المشاركات

عرض المشاركات من سبتمبر, 2025

التوحش الحوثي؛ طبيع وليس سلوك

  التوحش الحوثي؛ طبيعة وليس وسيلة  عبدالناصر المودع الحركة الحوثية مثالًا واضحًا لما يُعرف في علم الاجتماع السياسي بـ "الحركة المتوحشة". وهي الحركات التي لا يكون فيها القمع والعنف مجرد أدوات أو تكتيكات تُستخدم عند الضرورة، بل هما طبيعة بنيوية وجزء جوهري من كيانها ذاته. في هذا السياق، لا يكون التوحش خيارًا سياسيًا يمكن تنظيمه أو التخلي عنه، بل هو آلية دائمة للتعامل مع المجتمع، والخصوم، والحلفاء المؤقتين، وحتى مؤيديها الذي تعتقد أن ولائهم ليس مطلقا. إن الطبيعة البنيوية للحوثيين، القائمة على العنف والقسوة، تجعلهم غير قادرين على تبني أنماط سلوكية عقلانية أو مرنة، لأنهم يفتقرون أساسًا إلى الأدوات السياسية للحكم الحديث، مثل بناء التوافق أو العمل ضمن نظام تعددي. وبدلًا من ذلك، يصبح العنف هو اللغة الوحيدة التي تفهمها الحركة وتتواصل بها – سواء داخل تنظيمها الداخلي أو في تفاعلاتها مع محيطها. وبمرور الوقت، تتفاقم هذه الوحشية وتتوسع في جميع الظروف، سواء كانت الحركة في حالة ضعف أو قوة وطمأنينة. ففي أوقات الضعف، تعوض الحركة عجزها عن كسب الدعم الطوعي أو ما يُعرف بـ "الشرعية"  من خ...

انهيار الدولة في اليمن؛ كارثة على الشعب وليلة قدر للنخبة

   انهيار الدولة في اليمن؛ كارثة على الشعب وليلة قدر للنخبة عبدالناصر المودع  ذكرت صحيفة واشنطن بوست في مارس 2022 أن خالد بايندا، آخر وزير مالية في الحكومة الأفغانية قبل سيطرة طالبان، يعمل سائقًا لشركة "أوبر" في العاصمة الأمريكية واشنطن. وفي مدينة لايبزغ الألمانية، أوردت عدة وسائل إعلام في أغسطس 2021 أن سيد سادات، وزير المواصلات الأفغاني الأسبق، يعمل في توصيل الطعام على دراجة هوائية. تكشف هذه الوقائع عن حجم المعاناة التي تواجه النخب السياسية حين تضطر إلى مغادرة بلدانها بسبب الحروب أو لأسباب أخرى؛ فإذا كان هذا هو حال من تولى منصب وزير، فكيف يكون حال بقية النخب الأفغانية ذات المكانة الأدنى؟ في اليمن "السعيد"، تبدو القصة معاكسة تمامًا. فالغالبية الساحقة من النخبة اليمنية* – وتحديدًا تلك التي صعدت وتضخمت كالبكتيريا بعد عامي 2011 و2015 – شهدت معيشتها ارتفاعًا صارخًا عقب انهيار وتفكك الدولة اليمنية. ويعود ذلك إلى عاملين أساسيين: طبيعة الدول المتدخلة في الشأن اليمني، وطبيعة الأزمة اليمنية نفسها.  فالدول الباحثة عن النفوذ والهيمنة، ذات الأطماع الواضحة في اليمن، هي من أغنى د...

لحكومة عدن: تبني السياسات الفاشلة ليس غباءً بل رغبة في الفساد

  لحكومة عدن: تبنّي السياسات الفاشلة ليس غباءً بل رغبة في الفساد عبدالناصر المودع في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، اعتمدت حكومة الجمهورية العربية اليمنية سياسات اقتصادية تحت شعار "تنظيم الاستيراد وترشيده وتشجيع المنتجات المحلية". لكن هذه السياسات تحولت إلى ضربة قاصمة للنشاط الاقتصادي، وفتحت الباب واسعًا للفساد، حيث نشأت طبقة تجارية طفيلية ممن حصلوا على رخص الاستيراد، فيما تحولت هذه الرخص إلى سلعة يتم بيعها من قبل النافذين. إلى جانب ذلك، ازدهر التهريب ليتحول إلى اقتصاد موازٍ بحجم كبير، فيما لم تحقق تلك السياسات أي نجاح حقيقي؛ فالمنتج المحلي لم يتطور ليحل محل المستورد، واستيراد ما سُمّي بالسلع الكمالية استمر رغم القيود والمنع الجزئي، والعملة المحلية استمرت في التدهور. وبعد أكثر من 10 سنوات من الفوضى والفساد، جرى التخلي عن تلك السياسات والاتجاه نحو تحرير الاستيراد. خلال سنوات الحرب، قرر البنك المركزي في عدن بيع الدولار بسعر ثابت ومنخفض لمستوردي بعض السلع الأساسية، بحجة حماية العملة المحلية وتوفير سلع رخيصة للمواطنين. لكن النتيجة كانت مغايرة: الريال واصل التدهور، والأسعار ظلت تُ...

هل من الاخلاقي أن نشمت بمقتل اعدائنا؟

  هل من الأخلاقي أن نشمت بمقتل أعدائنا؟ من الطبيعي أن يشعر الناس بالارتياح أو الفرح عند مقتل أعدائهم، أو أولئك الذين ألحقوا بهم أذى شخصيًا، أو حين يعتقدون أن في موت شخصٍ ما توقفًا للأذى الذي كان يصدر عنه في حياته. هذه المشاعر تكاد تكون سمة إنسانية عامة، مع وجود استثناءات نادرة. لكن هناك فارق جوهري بين أن نشعر بالفرح في داخلنا لمقتل من نظن أنه يستحق العقاب، وبين أن نُعلن هذا الفرح ونُظهر الشماتة على الملأ، كما يحدث اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي. فإظهار الفرح والشماتة لا يوجَّه إلى المقتول، إذ لم يعد يتأذى بشيء، بل يوجَّه ــ من حيث الأثر ــ إلى أهله وذويه. وهؤلاء قد لا يكونون جميعًا موافقين على سلوكه الذي أضرَّ بنا، بل ربما عارضه بعضهم أو اكتفى بالصمت حياله، وفي كل الأحوال فهم غير مسؤولين عن أفعاله، ولا يستحقون أن يُزاد على ألمهم ألم آخر. لذلك أقول لمن شمت وأعلن سعادته بمقتل رئيس وزراء حكومة الحوثيين وبعض وزرائه: فكّر في الأسر المكلومة التي تركها هؤلاء وراءهم. فهناك نساء ترمّلن، وأمهات ثكلى فقدن أبناءهن، وأطفال تيتموا. هؤلاء لا ذنب لهم، ولا يستحقون أن يُؤذَوا بمشاعر الشماتة العلني...

انهيار الدولة في اليمن؛ كارثة على الشعب وليلة قدر للنخبة

   انهيار الدولة في اليمن؛ كارثة على الشعب وليلة قدر للنخبة عبدالناصر المودع  ذكرت صحيفة واشنطن بوست في مارس 2022 أن خالد بايندا، آخر وزير مالية في الحكومة الأفغانية قبل سيطرة طالبان، يعمل سائقًا لشركة "أوبر" في العاصمة الأمريكية واشنطن. وفي مدينة لايبزغ الألمانية، أوردت عدة وسائل إعلام في أغسطس 2021 أن سيد سادات، وزير المواصلات الأفغاني الأسبق، يعمل في توصيل الطعام على دراجة هوائية. تكشف هذه الوقائع عن حجم المعاناة التي تواجه النخب السياسية حين تضطر إلى مغادرة بلدانها بسبب الحروب أو لأسباب أخرى؛ فإذا كان هذا هو حال من تولى منصب وزير، فكيف يكون حال بقية النخب الأفغانية ذات المكانة الأدنى؟ في اليمن "السعيد"، تبدو القصة معاكسة تمامًا. فالغالبية الساحقة من النخبة اليمنية* – وتحديدًا تلك التي صعدت وتضخمت كالبكتيريا بعد عامي 2011 و2015 – شهدت معيشتها ارتفاعًا صارخًا عقب انهيار وتفكك الدولة اليمنية. ويعود ذلك إلى عاملين أساسيين: طبيعة الدول المتدخلة في الشأن اليمني، وطبيعة الأزمة اليمنية نفسها.  فالدول الباحثة عن النفوذ والهيمنة، ذات الأطماع الواضحة في اليمن، هي من أغنى د...