلات.
4-
هناك اعتقاد
بأن مخاوف دول الخليج والعالم بأن تصبح اليمن دولة فاشلة سيدفع هذه الدول لأن تضخ
لليمن أموالا تحول دون ذلك. وعلى الرغم من أن هذا الاعتقاد صحيح جزيئا إلا أن على
اليمنيين أن لا يتوقعوا أن هذه الدول ستضخ لهم الأموال دون شروط. فمسئولية
الحيلولة دون السقوط في الفشل هي مسئولية يمنية بالدرجة الأولى. وتخويف الآخرين أو
زيادة حدة الفلتان في اليمن على أساس أن ذلك سيجعل الآخرين يهبون للمساعدة عملية
خطرة. فالفلتان المخطط له أو المسكوت عنه قد يخرج عن السيطرة ويدمر الجميع.
5-
إن
علينا في اليمن أن نقلع عن وهم أن الأمور قد تعود شبيهة بما كانت عليه في
السبعينات والثمانينات حين كان بإمكان حاملي جوازات اليمن الشمالي[2] الذهاب
إلى السعودية والبقاء فيها بدون قيود
تذكر، فتلك المرحلة كانت لها ظروفها التي لن تتكرر. وعلى هذا الأساس علينا أن لا
نتوهم بأن دول مجلس التعاون ستقبل اليمن عضوا كامل العضوية في المجلس يتحرك مواطنوه
بحرية في هذه الدول. فدول الخليج ولأسباب كثيرة لن يكون بإمكانها استقبال جيوش
العمالة اليمنية التي ستتدفق إليها في حال فتحت أبوابها لاستقبالهم، فهناك ما يزيد
عن أربعة ملايين يمني مهيئين للهجرة لدول الخليج في الوقت الحالي. ولنا أن نتخيل
استحالة أن تقبل دول الخليج هذا العدد أو حتى جزء منه خاصة في ظل تراجع أسعار
النفط وتزايد سكانها.
6-
لم
تتطرق الدراسة للتغيرات الداخلية التي قد تحدث في دول الخليج والتي قد تؤثر على طبيعة
علاقاتها باليمن. ويرجع السبب في ذلك إلى صعوبة تحليل هذه التغيرات في الوقت
الحالي. فدول الخليج جميعها، باستثناء مملكة البحرين، تعيش أوضاعا سياسية
واقتصادية واجتماعية شبه مستقرة. الأمر الذي يدفعنا للاعتقاد بأنه لن تحدث في هذه
الدول من الآن وحتى عام 2020 تغيرات كبيرة يمكنها، وهذا هو المهم، أن تحدث نقلات
غير متوقعة في طبيعة العلاقات مع اليمن.
7-
أكدت
التجربة التاريخية أن إعادة تأهيل دولة فاشلة وجعلها ناجحة أمر في غاية الصعوبة
والكلفة. فها هما الصومال وأفغانستان غارقتان في الفشل رغم الكثير من الجهود
الدولية والإقليمية التي حاولت إخراجهما من الوضع المدمر الذي تعيشانه. والعبرة
التي يجب أن نأخذها من هذه الدول هو أن على الجميع، يمنيين بالدرجة الأولى،
وخليجيين وآخرين بالدرجة الثانية، أن يعملوا سويا بقدر الإمكان على منع سقوط اليمن
إلى حالة الدولة الفاشلة. فكلفة منع دولة من السقوط تظل قليلة جدا مقارنة بكلفة
إعادة تأهيلها. فلرب بضعة مليارات تنفق حاليا على اليمن بطريقة صحيحة أفضل من
عشرات المليارات وربما أكثر قد تحتاجها الدول الخليجية والعالم لإعادة تأهيل اليمن
في حال سقوطه كدولة فاشلة.
ولنا
أن نتخيل فقط كلفة بناء سور إسمنتي وحمايته بطول يزيد عن 1500 كيلو متر، وهي
المسافة المقدرة للحدود اليمنية مع كل من السعودية وعمان. إذ أن هذا السور سيكون
الحل الطبيعي التي ستلجأ له الدولتين في حال أصبحت اليمن دولة فاشلة لمنع تدفق
المهاجرين والسلع المهربة وغيرها من المشاكل التي ستصاحب هذا الوضع.
واستنادا
إلى ما سبق فإن على دول الخليج تحديدا والعالم عموما أن يبتدعوا طرقا جديدة لمنع
اليمن من السقوط في مستنقع الدولة الفاشلة. ومن ذلك إنشاء صناديق خاصة تحت إشراف
وإدارة الجهات المانحة تتولى عملية التخطيط والتنفيذ لمشاريع تنموية في اليمن.
تتجاوز من خلالها الفساد وعدم الفعالية التي تتصف بها أجهزة الإدارة في اليمن.
إن
إي عملية إصلاح حقيقي في اليمن هي الأساس الذي يجب على الجميع خاصة في اليمن
الرهان عليه لخلق مستقبل أفضل لليمنيين أولا، وللعلاقات اليمنية الخليجية ثانيا، فأي
عملية إصلاح ستنعكس إيجابا على الكثير من الجوانب بما فيها المشاكل الصعبة الكبيرة
كزيادة عدد السكان وزيادة الاضطرابات السياسية والأمنية ومواجهة الأزمات الداخلية
والخارجية. كما أن الإصلاح سيعمل على زيادة المساعدات الخارجية وزيادة عمليات الاستثمارات
الخارجية خاصة الخليجية منها.
8-
تتنازع
السعودية رغبتان متناقضتان فمن جهة تريد السعودية أن تحافظ على نفوذ لها لدى بعض
الجماعات في اليمن، والذي يتم من خلال إمداد هذه الجماعات بالأموال، الأمر الذي
يضعف من السلطة المركزية في اليمن ويؤدي إلى وجود مناطق خارج سيطرة الحكومة
اليمنية مما يخلق بيئة من الفلتان الأمني تتضرر السعودية منها، ومن جهة أخرى تدرك
المخاطر وتدعم الحكومة.
9-
تتصف
العلاقات اليمنية مع الخليج بمعادلة صعبة فدول الخليج يستحيل عليها أن تتجاهل
اليمن، وفي نفس الوقت يصعب عليها دمجه في منظومتها وستظل هذه المعادلة هي السمة
البارزة في العلاقات اليمنية في المستقبل.
إن
المشاكل المستقبلية لأي بلد لا تشبه الكوارث الطبيعية، التي لا يكون بالإمكان
تغييرها، فالمستقبل هو من صنع أيدينا فهو ثمرة بذرة الحاضر، فهل هذه البذرة التي
سنضعها هي بذرة خير أم غير ذلك؟ هذا ما سيخبرنا به المؤرخون الذين سيأتون من
بعدنا.
المراجع
[1] وفق
الدستور النافذ فأن الفترة الرئاسية الحالية للرئيس علي عبدالله صالح هي الأخيرة
التي لا يحق له بعدها من أن يعيد ترشيح
نفسه للمنصب.
[2] ذكرنا
حاملي الجواز ولم نقل المواطنين الشماليين لأن الكثير من أبناء الجنوب كانوا
يحصلون على جوازات شمالية ويذهبون للعمل في السعودية كأنهم مواطنون شماليون
[2] تقييم
الفقر – البنك الدولي – نوفمبر 2007
[3] البنك
المركزي اليمني – مرجع سابق
[5] الإسكوا –
المرجع السابق
[6] الإسكوا –
المرجع السابق
[7] الإسكوا –
المرجع السابق
[8] وكالة سبا للإنباء – اليمن في 100 عام
[9] قبل
الوحدة بفترة قصيرة قام وزير الخارجية السعودي بزيارة لليمن الجنوبي وذكر البعض أن
الوزير السعودي عرض مساعدات لليمن الجنوبي هدفها الحيلولة ضد ذهاب اليمن الجنوبي
إلى الوحدة
[10] عشية الوحدة
وعد الملك فهد بأنه سيدعم الوحدة في اليمن بمبلغ 50 مليون دولار
[11] د. ياسين
الشيباني. موقف اليمن من الغزو العراقي للكويت. اليمن والعالم . مكتبة مدبولي 2002
ص 104
[12] عبدالناصر
المودع . الدور الخارجي وأثره على حرب 1994. مكتبة مدبولي المرجع السابق ص 379
[13] البيان
الختامي للقمة الخليجية في مسقط 2001 . موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون http://www.gcc-sg.org/index.php?action=Sec-Show&ID=124
[15] تقييم
الفقر – البنك الدولي- مرجع سابق
[16] مخرجات
مسح ميزانية الأسرة . الجهاز المركزي للإحصاء - 2006
[17] تقييم
الفقر – البنك الدولي- مرجع سابق
[18] قدر عدد
من الدراسات أن عدد العمال اليمنيين وصل في بداية الثمانينات إلى ما يقارب المليون
يمني، وهو ما كان يعادل 15% من عدد سكان اليمن الشمالي حينها والذي كان يقدر بسبعة
ملايين نسمة.
[19] لا توجد
إحصائيات دقيقة عن حجم اليمنيين في دول الخليج غير أن الرقم المتداول يتراوح ما
بين 800 ألف ومليون شخص معظمهم في السعودية يضاف لهم عدد غير معروف من المقيمين
غير الشرعيين
[20] تبلغ نسبة
النمو السكاني في اليمن بحسب إحصاء عام 2004 3% وفي حال استمر النمو بنفس النسبة
فإن من المتوقع أن يصل السكان إلى 33 مليون عام 2020.
[21] جريدة
الشرق الأوسط اللندنية – 17 – 11- 2006
[24] البنك
المركزي اليمن – تقرير 2007 مرجع سابق
[25] نص خبر
نقلته صحيفة الوسط عن باحث غربي قام بدراسة عن الأسلحة في اليمن (أنظر الموقع )
http://www.alwasat-ye.net/modules.php?name=News&file=print&sid=1305.
[28] التقرير
الإستراتيجي السنوي – اليمن ، 2001 – المركز العام للدراسات ولإصدار ص 268.
[29] خطاب
لرئيس الجمهورية في اجتماع اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي في 19 فبراير 2005 http://26sep.net/news_details.php?lng=arabic&sid=4961
[30] تصريح
لوكيل هيئة استكشافات وإنتاج النفط ثابت علي عباس لمجلة الصناعة في ابريل 2007
[32] البنك
المركزي التقرير السنوي - 2007
[33] صحيفة الشرق الأوسط اللندنية – 16-9-2005
[34] جريدة
الوطن السعودية – 23 يناير 2008
[35] صنفت
اليمن عام 2004 في المرتبة الثامنة ضمن أكثر الدول فشلا وهو ترتيب يقرب اليمن من
دخول مرحلة الدولة الفاشلة (أنظر مجلة السياسة الدولية عدد يوليو/أغسطس 2005) ورغم
أن تصنيف اليمن لعام 2007 وضعها على الرقم 21 (أنظر مجلة السياسة الدولية عدد 2008
)إلا أنها لا تزال ضمن دائرة الخطر واحتمال تدني موقعها وارد في تقرير الدول
الفاشلة الصادر في عام 2009
[36] البنك
المركزي اليمني تقرير 2007
[37] صحيفة
الثورة اليمنية – 21 – 11- 2008
[38] جريدة
الشرق الأوسط اللندنية – 17 – 11- 2006
تعليقات
إرسال تعليق